ترجمة وتحرير: نون بوست
على سرير مستشفى أبيض في مجمع فلسطين الطبي في رام الله، يكافح الفتى الفلسطيني أويس همام، البالغ من العمر 18 عامًا، من أجل التقاط أنفاسه المتقطعة. وجهه يروي القصة قبل أن ينطق: خدوش عميقة، كدمات زرقاء داكنة، تورم يمتد من رقبته إلى ساقيه. ويروي ببطء وصعوبة بالغة ما حدث بعد ظهر أربعاء الأسبوع قبل الماضي، عندما اختطفته مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين وعذبوه بوحشية بالقرب من قريته خربثا بني حارث، شمال غرب رام الله.
كان أويس في نزهة قصيرة قرب نبع يعرفه جيدًا، معتقدًا أنه سيكون بعيدًا عن الخطر. وأثناء توقفه للصلاة، فوجئ بمجموعة من المستوطنين تحيط به، وكأنهم كانوا يراقبونه منذ لحظة وصوله. قبل أن يستوعب ما يجري، انهالت عليه الضربات. سرعان ما فقد القدرة على الوقوف، وبعد لحظات شعر بأنه يُجرّ إلى أعلى التلة باتجاه “سدي إفرايم”، وهي بؤرة استيطانية أقرتها إسرائيل قانونيًا عام 2024.

واستعاد أويس ذكريات تلك الساعات وكأنها تحدث من جديد: يداه مقيدتان بإحكام خلف ظهره، وأعقاب البنادق تنهال على جسده، والحجارة تُرمى عليه وهو ملقى أرضًا، والشتائم لا تتوقف. كان بعض المعتدين يرتدون ملابس مدنية، وآخرون بزّي عسكري، أحدهم لقّم سلاحه بجوار أذن أويس وقال له إنه لن يخرج حيًا.
سرعان ما فقد وعيه من شدة الألم، وعندما استيقظ وجد نفسه بين أيدي جنود إسرائيليين، الذين واصلوا ضربه حتى صباح اليوم التالي. كما خضع لاستجواب من ضابط في جهاز الشاباك، وحُرم حتى من شربة ماء رغم أنه كان صائمًا.

يجلس والده بجواره في سرير المستشفى، ويروي معاناة الانتظار القاسي لعودة ابنه بعد اختفائه الأربعاء الماضي. ولم تتلقَ العائلة أي خبر من الشاباك إلا في ساعات الفجر، حيث أبلغهم بأن المستوطنين اختطفوا أويس وسلموه إلى الجيش.
وعندما نُقل أخيرًا إلى المستشفى، قال الأطباء إنه بحاجة لمراقبة دقيقة وتغذية مستمرة عبر الوريد حتى تستقر حالته بسبب شدة الضرب الذي تعرض له. ومع ذلك، أشار والده إلى أن معنوياته بقيت عالية، وكأن النجاة نفسها أصبحت فعل مقاومة. وأضاف: “ابني عاد من الموت. أشعر وكأنه وُلد من جديد”.

لم يكن الهجوم على أويس حالة فردية، بل يأتي وسط تصاعد غير مسبوق في الإرهاب الاستيطاني في جميع بالضفة الغربية؛ حيث باتت الهجمات شبه اليومية — التي غالباً ما يتم تنفيذها بدعم من الجيش الإسرائيلي — جزءًا منهجيًا من مسعى منظم لتغيير التركيبة السكانية لصالح الاستيطان اليهودي. فمنذ اندلاع الحرب على غزة، يعيش الفلسطينيون في الضفة في حالة ترقب دائم للهجوم التالي أو والتهديد التالي أو الضحية التالية.
وفي المنطقة “ج”، الخاضعة للسيطرة المباشرة للجيش الإسرائيلي، واجه الفلسطينيون منذ سنوات ضغوطًا منظمة من المستوطنين المدعومين من الدولة، الذين طردوا عشرات المجتمعات وأقاموا 40 بؤرة استيطانية جديدة خلال الأشهر الستة الماضية. لكن الاعتداءات امتدت الآن إلى المنطقتين “ب” و”أ”، الخاضعتين نظريًا لإدارة السلطة الفلسطينية، ما جعل حتى أولئك الذين لم يكن لهم احتكاك مباشر مع المستوطنين عرضة للهجمات.

وبحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة للسلطة الفلسطينية، شهد شهر نوفمبر/ تشرين الثاني وحده أكثر من 2000 اعتداء على الفلسطينيين في الضفة، بينها أكثر من 600 اعتداء نفذتها ميليشيات المستوطنين. وقد حذر مسؤولون إسرائيليون كبار مؤخرًا من أن الدولة تفقد السيطرة على الأرض مع تنامي قوة هذه الجماعات المتطرفة وإفلاتها من العقاب.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه يحقق مع قوات الاحتياط لدورها في الهجوم على أويس، ووصف مصدر عسكري إصاباته بأنها “مقلقة” لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”. وأضاف الجيش أن قواته وصلت بعد ورود تقارير عن “نية فلسطيني تنفيذ هجوم”، وزعم أن بعض إصاباته نتجت عن سقوطه على الصخور.
وخارج غرفة أويس في المستشفى، يمر عامل نظافة في الممر مرددًا عبارة تلخص المشهد كله: “البقاء هنا أصبح معجزة يومية”.
المصدر: +972