تثير سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على المحافظات الجنوبية لليمن اهتمامًا إسرائيليًا متزايدًا، باعتبارها تطورًا يرتبط بأمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والطريق البحري المؤدي إلى قناة السويس، كما يتقاطع مع الصراع الإقليمي الأوسع بين “تل أبيب” وطهران.
فخلال هذا الشهر، ديسمبر/كانون الأول 2025، يشهد اليمن تحوّلًا نوعيًا يتمثّل بسيطرة تلك المليشيات على حضرموت وشبوة وأبين ولحج وعدن، وانسحاب قوات الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، ما يعيد رسم موازين القوة جنوب البلاد، ويفتح الباب أمام معادلات أمنية وسياسية جديدة.
وتبرز تساؤلات حول تأثير سيطرة المجلس المدعوم إماراتيًا، على الموانئ الجنوبية وفي مقدمتها عدن والمكلا، على حركة التجارة الإسرائيلية وأمن الملاحة البحرية، ومدى إمكانية نشوء تنسيق أو تحالف بين “إسرائيل” وتلك المليشيات لمواجهة النفوذ الإيراني والحوثي بالبحر الأحمر وخليج عدن.
سيناريوهان يرتبطان بـ”إسرائيل”
1- ضعف القوى الموالية للسعودية وتعزيز الحوثيين
تروّج صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية لسيناريو يفترض أن يؤدي انهيار القوات الحكومية الموالية للسعودية في الجنوب إلى تخفيف الضغط العسكري على الحوثيين وتعزيز قدراتهم، ما يمنحهم فرصة لتطوير أسلحتهم وتحديث منظوماتهم بالتعاون مع إيران.
وترى أن هذا التطور قد يتيح للحوثيين مستقبلًا توسيع نطاق هجماتهم البحرية ضد السفن المتجهة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عبر البحر الأحمر، كما حدث في العامين السابقين عندما أدى استهدافهم للسفن التجارية إلى انخفاض حركة ميناء “إيلات” الإسرائيلي بنسبة تفوق 90%.
من منظور إسرائيلي، يعني هذا السيناريو استمرار تهديد السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية على خطوط الملاحة في مضيق باب المندب وخليج عدن.
كما قد تضطر السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بدولة الاحتلال إلى تحويل مساراتها عبر رأس الرجاء الصالح، ما يرفع تكاليف الشحن، وفق تقدير الصحيفة.
2- تشكيل قوة جنوبية مستقرة ومدعومة إماراتيًا
السيناريو الثاني للصحيفة ذاتها، يفترض أن يؤدي ظهور كيان جنوبي موحَّد تحت سيطرة المجلس الانتقالي إلى دفع “إسرائيل” للتعامل مع هذا التطور بوصفه فرصة محتملة لإعادة هندسة التهديدات الإقليمية بما يخدم المصالح الإسرائيلية.
وترى يديعوت أحرونوت أن تمكن المجلس من إحكام قبضته على مينائي عدن والمكلا والسواحل الاستراتيجية، إلى جانب الوجود الإماراتي في جزيرتي سقطرى وبريم، يتيح للجنوب مراقبة الطرق البحرية الاستراتيجية بشكل أفضل بما يخدم “تل أبيب”.
وتعتقد أن هذه القوة المحلية الوظيفية يمكن أن تكون رادعًا للحوثيين وتحدّ من تهريب الأسلحة الإيرانية إليهم، وبالتالي تقل وتيرة الهجمات التي تهدد سفنها، كما أن وجود قواعد إماراتية على جزيرة ميون وسقطرى يتيح مراقبة مضيق باب المندب من الجانبين.
وتسعى دولة الاحتلال إلى توظيف هذا الواقع لخدمة مصالحها الأمنية مع بحث إمكانية التنسيق مع المجلس الانتقالي عبر الإمارات في مجال تبادل المعلومات الاستخبارية ورصد حركة الملاحة.
السيطرة على مينائي عدن والمكلا.. الأهمية والتأثير
أهمية الموانئ الجنوبية لمسارات التجارة
- ميناء عدن يقع على تقاطع طرق التجارة العالمية وقريب من مضيق باب المندب، وهو ممر رئيسي للسفن المتجهة من المحيط الهندي إلى قناة السويس.
- بعد تدمير أجزاء من ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين نتيجة العدوان الإسرائيلي وفرض قيود أمريكية، بدأت سفن الشحن بتحويل مسارها إلى ميناء عدن، ما رفع مكانته ليكون بديلًا رئيسيًا.
- أما ميناء المكلا في حضرموت، فيعد بوابة لإنتاج النفط والغاز اليمني، ومن خلاله يمكن تصدير خامات الطاقة والسلع الأخرى.
ويرى خبراء أن السيطرة على عدن والمكلا تمنح المجلس ومن ورائه الإمارات ورقة ضغط اقتصادية كبيرة وقدرة على التأثير في الحركة البحرية.
تأثير هذه السيطرة على دولة الاحتلال
يعتمد جزء كبير من التجارة الإسرائيلية على حركة السفن عبر باب المندب ثم قناة السويس إلى ميناء إيلات في خليج العقبة.
ويُعَدّ ميناء إيلات منفذًا أساسيًا لواردات السيارات والأسمدة؛ فقد استقبل نحو 150 ألف سيارة عام 2023، أي نحو 50% من المركبات الواردة إلى دولة الاحتلال.
لكن هجمات الحوثيين دفعت عدد السفن الواصلة للتراجع إلى ست سفن فقط في النصف الأول من 2025، وانخفضت عائدات الميناء بنسبة 80%، كما انخفضت حركة السفن عبر قناة السويس بنسبة 50%.
وتتعامل دولة الاحتلال مع سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي بوصفها عاملًا قد يسمح بإعادة بعض السفن إلى المسار التقليدي عبر البحر الأحمر، ما يزيد من حركة التجارة إليها ويقلل من خسائر ميناء إيلات.
مع ذلك، فإن أي تدهور أمني في الجنوب – سواء نتيجة صراع بين المجلس الانتقالي والحوثيين أو خلاف إماراتي–سعودي، قد يدفع الشركات الملاحية إلى استمرار تحويل مساراتها عبر رأس الرجاء الصالح.

علاقات المجلس الانتقالي بـ”إسرائيل”
لا توجد علاقات دبلوماسية معلنة بين “إسرائيل” والمجلس الانتقالي الجنوبي، لكن تقارير إسرائيلية وعربية تشير إلى وجود تواصل غير مباشر.
وفي مقابلة مع صحيفة ذا ناشيونال الإماراتية، صرح زعيم المجلس الزبيدي في سبتمبر/أيلول 2025 بأن انفصال الجنوب سيتيح لهم اتخاذ قرارات بشأن السياسة الخارجية بما في ذلك الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام التطبيعية.
كما نقل موقع All Israel News عن مصدر بالإدارة الجنوبية أن المجلس يسعى لاستخدام البوابة الإسرائيلية كورقة ضغط سياسية وعسكرية واقتصادية في صراعه مع القوات المدعومة من السعودية وفي إطار مساعيه للانفصال، وأنه “يشارك إسرائيل العداء للحوثيين وجماعة الإخوان المسلمين”.
الموقع نفسه أشار في ديسمبر/كانون الأول 2025، إلى أن المجلس أرسل ممثلين لزيارة “إسرائيل” من أجل بحث سبل التعاون، وطلب منها مساعدته في تأمين المياه الإقليمية ومكافحة تهريب الأسلحة للحوثيين الذين يناصبهم العداء.
وتأتي شبهات وجود علاقات بين المجلس ودولة الاحتلال، بعد تقارير عربية عديدة تحدثت عن سماح الإمارات بتواجد خبراء إسرائيليين على جزيرة سقطرى لتشغيل أنظمة رادار ومراقبة، وأن ضباطًا إسرائيليين متقاعدين ساعدوا في تدريب قوات “الحزام الأمني” التابعة للمجلس.
وأشار مركز RUSI إلى وجود منصات إسرائيلية–إماراتية مشتركة لمراقبة باب المندب وأن التعاون الأمني بين الطرفين توسّع خلال السنوات الماضية.
معيقات التحالف
رغم توفر الدوافع، توجد معوقات كبيرة أمام تحالف معلن بين المجلس ودولة الاحتلال لأسباب عديدة:
- يرى مركز RUSI أن تعزيز قوة الجنوب بمساعدة “إسرائيل” قد يدفع الحوثيين لتعزيز تحالفهم مع إيران وتكثيف هجماتهم لإثبات حضورهم، لذا يبقى الخطر قائمًا.
- تحاول السعودية إعادة ترتيب توازن القوى في اليمن ولن تقبل بتقارب إسرائيلي–جنوبي قد يُضعِف نفوذها، وفق معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي.
- الباحث الإسرائيلي يوئيل غوزانسكي أكد أن المجلس الانتقالي موالٍ للإمارات وليس لـ”إسرائيل”، وأن أي تعاون يجب أن يجري في إطار التنسيق مع أبوظبي مع تفادي إغضاب السعودية.
وتؤكد التطورات المتسارعة في اليمن خلال نهاية عام 2025 أن خريطة القوى في الجنوب لم تعد شأنًا داخليًا يمنيًا فحسب، بل تحوّلت إلى جزء من صراع إقليمي أوسع تتداخل فيه موازين النفوذ والصراع الإسرائيلي–الإيراني.
ويعكس الاهتمام الإسرائيلي بهذه التحولات سعيًا واضحًا لتوظيف الانقسامات اليمنية وتحويل الجنوب إلى ورقة جديدة في صراع النفوذ الإقليمي.
وفي هذا السياق، تبدو أي فرص لتطبيع العلاقات بين المجلس الانتقالي ودولة الاحتلال رهينة اعتبارات أعقد، تتعلق بتوازنات الإمارات والسعودية، واحتمالات التصعيد مع الحوثيين، ومخاطر توسيع دائرة الصراع بدل احتوائه.
وعليه، فإن الخطر الحقيقي يكمن في الخوف من اتجاه اليمن نحو مزيد من التفكك وتحويل سواحله وموانئه إلى ساحات صراع بالوكالة.