بعد عامين من تحويل معظم سفن الحاويات والناقلات طريقها إلى رأس الرجاء الصالح هرباً من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، بدأت إشارات تهدئة نسبية أواخر عام 2025 تدفع بعض الشركات إلى تجربة العودة إلى قناة السويس المصرية.
تُمثِّل قناة السويس والبحر الأحمر شرياناً حيوياً للتجارة العالمية، لكن طريق العودة إلى الوضع الطبيعي ما زال محفوفاً بالمخاطر ومعبَّداً بالتكاليف مع احتمال حدوث اختناقات وفوضى في السوق إذا عاد الجميع في وقت واحد. وبالتالي، ليس السؤال هل ستعود الحركة إلى البحر الأحمر وقناة السويس، بل متى وكيف وبأي شروط؟
أبرز أرقام الأزمة
-
حجم الانسحاب: تمثل قناة السويس والبحر الأحمر نحو 12–15 % من التجارة العالمية، ومع تصاعد هجمات الحوثيين في اليمن من نوفمبر 2023 إلى منتصف 2025 التي تجاوزت 190 هجوماً، تراجعت حركة الحاويات عبر القناة بنسبة 90 % بحلول أوائل 2025 مقارنة بمطلع 2023.
-
زيادة زمن الرحلات وكلفة الوقود: اضطرت الخطوط إلى الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح جنوب غربي دولة جنوب إفريقيا، مما أضاف 10–15 يوماً إلى الرحلات بين آسيا وأوروبا وزاد استهلاك الوقود بنحو 40 %، كما أدى المسار الأطول إلى ارتفاع أسعار الشحن خمس مرات في 2024.
-
أقساط التأمين والتهديدات المتطورة: سجّل التأمين البحري في لندن قفزة من أقل من 0.1 % من قيمة السفينة إلى 0.7–1 % منتصف 2025، ما يعني نحو 360 ألف دولار إضافية على كل رحلة لناقلة خام كبيرة.
-
تأثيرات اقتصادية على مصر: تراجع دخل قناة السويس عام 2024 بأكثر من 50 %، إذ انخفضت تدفقات النفط والمنتجات النفطية إلى نحو 3.9 مليون برميل/يوم، مقابل 7.9 مليون في 2023. وقال رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي إن عائدات القناة انخفضت بأكثر من 7 مليارات دولار بسبب التهديدات.
بدايات العودة ودوافعها
-
هدوء نسبي: مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتوقف هجمات الحوثيين على السفن، سجلت المنظمة البحرية الدولية عبور 28 سفينة يومياً عبر باب المندب مقابل أكثر من 70 سفينة قبل الأزمة. وبحلول أكتوبر 2025، ارتفعت إيرادات قناة السويس بنسبة 14.2 % على أساس سنوي مع عودة 229 سفينة للعبور في نفس الشهر، وهو أعلى رقم شهري منذ الأزمة.
-
الخطوط التي اختبرت العودة: أعلنت CMA CGM (شركة شحن بحري عالمية مقرها فرنسا)، عزمها تشغيل خدمة INDAMEX عبر قناة السويس، حيث ستنطلق سفينة CMA CGM Verdi من كراتشي إلى نيويورك في 15 يناير 2026، وهي أول سفينة ضخمة (17 ألف حاوية) ستعبر الممر منذ عامين.
-
تجاوب حذر من شركات أخرى: رغم تفاؤل بعض الهيئات، لم تعلن كل من Maersk وHapag-Lloyd العالميتين للشحن، جدولاً زمنياً واضحاً للعودة، فيما قالت شركة Zim الإسرائيلية إنها تنتظر موافقة شركات التأمين قبل استئناف العبور، كما نفت ميرسك احتمالات عودتها بسرعة، مؤكدة أن سلامة الطواقم تأتي أولاً.

أسباب العزوف عن العودة السريعة
-
مخاطر مرتفعة: تعتمد الشركات في خطواتها المرتقبة على تقييم القدرة والنية لدى الحوثيين على تنفيذ هجمات جديدة. وتشير مجموعة Xeneta ((منصّة بيانات لأسعار الشحن والعقود) إلى أن شركات الشحن لن تعود بناءً على تصريحات وقف الهجمات فقط وأنها تحتاج إلى “دليل ملموس” وضمانات من شركات التأمين، مبينة أن غياب الثقة يجعل العودة الكاملة بعيدة.
- تحفظ شركات التأمين: ترفض شركات التأمين تحمل المسؤولية حاليا، خاصة أن سوق التأمين البحري أصبح أكثر خبرة في تحديد المستهدفين؛ فالسفن ذات الصلة بـ”إسرائيل” أو المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة تتحمل تكلفة أعلى. وترى شركة Howden Insurance العالمية للتأمين أن تسعير المخاطر قد يبقى مرتفعاً لسنوات وأن نقل النفط مباشرة عبر البحر الأحمر سيستغرق “فصولاً” لا أسابيع.
-
ضغوط السوق الداخلية: أشار الرئيس التنفيذي لشركة Zim إلى أن العودة ستزيد من إمدادات سفن الحاويات في الوقت الذي يعاني فيه السوق من وفرة في الطلبات الجديدة؛ إذ تمثل السفن تحت الطلب حوالي 31 % من الأسطول العالمي، ما قد يضغط على الأسعار.
-
التحالفات والشبكات الجديدة: ذكرت شركة ING (للخدمات المالية – هولندا) أنّ تحالف Gemini Alliance بين Maersk وHapag-Lloyd للشحن، يهدف لتحقيق موثوقية وصول بنسبة 90 %، ولذلك لن يخاطر بإعادة تغيير الشبكات ما لم يكن الاستقرار طويل الأجل مؤكداً.
أثر العودة على السوق وأسعار الشحن
-
زيادة الطاقة الفائضة: يشير محللو Xeneta إلى أن عودة سريعة قد تضيف 20–30 % من السعة في مسارات آسيا–أوروبا، مع إلغاء تأثير المسافة الأطول عبر رأس الرجاء الصالح. وفي الوقت ذاته تضخم الأسطول العالمي 10 % في 2024 مع توقع نمو آخر بنسبة 6 % في 2025، وبالتالي قد يصبح المعروض أكثر من الطلب ويمكن أن يتراجع معدل الشحن الفوري بشكل حاد من 1,744 دولار/حاوية أربعين قدماً إلى مستويات ما قبل الأزمة.
-
احتمال ارتفاع مؤقت ثم انخفاض: يتوقع تقرير لمنصة AJOT الأمريكية المتخصصة في أخبار النقل والتجارة واللوجستيات، عودة القدرة الاستيعابية الكبيرة للسوق إلى ظهور اختناقات جديدة في الموانئ الأوروبية، ما قد يرفع الأسعار مؤقتاً، لكن بمجرد استقرار الجداول سيؤدي فائض السعة إلى هبوط معدلات الشحن.
سيناريوهات 2026
-
احتمال عودة تدريجية: يعتقد الخبراء أن تبدأ بعض الخطوط بالعودة في ديسمبر 2025 أو مطلع 2026 إذا تواصل الهدوء، لكن العودة الكاملة قد تتطلب حتى نهاية 2026، ويشبّهون الوضع بجسر تم ترميمه جزئياً؛ إذ ينتظر السائقون عادة فترة للتأكد من متانته قبل العبور.
-
استمرار الحذر ورفع الأقساط: ترى شركة Kpler لبيانات وتحليلات التجارة العالمية أن وقف الهجمات لا يكفي؛ فالتصعيد قد يُستأنف بسرعة بدون اتفاق سياسي أوسع، وحذر التأمين سيظل قائماً. كذلك، إذا عادت الهجمات، فإن شركات التأمين قد ترفع الأقساط مجدداً وتعيد تصنيف المنطقة ضمن أعلى درجات المخاطر.
-
إفشال خطط الاحتباس الحراري: ينصح خبراء لوجستيات بأن تأخذ العودة التدريجية في الاعتبار أهداف خفض الانبعاثات، إذ أدت الطرق الأطول عبر رأس الرجاء إلى زيادة الانبعاثات بنسبة 40 %. فالعودة السريعة يمكن أن تُفشل خطط المنظمة البحرية الدولية لخفض الانبعاثات، في حين تسمح العودة التدريجية بتبني الوقود البديل وتطوير البنى التحتية الخضراء.