تصاعدت على مدار الأيام الماضية وتيرة التصريحات السياسية المتعلقة بتطبيق اتفاق العاشر من آذار، والقاضي باندماج “قسد” في مؤسسات الدولة السورية، لكن هذه التصريحات والتحركات جاءت بلهجة حادة نسبيًا أمام مماطلة “قسد” على مدار تسعة أشهر في إحراز تقدم ملموس نحو تطبيق بنود الاتفاق الثمانية، ما دفع تركيا التي تراقب بحذر، إلى التلويح تارة بالعمل العسكري، والجنوح تارة أخرى إلى لغة دبلوماسية لا تخلو من تهديد مبطن.
وزير الدفاع التركي، يشار غولر، قال إن على “قسد” الاندماج في الجيش السوري كأفراد، لا ككتلة عسكرية موحدة كما ترغب، مشددًا على معارضة أنقرة لأي طرح من هذا النوع وعلى عدم تغيير موقفها، كما أكد أن تركيا ستشن عملية عسكرية في سوريا في الفترة المقبلة دون استشارة أحد إذا دعت الحاجة، وأن واشنطن تدرك الحقائق بشكل أفضل حاليًا والخلافات معها بهذا الشأن تتراجع، وأن أنقرة قادرة على دعم سوريا في حربها ضد الإرهاب وفي تأسيس جيشها.
من جانبها، تبدي دمشق منذ توقيع الاتفاق تركيزًا على حل سلمي يجنب البلاد دوامة جديدة من العنف.
محاولات لإحراز تقدم
التصريحات التركية سبقها بوقت قصير ما نشرته وكالة “رويترز” نقلًا عن مصادر لم تسمها، حول سعي المسؤولين السوريين والكرد والأميركيين لإظهار تقدم في اتفاق آذار قبل المهلة المحددة لتطبيقه الكامل، والتي تنتهي بنهاية العام، حيث ذكرت الوكالة أن المناقشات تسارعت في الأيام القليلة الماضية رغم تزايد الإحباط بسبب التأخيرات، في ظل استبعاد تحقيق انفراجة كبيرة.
وأشارت الوكالة إلى أن دمشق أرسلت مقترحًا إلى “قسد” أبدت خلاله انفتاحًا على أن تعيد الأخيرة تنظيم مقاتليها، وعددهم نحو 50 ألف مقاتل، في ثلاث فرق رئيسية وألوية أصغر ما دامت ستتنازل عن بعض سلاسل القيادة وتفتح أراضيها لوحدات الجيش السوري الأخرى، دون مؤشرات حول ما إذا كانت الفكرة ستمضي قدمًا أم لا، مع ترجيح مصادر الوكالة لعدم التوصل لاتفاق شامل في اللحظات الأخيرة أمام الحاجة لمزيد من المحادثات.
من جانبها، نشرت صحيفة تركيا تفاصيل أكثر حول المقترح السوري الرسمي الذي يتلخص في 13 نقطة ويمثل خارطة طريق لإعادة الاندماج، ويشكل العرض النهائي لـ”قسد”.
فبغية الوصول إلى حل سلمي وكسر جمود الملف، تضمّن العرض بندًا ينص على دخول فرق أخرى من الجيش السوري إلى شمال شرقي سوريا، بينما تصر “قسد” على أن تتمركز في المنطقة ثلاث فرق فقط تتكون حصرًا من قواتها مع استبعاد القوات الحكومية، إذ ترغب في تقييد وجود الجيش في مناطق سيطرتها، مطالِبة بأن تتمركز فقط فرقها الثلاثة شرقي نهر الفرات، وهي مسألة مرفوضة لكل من دمشق وأنقرة، مع وجود نقاط خلاف جوهرية أخرى تتبدى في إصرار دمشق على أن تخضع الفرق الثلاثة التي ستشكل قوام “قسد” لسلطة وزارة الدفاع، في حين تسعى “قسد” إلى الحفاظ على هيكل قيادة مستقل، وهذا يعني فعليًا إنشاء جيش داخل جيش.
الصحيفة أوضحت أن دمشق ما تزال تنتظر رد “قسد” على مقترحها، مع الإشارة إلى أن رفض المقترح قد يؤدي إلى تصعيد مرجّح، على اعتبار أن الخيار العسكري موضوع على الطاولة وبات مطروحًا بقوة، وأن واشنطن وافقت مبدئيًا على عملية عسكرية وأبلغت أنها لن تعرقل تحركًا تقوده دمشق بالتنسيق مع أنقرة، على أن تقتصر القوات المشاركة به على الجيش السوري والقوى الأمنية من دون أي تشكيلات أخرى، حيث ستبقى القوات الأميركية خارج مناطق الاشتباك، مع احتمال تقليص وجودها في بعض النقاط، حيث تهدف العملية المحتملة إلى دمج “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية مقابل تخليها عن مطالبها السياسية والعسكرية.
مهلة 10 آذار تقترب من نهايتها… وملف «قسد» يدخل مرحلة حاسمة بين تسوية وفق شروط الدولة أو مواجهة مع واقع سياسي وأمني يتغيّر.
تابع التفاصيل. pic.twitter.com/kYdNITz1gF
— نون سوريا (@NoonPostSY) December 17, 2025
وبحسب ما ذكره الصحفي التركي، عبد القادر سيلفي، في صحيفة “حرييت” فرغم أن اتفاق آذار لم يحقق تقدمًا يذكر، وبسبب توجيهات “إسرائيل” وتحريض فرنسا وإيران، فإن “قسد” تصر على عدم إلقاء السلاح، وسيكون موقف الولايات المتحدة حاسمًا هنا، فواشنطن كانت تكتفي بالنصائح لـ”قسد”، لكنها أدركت أن الملف لن يحل بالنصائح وحدها، ما دفع الأميركيين لوضع جدول زمني لدمج “قسد” في سوريا، يتضمن دمج الوحدات العسكرية وتسليم المعابر الجمركية واستمرار الأعمال المتعلقة بتسليم حقول النفط، لافتًا لاحتمالية حدوث تأخير في عملية الدمج، مع الإشارة إلى أن الأعمال مستمرة لدمج 75% من عناصر “قسد” في الجيش السوري، و25% بقوات الأمن الداخلي، وهو مسار تتابعه أنقرة خطوة بخطوة.
الصحفي المقرب من دوائر صنع القرار التركية قال إنه عندما طُرح موضوع الدمج جرى تنشيط تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي كان خامدًا لسنوات وإعادته إلى الساحة، لافتًا إلى إحباط جهاز الاستخبارات التركية في وقت سابق، محاولة لاغتيال الرئيس السوري أحمد الشرع على يد عناصر من التنظيم جرى إخراجهم من مخيم الهول الخاضع لسيطرة “قسد”، كما أن التنظيم هاجم جنودًا أميركيين في اليوم الذي نفّذ به الأميركيون والسوريون أول عملية مشتركة، وهذا يؤكد أنه “لا يمكن محاربة تنظيم داعش الإرهابي بواسطة تنظيم إرهابي آخر وهو قسد”، وفق قوله، مشيرًا لمحاولات إسرائيلية لمنع دمج “قسد” عبر إحياء خطر تنظيم الدولة.
من جهتها، تطرقت صحيفة “يني شفق” التركية إلى تفاصيل العرض المقدم من دمشق لـ”قسد” وقالت إنه تضمن منح ثلاثة مناصب رفيعة وهي ناب وزير الدفاع ونائب وزير الداخلية ونائب قائد الأركان العامة، لـ”قسد” في سبيل إتمام عملية الدمج، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن تركيا تعتبر خطة الاندماج البديل السلمي الأخير لعملية عسكرية محتملة واسعة النطاق.
View this post on Instagram
وكان وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، قد شدد في مقابلة تلفزيونية على عدم رغبة بلاده باللجوء مجددًا للوسائل العسكرية، قائلًا إن على “قسد” أن تدرك أن صبر الأطراف المعنية بدأ ينفذ، مضيفًا أن الولايات المتحدة تدرك جيدًا ضرورة استكمال مسار الاندماج لـ”قسد” بالجيش السوري، لما له من أهمية كبيرة في وحدة سوريا، وبحسب فيدان، فإن “قسد” تحاول كسب الوقت، لافتًا إلى أن تركيا وشركاء آخرين يعتقدون أنها ربما تراهن على أزمات إقليمية أخرى أو على السياسات التوسعية الإسرائيلية، كما ذكّر بأن جميع فصائل المعارضة السورية انضوت في وزارة الدفاع، ولا يمكن لدولة أن تضم بنيتين أو ثلاث بنيات مسلحة تخضع لسلطات مختلفة.
سيناريوهات محتملة للأيام المقبلة
“خطوات عملية محدودة”
الباحث السياسي الدكتور نادر الخليل، أشار في حديثه لـ”نون بوست” إلى صعوبة تصور حدوث اختراق كامل في المحادثات بين “قسد” ودمشق في أقل من أسبوعين بعد تسعة أشهر من المماطلة، لكن مع إمكانية تحقيق “خطوات عملية محدودة” مثل تشكيل لجان اندماج وترسيم الألوية أو نشر نقاط مشتركة، فمثل هذه الإجراءات تمنح الأطراف فرصة للإعلان عن تقدم ملموس أمام الرأي العام، ولكنها لا تعني حل العقدة الجوهرية المتعلقة بالقيادة والسيطرة، كما أن التقدم السريع هنا سيكون أقرب إلى خطوة رمزية لشراء الوقت أكثر من كونه تحولاً جذرياً.
وفيما يتعلق بدوافع “قسد” للتمسك بكتلة عسكرية مستقلة تعرضها دمشق، اعتبر الباحث أن هذا الإصرار يعكس رغبتها في الحفاظ على نفوذها الأمني والاقتصادي، وضمان دورها في إدارة الموارد الحيوية، والغاية ليست فقط حماية المكاسب الميدانية، بل أيضاً فرض نفسها كطرف لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات سياسية مستقبلية، وهذا يعني أن تتحول الكتلة العسكرية إلى ورقة تفاوضية تمنح “قسد” وزنًا أكبر في المفاوضات، وتمنع تفكيكها السريع داخل المؤسسة العسكرية.
ورأى الخليل أن التجاوب الحكومي مع مطالب “قسد” أو إبداء نوع من الليونة، يعبّر عن مرونة تكتيكية هدفها تسهيل عملية الدمج وتجنب الانفجار الداخلي، مع الحفاظ على مركزية القرار السياسي والعسكري، حيث تقف حدود هذه الليونة عند أي محاولة لتحويل “قسد” إلى كيان مستقل أو شبه فدرالي، وهو ما ترفضه دمشق بشكل قاطع، فحتى لو سمحت بشيء من الإدارة المحلية أو توزيع المهام، فهذا لا يعني مطلقًا التساهل مع لامركزية سياسية أو عرقية.
وفي حال المضي قدمًا في عملية الدمج، ورغم أن طبيعة الحكم المركزي في سوريا لن تتغير، لكن واقعًا جديدًا سيقوم في شمال شرقي سوريا تتعايش فيه سلطة الدولة مع إدارة محلية مدنية مرتبطة بـ”قسد”، ما قد يؤدي إلى ازدواجية مؤقتة في القرار العسكري والإداري، ويجعل يد الحكومة هناك أقل قوة أو صلابة مما هي عليه في باقي المناطق والمحافظات، كما أن نجاح الدمج أصلًا مرهون بقدرة دمشق على تدوير القيادات وإعادة توزيع القوات بما يضمن وحدة القرار، وإلا ستظل “قسد” قادرة على فرض شروطها بشكل غير مباشر.
View this post on Instagram
كما أن “قسد” تدرك أن موقعها يتأثر بالتحركات الإقليمية، سواء عبر ضغط “إسرائيل” جنوباً، أو عبر نشاط تنظيم الدولة في البادية، فلذلك تماطل وتربط أي تنازل بضمانات أمنية وسياسية واسعة، خشية أن يؤدي الدمج السريع إلى فقدانها القدرة على مواجهة هذه التهديدات، فسلوكها ليس مجرد مناورة داخلية، وإنما انعكاس لتوازنات إقليمية معقدة تجعلها أكثر حذرًا ومماطلة في كل خطوة.
وحول احتمالية اللجوء للخيار العسكري كبديل عن المسار التفاوضي المتعثر، يرى الدكتور نادر الخليل أن العمل العسكري يبقى خيارًا مطروحًا كورقة ضغط لكنه ليس الخيار المفضل حاليًا، إذ تدرك كل الأطراف أن أي مواجهة واسعة ستفتح الباب لفوضى جديدة، وعليه فالتلويح بالقوة هو تهديد وضغط لإجبار “قسد” على تقديم تجاوب، لكن المرجح تمديد المفاوضات بعد اتخاذ خطوات جزئية تكون تمهيدية لتفادي التصعيد المباشر.
تمديد مهلة تطبيق الاتفاق؟
الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش أوضح لـ”نون بوست” أن فرص التسوية السياسية لملف “قسد” ما تزال قائمة، والأيام المقبلة لتطبيق الاتفاقية حاسمة لتحديد ذلك، مع ترجيح أن المسار المحتمل اتباعه حاليًا هو تمديد مهلة تطبيق الاتفاق ووضع خارطة طريق واضحة وجدول زمني محدد ومحدود لعملية الاندماج، بالإضافة إلى خطوات فورية سيتعين على “قسد” تنفيذها، فالمشكلة لم تكن في اتفاق الاندماج ولا في مهلة تطبيق الاتفاق، لكن المشكلة في “قسد” التي راهنت على كل شيء إلا عملية الاندماج، وهذا يعني أن الكرة اليوم في ملعبها وعليها إثبات استعدادها فعلًا لهذه العملية، وعندها يكمن الحديث عن فرص تسوية سياسية.
وبرأي علوش، فلا الرئيس السوري أحمد الشرع ولا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كانا على ثقة بـ”قسد” عندما أبرمت اتفاق الاندماج، لكنهما فضّلا المضي قدما في الاتفاق وتجميد هذا الملف عبر إغراقه في مسار تفاوضي رغم أن نتائجه كانت معروفة مسبقًا ربما بالنسبة لدمشق وأنقرة، وذلك في سبيل التفرغ لأولويات أخرى في الفترة الماضية، لكن هذا الملف اليوم تحوّل لأولوية للبلدين، في حين تريد “قسد” الاحتفاظ بنوع من الحكم الذاتي، تفسّره كل الاقتراحات والمطالب التي ترفعها وتصب في هذا الاتجاه، مع الإشارة إلى أن هذا الطرح غير مقبول بالنسبة لدمشق وأنقرة، وبالتالي فإن خيارات صعبة سيتعين على “قسد” اتخاذها لتجنب نفسها صراعًا مسلحًا مع سوريا وتركيا.
وتولي دمشق وأنقرة أولوية لمعالجة هذا الملف عبر التسوية السياسية، وهناك تطابق في الرؤى بينهما في هذا الجانب، لكن كل الليونة السورية والتركية الظاهرة في هذا الملف هدفها الوصول لتسوية سياسية دون إراقة دماء، كما أن التسوية السياسية ليست غاية بحد ذاتها بقدر ما هي وسيلة لتحقيق غاية، وإذا فشلت هذه الوسيلة ولم ترضخ “قسد” للحل السياسي، فسيكون هناك بدائل، بما فيها الخيار العسكري، بحسب الباحث محمود علوش.
واعتبر الباحث أن التدخل الإسرائيلي أنتج لـ”قسد” هامشًا إضافيًا لمواصلة لعبة الخداع في المفاوضات وشراء مزيد من الوقت أملًا بوضع مساعد لها، لكن رهانات “قسد” منذ إبرام اتفاق الاندماج كانت فاشلة، إذ راهنت على أن الرئيس الشرع لن يتمكن من إحداث استقرار في السلطة ومن تجاوز ملفات السويداء وأحداث الساحل والتعامل مع التدخلات الإسرائيلية والعقوبات الأميركية، وكل هذه الرهانات كانت فاشلة، كما أن تحركات تنظيم الدولة قد تكون مفيدة لـ”قسد” لكن ليس تمامًا، فهذا الملف سيعزز قناعة أميركية بتعزيز الشراكة الأمنية مع دمشق وأنقرة، وخصوصًا أن التجارب الماضية أثبتت أن “قسد” غير قادرة على معالجة ملف “داعش”.
أما الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، فأوضح لـ”نون بوست” أن “قسد” على مدار الأشهر الماضية كانت تعول على عدم قدرة الحكومة السورية الجديدة على الاستمرار أمام مشكلات داخلية واجهتها خلال الأشهر الماضية، لكن حالة الإجماع العربي والإسلامي والدولي على هذه الإدارة، ربما غيّرت المعادلة لدى “قسد” التي تحاول حاليًا أن تكسب الوقت، ما يجعل الحالة ضبابية وغير واضحة من جانب “قسد” مقابل وضوح حكومي يتمثل بعدم الرغبة في إحداث فوضى، لأن هذه المسائل ستؤثر على الوضع السياسي المتقدم والقائم حاليًا وستؤثر على محاولة البلاد استعادة عافيتها ومنع أي شرخ في البلاد.
كما يشير الباحث لوجود تحديات تعيق الوصول إلى تحقيق سريع لعملية الدمج، لكن في الوقت نفسه فإن إطالة عمر الأزمة يعني دخول أطراف أخرى إلى الساحة وتحديدًا إسرائيل، وهو أمر مرفوض لدمشق وأنقرة، كون استقواء “قسد” بإسرائيل سيحول الملف من أزمة داخلية إلى إقليمية، ما سيؤخر الحل بطبيعة الحال، في حين تعبّر التصريحات التركية حول عمل عسكري محتمل، عن رسائل موجهة لواشنطن مفادها أن الوضع لن يبقى على حاله وأن الخيار العسكري وارد إذا لم تضغط الولايات المتحدة على “قسد” وتدفعها نحو الاندماج.
توترات أمنية محتملة
الكاتب والباحث السياسي، أسامة شيخ علي، استبعد في حديثه لـ”نون بوست” الوصول لاندماج كلي (إداري وخدمي وأمني وعسكري) في أقل من أسبوعين متبقيين حتى نهاية المهلة، لكنه رجّح وصول “قسد” إلى نقطة اللاعودة وتثبيت اتفاق عسكري أمني، مع وجود بوادر قوية لذلك، حتى لو كانت اتفاقًا مكتوبًا فقط حاليًا، على أن تتحقق خطوات عملية لاحقًا في إطار اتفاق العاشر من آذار، وليس بمعزل عنه.
ويرى شيخ علي أن “قسد” تسعى لضمانات دستورية تحفظ لها وجودًا حقيقيًا في مستقبل سوريا السياسي والعسكري، فهناك أزمة ثقة بين طرفي الاتفاق، ورغبة “قسد” بالاحتفاظ بثلاث فرق عسكرية لـ”قسد” في شمال شرقي سوريا تعبّر عن رغبتها بأن تكون ذات اليد العليا في المنطقة، مشيرًا إلى أن تجاوب الحكومة في المفاوضات مع “قسد” لا يعتبر “ليونة” فهذا حوار سوري- سوري قائم على اتفاق مبرم، وتنازل الطرفين لا يعتبر خسارة، بل مكسب على المدى الطويل للشعب السوري يجنب البلاد مزيدًا من الدماء وحروبًا جديدة.
كما يستبعد الباحث أن يكون العمل العسكري كمعركة مفتوحة خيارًا مطروحًا على الطاولة، مشيرًا لاحتمالية حصول توترات أمنية في خطوط التماس إذا لم يصل الطرفان إلى توافق حول الدمج الذي من شأن تحققه إحداث تغييرات في المشهد السوري الداخلي، فاندماج “قسد” سيخفف توترات الساحل وربما يمهد لحل في السويداء، كون العقدة الأكبر حاليًا هي عقدة “قسد” وحلها بصيغة سلمية سيمنح تأثيرات إيجابية، أما إذا حصلت معركة كبيرة فقد تتزايد التوترات الداخلية وهو ما لا تنشده الحكومة السورية الجديدة، فدون حل مشكلة شمال شرقي سوريا لن يكون هناك استقرار أمني في البادية ومناطق أخرى.
ومن مصلحة إسرائيل استمرار حالة الهشاشة في سوريا ورفض “قسد” للاندماج، والإبقاء على بؤر توتر متوزعة في الخريطة السورية، فربما تشجع “إسرائيل” بعض الأطراف في “قسد” على المماطلة، رغم أن توقيع اتفاق العاشر من آذار يعبّر عن قناعة لدى قائد “قسد” مظلوم عبدي وفريقه بأن مستقبلهم سيكون في الانضمام إلى الدولة السورية لا في البقاء كحالة منعزلة شمال شرقي سوريا.
وإذا أرادت “قسد” أن يكون لها مستقبل في سوريا فعليها المضي في خطوات جدية نحو الاندماج إذ لا أفق لموضوع الانعزال وحالة الأمر الواقع، والدعم الدولي لا يمكن أن يستمر للأبد، بحسب الباحث الذي استبعد ميل تركيا لحل عسكري لهذا الملف، مع إمكانية تقديمها دعمًا لوجستيًا للحكومة السورية دون الدخول بشكل مباشر، سواء لتجنب أي عقوبات غربية محتملة أو لأسباب تتعلق بديناميات السياسة الداخلية التركية والعمل على صياغة سلام مع “حزب العمال الكردستاني” في تركيا، بقيادة عبد الله أوجلان، لكنها تلوح بالخيار العسكري لممارسة نوع من الضغط ودفع “قسد” نحو الاندماج.