ترجمة وتحرير: نون بوست
قبل خمسة وعشرين عامًا، حين كنت طالبة في المستوى المتقدم (A-level)، ولديّ اهتمام عميق بالشؤون السياسية، أذكر أنني حضرت فعالية نظمتها إحدى الجاليات المسلمة، حيث دُعي محامٍ إلى المنصة ليلقي كلمة مرتجلة حول قانون الإرهاب البريطاني لعام 2000.
حذّر المحامي من التحول الذي ينطوي عليه القانون الجديد، حيث ينقل مكافحة الإرهاب من إطار التشريعات الطارئة إلى إطار القوانين الأساسية الدائمة، مع التركيز على تعريف الإرهاب من منظور الأيديولوجيا لا من منظور الصراع.
كان ذلك مخيفًا بالنسبة لي في تلك الفترة، لكن شعورًا بالحيرة ساد في القاعة أيضًا. لا أظن أن أحدًا من الحضور كان يتصور ما قد تؤول إليه التداعيات طويلة الأمد لهذا القانون، ليس فقط على حرية التعبير، بل أيضًا على وضع المسلمين في المملكة المتحدة.
كانت العديد من الجماعات المحظورة بموجب هذا القانون تعمل في العالم الإسلامي، بعضها يعمل من منطلق إسلامي صريح. فما الذي قد يعنيه هذا الربط المحتمل بين الحراك السياسي المسلم والإرهاب الأيديولوجي بالنسبة للمسلمين؟
في العام التالي، وقعت أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، وكانت آثارها المباشرة محسوسة بعمق داخل المجتمعات المسلمة حول العالم. وأصبح السؤال الملحّ في صفوف الجالية الإسلامية داخل بريطانيا هو: “هل لنا مستقبل في هذا البلد؟”
بدأ بعض الذين وُلدوا ونشأوا في المملكة المتحدة وبنوا حياتهم فيها لسنوات طويلة يعبرون عن مخاوفهم من أن هذه البلاد لن تكون يومًا وطنًا حقيقيًا لأبنائهم أو أحفادهم.
في الوقت الذي كانت فيه تشريعات مكافحة الإرهاب تُركّز بشكلٍ صريح على ما يُسمى بـ”الإرهاب الإسلامي”، كان القلق يتمحور حول إمكانية تحميل مجتمعات بأكملها المسؤولية، وأنّ تغذي تجاوزات الدولة والتشريعات القمعية وتُفاقم جوّ الشك، ما يجعل الحياة لا تُطاق بالنسبة للعديد من المسلمين من أصول مهاجرة في المملكة المتحدة. كانت ذكريات الإبادة الجماعية في البوسنة لا تزال حية في الأذهان.
سردية الولاء
انخرطت المنظمات والناشطون المسلمون في معالجة هذا السؤال بطرق مختلفة. استثمر بعضهم بقوة في تطوير سردية واستراتيجية سياسية تتمحور حول الولاء للدولة القومية، وكانت الفكرة مبنية على أساس أن مجتمعاتنا استقرت هنا منذ أجيال، وهذا وطننا، ويجب أن نؤمن به إيمانا راسخا.
أعطت الكثير من الجماعات والمؤسسات الإسلامية الكبرى الأولوية لهدف كسب الشرعية لدى الرأي العام على حساب الدفاع عن الأفراد والفئات المستضعفة والمستهدفة. واعتُبر التوجه نحو الخارج، لتوضيح أن الإسلام والمسلمين لا يشكلون تهديدًا، وأنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع، ومورد للأمة، استراتيجية أكثر حكمة في تلك اللحظة، وأكثر ترجيحًا لضمان الاستقرار والاستدامة في ظل الظروف السياسية الراهنة.
وقد تجلّى هذا التوجّه في حملات توعية عامة ركّزت على إبراز قابلية المسلمين للاندماج كجيران، واستكشاف التاريخ الطويل للإسلام في المملكة المتحدة، بما في ذلك خدمة المسلمين في القوات المسلحة، إضافةً إلى تسليط الضوء على القيمة الاقتصادية لما يُسمّى بـ”الجنيه الإسلامي“.
كما أُعطي اهتمام كبير لصياغة خطاب ديني يركز على واجب المسلم المدني في بلد غير مسلم. وشمل ذلك الالتزام باحترام المواطنة من خلال التقيد بقوانين البلاد، والامتثال للأعراف الاجتماعية والسياسية السائدة.
ودار نقاش حول تقادم التصنيفات الإقليمية التقليدية، حيث حيث طُرحت فكرة اعتبار المملكة المتحدة “دار الشهادة”، ومكانًا يسود فيه القانون رغم عيوبه، ويمكن فيه ممارسة شعائرنا الدينية علنًا وبأمان.
وبناءً على ذلك، كان ينبغي على المسلمين الالتزام التام، والحصري بالنسبة للبعض، بمواطنتهم البريطانية. ففي نهاية المطاف، كانت دولهم الأصلية أنظمة ديكتاتورية استبدادية، يُقمع فيها التعبير الديني والمعارضة السياسية بوحشية، دون أي سبيل للشفافية أو مراعاة للإجراءات القانونية الواجبة.
كان هذا التوجه المتعمد والعلني لإظهار الولاء للدولة وتاريخها وثقافتها – أي تبني شكل معين من الهوية البريطانية – يهدف إلى كسب تأييد وسائل الإعلام والمؤسسة السياسية وطمأنتهما، إذ بدا كلاهما مهتمًا باستمرار بالتشكيك في ولاءات المسلمين الحقيقية. باختصار، رأينا سياسة تقوم على التمثيل والاحترام والطمأنينة.
الصور النمطية المعادية للإسلام
بعد مرور عقد من الزمن، وبحلول عام 2010، رسّخت التحديثات المتتالية لقوانين مكافحة الإرهاب قيودًا على حرية التعبير، مع توسيع نطاق سلطة الدولة الأمنية في مجالات المراقبة والاحتجاز التعسفي.
ومن اللافت أن العقد الثاني من الألفية شهد بروز ظاهرة سحب الجنسية على نطاق واسع، بما في ذلك على أساس “المصلحة العامة” – وهي ممارسة أشار تقرير جديد صادر عن مؤسسة “رانيميد تراست” ومنظمة “ريبريف” إلى أنها تؤثر بشكل رئيسي على المسلمين من أصول جنوب آسيوية أو شرق أوسطية أو شمال أفريقية.
ورغم الصدمة التي أثارها سحب الجنسية في البداية، إلا أنه مع مرور الوقت أصبح إجراءً روتينيًا ضمن صلاحيات وزير الداخلية. وكان من أبرز القضايا تلك التي تواطأت فيها وسائل الإعلام والمؤسسات السياسية لتشويه صورتها في الوعي العام، مثل قضية أبو حمزة المصري، وربما بشكل خاص شميمة بيغوم.
استُخدمت الصور النمطية المعادية للإسلام لتصوير كلتا الشخصيتين على أنهما “وحوش” أمام الرأي العام. تم تشويه صورتهما بناءً على ملامح في مظهرهما اعتُبرت منفّرة وغريبة ومثيرة للمخاوف.
وُصف أبو حمزة في عناوين الصحف بـ”كابتن هوك“، وبالطبع تم تصوير بيغوم كـ”عروس جهادية” – وهي طريقة لكسب تأييد شعبي بهدف اتخاذ إجراءات قمعية واستبدادية كانت ستثير في الظروف العادية استنكارًا شديدًا لتقويضها سيادة القانون.
أصبح جميع المسلمين الذين وقعوا ضحية لشبكة التشدد الأمني المتنامية في المملكة المتحدة مرتبطين بهاتين الشخصيتين “الوحشيتين”، وبالتالي يُنظر إليهم على أنهم يشكلون تهديدًا أيديولوجيًا – بل وجوديًا – يمكن استبعاده إذا رأت الدولة ذلك مناسبًا، مما أدى إلى نظام مواطنة من مستويين.
بعيدًا عن الواقع
لم يكن تحييد المواقف العامة والسياسية هو النتيجة الوحيدة لهذا النظام. أمضيت أنا وزملائي السنوات الأربع الماضية في استكشاف ورسم ملامح المشهد الرقمي للمسلمين البريطانيين، ولاحظت أن عددًا كبيرًا من المؤثرين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لمناقشة وتحليل مفاهيم “الهجرة”.
يستخدم البعض هذا المصطلح لوصف الانتقال من بيئةٍ يسودها العداء أو الاضطهاد، إلى مكانٍ أو مجتمعٍ يُمكنهم فيه ممارسة شعائرهم الدينية بحريةٍ أكبر، مُستحضرين بذلك هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمين الأوائل من مكة إلى المدينة المنورة.
ويكشف السياق الضمني لهذه النقاشات أن الكثير من المسلمين البريطانيين يشعرون بأن المملكة المتحدة ليست الوطن الذي تصوروه هم أو آباؤهم، وأن الحكمة تتطلب وضع خطة للخروج، تحسبًا لأي طارئ. وقد أصبحت هذه الخطط بشكل متزايد مسألة توقيت لا مسألة احتمال.
أما فكرة أن المملكة المتحدة تُوفر الأمان والاستقرار لحياةٍ كريمة، فقد باتت أقل إقناعًا للعديد من المسلمين.
أرى هذا الخطاب في حسابات “كيفية القيام بـ”، التي تقدم نصائح خطوة بخطوة حول المواقع والعمليات والإجراءات، وما يجب فعله وما يجب تجنبه. ولكن هناك أيضًا نقاشات دينية واجتماعية، تُحلل وتربط اللحظات التاريخية، وتقدم نصائح للمواطنين مزدوجي الجنسية حول كيفية التعامل مع المخاطر.
لذلك، فإن التقرير الأخير الصادر عن مؤسستي “رانيميد” و”ريبريف”، والذي يشير إلى أن ذوي البشرة الملونة أكثر عرضة بـ12 مرة من البريطانيين البيض لخطر التجريد من الجنسية، لم يُقابَل بالاستغراب، بل باعتراف مشبع بما استوعبه كثير من المسلمين البريطانيين بالفعل.
الكثير من القابعين في السجون البريطانية في عام 2025 بسبب مزاعم مشاركتهم في تجاوزات ضد شركات السلاح التي تدعم إسرائيل في إبادتها للفلسطينيين، هم أنفسهم الذين نشأوا في ظل هذا النظام ذي الطبقتين.
بالنسبة لهم، فإن السياق السياسي الواسع للتجاوزات القمعية وتعطيل الإجراءات القانونية الواجبة ليس انحرافا فاضحا عن قوانين البلاد، كما كنا نحن أبناء جيلي ننظر إلى بداياته في عام 2000.
يُصوَّر هؤلاء وغيرهم من الأصوات المعارضة كخونة متآمرين على بريطانيا، وهم يدركون تمامًا هشاشة وضعهم.
وفي الولايات المتحدة، تعزز الاعتقالات التعسفية والمضايقات التي يمارسها مسؤولو الهجرة الشعور بأن تمتع المسلمين في الغرب – سواء كانوا مواطنين أو مقيمين – بمحاكمات عادلة ليست مسألة حقوق، بل مسألة مصالح سياسية.
أصبح هذا الجيل أقل اهتمامًا بكثير بإظهار قبوله وتوافقه مع مؤسسة جرّدته من إنسانيته لأغراض سياسية. لا شكّ أن استراتيجيات آبائهم في التمثيل والاحترام والأمان تبدو بعيدة كل البعد عن واقعهم الحالي.
المصدر: ميدل إيست آي
