تحت شعار “المعارضة ليست جريمة”، تشهد العاصمة التونسية ومدن أخرى موجة احتجاجات ضد النظام الحاكم للأسبوع الرابع على التوالي، جامعة ناشطين ومنظمات حقوقية وشخصيات سياسية من مختلف الأطياف.
وتوسّعت دائرة الاحتجاجات أخيرا ضمن دعوات إلى “حراك موحّد” يضم التيارات الإسلامية واليسارية والليبراليةK فما الأسباب التي دفعت إلى تصعيد الحراك وما أبرز مطالبات المحتجين؟ وكيف تتعامل معهم السلطات؟
أسباب التصعيد
1- القمع السياسي والقضائي
- تصاعد الحراك بعد أن حكمت محكمة الاستئناف على عشرات قادة المعارضة ومحامين ورجال أعمال بالسجن لمدد تصل إلى 45 عاماً بتهم “التآمر على أمن الدولة”.
- أصدرت محكمة أخرى أحكاماً بالسجن لمدة 12 عاماً بحق عبير موسي، رئيسة الحزب الدستورى الحر.
- اعتقلت السلطات التونسية شخصيات بارزة مثل السياسي نجيب الشابي والمحامية شيماء عيسى والحقوقي عياشي الهمامي.
- هذه الخطوات دفعت حتى مؤيدي النظام إلى الشعور أن “آلة الديكتاتورية لا تستثنى أحداً”، على حد تعبير أحد المحتجين.
2- الأزمة الاقتصادية
- مع ارتفاع الأسعار ونقص المواد الأساسية، أصبح الاقتصاد سبباً رئيسياً لاحتقان الشارع، حيث يعاني التونسيون أزمة اقتصادية حادة.
- معدل النمو لا يتجاوز 1٪ والدين العام يناهز 81٪ من الناتج المحلي الإجمالي، فيما بلغ التضخم 7.4٪ عام 2024.
- تكمن المشكلة في اعتماد الحكومة بشكل متزايد على الاقتراض الداخلي لتمويل عجز الموازنة، إذ تخطط لاقتراض 3.7 مليارات دولار من البنك المركزي في 2026 بعد اقتراض 2.3 مليار في 2025.
- خبراء يحذرون من أن هذه السياسة ستؤدى إلى “تمويل العجز بالنقود” ما يفاقم التضخم ويضعف الدينار، كما تبرز تقارير اقتصادية أن قانون المالية لسنة 2025 يعوِّل على ضرائب جديدة لتمويل النفقات، ما قد يؤدي إلى عجز أوسع وتضخم متصاعد إذا فشلت الرهانات المالية.
- هذه الأوضاع الاقتصادية المتردية، دفعت الاتحاد العام التونسي للشغل إلى الدعوة لإضراب عام في 21 يناير 2026 للمطالبة بزيادة الأجور ومواجهة “محاولة تكريس الحكم الفردي”.
3- الضغط الاجتماعي
- الاحتجاجات الحالية لم تكن الوحيدة؛ فقد شهدت مناطق داخلية مهمشة مثل الكاف والقصرين وقفصة مسيرات للمطالبة بتوفير الوظائف وتحسين الخدمات.
- كما خرجت مظاهرات بيئية كبرى في قابس مؤخرا للمطالبة بإغلاق مجمع الفوسفات الذي يتسبب في تلوث خطير.
- هذه الحراكات يوحدها الشعور بغياب العدالة الاجتماعية وانتشار الفقر والبطالة، وهي جزء من الديناميات التي تدفع المعارضة لتوحيد صفوفها.

من يقود المشهد الاحتجاجي؟
تضم الساحة التونسية أقطاب رئيسة للمعارضة مثل جبهة الخلاص الوطني بقيادة المعتقل نجيب الشابي وحركة النهضة الإسلامية بقيادة المعتقل راشد الغنوشي، والحزب الدستورى الحر بزعامة المعتقلة عبير موسي.
تشمل أيضا عددا من الأحزاب اليسارية والليبرالية ومنظمات المجتمع المدني مثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و”التنسيقية العائلية للمعتقلين السياسيين”، وغيرها.
كما ظهر الاتحاد العام التونسي للشغل كلاعب مهم، ليس فقط عبر الدعوة إلى الإضراب، بل أيضاً من خلال مشاركته في المسيرات الأخيرة.
هذه الأقطاب عادة ما كانت تتناحر خلال السنوات الماضية، بل إن الشبكة التونسية للحقوق والحريات، رفضت التظاهر إلى جانب جبهة الخلاص يوم 25 يوليو 2025، ما أدى إلى إلغاء التظاهرة الموحدة.
لكن موجة الاعتقالات الأخيرة وتزايد الأحكام القاسية، دفع هذه القوى إلى إعادة التفكير باصطفافاتها مع عودة الحديث عن ضرورة التوحد ضد نظام قيس سعيد.
ولكن حتى الآن، تتسم القيادة الحالية للحراك بأنها ذات طابع جماعي؛ إذ لا توجد شخصية واحدة تمثل جميع المعارضين.
أبرز مطالب الحراك
-
إعادة الشرعية الدستورية: جبهة الخلاص الوطني وحلفاؤها يطالبون بإلغاء الإجراءات الانقلابية التي اتخذها سعيد في يوليو 2021 وإعادة العمل بدستور 2014، مع تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة.
-
إطلاق سراح المعتقلين: جميع القوى تطالب بالإفراج الفورى عن عشرات السياسيين والمحامين والصحفيين المعتقلين، من بينهم عبير موسى وشيماء عيسى وعيّاشي الهمامي ونجيب الشابي.
-
إصلاح القضاء والإعلام: تشمل المطالبات تحسين استقلالية القضاء وإلغاء المراسيم المقيدة لحرية التعبير، مثل المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الأخبار الزائفة، والذى اعتُبر أداة لتكميم الأفواه.
-
برنامج اقتصادي اجتماعي: هناك توافق بين أحزاب يسارية ونقابية على ضرورة إعادة الدعم للفئات الهشة، ووضع سياسة ضريبية تقدمية، ومحاربة الفساد المستشرى في أجهزة الدولة.
ما التوقعات؟
يزعم نظام قيس سعيد أن الخطوات القضائية جزء من “مكافحة الفساد وتطهير البلاد من الخونة”، وفق ادعائه، فيما تصف منظمات حقوقية تونس اليوم بأنها “سجن في الهواء الطلق”، وهو ما ينذر بتحول الاحتجاجات إلى اضطرابات أوسع إذا استمر التدهور الاقتصادي والاجتماعي.
وخاصة أن ردّ السلطات على الاحتجاجات شمل الاعتقالات واستخدام القوة ضد المتظاهرين، كما حدث في الاشتباكات بمدينة القيروان بعد وفاة شاب أثناء مطاردة الشرطة، مما دفع شباب المدينة إلى حرق إطارات والاشتباك مع الأمن.
لكن، الأحداث في قابس والقيروان تبرز احتمال توسع دائرة الاضطرابات إلى مناطق داخلية فقيرة، وذلك بجانب العاصمة تونس ومدن أخرى تحتج على القمع السياسي والقضائي.
ويرى موقع “ميدل إيست آي” أن التوقعات بشأن نجاح الحراك مرتبطة بمدى قدرة القوى السياسية والنقابية والمدنية على الحفاظ على وحدتها لزيادة الضغوط على سعيد لإجراء إصلاحات أو انتخابات.
أما في حال استمرار الخلافات بين مكونات المعارضة، فسيستمر النظام في الاستفادة من الانقسام لإطالة أمد حكمه وقمعه.