لم يكن اتهام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مايو/ أيار 2025، لحكومة جنوب أفريقيا بارتكاب “إبادة جماعية” بحق المزارعين البيض، وما تبعه من محاولات لعزل بريتوريا دبلوماسيًا، حدثًا عابرًا، بل إشارة مبكرة لمسار تصعيدي أوسع، جعل التساؤل ينصبّ آنذاك لا على احتمال استهداف دولة أفريقية أخرى ذات ثقل إستراتيجي، بل على توقيت ذلك فقط.
ولم تمضِ سوى أشهر حتى أُدرجت نيجيريا في السردية ذاتها، لكن هذه المرة تحت عنوان “اضطهاد المسيحيين”، لتنتقل الدولة التي تبعد آلاف الأميال عن واشنطن من شريك أمني واقتصادي في غرب أفريقيا إلى هدف لخطاب عسكري مغلّف بسردية دينية، تبدو أقرب إلى منطق الهيمنة والابتزاز السياسي منها إلى حماية المسيحيين.
من النقد الدبلوماسي إلى طبول الحرب
لم تبدأ علاقة إدارة ترامب بنيجيريا بالصدام العسكري المباشر، فقد اتسمت سياسته خلال ولايته الأولى بالبرود الدبلوماسي والضغط الناعم في ملفات الأمن والحريات الدينية، لكن مع عودته للبيت الأبيض، تغيرت لغة السياسة وحدتها، وانتقل الخطاب من الانتقاد الحقوقي الفضفاض إلى التهديد والوعيد. هذا التحول نتج عن تراكم سياسي وأيديولوجي داخل إدارة جديدة يهيمن عليها اليمين، مصحوبًا بخطاب شعبوي تغلِّفه العنجهية.
في البداية، اقتصر الموقف الأمريكي على إعادة إدراج نيجيريا ضمن قائمة “الدول المثيرة للقلق بشكل خاص” في مجال الحريات الدينية، بموجب “قانون الحرية الدينية الدولية” لعام 1998، الذي يمنح صلاحية معاقبة الدول المتهمة بانتهاك حرية الدين والمعتقد، وهو تصنيف سبق أن استخدمته إدارة ترامب الأولى قبل أن تلغيه إدارة جو بايدن لاحقًا، لكن الجديد في ولايته الثانية هو تجاوز القنوات البيروقراطية التقليدية، مثل توصيات لجنة الحريات الدينية الدولية التابعة للكونغرس، وأصدر حكمه السياسي مسبقًا.
اللافت أن نقطة التحول المفصلية جاءت في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2025، بعد بث قناة “فوكس نيوز” ذات التوجه اليميني المحافظ، تقريرًا شاهده ترامب حين كان على متن الطائرة الرئاسية. قدّم التقرير العنف في نيجيريا ضمن إطار ديني خالص، وعرض مشاهد مجتزأة من سياقها باعتبارها دليلًا على حملة منهجية لاستهداف المسيحيين في نيجيريا.
لم ينتظر ترامب تدقيقًا أو تحققًا، بل انتقل مباشرة إلى منصته “تروث سوشيال” ليعلن – بنبرة دينية مشحونة وغير مسبوقة – موقفًا تصعيديًا، مستخدمًا لغة تتجاوز الأعراف الدبلوماسية إلى خطاب تعبوي أقرب إلى بيانات الحرب.
لم يلبث هذا الخطاب أن تصاعد خلال أيام قليلة، حين أعلن ترامب إرسال بعثة لتقصي الحقائق بقيادة عضو الكونغرس الجمهوري رايلي مور، ولوّح بوقف جميع المساعدات الأمريكية وفرض عقوبات، فيما كشف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، المعروف بانتمائه للتيار المسيحي المتدين وتأثير معتقداته على مواقفه السياسية، عن نية فرض قيود على التأشيرات بحق من يُشتبه بتورطهم في “قتل المسيحيين” في نيجيريا.
حتى ذلك الحين، لم تكن نيجيريا حاضرة في الوعي الأمريكي العام بوصفها ساحة صراع دولي محتمل، حتى رفع ترامب خلال أيام قليلة سقف التهديدات إلى التدخل العسكري، معلنًا أنه أصدر تعليماته لوزارة الحرب (التسمية الجديدة لوزارة الدفاع) بالاستعداد لتحرك قد يشمل غارات جوية وإنزالًا بريًا، مؤكدًا أن الرد سيكون “سريعًا وعنيفًا”، ليحوِّل بذلك ملفًا دينيًا – يفترض أنه إنساني – إلى مسوّغ علني لعمل عسكري ضد دولة ذات سيادة.
هذا التحول السريع يكشف نمطًا متكررًا في إدارة ترامب يتمثل في القفز من الخطاب الحقوقي والضغط السياسي إلى التهديد العسكري دون مراحل وسطية واضحة، وهو نمط سبق أن ظهر في تعامله مع إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية، لكنه يكتسب في الحالة النيجيرية خطورة مضاعفة بسبب توظيف الدين، واستدعاء ثنائية “المسيحيين مقابل المسلمين” في سياق أفريقي شديد الهشاشة.
الأخطر من ذلك أن الخطاب لم يصدر في فراغ، فقد تزامن مع خطاب روّج له بعض المشرعين وناشطي الصهيونية المسيحية اليمينيين، وتبعته تحركات تشريعية داخل الكونغرس، قادها حلفاء ونواب جمهوريون متحمسون ومعروفون بقربهم من التيار الإنجيلي، مثل السيناتور تيد كروز، الذي بنى مسيرته السياسية على المزج بين القضايا الدينية والسياسة الخارجية، والذي لم يكتفِ بالتحريض الإعلامي، بل سعى منذ أشهر – مع آخرين مثل رايلي مور – إلى دفع الإدارة نحو تصعيد الموقف ضد نيجيريا، بل وقدَّم مشروع قانون لمناهضة اضطهاد المسيحيين النيجيريين، وضغط على الخارجية الأمريكية لإعادة تصنيف نيجيريا دولة منتهكة للحريات الدينية.
لم تكن تشريعات كروز ومقترحاته التي تفوح منها رائحة الإسلاموفوبيا والغطرسة، منفصلة عن ضغوط شبكة من الفاعلين داخل واشنطن التي أوصلت سردية “اضطهاد المسيحيين” في نيجيريا إلى مكتب الرئيس، ويقف في قلب هذه الشبكة قاعدة إنجيلية ترى في العالم ساحة صراع ديني، وتعتبر نفسها حامية “المسيحية المضطهدة” عالميًا، وهو ما يفسر سبب ضغطهم المباشر على ترامب للتحرك لحماية المسيحيين.
في قلب صناعة هذه السردية في واشنطن أيضًا، تأتي جماعات ضغط ومنظمات تعمل تحت شعار “الحرية الدينية”، لكنها في الواقع تمارس ضغطًا سياسيًا انتقائيًا يخدم خطابًا سياسيًا، حتى داخل الإدارة الأمريكية نفسها، برز دور مستشارين دينيين مقرّبين من ترامب – مثل القسيسة بولا وايت التي كانت رئيسة للمجلس الاستشاري الإنجيلي لحملة ترامب عام 2016 – قدّموا له الأزمة النيجيرية بوصفها “معركة أخلاقية كونية”.
في هذا السياق، لا يبدو التلويح بالحرب انحرافًا مفاجئًا، بل نتيجة منطقية لمسار تصعيدي بدأ بخطاب ديني، وتغذّى من إعلام يميني لعب دورًا مركزيًا في نقل هذه السردية من هوامش الخطاب الديني إلى قلب القرار السياسي، وتكرّس عبر لوبيات ضغط منظمة، وانتهى عند حافة الخيار العسكري، ليشكل واحدًا من أخطر التهديدات المباشرة التي وجهتها أمريكا لدولة أفريقية في التاريخ الحديث، وهو تهديد يستند إلى سردية دينية تستدعي تصنيفات “نحن” و”هم” كما لو أن العالم عاد إلى منطق الحروب المقدسة.
نيجيريا: بين العنف المركَّب والواقع المعقد
لفهم خطورة الاختزال الديني الذي تتبناه إدارة ترامب، لا بد من الابتعاد عن الروايات المبسطة التي تقدم البلاد كساحة صراع ديني ثنائي، فنيجيريا ليست فقط أكبر دول إفريقيا سكانيًا، بل واحدة من أكثرها تعقيدًا من حيث الطبيعة الديمغرافية والتركيبة العرقية والدينية والسياسية.
ويتخذ العنف الذي يضرب البلاد أشكالًا متعددة، وتتوزع الجماعات المسلحة على خريطة جغرافية معقدة، ففي الشمال الشرقي، تنشط التنظيمات الجهادية مثل “بوكو حرام وأنصارو ولاكوراوا وولاية غرب إفريقيا”، ويشكل المسلمون فيها النسبة الأكبر من الضحايا، بحكم الكثافة السكانية وطبيعة الصراع.
وفي الشمال الغربي ووسط البلاد، يبرز نمط مختلف من العنف تقوده عصابات مسلحة تُعرف محليًا بـ”قطَّاع الطرق”، تمارس الخطف والقتل مقابل الفدية، دون أي دافع ديني. ضحايا هذه العصابات من المسلمين والمسيحيين معًا، ما يكشف الطابع الاقتصادي الإجرامي للصراع.
وفي “الحزام الأوسط”، حيث التداخل الديني والعرقي، تظهر اشتباكات دامية بين الرعاة والمزارعين، غالبًا ما تُلبس ثوبًا دينيًا، رغم أن جذورها الحقيقية تعود إلى التنافس على الأراضي والمياه وتداعيات التغير المناخي والتوسع السكاني. هنا أيضًا، يسقط الضحايا نتيجة النزاع على الموارد لا العقيدة.
أما الجنوب الشرقي – حيث يغلب الطابع المسيحي، مع وجود أقليات دينية أخرى – فيمثل ميدان صراع آخر، حيث تأخذ الأزمة منحى سياسيًا انفصاليًا، تقوده جماعات انفصالية مسيحية من عرقية الإيغبو التي تبحث عن هويتها، أبرزها حركة شعب الإيبغو، التي تطالب بالانفصال وإحياء دولة بيافرا بعد فشل محاولتها في الستينات، وتستهدف في عملياتها مؤسسات الدولة ومدنيين. والمفارقة أن معظم ضحايا هذا العنف من المسيحيين أنفسهم، ما ينسف مجددًا رواية “اضطهاد ديني أحادي الاتجاه”.
The persecuted people of #Biafra joyfully appreciate the intervention of the United States government lead by President @realDonaldTrump @POTUS on the persecution of Christians and the Indigenous People Of Biafra and we wish to ask that a permanent solution be employed by the US… pic.twitter.com/3N2JCUZtaJ
— DOS Press Secretary (@real_DOS_Press) November 2, 2025
كل هذه الوقائع تكشف أن العنف في نيجيريا ظاهرة مركَّبة لا يمكن اختزالها في صراع ديني بسيط، بل يضرب المجتمعات المحلية وفق الجغرافيا والظروف الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يجعل السردية الأمريكية – التي تتجاهل هذه التعقيدات – ليست فقط مضللة، بل خطيرة، لأنها تفتح الباب أمام تدخلات خارجية تُبنى على فهم خاطئ للواقع، وقد تؤدي إلى تعميق الصراعات بدل حلها.
أسطورة اضطهاد المسيحيين
منذ اللحظة التي لوّح فيها ترامب بورقة المسيحيين، تحوَّّل مصطلح “الاضطهاد” من توصيف قانوني إلى أداة سياسية فضفاضة تُستخدم بلا ضوابط، لكن عند إخضاع هذه المزاعم للفحص الإحصائي والبحثي، تتهاوى بسرعة، حيث تُظهر بيانات منظمات مستقلة صورة مختلفة جذريًا.
ووفقًا لمشروع بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة “ACLED”، كان عدد القتلى الذين سُجلت هويتهم الدينية 317 مسيحيًا مقابل 417 مسلمًا في هجمات مستهدفة دينيًا حتى سبتمبر/ أيلول 2025، وهذا يكشف أن الضحايا الأساسيين للهجمات التي استهدفت المدنيين في نيجيريا خلال السنوات الأخيرة، هم أساسًا من المسلمين، خصوصًا في المناطق الشمالية.
لم تجعل الجماعات المسلحة من المسيحيين هدفها الوحيد، ولا حتى الأساسي، فهجماتها الأولى، منذ 2009، وُجّهت في الغالب إلى مساجد وشيوخ دين وزعماء مجتمعات مسلمة رفضت أيديولوجيتها أو تعاونت مع الدولة، ومع ذلك، يبدو جليًا أن الاهتمام الأمريكي مدفوعًا بالأساس بالهاجس الأمني مما يسمى بـ”الإرهاب”، خصوصًا مع ظهور تنظيم الدولة وعدد من التنظيمات التابعة له في الساحل.
وطالت عمليات القتل الجماعي التي نفذتها هذه الجماعات في أسواق وقرى شمال نيجيريا مسلمين ومسيحيين دون تمييز، حتى بعض المسؤولين المسيحيين النيجيريين، خصوصًا في الشمال، نفوا وجود اضطهاد، وأكدوا أن المشكلة أمنية وليست دينية، فيما أكدت الحكومة النيجيرية أن العنف في البلاد لا يستهدف مجموعة إثنية محددة، لكن هذه الأصوات غالبًا ما تُهمَّش في الإعلام الأمريكي لصالح روايات أكثر إثارة، تخدم أجندات سياسية محددة.
— Ministry of Foreign Affairs, Nigeria 🇳🇬 (@NigeriaMFA) November 1, 2025
أما التقارير التي يستند إليها أنصار سردية الاضطهاد، فهي تعاني من مشكلات منهجية واضحة، منها غياب الشفافية في مصادر الأرقام، والخلط بين الدوافع الدينية والاقتصادية للعنف، والتوسّع في تصنيف الضحايا باعتبارهم “قُتلوا بسبب إيمانهم” دون أدلة ميدانية كافية، ما قد يؤدي إلى تضليل الرأي العام وإساءة فهم طبيعة الأزمة الحقيقية في نيجيريا.
والأهم من ذلك أن الحكومة النيجيرية، رغم ضعفها الأمني وقصور أدائها في ملفات عديدة، لا تتبنى سياسة اضطهاد ديني ممنهجة، بل إن الدستور النيجيري يكفل حرية المعتقد، وتوجد مؤسسات دينية مسيحية فاعلة في مختلف أنحاء البلاد، بما في ذلك الشمال، وتضم الدولة في هياكلها السياسية والعسكرية والقضائية قيادات مسيحية بارزة، وتخضع لرقابة مجتمع مدني نشط، ما يدحض فكرة “الدولة المعادية للمسيحية” التي يروِّج لها الخطاب الأمريكي.
الأطماع الأمريكية الخفية
حين يستدعى ترامب لغة “حماية المسيحيين” كذريعة للضغط أو حتى للتدخل، لا يكون الدافع إنسانيًا بقدر ما هو انتخابي واستراتيجي، إذ يشكّل الإنجيليون البيض إحدى ركائز قوته السياسية، وتُعد هذه الكتلة من الأكثر انضباطًا داخل الحزب الجمهوري، ولا سيما في الولايات المتأرجحة، ما يدفعه إلى توظيف السياسة الخارجية لإرضائها.
وعزّز ترامب هذا التوجه بإرسال رسائل خارجية مفادها أن واشنطن في عهده ليست منكفئة على الداخل، بل مستعدة للتحرك لحماية “الإيمان المسيحي” عالميًا، وهو ما ترجمه عمليًا بإعلانه تشكيل مهمة حكومية لمكافحة ما وصفه بـ”التحيز ضد المسيحيين”، ضمن خطة أوسع للدفاع عن حرية المعتقد حول العالم.
خارجيًا، يبدو الدين واجهة صاخبة تخفي وراءها مصالح أمريكية ملموسة، فنيجيريا ليست دولة هامشية في الحسابات الأمريكية، فهي أكبر منتج للنفط في أفريقيا، وعضو مؤثر في “أوبك”، وتمتلك احتياطيات ضخمة من الخام منخفض الكبريت الذي تفضله المصافي الأمريكية. هذا المورد وحده كافٍ لجعلها ضمن دائرة الاهتمام الدائم لواشنطن.
لكن الأهمية لا تتوقف عند النفط، إذ تجلس نيجيريا فوق مخزون واعد من المعادن الاستراتيجية مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل، ما يجعلها لاعبًا محتملًا في سلاسل التوريد العالمية الجديدة، وهدفًا لصراع مفتوح مع الدول الكبرى، خاصة الصين، التي رسخت حضورها هناك عبر استثمارات في البنية التحتية والتعدين والطاقة، مستفيدة من خطاب “الشراكة بلا شروط سياسية” الذي يلقى قبولًا واسعًا في أفريقيا.
كذلك تثير التوجهات الدبلوماسية الجديدة لأبوجا قلق واشنطن، ولا سيما تقاربها مع تكتلات مثل “بريكس” وتعزيزها شراكات مالية وتجارية خارج الفلك الأمريكي، بما يتيح لها تمويلًا أقل خضوعًا للشروط السياسية. ويتعاظم هذا القلق مع تمدد النفوذ الروسي عسكريًا وسياسيًا في دول الساحل وغرب أفريقيا، وطرحه نفسه بديلًا أمنيًا عن الغرب، ما يهدد النفوذ الأمريكي التقليدي في المنطقة.
إلى جانب الدوافع الاقتصادية والجيوسياسية، يبرز عامل سياسي حساس يتمثل في موقف نيجيريا من الشرق الأوسط، ولا سيما القضية الفلسطينية، والذي تكرّس خلال الحرب الأخيرة على غزة، عبر دعم وقف إطلاق النار، وانتقاد العمليات العسكرية الإسرائيلية، والتأكيد على حل الدولتين، ما جعل نيجيريا – بحكم ثقلها الديمغرافي والسياسي في أفريقيا – صوتًا أفريقيًا مزعجًا في حسابات واشنطن وحلفائها، خصوصًا في لحظات اشتداد العزلة الأخلاقية لـ”إسرائيل” على الساحة الدولية.

إلى جانب ذلك، رفضت نيجيريا مرارًا طلبات أمريكية بقبول مهاجرين وسجناء مرحّلين، مؤكدة أنها لا تستطيع تحمّل أعباء إضافية في ظل تحدياتها السكانية والاقتصادية. وقد تزامن هذا الرفض مع توتر ثقافي وسياسي، تجلّى في سحب تأشيرة الأديب النيجيري الحائز نوبل، وولي سوينكا، بعد انتقاداته العلنية لإدارة ترامب.
هنا يتحول الدين إلى أداة ابتزاز سياسي، إذ يُوظَّف الخطاب الأمريكي كوسيلة ضغط غير مباشرة لإعادة ضبط السلوك الخارجي لنيجيريا، ودفعها إلى تعديل مواقفها من فلسطين أو تحييد دورها في دعمها أفريقيًا. وفي هذا الإطار، تصبح ملفات الطاقة والاستثمار ساحة مساومة، تُطالَب فيها أبوجا بتنازلات مقابل التهدئة ورفع الضغوط، وإلا واجهت حملات تُسوَّق غربيًا بوصفها دفاعًا عن القيم الإنسانية.
المفارقة أن هذا النهج قد يأتي بنتائج عكسية، إذ يدفع نيجيريا إلى فك الارتباط بالهيمنة الغربية بدلًا من العودة إلى الفلك الأمريكي، وقد يؤدي تحويل معاناتها المعقدة إلى رواية دينية مبسطة إلى تأجيج الانقسامات الطائفية وتغذية خطاب التطرف، بما يسرّع تآكل ما تبقى من مصداقية الخطاب الأمريكي في أفريقيا وخارجها.
في المحصلة، لا يمكن فصل التصعيد الأمريكي ضد نيجيريا عن شبكة مصالح أوسع تتكشف خلفها لعبة قوة كلاسيكية، يُستخدم فيها الدين كسلاح، والأخلاق كأداة ابتزاز، والموارد كغنيمة، والدول الأفريقية كساحات اختبار لاستقلال قرارها السيادي، ورفضها الانخراط الكامل في صراع لا يخلو من الأقنعة، وأجندات لا تخدم مصالحها.