شهد اليمن منذ نهاية نوفمبر 2025 تطورات عسكرية غير مسبوقة بعد أن أطلق المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، عملية “المستقبل الواعد” في وادي حضرموت ومحافظة المهرة شرقي البلاد.
ورغم أن المجلس الانتقالي الانفصالي هو أحد مكونات المجلس الرئاسي المعترف به دولياً، فقد اتخذ خطوة منفردة بإرسال الآلاف من قواته المدربة إماراتياً إلى المحافظات الشرقية والجنوبية التي يعتبرها جزءا من “دولته المستقبلية”.
وفي غضون أيام، تمكنت قواته، التي تعرف بالشرطة العسكرية والأحزمة الأمنية والقوات النخبوية الحضرمية، من السيطرة على مؤسسات الدولة والحقول النفطية والمطارات والمعابر الحدودية في تلك المحافظات مع سلطة مقاومة محدودة من الجانب الحكومي.
تسلسل الأحداث
- أواخر نوفمبر، سيطرت قوات “حلف قبائل حضرموت” الموالية للحكومة والمدعومة من السعودية على حقل نفطي ومساحات حول منشأة بترومسيلة، وعلّقت الإنتاج مطالبة بحصة أكبر من عائدات النفط.
- اتخذ المجلس الانتقالي الجنوبي هذا التحرك ذريعة للقول إن وادي حضرموت تحول إلى منصة لتهريب السلاح وإرسال إيرادات النفط إلى جهات لا تخدم الجنوب.
- أطلق المجلس الانفصالي مطلع ديسمبر، عملية “المستقبل الواعد” وتقدمت قوات النخبة الحضرمية التابعة له بسرعة، فسيطرت على عدة مدن ورفعت الأعلام الجنوبية على القصر الرئاسي في سيئون، وأعلنت “تحرير وادي حضرموت”.
- قوات “حلف قبائل حضرموت” حاولت التصدي للهجوم من مناطقها بينما لم يصدر ردّ عسكري فوري من القوات الحكومية المنتشرة هناك، ما سهّل للانتقالي تحقيق تقدم مع وقوع اشتباكات وسقوط قتلى من الجانبين.
- أرسلت الرياض وفدًا عسكريًا إلى المكلا عاصمة حضرموت، لإعادة الأمور إلى نصابها، وتوصل الجانبان في 3 ديسمبر إلى اتفاق تهدئة، يضمن استئناف الإمدادات النفطية ووقف التصعيد، لكن عادت المواجهات بعدها بيوم.
- بالتزامن مع السيطرة على حضرموت، تحركت وحدات المجلس الانتقالي إلى محافظة المهرة شرقي اليمن، وسيطرت على المطار والميناء والمعابر الحدودية ورفعت علم الجنوب الانفصالي فوق المباني الحكومية.
- لم تبدِ القوات الموالية للحكومة سوى مقاومة محدودة، وبعد أيام أعلن “الانتقالي” أن جميع المحافظات الجنوبية الثماني بما في ذلك عدن أصبحت تحت “حماية” قواته وأن الهدف هو توحيد مسرح العمليات وتعزيز الأمن والاستعداد لمواجهة الحوثيين إذا لزم الأمر.

نقاط قوة الانفصاليين مقارنة بالحكومة
التدريب والدعم العسكري
تعود جذور القوة العسكرية للمجلس الانتقالي إلى دعم الإمارات في الجانب المالي والعسكري والتدريبي.
- يمتلك معدات حديثة مثل مدافع الهاوتزر الصينية AH‑4
- تمكن من بناء منظومة استخباراتية فعالة
- درب مقاتليه على عمليات هجومية ونظم نقاط تفتيش وتحكم بالمدن
- يضم تشكيلات متعددة مثل قوات الحزام الأمني في عدن والنخبتين الحضرمية والشبوانية
في المقابل، تعتمد القوات الحكومية والموالية لها على ألوية عسكرية تابعة لوزارة الدفاع تدعمها السعودية، لكنها تعاني من ضعف التمويل والانقسام السياسي، كما تفتقر إلى معدات ثقيلة وتشكيلات نظامية موحدة.
وحدة القيادة مقابل التشتت الحكومي
رغم وجود فصائل متنوعة تحت مظلة “الانتقالي”، فإنه يمتلك قيادة سياسية وعسكرية متمثلة بهيئة رئاسة المجلس وأجهزته الأمنية، كما يستطيع فرض سيطرته بفضل تعيينه قيادات محلية موالية.
في المقابل، يفتقر الجيش الحكومي إلى هيكل قيادة موحد؛ إذ تضم “المنطقة العسكرية الأولى” وحدات مرتبطة بحزب الإصلاح، بينما تنتمي وحدات “درع الوطن” إلى السعودية، وتتبع ألوية العمالقة للمجلس الانتقالي أصلاً، مما يخلق ولاءات متضاربة.
كما تفتقد القوات الحكومية للسيطرة على القوات المتعددة التي تجمع الجبايات على الطرق وتنافس الدولة على الموارد.
الموارد المالية والسيطرة على الموانئ
يسيطر المجلس الانتقالي على ميناء عدن ومنشآت تصدير النفط في شبوة وحضرموت، ما يوفر له مصدراً مالياً مهماً.
إذ يجمع رسوم الموانئ والعوائد الجمركية التي كانت توفر 70٪ من إيرادات الحكومة؛ لكن الحصار الحوثي وتحويل خطوط الملاحة عبر ميناء الحديدة أثرا على تلك الإيرادات.
رغم ذلك، ظل الانتقالي يملك موارد أفضل من الحكومة التي تعتمد على دعم سعودي متغير. بالإضافة إلى ذلك، يوفر النفط في حضرموت نحو 80٪ من احتياطي اليمن، ما يمنح هذا المجلس الانفصالي ورقة ضغط كبيرة.
العمق المحلي والدعم القبلي
يستمد المجلس الانتقالي قوته من نزعته الانفصالية التي تجمع حوله أنصاراً من محافظات عدة، فقد نجح خلال السنوات الماضية باستقطاب جماهير واسعة عبر خطاب الانفصال ووعود تحسين الأمن في عدن.
في المقابل، فشلت الحكومة في تقديم خدمات أساسية، وأدى انقطاع الكهرباء وعدم دفع الرواتب إلى تآكل شعبيتها.
تعتمد الحكومة على دعم قبائل حضرموت والمهرة، لكنها أخفقت في توحيد هذه المكونات، كما أن بعض القبائل تعتبر القوات الحكومية “قوات شمالية” وتراها امتداداً لمليشيات أخرى، وهي انقسامات أعاقت قدرة الجيش الرسمي على حشد مقاومة فعالة.

عوامل ساهمت بتآكل نفوذ الحكومة
تفكك المؤسسات وانعدام الخدمات: التفكك ظهر في تقليص سلطات الوزارات وانتشار الفساد، وفشل الحكومة في دفع رواتب الموظفين وتوفير الكهرباء والمياه مما يغير ولاء السكان بحسب هوية من يسيطر على الموارد، وقد استغل الانتقالي ذلك لحشد التأييد.
الأزمة الاقتصادية وتدهور المعيشة: أدى توقف صادرات النفط وتراجع حركة الموانئ أخيرا إلى تقليص الإيرادات الحكومية مما فاقم من معاناة اليمن الذي يعاني أزمة اقتصادية خانقة، وهي ظروف دفعت مواطنين إلى دعم القوى القادرة على تأمين الخدمات حتى لو كان الثمن إعلان انفصال.
الانقسامات القبلية والصراع على الموارد: في حضرموت، يتنافس تحالف القبائل على إدارة الحقول النفطية ويطالب بسلطة محلية مستقلة، مما ساعد القوات الانفصالية على إيجاد حلفاء في بعض المناطق ومعارضين في مناطق أخرى، أدت إلى انحسار سلطة الحكومة وخلق فراغ أمني.
التهريب والجماعات المتطرفة: بررت قيادة المجلس الانتقالي عملية “المستقبل الواعد” بوجود تهريب للأسلحة والمخدرات عبر وادي حضرموت، وبأن المنطقة تحولت إلى ملاذ للتنظيمات المتطرفة مثل تنظيمي الدولة والقاعدة.
التنافس السعودي – الإماراتي: يعد أحد أهم العوامل في تآكل نفوذ الحكومة، إذ تفضل الرياض بقاء اليمن موحداً تحت حكومة ضعيفة قادرة على التفاوض مع الحوثيين، بينما تدعم أبوظبي مشروع انفصال الجنوب لضمان نفوذ طويل الأمد على موانئ عدن والمكلا وبير علي.
السيناريوهات والتبعات
إمكانية إعلان انفصال الجنوب: رجحت صحيفة الغارديان أن يدعو الانتقالي إلى استفتاء شعبي بدلاً من إعلان الدولة من جانب واحد، لاعتبارات سياسية وللحفاظ على دعم الإمارات والسعودية.
خطر مواجهة مع الحوثيين: يرى معهد سوفان في واشنطن أن سيطرة الانتقالي على حضرموت الغنية بالنفط تهدف لحرمان الحوثيين من مصادر تمويل، وربما تمهد لتحالفات مع “إسرائيل” أو أطراف أخرى ضد إيران، لكن قد يستغل الحوثيون الأمر لحشد الدعم بذريعة الدفاع عن وحدة اليمن.
تصاعد التوتر السعودي – الإماراتي: أبرزت التطورات الأخيرة حجم الخلاف بين الرياض وأبوظبي، في تنافس قد يتطور إلى صدام غير مباشر عبر وكلائهما المحليين، أو قد يدفع الطرفين إلى إعادة ترتيب تفاهمات جديدة لتوزيع النفوذ.
فوضى محلية: سيطرة الانتقالي أحدثت فراغاً إدارياً في حضرموت والمهرة، مع تقارير أكدت أن قطع الكهرباء وانهيار الخدمات بعد العملية الأخيرة أثار مخاوف من نزوح جماعي، بسبب تصاعد الخطاب المناطقي وبروز بوادر انقسام مجتمعي يمكن أن يتفاقم مع غياب الحل السياسي.
”صوملة” اليمن: تتخوف بعض الجهات من أن يؤدي التشرذم الحالي إلى ما يشبه السيناريو الصومالي، خاصة أن مليشيات المجلس الانتقالي غالباً ما تعمل بصورة مستقلة، ولا تخضع لقيادة موحدة، وتجمع إتاوات في نقاط التفتيش وتتنافس على الموارد، ما يهدد بانفلات أمني.