في تحرك دبلوماسي مفاجئ منتصف ديسمبر/كانون الأول 2025، دخلت كل من السعودية والولايات المتحدة على خط إنهاء الحرب السودانية المستعرة منذ أكثر من عامين، وذلك عبر لقاء صامت بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان ومبعوث أمريكي.
وخلال الاجتماع، طُرح على البرهان خطة سلام أطلق عليها اسم “بروتوكول الرياض”، تتكون من ثلاث نقاط وتهدف إلى وقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية، وتسليم السلطة لحكومة مدنية، بحسب موقع سودان تريبيون.
هذه المبادرة جاءت بعد أسابيع قليلة من تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني، قال فيها إن ولي العهد السعودي “طلب منه التدخل بشكل حاسم” لوقف أسوأ كارثة إنسانية في العالم، بحسب وصف الأمم المتحدة.
فهل ينجح هذا الجهد السعودي-الأمريكي غير المسبوق في فرض السلام على جنرالات الحرب في الخرطوم، أم أن السودان يتجه نحو سيناريو ليبي من الانقسام والفوضى؟
اللقاء الصامت في الرياض
الأطراف المشاركة: ابن سلمان والبرهان ومسعد بولس المبعوث الأمريكي الجديد للسودان والمستشار الأول لترامب في الشؤون الأفريقية.
كواليس الاجتماع: مارس السعوديون والأمريكيون ضغوطًا مكثفة لدفع البرهان نحو قبول خطة وقف الحرب، بحسب تسريبات نقلها موقع سودان تريبيون.
رد البرهان: طلب الجنرال السوداني مهلة قصيرة لدراسة المقترحات بدل رفضها مباشرة وهو تطور لافت بعد أسابيع من تصلبه.
وقد خرج قائد الجيش من اللقاء بلهجة أكثر مرونة؛ إذ أصدرت الخارجية السودانية بيانًا غير معتاد يعلن “ترحيب البرهان بجهود الرئيس ترامب” واستعداد السودان للعمل معه ومع وزير خارجيته ومبعوثه لتحقيق السلام.
ضغط أمريكي: أكّد ترامب أنه يتابع الملف السوداني “شخصيًا”، ملوحًا بأنه القائد العالمي الوحيد القادر على حل الأزمة.
ولم يستبعد البيت الأبيض اللجوء إلى توسيع العقوبات الفردية على كل من يعرقل وقف إطلاق النار، وفق الغارديان البريطانية.
ويواجه كل من البرهان وقائد مليشيات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) عقوبات أمريكية حاليًا، وقد تتوسع القائمة لتشمل المزيد من قادة الجيش والمليشيا إذا استمرت الحرب، بحسب رويترز.
هكذا، أوصل مسعد بولس رسالة حازمة للجنرالين مفادها أن نافذة التسوية لن تبقى مفتوحة طويلًا، وأن البديل سيكون عزلة وعقوبات أشد.

خطة النقاط الثلاث الأمريكية
الخطة التي عُرضت في الرياض لا تطرح شروطاً جديدة بقدر ما تعيد تفعيل بنود خطة سابقة أقرتها اللجنة الرباعية، المكونة من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر في سبتمبر 2025، ولكن هذه المرة مقرونة بتهديدات مباشرة بالعقوبات.
وفقًا للتسريبات، فإن خطة السلام الأمريكية المعروضة عبر منصة الرياض تتألف من ثلاثة محاور رئيسية:
- وقف إطلاق نار شامل: إعلان هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر في عموم البلاد كخطوة أولى، يتبعها تثبيت دائم لوقف القتال. فيما ستنشأ آلية دولية لمنع الخروق، مع نشر فرق لمراقبة وحماية المدنيين في المناطق الحساسة.
- ممرات إنسانية آمنة: فتح ممرات إنسانية إجبارية لإيصال الإغاثة إلى جميع المناطق المنكوبة، إذ ستشرف لجنة دولية على تأمين طرق المساعدات وضمان عودة الخدمات الأساسية في كافة أنحاء البلاد.
- انتقال سياسي بقيادة مدنية: الشروع في عملية انتقال سياسي تُفضي خلال 9 أشهر من بدء الهدنة إلى تشكيل حكومة تكنوقراط مدنية بصلاحيات واسعة لإدارة الفترة الانتقالية. وستستبعد هذه الحكومة رموز النظام السابق، كما لن تضم أيًا من قادة الجيش أو “الدعم السريع”.
رأي المتنازعين في الخطة
هذه الشروط القاسية تمثل تنازلات جوهرية لكلا الطرفين، فبحسب الجزيرة، سيُجبر البرهان على التخلي عن قبضته على السلطة وتسليم زمام الأمور إلى حكومة مدنية غير خاضعة للعسكر، كما سيخضع الجيش نفسه لإعادة هيكلة قد تُطيح بنفوذ كبار قادته.
في المقابل، سيفقد حميدتي أي شرعية سياسية، وسيتم تفكيك مليشياته ودمج عناصرها في الجيش تدريجيًا ضمن عملية الإصلاح الأمني.
موقف الجيش
- وصف البرهان خطة سبتمبر بأنها “أسوأ مقترح منذ بداية الحرب”، مبينا أنها “تقضي على الجيش بينما تُبقي الدعم السريع قائمًا”.
- كرر البرهان سابقا أنه لن يقبل بوقف إطلاق النار إلا بعد “هزيمة الدعم السريع بالكامل”.
- ياسر العطا أحد كبار قادة الجيش صرّح مؤخرًا بأنهم سيواصلون القتال “حتى يوم القيامة” إذا تطلب الأمر.
موقف الدعم السريع
- أبدى حميدتي مرونة تكتيكية مخادعة تجاه المقترح، زاعما التزامه بهدنة إنسانية من طرف واحد لثلاثة أشهر تجاوبًا مع المبادرة الدولية.
- الوقائع على الأرض تناقض التصريحات؛ فقد استمرت المعارك العنيفة بلا هوادة في إقليم كردفان وجنوب دارفور حتى بعد إعلان الهدنة.
وترى رويترز أن حميدتي ربما يراهن على قبول الخطة لكسب الوقت وترتيب أوضاع حكومته الموازية في دارفور، خصوصًا أنه يتفوق ميدانيًا في الغرب السوداني حاليًا.
في المقابل، يعتبر البرهان وحلفاؤه أن قبول الهدنة دون ضمانات يعني إعطاء خصمهم فرصة لالتقاط الأنفاس وتعزيز مكاسبه، في عملية شد وجذب تفسّر حالة الجمود التي اعترت جهود الوساطة طيلة الأسابيع الماضية.

مواقف الأطراف الإقليمية
منذ بدء الحرب في أبريل 2023، ظلت مصر والسعودية تقليديًا أقرب إلى الجيش السوداني، بينما دعمت الإمارات مليشيات الدعم السريع.
لكن القناعة بعدم وجود حسم عسكري بالأفق، وخطر تفكك السودان إذا استمرت الحرب، دفع الجميع إلى طاولة واحدة لدعم حل سياسي عاجل.
وتجسد ذلك في تبني الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات خريطة الطريق المشتركة في 12 سبتمبر لإنهاء الحرب.
وفي الشهور الأخيرة، لوحظ تبدّل نسبي في لهجة الإماراتيين، على ما يبدو استشعارًا لتبعات ربط اسم الدولة بجرائم الحرب في السودان.
فخلال مؤتمر صحفي مشترك مع المبعوث الأمريكي في أبوظبي نهاية نوفمبر، جلس أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي إلى جانب مسعد بولس مؤكدًا ترحيب بلاده بالمساعي لإنهاء الحرب وإدانتها “الفظائع المرتكبة من كلا الطرفين”، وفق تعبيره.
وفي موقف لافت، صرّحت لانا نسيبة، مندوبة الإمارات في الأمم المتحدة، بأن الحل في السودان يكمن في عودة الحكم المدني الشامل، مشددةً على أنه “لا يمكن للمجتمع الدولي قبول إعادة تأهيل أي من طرفي النزاع سياسيًا” بعد ما اقترفوه من انتهاكات، بحسب وصفها.
إلى أين يتجه السودان؟
على الرغم من هذا الزخم الدبلوماسي غير المسبوق، لا تزال علامات الاستفهام كبيرة حول مدى استعداد قادة الحرب في السودان لوقفها، وذلك في ظل تصريحات قادة الجيش الرافضة للتنازل ومراوغة حميدتي الذي تعززت أوراقه التفاوضية مؤخرا بسيطرته على كامل إقليم دارفور.
وبحسب وكالة رويترز، إذا رفض الجنرالان الرضوخ للضغوط الدولية الحالية، فإن السودان ماضٍ على ما يبدو نحو سيناريو شبيه بليبيا بعد 2014: حكومتان متوازيتان وجيشان يتقاسمان السيطرة بدون منتصر.
وترسخت مقدمات هذا الواقع بالفعل خلال العام 2025؛ إذ أعلن حميدتي في أغسطس/آب عن تشكيل حكومة موازية في مدينة نيالا جنوب دارفور، تحت مظلة تحالف سياسي برئاسته أسماه تحالف تأسيس السودان. في المقابل، كان البرهان قد شكل في مايو/أيار حكومة مضادة في بورتسودان.
هذان الكيانان السياسيان يعملان الآن بالتوازي ويدّعي كلٌ منهما الشرعية؛ فحكومة البرهان تحظى بدعم خارجي نسبي باعتبارها “معترف بها دوليًا” رغم أنها وليدة انقلاب 2021، بينما تسيطر حكومة حميدتي فعليًا على أجزاء واسعة من البلاد لكنها غير معترف بها من أي دولة.
ولذلك، تنبع أهمية مبادرة الرياض من كونها توقف سقوط السودان في هاوية التفكك الكامل، لكن في النهاية، يبقى السؤال: هل يرضخ جنرالات الخرطوم لهذا الحل المفروض من الخارج؟
الأيام القادمة كفيلة بتحديد أي الطريقين سيمضي فيه السودان: السلام المفروض أم الانقسام المحتوم.