قبل أيام احتفل السوريون لأول مرة بعيد التحرير الوطني، في الذكرى الأولى لإسقاط نظام بشار الأسد المخلوع وهروبه إلى موسكو، فطوت البلاد خلال عملية عسكرية خاطفة استمرت لـ11 يومًا عقودًا من حكم البعث وعائلة الأسد في وقت واحد، ليتبع التحرير عام غني بالأحداث والتطورات على المستويين الداخلي والخارجي، وعلى مختلف الأصعدة، السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، لكن التطورات لم تأخذ بمجملها منحى إيجابيًا إذ تعرضت البلاد لمنغصات لم تكن مأمولة لشعب خارج للتو من ثورة طويلة استمرت لنحو 14 عامًا، كما أنها جاءت مخالفة لتطلعات الحكومة الناشئة التي تسابق الوقت لكنس موروث الاستبداد والفساد الاقتصادي والترهل الإداري والدمار الذي شكّل تركة ثقيلة من نظام الأسد لمن يتولى دفة الحكم والقيادة في سوريا الجديدة.
بداية مبشرة للجميع
بالعودة إلى المحطات المفصلية الأشد بروزًا وتأثيرًا في سوريا خلال العام الماضي، وفي اليوم التالي لتحرير سوريا ووصول الثوار إلى دمشق، جرى تكليف محمد البشير (كان رئيسًا لحكومة الإنقاذ في إدلب) بتشكيل حكومة سورية جديدة خلفًا لحكومة محمد غازي الجلالي، آخر حكومة في عهد بشار الأسد، كما اجتمعت الفصائل العسكرية الثورية المشاركة في عملية “ردع العدوان” في 29 من كانون الثاني، وألغت العمل بدستور عام 2012 وأوقفت جميع القوانين الاستثنائية وحلّت مجلس الشعب واللجان المنبثقة عنه.
كما حلّت جيش النظام المخلوع معلنة إعادة بناء جيش جديد على أسس وطنية، بالإضافة إلى حل الأجهزة الأمنية بفروعها وتسمياتها المختلفة والميليشيات المتفرعة عنها، وحل حزب البعث وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وحظر إعادة تشكيلها بأي مسمى آخر، وخلال اجتماع الفصائل المنتصرة الذي انعقد في القصر الجمهوري حينها، جرى إعلان حل كل الفصائل العسكرية والأجسام الثورية السياسية والدولية ودمجها في مؤسسات الدولة، وتمت تولية أحمد الشرع رئاسة الجمهورية خلال الفترة الانتقالية.
تبع هذه الخطوة في اليوم التالي زيارة أمير قطر، تميم بن حمد، إلى دمشق، ليكون أول زعيم عربي يزور سوريا بعد تولية الشرع منصب الرئاسة، بينما افتتح الشرع زياراته الخارجية في الثاني من شباط الماضي بزيارة إلى المملكة العربية السعودية، لتشكل الزيارتان مؤشرًا على احتضان عربي آخذ بالتوسع للحكم الجديد في سوريا، إذ تتابعت لاحقًا الزيارات من وإلى دمشق، لتحمل الطائرات وفودًا دبلوماسية ورسائل سياسية من مختلف الأطراف بما يعكس حالة إجماع نسبي على أهمية إنجاح التجربة السورية وطي صفحة المعاناة، وصولًا إلى خطاب الرئيس أحمد الشرع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك والذي كان بمثابة تعريف رسمي موجه للعالم بسوريا الجديدة وأولوياتها الأشد إلحاحًا والتي تتمثل بالتنمية وبناء اقتصاد جديد وعدم تشكيل تهديد لأي دولة أو جهة في العالم.
أمير قطر يغرّد بعد اللقاء مع الرئيس السوري في الدوحة: نعمل معاً من أجل الارتقاء بها إلى المستوى المأمول الذي يخدم المصالح المشتركة للبلدين، آملين أن يسهم ذلك في تحقيق تطلعات الشعب السوري الشقيق في الاستقرار والازدهار والتنمية.#أحمد_الشرع #تميم_بن_حمد_آل_ثاني #قطر #سوريا pic.twitter.com/EnUbqELfWe
— نون سوريا (@NoonPostSY) April 15, 2025
هذه التحركات في السياسة الخارجية ترافقت مع إجراءات داخلية ومحلية، كان منها في نهاية آذار الماضي تشكيل حكومة جديدة ألغى الشرع فيها منصب رئيس الوزراء، مؤكدًا أنها تمثل إرادة مشتركة لبناء سوريا جديدة، وأن أولوياتها تنصب في إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس المساءلة والشفافية، ما مهد لفتح الباب أمام الاستثمارات العربية وتوقيع اتفاقيات تعاون على مستويات إقليمية ودولية في مجالات اقتصادية وحيوية، ومنها اتفاقية بين الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في الجمهورية العربية السورية وشركة “CMA CGM” الفرنسية، في 1 من أيار الماضي، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية استراتيجية بقيمة استثمارية تبلغ 800 مليون دولار بين الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، وشركة موانئ دبي العالمية، لاستثمار وتشغيل وتوسعة وإدارة ميناء طرطوس، وتطوير بنيته التشغيلية واللوجستية بما يتوافق مع المعايير الدولية، وذلك في 13 من تموز الماضي، كما جرى توقيع اتفاقيات لتنفيذ مشاريع استثمارية استراتيجية في عدة محافظات في 6 من آب الماضي.
هيئة المنافذ البرية والبحرية توقع مع موانئ دبي العالمية اتفاقية بقيمة 800 مليون دولار لتطوير ميناء #طرطوس.#سوريا pic.twitter.com/E53f85ltkD
— نون سوريا (@NoonPostSY) July 13, 2025
مجلة “الإيكونومست“، وفي تقرير صدر في 4 من كانون الأول الحالي، اعتبرت أن العملية الانتقالية في سوريا سارت خلال عامها الأول بشكل أفضل مما كان متوقعًا، وقالت إن الرئيس الشرع كان دبلوماسيًا بارعًا، على اعتبار أن البلاد لم تنزلق إلى الفوضى بعد إسقاط الأسد، لكنها دعته في الوقت نفسه لتقديم المزيد من التطمينات للسوريين، حيث أشارت المجلة إلى لقاءات الرئيس الشرع بنظيره الأميركي دونالد ترامب، والتي كان أولها في أيار الماضي في السعودية، وأعقبها لقاء خلال مشاركة الشرع في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في مشاركة هي الأولى من نوعها لرئيس سوري منذ الاستقلال، بالإضافة إلى زيارة الشرع للبيت الأبيض في 10 من تشرين الثاني الماضي، وما رافق تلك اللقاءات ومهد لها من انفتاح أميركي على سوريا تمثل برفع متتابع للعقوبات، بدفع سعودي وقطري وتركي.
ولم يقف ملف رفع العقوبات عند هذا الحد، إذ تأثر الاتحاد الأوروبي بالإجراءات الأميركية وحذا حذوها، وهو نفس النهج الذي سارت عليه الأمم المتحدة وكندا وبريطانيا، وصولًا إلى إقرار مجلس النواب الأميركي لإلغاء قانون قيصر، تمهيدًا لتصويت مجلس الشيوخ ثم توقيع الرئيس الأميركي ليصبح الإلغاء نافذًا في غضون أسابيع قليلة وفق ما هو مزمع، وبحسب المجلة البريطانية، فسوريا لم تنزلق إلى حرب أهلية على غرار دول خرجت من ثورات عنيفة، كما أن الشرع لم يفرض الشريعة الإسلامية على البلاد، ولم يتحكم بتفاصيل حياة المجتمع النسائي، وهو يسعى لبناء هياكل موازية للدولة التقليدية التي أفرغتها الدكتاتورية من مضمونها.
تحديات المرحلة:
المخدرات والسلاح والتنظيم..
تتواصل جهود الحكومة السورية في مكافحة المخدرات على أكثر من جبهة، عبر عمليات ضبط وإحباط تهريب داخلية، وأخرى عابرة للحدود، باعتبار أن هذا الملف كان واحدًا من الملفات المقلقة لدول الجوار والإقليم خلال فترة حكم النظام المخلوع الذي كان ينشط بهذه التجارة عبر “الفرقة الرابعة” في جيشه، والتي اكتشفت في مستودعاتها ومواقعها كميات ضخمة من المخدرات والمواد الأولية للتصنيع وأجهزة التصنيع وتحديدًا لمادة الكبتاجون، إبان تحرير البلاد في 8 من كانون الأول 2024.
وقد أعلنت وزارة الداخلية قبل أيام تنفيذ عملية أمنية في قدسيا بريف دمشق أسفرت عن إلقاء القبض على شخص بحوزته 400 ألف حبة كبتاجون، بالإضافة إلى إحباط محاولات تهريب متتابعة للمواد المخدرة عبر الحدود، وكان أحدثها في 10 من كانون الأول، حين أحبطت وزارة الداخلية محاولة تهريب كمية من المواد المخدرة عبر الحدود السورية اللبنانية وصادرت نحو 400 ألف حبة وألقت القبض على متورطين في المحاولة.
وأسهمت الجهود السورية في تراجع تهديد المخدرات بالنسبة لدول الجوار التي انخفضت نسبيًا وتيرة إعلاناتها عن إحباط عمليات التهريب لهذه المادة من الخارج إلى داخل أراضيها، وتحديدًا بالنسبة للسعودية التي كانت من أبرز البلدان المستهدفة في تهريب الكبتاجون خلال السنوات الأخيرة من حكم نظام الأسد، سواء عبر المنافذ البرية أو البحرية.
وفي إطار جهود ضبط السلاح المنفلت المتواصلة، تنفذ القوى الأمنية بشكل متكرر عمليات تمشيط واسعة، منها العملية التي جرت في 24 من أيلول الماضي، واستهدفت المرتفعات الجبلية والأحراش، وجرى العثور حينها على أسلحة متنوعة وذخائر كانت مخبأة في أحد أحراش منطقة دريكيش بمحافظة طرطوس في سلسلة الجبال الساحلية.
وبالنسبة لملف محاربة تنظيم الدولة، الذي يعتبر من أكثر الملفات الأمنية إلحاحًا بالنسبة لسوريا وجوراها، انضمت سوريا في 12 من تشرين الثاني الماضي، إلى التحالف الدولي ضد التنظيم، والذي تقوده واشنطن، في خطوة اعتبرتها السفارة الأميركية بدمشق لحظة مفصلية بتاريخ سوريا وفي الحرب العالمية ضد الإرهاب، فأصبحت سوريا الدولة التسعين التي تنضم لهذا التحالف.
وفي هذا الإطار، تعلن الداخلية السورية عن عمليات متتابعة ضد التنظيم وخلاياه، أبرزها كان مطلع الشهر الجاري، عبر عملية مشتركة مع جهاز الاستخبارات العامة، واستهدفت وكرًا للتنظيم في بلدة كناكر بمنطقة قطنا بريف دمشق، وجرى توقيف مرتبطين بالتنظيم ومصادرة أسلحة وعبوات ناسفة معدة للاستخدام، بالإضافة إلى تنفيذ عمليتين في كل من منطقة الدانا شمالي إدلب، وغربي المدينة أيضًا، وأسفرتا عن ضبط أسلحة وذخائر وأحزمة ناسفة وعبوات متفجرة وتوقيف عدد من أفراد الخلايا، بالإضافة إلى سلسلة عمليات خلال الشهر الماضي في عدة محافظات منها اللاذقية وحلب، حيث أكد وزير الداخلية أنس خطاب في مقابلة مصورة أن هذه العمليات أسفرت عن اعتقال شخصيات بارزة في التنظيم من بينها “والي حمص”.
الأمن الداخلي يطلق عملية أمنية واسعة ضد خلايا تنظيم “داعش” في بادية ريف حمص، شملت مناطق الفرقلس والقريتين. pic.twitter.com/fGRFl6VYOH
— نون سوريا (@NoonPostSY) December 14, 2025
مركز “جسور” للدراسات، يرى أن انضمام سوريا للتحالف الدولي ضد التنظيم من شأنه خلق تنسيق مباشر مع قوات التحالف وتبادل المعلومات الاستخباراتية والقيام بتدريبات وعمليات مشتركة وتزويد القوات السورية بمعدات متطورة، ما سيرفع من القدرات القتالية والتقنية لهذه القوات، بالإضافة إلى تعزيز شرعية الحكومة على المستوى الدولي ورفع وتيرة رفع العقوبات، وإتاحة تحسين الأوضاع الاقتصادية ودخول استثمارات ومشاريع والإسهام في حل مشكلة شمال شرقي سوريا وإعادة بسط سلطة الدولة ونشر مؤسساتها فيها وسيطرتها على حدودها الدولية.
تحديات حاضرة ونظرة للمستقبل
في بداية آذار الماضي نفّذت مجموعات خارجة عن القانون من فلول النظام المخلوع سلسلة هجمات ضد القوى الأمنية في اللاذقية وطرطوس وحماة، شملت استهداف مواقع حيوية حكومية كمحاولة انقلابية قوبلت بتدخل شعبي رافض، بالإضافة إلى وصول تعزيزات أمنية نحو المنطقة وإطلاق عملية أمنية ضد الفلول، ما أسفر عن اشتباكات استمرت لأيام، أسقطت مئات القتلى، كحصيلة لانتهاكات وقعت على خلفية هجمات المجموعات المسلحة الخارجة عن إطار الدولة والمرتبطة بالنظام المخلوع.
وقد وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل نحو 803 أشخاص، بينهم 39 طفلاً و49 سيدة، بين 6 و10 من آذار الماضي، بالإضافة إلى مقتل 172 عنصرًا من قوات وزارتي الداخلية والدفاع، على يد فلول نظام الأسد، كما وثقت مقتل 211 مدنيًا، جراء عمليات إطلاق نار مباشرة نفَّذتها هذه المجموعات، إلى جانب مقتل 420 شخصاً من المدنيين والمسلحين منزوعي السلاح، بينهم 39 طفلًا و49 سيدة و27 من أفراد الكوادر الطبية، وذلك على يد القوى المسلحة المشاركة في العمليات العسكرية من الفصائل والتنظيمات غير المنضبطة التي تتبع شكليًا لوزارة الدفاع.
وعلى إثر هذه الانتهاكات أصدر الرئيس الشرع قرارًا بتشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق وتقصّي الحقائق حول أحداث الساحل، وقد أصدرت نتائج تحقيقها في تموز الماضي، معلنة إحالة لائحتين بالمشتبه بتورطهم في الانتهاكات إلى النائب العام، وأوصت بملاحقة الهاربين من العدالة وتفعيل العدالة الانتقالية، كما أكدت محاولة فلول النظام السيطرة على مناطق في الساحل بهدف إقامة دويلة، وتوصلت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا في تقرير لها، منتصف آب الماضي، إلى نتائج مقاربة لما ورد في تقرير اللجنة الوطنية، بينما تبع هذه الانتهاكات محاولات من أطراف في الخارج استغلال التوترات عبر دعوات لمظاهرات حصلت فعلًا وحمتها الأجهزة الأمنية، قبل الدعوة لإضراب في المناطق الساحلية لم تلق كبير تجاوب من قبل الأهالي، في ظل سعي تلك الأطراف لفرض واقع جديد ينادي بالانفصال والتقسيم، خلافًا للتوجهات المحلية والدولية.
المتحدث باسم لجنة التحقيق بأحداث الساحل “ياسر الفرحان”:
📌بدء المحاكمات العلنية للمتورطين في أحداث الساحل.
📌لجنة التحقيق أحالت 563 مشتبهاً به إلى القضاء وفق القوانين الوطنية والمعايير الدولية.
📌الإجراءات تهدف لمنع إفلات المتورطين من العقاب وضمان إنصاف الضحايا.
📌اللجنة… pic.twitter.com/EZILKJS8PX
— نون سوريا (@NoonPostSY) November 18, 2025
وإلى جنوبي البلاد، حيث شهدت السويداء انتهاكات طالت مدنيين في تلك المحافظة خلال تموز الماضي، تمثلت بمقتل ألف و13 سوريًا مدنيين وعسكريين من مختلف الأطراف، على خلفية رفض أطراف محلية خارجة عن القانون للحوار مع دمشق ومحاولة فرض دويلة عبر طرد بعض المكونات الاجتماعية من السويداء وسلب قرار الفئات الاجتماعية الأخرى التي ترى في دمشق وجهة وطنية جامعة للسوريين، أما في شمال شرقي البلاد، فهناك حالة ترقب لتنفيذ اتفاق العاشر من آذار بين الرئيس الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي، والذي نص على دمج “قسد” في مؤسسات الدولة في ظل مماطلة من “قسد” وقرب انتهاء المهلة الممنوحة لتنفيذ الاتفاق، وهي نهاية العام الجاري.
الباحث محمد سليمان، أوضح لـ”نون بوست”، أن السوريين يعيشون فرحة كبيرة بإسقاط نظام الأسد، لكنها فرحة منقوصة ولم تكتمل لأن أسباباً عدة شوهت اكتمال هذه الفرحة أبرزها أن التحرير لم يشمل كامل الجغرافيا، فما تزال مناطق الجزيرة في شمال شرق البلاد تحت سيطرة “قسد” التي تمارس التحريض وتقييد الحريات، واستهداف المناطق الأخرى واختطاف المدنيين في الأحياء الشرقية لحلب، وتمارس انتهاكات بحق السكان في الجزيرة، دون وجود أي مؤشرات على توجهها لتطبيق اتفاق آذار قبل نهاية العام.
وبحسب الباحث، فإن فلول النظام البائد الذين يحافظون على تواصلهم مع الأجندة الخارجية لإيران وميليشياتها، وبعد أن منحتهم الدولة حريات غير مسبوقة وعفت عن الكثيرين، عاد بعضهم إلى التمرد ومحاولة زعزعة الاستقرار عبر التحريض وإثارة الفتن الطائفية وتنفيذ هجمات ضد الأجهزة الأمنية والمدنيين، مشيرًا إلى أنهم لا يمثلون الطائفة العلوية كون الغالبية منها تسعى لتعزيز السلم الأهلي، خصوصاً بعد تسريب تسجيلات مصورة أكدت لهم أن النظام المخلوع كان يستخدم أبنائهم أداة للقمع والقتل لا لحماية الوطن.
وبعد دخول قوى الأمن إلى السويداء، لفض النزاع بين بعض العشائر البدوية والمجموعات المسلحة التابعة لما يسمى “المجلس العسكري” وهو تشكيل خارج عن القانون يضم في صفوفه فلولًا من نظام الأسد، تعرضت قوى الأمن للاستهداف، وهذا سبب صدامًا مسلحًا تبعه قصف إسرائيلي لمبنى قيادة الأركان في دمشق، لتعيش السويداء منذ تلك الفترة تحت سيطرة فئة تقيّد حرية السكان وتمنع عنهم حقوقهم الأساسية كالتنقل والتعليم، وهذه التحديات شكلت عقبات كبيرة وأدت إلى تراكمات عطلت مسارات عديدة داخل البلاد، وفق الباحث.
تواجه سوريا تحديات أبرزها الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة في الجنوب، ودعم الاحتلال لجماعات خارجة عن سيطرة الدولة، ما يسهم في زعزعة الاستقرار الأمني والسياسي، في وقت ما تزال به مسألة اندماج “قسد” تواجه تعقيدات، وهذا يتطلب وقتاً أطول للوصول إلى صيغة توافقية ناجحة، مع التشديد على أن التعافي الاقتصادي أولوية ملحة، حيث تعمل الحكومة على استكشاف مصادر تمويل واستثمارات جديدة لتحفيز الاقتصاد في ظل استمرار تعقيد الملفات السياسية والعسكرية، بينما يرى الباحث أن إلغاء قانون قيصر سيترك أثرًا إيجابيًا، لكنه محدود نسبيًا ما لم يترافق مع استقرار أمني وعسكري أوسع كشرط أساسي للانطلاق الفعلي نحو التعافي وإعادة بناء الدولة.
الإنجاز الأهم وبداية التخطيط
الباحث في مركز “جسور” للدراسات، وائل علوان، أوضح لـ”نون بوست” أن الإنجاز الأهم في سوريا خلال العام الماضي هو الخلاص من النظام ورواسبه التي لم تنتهي بشكل كامل لكنها لم تعد قادرة على ممارسة دور سلبي في البلاد، موضحًا أن الحكومة عملت في عامها الأول على جمع المعلومات عن سوريا وقطاعاتها وحجم الانهيارات والاحتياجات على أكثر من مستوى، فكان هناك بداية تخطيط لإعادة التعافي مع شيء من البناء وكانت الحكومة تدرك أن هذا مرهون نسبيًا برفع العقوبات فاهتمت بتحقيق إعادة تموضع على المستوى الخارجي ونجحت نسبيًا في ذلك وهو ما يتيح انتقالها إلى التخطيط والانطلاق في العام التالي من المرحلة الانتقالية.
ويرى علوان أن الحكومة وقعت في أخطاء وواجهت صعوبات وتحديات، لكن يحسب لها اعترافها بأخطائها فاعترفت بالخطأ مثلًا في التعامل مع ملف السويداء، مع ضرورة الإشارة إلى أن الحكومة الجديدة تحمل إرثًَا ثقيلًا وخبرتها ضئيلة قبل سقوط الأسد وهي بحاجة فعلًا إلى شراكة حقيقية مع المجتمع المدني والنخب السورية لتلافي الأخطاء في الفترة المستقبلية، فالمأمول تحقيقه في 2026 هو أن تنعكس آثار رفع العقوبات بشكل مباشر في الداخل السوري لحلحلة أزمات مستعصية مع “قسد” والسويداء ومع القوانين التي تحكم البلاد من إرث النظام المخلوع، فسوريا بحاجة للكثير من العمل لكن مفتاح البداية هو إزالة العقوبات وإتاحة فرصة حقيقية لتعافي سوريا، دون أن يعفي ذلك السوريين من مسؤولية أن يكونوا بعقل جمعي شركاء ببناء الوطن، فلا يمكن للحكومة الاستغناء عن دور المجتمع المدني ولا يمكن للمجتمع المدني السير بعيدًا عن التنسيق مع الحكومة وهذا يضمن إنجازًا في التعافي وإدارة صحيحة للموارد.
قائد الأمن الداخلي في محافظة السويداء العميد حسام الطحان:
📌 تحرير 5 مواطنين من أبناء محافظة السويداء، ثلاث نساء ورجلان، بعد عملية نوعية نفذتها وحدات الأمن الداخلي في بلدة المسيفرة بريف درعا الشرقي، عقب متابعة ميدانية دقيقة وأعمال رصد وتحريات مكثفة
📌 أسفرت العملية عن القبض على… pic.twitter.com/ec7Z4dOUOE
— نون سوريا (@NoonPostSY) November 20, 2025
من جانبه، اعتبر الباحث فراس علاوي، في حديثه لـ”نون بوست” أن عامًا بعد 14 عامًا من الثورة والحرب والدمار الاقتصادي والانهيار الكامل للدولة ولبناها التحتية حتى تحولت إلى دولة فاشلة، لا يستطيع حل الكثير من المشكلات فكان هناك عقبات كثيرة خلال العام الأول من التحرير، لكن النشاط الدبلوماسي والدعم الإقليمي والدولي والحضور السوري والتبني الأميركي كان جيدًا، وكان عنوان الدبلوماسية استقرار سوريا وعدم تحولها لبيئة مصدرة للنزاعات، بينما كانت السياسة الداخلية متأخرة عن الخارجية بخطوات رغم اتخاذ إجراءات ملموسة كعقد مؤتمر حوار وطني وتشكيل حكومة وإقرار إعلان دستوري وتشكيل برلمان، لكن سوريا بحاجة إلى نشاط سياسي داخلي أكبر يتعلق بقانون أحزاب وانفتاح سياسي، كما أن الدعم المقدم لسوريا في العام الأول كان متواضعًا على المستوى الاقتصادي بسبب عائق العقوبات، لكن مع زوالها سيتحسن الاقتصاد أكثر، فسوريا بحاجة لمشروع “مارشال” عربي ينقذ سوريا مما هي فيه.
وعلى المستويات الاجتماعية والأمنية ما يزال هناك هشاشة أمنية بسبب انفلات السلاح وعدم السيطرة على كامل الجغرافيا ووجود ميليشيات تعمل على الانفصال، لكن المتوقع للعام المقبل انفتاح سياسي دولي على سوريا وعلاقات دبلوماسية طبيعية وافتتاح سفارات أكثر وإقرار قانون أحزاب ودخول استثمارات عربية خليجية وإقليمية كبرى إلى سوريا، وتحقيق قفزة اقتصادية، في ظل وجود رغبة دولية وأميركية باستقرار سوريا من شأنها تحقيق حلحلة في ملف “قسد” والقضايا الأمنية، فتحسن الاقتصاد قد يدفع لتخفيف الاحتقان والعداء، لتتفرغ الحكومة للتعامل مع الملفات الملحة.