ترجمة وتحرير: نون بوست
في مشهد شهير من فيلم “كازابلانكا” الكلاسيكي الذي يعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية، يأمر قائد الشرطة الفاسد لويس رينو بإغلاق مقهى “ريك” بحجة أنه كان يعمل فعليًا ككازينو. ويعلن رينو، الذي كان يمارس القمار بنفسه داخل المقهى، بصوت مرتفع أنه “مصدوم، مصدوم عندما اكتشف أن القمار يُلعب هنا”، وذلك قبل لحظات من أن يسلمه الموزّع أرباحه التي يتقبلها بامتنان.
وفي الشهر الماضي، أعقب محادثة ودّية مطوّلة بين المعلّق اليميني المتطرف تاكر كارلسون والناشط المؤيد لهتلر نيك فوينتس، ظهور فريق كامل من “لويس رينو” عبر وسائل الإعلام والمحافل المحافظة ليعبّر عن غضبه من الظهور المفاجئ لمعاداة السامية داخل صفوفهم. وما إن بُثّت المقابلة حتى بدأ عدد من المحافظين بالضغط على مؤسسة “هيريتدج” – مركز الأبحاث المرتبط بترامب والجهة التي تقف وراء المخطط الاستبدادي “بروجيكت 2025” ونسخته الفرعية “بروجيكت إستير” المناهضة لمعاداة السامية – لقطع علاقتها الوثيقة الممتدة مع كارلسون.
وترجع هذه الانتقادات جزئيًا إلى حقيقة أن منصة كارلسون المعادية للسامية لم تكن مصحوبة بالمشاعر المؤيدة لإسرائيل الذي اعتادت عليه التيارات اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة والعالم لتغطية نزعتها المعادية لليهود. في الواقع، خصص كارلسون جزءًا كبيرًا من مقابلته مع فوينتس لانتقاد إسرائيل واعتمادها على الدعم الأمريكي، إضافة إلى انتقاد المسيحيين الصهاينة.
بعد عدة أيام من الضغط، نشر رئيس مؤسسة “هيريتدج” كيفن روبرتس مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي انتقد فيه “التحالف السام” الذي يهاجم كارلسون، وكأنه لم يكتفِ بذلك، إذ وجّه توبيخًا متعجرفًا إلى “الطبقة العولمية … [و] أبواقها في واشنطن.”
وتبع ذلك مزيد من الفوضى: فقد هدد أعضاء التحالف العاملون على مشروع “إستير” بالاستقالة أو الانسحاب كليًا، وتمت إعادة توزيع موظفي “هيريتدج”، وقدم روبرتس اعتذارًا، وتسرب مقطع فيديو لاجتماع داخلي لتهدئة الأجواء إلى وسائل الإعلام، واستقال أعضاء بارزون وقدامى من المؤسسة، وانفصلت “القوة الوطنية لمكافحة معاداة السامية” التي كانت قد أعدّت مشروع “إستير” عن المؤسسة، فيما أطلق الجمهوريون من تيد كروز إلى جوش هاولي وصولًا إلى ميتش ماكونيل جرس الإنذار بشأن معاداة السامية داخل تيارهم السياسي.

فجأة، وجد الحزب الذي سعى إلى احتكار الدفاع عن اليهود، بشكل أساسي من خلال البرنامج المؤيد لإسرائيل في أجندته، ومركز الأبحاث الذي قدّم نفسه باعتباره في طليعة المواجهة ضد معاداة السامية، نفسيهما في حالة ارتباك وهما يحاولان التعامل مع تداعيات علنية للغاية ناجمة عن التعصب المعادي لليهود داخل صفوفهما.
وكما فعل رينو حين حاول إغلاق عملية القمار والتي كان قد استفاد منها شخصيًا، فإن كثيرًا من صيحات “الاتهام” الجماعية الصادرة عن اليمين تأتي من أعضاء الحزب الجمهوري والمؤسسة الأوسع المرتبطة بحركة “ماغا”، الذين أمضوا الجزء الأكبر من العقد الماضي يراهنون على حركة سياسية مشبعة بمعاداة السامية ويدعمونها من أجل تعزيز مسيرتهم المهنية. وبغض النظر عن الجوانب الأكثر وضوحًا في مقارنة “كازابلانكا” (فـ “رينو”، في نهاية المطاف، كان ينفذ أوامر ضابط نازي)، من الصعب تخيّل تمثيل أدق لنفاق اليمين المتطرف الجريء بشأن معاداة السامية.
ولعل المثال الأكثر وضوحًا هو رد الفعل الفاتر في عام 2022، حين تناول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العشاء مع فوينتس وكانييه ويست في مارالاغو؛ إذ زعم ترامب أنه لا يعرف من هو فوينتس وقال إنه كان مجرد مرافق لويست الذي دعاه ترامب بنفسه. ورغم أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين انتقدوا الحادثة، فإن آخرين قلّلوا من شأنها، فيما اختار البعض الآخر التزام الصمت. وقد رفض ترامب آنذاك التبرؤ من آراء فوينتس، وفشل مرة أخرى في القيام بذلك عندما سُئل عن مقابلة كارلسون فوينتس، التي دافع عنها.
ومع الأخذ في الاعتبار الكم الهائل من الوقت والجهد والمال الذي أنفقه اليمين الأمريكي لإقناعنا بالتزامه الحقيقي بمكافحة معاداة السامية، فإن من المفيد – في أعقاب هذه الفضيحة – توضيح سبب خطورة هذا الادعاء الأخلاقي المزعوم بقدر ما هو زائف. فقد قام الجمهوريون وحلفاؤهم بإضفاء الطابع السائد على معاداة السامية اليمينية المتطرفة مع التقليل المنهجي من شأنها. وفي الوقت نفسه، صوّروا التحيز ضد اليهود على أنه مشكلة يسارية بحتة لتغذية أجندة اضطهادية استبدادية.
محاسبة الحزب الجمهوري بشأن معاداة السامية
ليس سرًا أنه خلال معظم عقد ترامب وحركة “العمل من أجل جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” “ماغا” الماضي، قام الحزب الجمهوري بإضفاء الطابع السائد على شكل واضح من معاداة السامية. ولا تتسع المساحة هنا لإجراء جرد كامل لهذه العملية، لكن يمكن ذكر قائمة جزئية تشمل الترويج لنظريات المؤامرة حول جورج سوروس و”النخب العالمية”، واستخدام صور دعائية تحمل دلالات معادية لليهود، وإدخال قوميين بيض متشدّدين إلى الحكومة الفيدرالية، إضافة إلى مغازلة علنية لتحية الذراع الممدودة.

في قلب كل ذلك يقف ترامب نفسه، الذي يمتلك تاريخًا طويلًا من التصريحات المعادية للسامية، وقد شجّع باستمرار العناصر الفاشية داخل قاعدته الشعبية وإدارته. إن حقيقة أن معاداة ترامب للسامية ليست في جوهرها مسألة أيديولوجية سياسية راسخة (كما وصف الكاتب م. غيسن، إذ يرى ترامب اليهود ببساطة على أنهم “كائنات غريبة يربطهم بدولة إسرائيل … [وهم] في آن واحد مثيرون للاشمئزاز وجديرون بنوع من الإعجاب”) هي، عمليًا، أمر ثانوي. فقد أعادت أسلوبه السياسي كل أشكال التحيز الممكنة إلى الواجهة، بما في ذلك معاداة السامية، فيما سمح حزبه بحدوث ذلك، مع استثناءات قليلة جدًا تؤكد القاعدة.
وعندما يصرّح زعيم جمهوري بارز مثل السيناتور تيد كروز، كما فعل عقب الضجة التي أثارتها مقابلة كارلسون فوينتس، بأنه “شهد المزيد من معاداة السامية في صفوف اليمين” خلال الأشهر الستة الماضية أكثر من أي وقت مضى، فقد يكون محقًا: فمعاداة السامية اليمينية تزداد سوءًا منذ عقد مضى ولا تزال تتفاقم. لكن مثل هذه التصريحات تكشف إلى أي حد تجاهل هو وبقية حزبه الطرق التي من خلالها حفّز ترامب وحركته السياسية اليمين المتطرف المعادي لليهود ومكّناه. (ومن الجدير بالذكر أن رفض كروز لكارلسون كان أيضًا شخصيًا: إذ كان هو نفسه قد تعرّض لاستجواب قاسٍ من كارلسون في الصيف، وهو النوع الذي امتنع كارلسون عن توجيهه لفوينتس).
وهذا هو نفسه كروز الذي عيّن الناشط المناهض للإجهاض تروي نيومان – الذي كتب عن “ذنب الدم اليهودي المرتبط بقتل المسيح” – في حملته الرئاسية لعام 2016، وقد أثيرت تكهنات، أنكرها كروز، بأنه تعاون مجددًا مع نيومان في حملته لإعادة انتخابه لمجلس الشيوخ عام 2024. وهو أيضًا نفسه جوش هاولي الذي أعلن في نوفمبر/ تشرين الثاني أنه “لا مكان” داخل الحركة المحافظة لـ”كراهية معاداة السامية أو الصور النمطية أو أي من تلك الأمور”، حتى وهو يهاجم “النخب الكوزموبوليتية”، وفي عام 2024، تفاخر علنًا بصداقته مع لاعب كرة قدم تعرّض لانتقادات بسبب خطاب تخرج تحريضي متعصب تضمّن الصورة النمطية المعادية لليهود المتعلقة بقتل المسيح.
والآن، فإن الطبيعة العلنية للغاية للانقسام حول تاكر كارلسون – الذي كان نفسه متسائلًا بشأن معاداة السامية منذ فترة، وتحدث في تجمع كبير للحزب الجمهوري في نيويورك قبل انتخابات 2024 – أجبرت الحزب الجمهوري ومنظومته الأوسع على قول شيء أخيرًا بشأن معاداة السامية في صفوف اليمين. لكن هذا ليس اعترافًا بالذنب: فالحزب الجمهوري أبرم صفقة مع الشيطان تهدف إلى ترسيخ السلطة على المدى الطويل، وها هي العواقب تعود لتطارده.
الدفع الاستبدادي
لقد تزامن مع قيام الحزب الجمهوري إضفاء الطابع السائد على معاداة السامية اليمينية خلال العقد الماضي دوره المحوري في بناء جهاز قانوني وخطابي صُمم لتقديم التعصب ضد اليهود على أنه مشكلة تكاد تكون حصرية لدى اليسار، وأنها في الغالب تتعلق بانتقادات إسرائيل والصهيونية.
ويجب القول إن هذه العملية تسبق ترامب بوقت طويل؛ فقد شهدنا أكثر من نصف قرن من الجهود لإعادة تعريف معاداة السامية بهدف حماية إسرائيل من النقد وقمع الدعوة الفلسطينية. ولم يقتصر هذا المسعى على اليمين، إذ لعب الفاعلون الوسطيون دورًا رئيسيًّا أيضًا، بما في ذلك تيارات كبيرة من الحزب الديمقراطي.

ومع ذلك، فقد تصدّر اليمين المتطرف — من الحزب الجمهوري إلى شبكة كثيفة من جماعات الضغط المسيحية واليهودية القانونية والسياسية — تسريع هذا الدفع خلال العقد الماضي. إذ أثبت جعل مكافحة معاداة السامية تدور أساسًا حول الدفاع عن إسرائيل أنه وسيلة فعّالة للغاية لتقدم أفكار مختلفة من الأجندة اليمينية: من مهاجمة التعليم العالي، إلى استهداف الهجرة والمهاجرين، وصولًا إلى محاولة تجريم شرائح من اليسار باعتبارهم متعاطفين مع الإرهاب.
وقد تصاعدت هذه الحملة بشكل كبير عقب السابع من أكتوبر/تشرين الأول وما تلاه من إبادة جماعية إسرائيلية في غزة، لتتوج بمشروع “إستير”، المخطط المناهض للديمقراطية الذي نُشر في أكتوبر/تشرين الأول 2024، والذي يُعد أوضح تعبير حتى الآن عن محاولة اليمين لاستغلال معركة زائفة ضد معاداة السامية من أجل تعزيز السلطوية، كما أن هذا المخطط يضع اليهود فعليًا في واجهة ذلك السلطوية، وهو ربما ليس أفضل وسيلة لمكافحة التحيز ضد اليهود.
وأثناء صياغة مشروع “إستير”، اختار واضعوه صراحة عدم معالجة معاداة السامية اليمينية. لكن الآن، ومع وجود شريحة كبيرة من اليمين تجمع بين معاداة السامية والسياسات المناهضة لإسرائيل، قررت القوة نفسها — بعد سلسلة من الاستقالات المرتبطة بتداعيات مقابلة كارلسون وفوينتس — الانفصال عن مؤسسة “هيريتدج” (ربما بشكل مؤقت فقط) والتعهد بمواجهة معاداة السامية في صفوف اليمين أيضًا.
وقد دشّنت هذه القوة تعهدها الجديد بمؤتمر عُقد في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني بواشنطن العاصمة، اتسم بكثافة الحضور المسيحي، وضعف المساءلة والحلول، وشارك فيه على الأقل أحد الحاضرين الذين روّجوا لنظريات مشفّرة بمعاداة السامية حول “مؤامرة يسارية”. ولم يُعرف بعد ما إذا كان سيوصي بتطبيق أدوات قوانين مكافحة الإرهاب والترحيل على معاداة السامية اليمينية، كما تم الاقتراح في المخطط الأصلي ضد أعضاء مزعومين في “شبكة دعم حماس”.
وعلى الرغم من قلقهم المفاجئ بشأن معاداة السامية في صفوف اليمين، فإن شبح مجتمع يهودي محاصر أساسًا من قبل اليسار لا تزال قضية يواصل الجمهوريون وحلفاؤهم إثارتها. وحتى مع إدانة السيناتور كروز وهاولي وآخرين لأمثال فوينتس وكارلسون، فإنهم يستمرون في تصوير الحزب الديمقراطي على أنه “حزب معاداة السامية”، محذرين الجمهوريين من أن ينتهي بهم الأمر بالطريقة نفسها.
وكما هو الحال في كثير من سياساتهم؛ يصف الجمهوريون واقعًا بديلًا يكون فيه الأعلى أسفل، واليسار يمينًا، والحزب السياسي الذي يحظى بدعم أكثر من 70 في المئة من اليهود الأميركيين هو البؤرة الحقيقية لمعاداة السامية. ويعكس هذا الإطار مدى تعقيد وتشوش النقاشات العامة حول معاداة السامية ومعاداة الصهيونية، وهو الأمر الذي تم أساسًا — ولكن ليس فقط — بسبب الجهد الطويل لجعل الاثنين مترادفين وغير قابلين للتمييز.
تقديم إسرائيل على سلامة اليهود
وفي كل ذلك، لا يمكن تجاهل دور المؤسسات اليهودية الأميركية التقليدية؛ فقد أدى استثمارها العميق في الدفاع عن إسرائيل – خاصة بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول – إلى لحظة فاصلة. وحتى بعد عامين من الدمار والمجاعة في غزة، ومع وصول اليمين الأميركي المتطرف إلى مستويات جديدة من القسوة والتجاوز السلطوي، فشلت هذه المؤسسات في معارضة هذا التجاوز السلطوي بشكل ثابت وحازم، وذلك – إلى حد كبير – في محاولة لتجنيب مرتكبي القسوة.
لقد انحازت المنظمات اليهودية السائدة فعليًا إلى اليمين المتطرف (الذي كان حتى وقت قريب مؤيدًا لإسرائيل بشكل شبه موحّد). وقد نتج عن ذلك مشاهد غريبة ومقلقة، حيث تبدو مجموعات تزعم أنها معنية بسلامة اليهود غير متأكدة من كيفية صياغة رد متماسك، فضلاً عن أن يكون شجاعًا، على معاداة السامية بأسلوب ثلاثينيات القرن الماضي التي أعادها ترامب وأتباعه.
ولا تجسد أي منظمة هذا أكثر من رابطة مكافحة التشهير (ADL). فبعد أن تأسست لمكافحة معاداة السامية، وجدت نفسها الآن تتخبّط في سرير بروكرست الذي صنعته بنفسها؛ بدءًا من موقفها المرتبك تجاه تحية إيلون ماسك بالذراع الممدودة في يناير/كانون الثاني، وإزالتها مؤخرًا قاعدة بيانات “مسرد التطرف” وقسم “حماية الحقوق المدنية” من موقعها الإلكتروني عقب انتقادات يمينية، وصولًا إلى الاتجاه طويل الأمد نحو إغلاق برامج معينة، مثل جناح رئيسي من عملها في التعليم ضد التحيز، لإرضاء اليمين.

إن ردود رابطة مكافحة التشهير (ADL) المتذبذبة، وغالبًا — وإن لم يكن دائمًا — المراوغة والمترددة في إدانة معاداة السامية داخل منظومة الحزب الجمهوري، تميل إلى تبدو باهتة مقارنة بردودها السريعة على السياسيين التقدميين الذين يدينون انتهاكات إسرائيل. ويُعد ردها العدواني على فوز رئيس بلدية نيويورك المنتخب، زهران ممداني، مثالًا واضحًا: ففي صباح اليوم التالي للانتخابات، أعلنت الرابطة إطلاق مشروع “مراقبة ممداني”، وهو مشروع لتتبع سياسات وتعيينات عمدة قادم تعهّد مرارًا بإدانة معاداة السامية ومحاربتها.
وعلى عكس منافسه الرئيسي، لم يُنسب إلى ممداني أنه وصف اليهود المحتفلين بعيد ديني كبير بأنهم “هؤلاء الناس وأكواخهم اللعينة”، ولم يُعرف عنه أنه دخّن السيجار مع أحد صانعي المحتوى المعادين لليهود والمقرّبين من فوينتس ويي، كما فعل منافسه الذي سيصبح سلفه قريبًا. إن السبب وراء استهداف الرابطة لممداني هو أنه تحدث بقوة عن اضطهاد إسرائيل للفلسطينيين — وبواقعية، لأنه فعل ذلك بصفته مسلمًا — ما جعله في مرمى نيرانها.
ومع استمرار تدفق معاداة السامية اليمينية إلى العلن، يجدر التذكير بكم الجهد الذي بذلته المنظومة الجمهورية لإنكارها والتقليل من شأنها وصرف الأنظار عنها في محاولة لدفع أجندتها القمعية، وبمدى استعداد المؤسسات اليهودية الأميركية التقليدية لمجاراة ذلك.
نهاية الإنكار الممكن
إن الفضيحة المحيطة بمقابلة كارلسون – فوينتس وتداعياتها تتعلق – في نهاية المطاف – بما هو أبعد بكثير من معاداة السامية واليهود الأميركيين؛ فهي تكشف بشكل جوهري طبيعة الكيان الذي يمثله الحزب الجمهوري وتسلط الضوء على القوى المظلمة التي حشدها وشجعها خلال العقد الماضي. وهذا، بقدر أي شيء آخر، يخبرنا بكل ما نحتاج إلى معرفته عن الحزب الجمهوري المعاصر: فأي التزام من أعضائه وداعميه بمواجهة معاداة السامية داخل صفوفهم، في الوقت نفسه الذي يشنون فيه هجومًا قوميًا مسيحيًا على حقوق مجموعات أقلية أخرى، لا ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد.
وفي الواقع؛ فإن الشخصيات العامة في صفوف اليمين التي أدانت كارلسون وفوينتس ومؤسسة “هيريتدج” لديها سجل طويل من الخطاب العدائي الصريح ضد المسلمين والمتحولين جنسيًا والمهاجرين واليسار، ومن دفع سياسات وعناوين خطاب تغذيها العنصرية ضد السود وكراهية النساء والتمييز ضد ذوي الإعاقة وازدراء الفقراء العاملين. وفي الوقت نفسه، فهي جزء أساسي من مشروع أكبر يهدف إلى الاستحواذ على الديمقراطية أو تفكيكها، وكذلك الاستحواذ على الثقافة والتعليم والقانون.
في الظروف الطبيعية، كان من شأن قضية “هيريتدج – كارلسون – فوينتس” أن تضع حدًا نهائيًا للفكرة الخاطئة بأن سلامة اليهود تكمن في أحضان اليمين. كما كان ينبغي أن تؤكد على الفرضية — التي أصبحت أقل رواجًا بين المؤسسات اليهودية الأميركية التقليدية — بأن تلك السلامة تُوجد في تحالفات العدالة الاجتماعية التي تكافح أشكالًا أخرى من العنصرية إلى جانب معاداة السامية؛ لكن حتى الآن، تجاهلت المنظمات اليهودية الأميركية السائدة بشكل حازم – وقللت من شأن وهاجمت – أولئك الذين دقّوا ناقوس الخطر لسنوات بشأن مشكلة معاداة السامية في صفوف اليمين، والتهديد الذي تشكّله على اليهود وكذلك على من يضطهدهم اليمين باسم حماية اليهود، حتى وإن وضعهم ذلك في تحالف مع معسكر سياسي خبيث يربط التوجهات السلطوية بسلامة اليهود، وهو ما يشكّل تهديدًا لليهود في كل مكان.
ربما، الآن بعدما بدأ الشركاء الذين اختارتهم المؤسسات اليهودية الأميركية لمواجهة معاداة السامية يعترفون (ولو بشكل غير صادق) بأن مجموعات كبيرة من مناصريهم مشبعين بكراهية اليهود، ستصغي هذه المجموعات التقليدية أخيرًا؛ أو ربما ستظل راضية بأن تكون مجرد استثناءات عرضية من حرب الحزب الجمهوري الشاملة على الأقليات، خاصة في ظل الفرصة الراهنة للبقاء في منطقة مألوفة والتكتل حول فكرة اعتبار ممداني “عدوًا” للشعب اليهودي.
وفي كلتا الحالتين، فقد انتهى بشكل حاسم عصر الإنكار الممكن أو التفكير الرغائبي بشأن مشكلة معاداة السامية لدى اليمين الأميركي السائد. إذ تبيّن أن الخضوع لحكم سلطويين وقوميين بيض ليس أمرًا جيدًا لليهود، ولا لأي أحد آخر.
المصدر: +972