في خطوة سريعة ومثيرة للجدل، أقامت حركة “ماك” الانفصالية المصنفة على لائحة الإرهاب الجزائرية (منذ 18 مايو/ أيار 2021)، حفل إعلان الاستقلال المزعوم لمنطقة القبائل وتأسيس ما أسمته “جمهورية القبائل الاتحادية“، فمن هي هذه الحركة؟ ومن هو مؤسسها؟ وما هي طبيعة أهدافها وسعة انتشارها ونفوذها على أرض الجزائر؟
بتاريخ 14 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وبالتحديد عند الساعة 6:57 مساءً، أمضى رئيس حركة “ماك” فرحات مهني على وثيقة ما يسمى بـ”استقلال جمهورية القبائل الاتحادية”، في حفل أقيم في قاعة حفلات خاصة في منطقة إيل دو فرانس، حشدت له مختلف وسائل الإعلام الفرنسية، لا سيما اليمينية المعروفة بعدائها الشديد للبلاد، كما وجهت الدعوة لشخصيات إسرائيلية يدعمون إعلان الانفصال المزعوم، مثل الأكاديمي إيمانويل نافون الذي وجه رسالة تربط بين “نضال القبائل” وتجربة تأسيس “إسرائيل”.
كما شاركت شخصيات مغربية وأخرى من كندا وفرنسا تحت غطاء الدفاع عن حقوق الإنسان والأقليات، وخلال الحفل رُدِّدَ “النشيد الوطني القبائلي” بمشاركة قيادات بارزة في الحركة وممثلين عما يعرف بـ”البرلمان القبائلي”، وظهر فرحات مهني وخلفه علم خاص ليتلو ما سمي “بيان الاستقلال”، معلنًا قيام “جمهورية القبائل الاتحادية” ومحددًا حدودها الجغرافية، وداعيًا إلى “مفاوضات سلمية” مع الدولة الجزائرية على غرار نموذج التشيك وسلوفاكيا.
نستعرض في هذا التقرير تفاصيل عن نشأة وأهداف الحركة وزعيمها وطبيعة حضورها ونفوذها في الجزائر.
كان أول ظهور إعلامي لفرحات إيمازيغن إيمولا المعروف إعلاميًا باسم فرحات مهني، في سنة 1994 مع مقدمة برنامج “صباحيات” في التلفزيون الجزائري عفيفة معلم، استعرض فيه مسيرته الفنية التي انطلقت في أواخر سبعينيات القرن الماضي ونضاله من أجل جزائر لكل الجزائريين.
ومن أهم التصريحات التي أدلى بها في اللقاء الصحفي: “أنا مواطن جزائري من أصل أمازيغي.. ولدت على ثرى هذه الأرض الطيبة.. أنا ابن الجزائر وأحب بلادي وأعتز بجزائريتي”، لكن وعلى ما يبدو أن معتقداته، أفكاره ومبادئه الأساسية التي كان يؤمن بها قد تغيرت وأصبحت لديه رؤية جديدة تقوم على الانفصال.
كان أحد الفاعلين البارزين في الحركة الثقافية الأمازيغية التي تعرف باللغة الفرنسية (Mouvement Culturel Berbére)، وجمعية أبناء الشهداء (منظمة تضم أبناء الشهداء أثناء ثورة التحرير ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر) رفقة كل من السعيد سعدي ونور الدين آيت حمودة وكاتب ياسين (اسمه الحقيقي محمد خلوطي، كاتب وأديب جزائري ويعتبر من أبرز كتّاب الأدب الفرنكوفوني)، والمعروف عنه أنه كان مغنٍ ملتزم، يردد أغاني الهوية الأمازيغية، أصبحت بمرور الوقت سلاح الجماهير في مدرجات الملاعب.
كشف موقع “ميدل إيست آي” عن تصاعد التوترات بين الجزائر والإمارات، مع اتهامات جزائرية متكررة لأبوظبي بالتدخل في الشؤون الداخلية، ودعم أطراف معادية، والتحرك ضمن محور إقليمي يشمل المغرب و”إسرائيل”، بما يشكل تهديدًا خطيرًا لأمنهم القومي.
الجزائر تعتبر الدعم الإماراتي للمغرب في ملف… pic.twitter.com/xHG5JMr0hs
— نون بوست (@NoonPost) November 27, 2025
دخل السجن لأول مرة في أعقاب الربيع الأمازيغي الذي شهدته البلاد في 20 أبريل/ نيسان 1980، عندما منعت السلطات الجزائرية الكاتب مولود معمري من إلقاء محاضرة في جامعة “تيزي وزو” (مدينة جزائرية تقع على بعد 30 كلم جنوب سواحل البحر الأبيض المتوسط)، ثم استعاد حريته في 14 مايو/ أيار من نفس العام، ليزج به مرة أخرى في سجن البرواقية (أحد أشهر السجون الجزائرية يقع بمدينة المدية) رفقة رفيقه نور الدين آيت حمودة، وحكم عليه في 20 ديسمبر/ كانون الأول 1985 بالسجن لمدة ثلاث سنوات بالإضافة إلى غرامة قدرها 5000 دينار، بعد 21 شهرًا من السجن أفرج عنه في 27 أبريل/ نيسان 1987 بموجب عفو رئاسي.
إضراب المحفظة
بعد خروجه من السجن، واصل نشاطه داخل التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (RCD) رفقة زميليه نور الدين آيت حمودة والسعيد سعدي، وكان حراكهم قائمًا على أسس أخلاقية وفكرية راسخة مثل: الصدق والعدالة واحترام الآخر والعمل الجماعي والمسؤولية والوعي والتضحية من أجل هدف مشترك، وبناء جزائر متضامنة، موحدة، وغنية بتنوعها.
ودشنت سنة 1994 بداية صراع وخلاف عميق بين نشطاء الحركة الأمازيغية، وشكلت بداية الثورات داخل منطقة القبائل، إذ أعلن الإضراب المدرسي في تيزي وزو والمعروف إعلاميًا ومحليًا بـ”إضراب المحفظة”، وعرض القرار على مناضلي الحركة الأمازيغية للتصويت عليه في المسرح الجهوي “كاتب ياسين”، وكان المعارض السياسي والأمازيغي الجزائري نور الدين آيت حمودة الوحيد الذي لم يصوت عليه لقناعته بأنه لا ينبغي إشراك الأطفال في الصراعات السياسية.
ويعتبر هذا الإضراب الذي شل مدارس منطقة القبائل في السنة الدراسية 1994-1995 من أهم المحطات النضالية التي عرفتها المنطقة، وقد أفضى إلى تأسيس المحافظة السامية للأمازيغية في 27 مايو/ أيار 1995 عقب اتفاق مبدئي بين ممثلي الجمعيات والهيئات الأمازيغية والرئيس الجزائري آنذاك اليمين زروال، وتعنى هذه المؤسسة بترقية وإدماج اللغة والثقافة الأمازيغية في النسيج التنموي والاجتماعي، ونجحت في تحقيق مجموعة من المكتسبات، منها اقتراح الاعتراف بها رسميًا في مشروع تعديل الدستور عام 2016.
الربيع الأسود
لاحقًا انفصل “مهني” عن حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بعد بروز خلافات عميقة بينه وبين السعيد سعدي، وتركز نشاطه خلال تلك الفترة على الحركة الثقافية الأمازيغية، ومباشرة بعد اغتيال معطوب الوناس في 25 يونيو/ حزيران 1998 خرج عن المألوف وتبنى مطلب الانفصال وتأسيس كيان جديد، وقد برز هذا المطلب بقوة في ميادين “الربيع الأسود”، ويتمثل الحدث المحوري الذي غير المسار حين لقي الطالب ماسينيسا قرماح، في العقد الأول من عمره، مصرعه متأثرًا بجراحه إثر إطلاق النار عليه في مقر الدرك في بلدة بني دوالة التابعة لمدينة تيزي وزو يوم 20 نيسان/ أبريل 2001، لتتفجر بعدها مظاهرات الربيع الأسود التي تحولت إلى مواجهات مع قوات الأمن أسفرت عن وفاة 126 شخصًا وجرح أكثر من خمسة آلاف آخرين.
من المكاسب التي حققتها الانتفاضة، أن حركة “العروش” (تنظيم شعبي تقليدي في منطقة القبائل ظهرت بقوة خلال هذه الفترة كقوة احتجاجية تطالب بالاعتراف بالهوية واللغة الأمازيغية) نجحت في تحقيق مطلب رحيل غالبية كتائب الدرك الوطني في منطقة القبائل، استغل فرحات مهني هذه المرحلة الصعبة والحرجة، وأسس حركة “تقرير المصير في منطقة القبائل” بعد اجتماع مصغر انعقد في بلدة “ماكودة” في 24 آب/ أغسطس 2001 قبل أن يغادر الجزائر نهائيًا إلى باريس.
وظهر “مهني” مرارًا وتكرارًا من المنتدى الدائم المعني بقضايا الشعوب الأصلية، وهو هيئة استشارية تابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومكلفة بمهمة مناقشة قضايا السكان الأصليين المتصلة بالتنمية تابعة للأمم المتحدة، وهو يدين النظام في الجزائر ويرافع من أجل الانفصال، وفي 1 يونيو/ حزيران 2010 أعلن من باريس تشكيل حكومة منفى لمنطقة القبائل تتكون من تسعة وزراء ونصب نفسه رئيسًا لها.
وفي الحقبة نفسها ترسخت العلاقة وأصبحت أقوى وأكثر تماسكًا بين فرحات مهني و”إسرائيل”، ففي عام 2012 حط الرحال بتل أبيب والتقى بنائب رئيس الكنيست، وأعرب عن دعمه وتضامنه مع “إسرائيل”، وقارنها بالقبائل، حيث قال: “نحن في بيئة معادية، كلا البلدين يشتركان في نفس الطريق، ولكن إسرائيل موجودة بالفعل – وهذا هو الفارق الوحيد”، كما توعد بفتح سفارة إسرائيلية في منطقة القبائل في حال استقلالها، وأثارت هذه الزيارة سيلًا كبيرًا من الإدانة.
هذه الفترة وصفها رفيقه في السجن وصديقه، النائب والناشط السابق في الحركة الأمازيغية نور الدين آيت حمودة، بـ”الطامة الكبرى” و”أسوأ أشكال الخيانة.. بسبب تحالفات لا تحتمل وقد اتضحت أكثر برؤيتك تلوّح بالعلم الإسرائيلي في مظاهرات بباريس”.
وقبل نحو أسبوع من هذا التاريخ، خاطب بن زهير جعود خاله فرحات مهني في رسالة نشرها جاء فيها: “أطلب منك أن تفكر مجددًا، ليس لتمنحني الحق، بل لكي لا يوضع اسمك في خدمة من يريدون إضعاف الوطن الذي قلت يومًا إنك تحبه، أنت الفنان، الأب، المناضل، الرجل الذي قال إنه يدافع عن الجزائر والقبائل، كنت تفعل ذلك من أجل الجزائر، هكذا قلت دائمًا، فكيف مزقت كل ذلك اليوم، كيف تبرأت من الجزائر بعدما غنيت لها عمرك كله؟ أنت تعلم أكثر من غيرك أن جدنا استشهد من أجل الجزائر الموحدة، لم يستشهد لكي يرى أبناءه وأحفاده يستغلون من أطراف تريد تمزيق الوطن الذي ضحى من أجله”.
وفي ذروة الاحتجاجات الجزائرية التي انطلقت في 22 فبراير/ شباط 2019، حيث غمرت الملايين من الجزائريين الشوارع للمطالبة برحيل النظام بعد إجهاض مساعي ترشح الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، فسحت جامعة تيزي وزو (شرقي الجزائر) المجال أمام فرحات مهني لإلقاء محاضرة عن بعد للطلبة تدعو إلى تقسيم الجزائر، لكن رد السلطات كان حاسمًا ويهدف إلى احتواء الأزمة عبر إجراءات سريعة، إذ حالت السلطات دون رفع الراية الأمازيغية في المظاهرات وشنت حملة اعتقالات واسعة في صفوف مناضلي الحركة الانفصالية في منطقة القبائل.
وفي مايو/ أيار 2021، أعلنت الحكومة الجزائرية تصنيف “ماك” تنظيمًا إرهابيًا، ووصفت فرحات مهني بالصفة نفسها، وأصدرت بحقه لائحة توقيف دولية.