ترجمة وتحرير: نون بوست
أظهر استطلاع جديد أجراه معهد فهم الشرق الأوسط بالتعاون مع “يوغوف” بيانات لافتة حول تغيّر النظرة إلى إسرائيل في مكان غير متوقع: داخل الحزب الجمهوري.
رغم أننا رأينا بعض الجمهوريين المنعزلين والانعزاليين يخرجون عن الإجماع الحزبي بشأن إسرائيل، إلا أن دعم السياسات المؤيدة لإسرائيل ظلّ طاغيًا بين الناخبين الجمهوريين. لكن الاستطلاع الجديد يقدم مؤشرات قوية على أن هذا التوجه في طور التغيّر.
لا يتعلق الأمر بالسياسات التحررية لشخصيات مثل رون بول في السابق، أو توماس ماسي اليوم، ولا بحسابات سياسية مثل انقلاب مارغوري تايلور غرين في هذا الملف وغيره، نتيجة ما تعتبره خيانة من دونالد ترامب. يتعلق الأمر بتحوّل أيديولوجي، خصوصًا بين الجمهوريين الشباب.
يوضح الاستطلاع الجديد وجود انقسام حاد بين أجيال الناخبين الجمهوريين، مما يعكس إلى حد ما فجوة مشابهة بين الديمقراطيين.
لا يزال الجمهوريون الذين تقل أعمارهم 45 يدعمون ترامب بقوة، ويدعمون الجمهوريين في الكونغرس، ويبدو أنهم مازالوا متمسكين بالآراء المحافظة واليمينية في كثير من القضايا، لكنهم يختلفون مع كبار السن بشأن إسرائيل.
ينظر الجمهوريون الشباب بشكل أقل إيجابية تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (31% آراء إيجابية، مقابل 29% سلبية) مقارنة بالجمهوريين الأكبر سنًا (59% إيجابية مقابل 19% سلبية).
كما انقسم الشباب تقريبًا بالتساوي حول ما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة فرض عقوبات على مسؤولين إسرائيليين أدانتهم محاكم دولية بانتهاك حقوق الإنسان (30% نعم، 35% لا)، في مقابل رفض واضح من الجمهوريين الأكبر سنًا (21% نعم -57% لا).
ولعل الأهم على المدى القريب هو أن 51% من الجمهوريين الشباب قالوا إنهم يفضلون دعم مرشحين يقلّصون حجم المساعدات المقدمة لإسرائيل. ويرى 53% أنه لا ينبغي تجديد الالتزام السنوي بالمساعدات، بينما يعارض 51% فكرة اتفاق إضافي لمدة 20 عامًا من النوع الذي يُقال إن إسرائيل تسعى إليه حاليًا.
وعندما سُئلوا عن المنح العسكرية الممولة من دافعي الضرائب الأمريكيين، رفضها الشباب بنسبة 2 إلى 1، بينما انقسموا بالتساوي تقريبًا بشأن بيع الأسلحة لإسرائيل. هذا يوحي بوجود مزيج من المعارضة الشعبية للمساعدات العسكرية الخارجية وتزايد النفور من إسرائيل.
وقد ازدادت الآراء السلبية تجاه إنفاق أموال دافعي الضرائب على إسرائيل عندما تمت مقارنة المساعدات بالإنفاق المحلي.
كتب معهد فهم الشرق الأوسط: “لقد دفع الرئيس ترامب هذا العام أكثر من 18.5 مليار دولار لشحنات الأسلحة إلى إسرائيل، بينما خفّض الدعم لبرامج مثل “ميديكيد”. هذه السياسات لا تحظى بشعبية كبيرة بين الجمهوريين. 65% من الجمهوريين عمومًا و74% من الجمهوريين تحت سن 45 يرون أن الأسلحة الممولة من دافعي الضرائب المقدمة لإسرائيل يجب إعادة استثمارها في خفض تكاليف الرعاية الصحية”.
يشير كل ذلك إلى أن إسرائيل في سباق ضد الساعة.
شهدنا بالفعل انهيار حادًا في دعم إسرائيل بين الديمقراطيين، خصوصًا الشباب، وهو أمر لم يكن مفاجئًا تمامًا لإسرائيل في عهد نتنياهو، الذي كان أقرب دائمًا إلى الجمهوريين وقرر منذ سنوات التخلي عن الديمقراطيين والاعتماد على دعم اليمين. أصبحت أساليب إسرائيل أكثر قسوة وصلفا، بينما أصبح إخفاء الجرائم الإسرائيلية أكثر صعوبة في عصر التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي.
لكن الدعم الجمهوري الذي كان يعوّل عليه لم يعد يبدو صلبًا كما كان.
رهان خاسر على الحزب الجمهوري
في عام 2010، كتب الدبلوماسي الإسرائيلي السابق والمعلق الحالي ألون بينكاس: “ممارسات نتنياهو تمثل قطيعة واضحة مع الأربعين عامًا الماضية، حين كانت علاقات إسرائيل المتنامية مع واشنطن نتاج دعم الحزبين – بغض النظر عمّن كان في البيت الأبيض أو من يسيطر على الكونغرس… العلاقة الخاصة ركيزة أساسية في الأمن القومي الإسرائيلي وقوة الردع… لقد تم تطويرها على أساس دعم الحزبين، ولا يمكن أن تستمر إلا كذلك”.
أدرك بينكاس ما كان يفعله نتنياهو حتى قبل أن يصبح موضوعا شائعا للنقاش عام 2015، حين تخلّى نتنياهو عن أي مظهر من مظاهر الحياد وتعاون علنًا مع الجمهوريين لتقويض جهود باراك أوباما في ملف الاتفاق النووي الإيراني.
اعتقد نتنياهو أن الجمهوريين سيظلون داعمين مخلصين لإسرائيل، بسبب تعاطفهم الطبيعي مع دولة ذات توجه غربي في قلب المنطقة العربية، وعنصريتهم، ونزعتهم الأكثر تشددًا. وكان انتشار الصهيونية المسيحية في الكنائس الإنجيلية اليمينية ذات الغالبية الجمهورية عاملًا أساسيًا بالتأكيد.
ولكن حتى بصرف النظر عن أولئك الذين يستند دعمهم لإسرائيل إلى تفسير متشدد للكتاب المقدس، يمكن القول إن نتنياهو ظن أن أمامه وقتا أطول قبل أن يظهر شرخ حقيقي داخل الحزب الجمهوري. لذلك كان مستعدًا لتنفير معظم الناخبين الليبراليين والوسطيين في الحزب الديمقراطي، مدمرًا بذلك الدعم القائم على العلاقة الجيدة بالحزبين، والذي وصفه بينكاس بأنه ركيزة لا غنى عنها للأمن والدبلوماسية الإسرائيلية.
لقد راهن نتنياهو رهانًا خاسرًا على الجمهوريين، وربما جاء الخطأ من المبالغة في تقدير تأثير الصهيونية المسيحية والتقليل من شأن عودة النزعة الانعزالية داخل الحزب.
يرى معظم الناخبين الأمريكيين أن الحكومة الأمريكية يجب أن تعطي الأولوية لمصالحها الخاصة حتى على حساب أقرب حلفائها، لكن الديمقراطيين أكثر انفتاحا على العالم من الجمهوريين.
وهنا يكمن سوء فهم نتنياهو للحزب الذي يشعر أنه أكثر انسجامًا معه. بينما كان الأثرياء دائمًا هم القوة الموجهة في كلا الحزبين، فإن الحزب الجمهوري الذي يعرفه نتنياهو هو حزب الأوليغارشيين الذين تمكنوا من التلاعب بالقواعد الشعبية لكسب الدعم.
لكن سياسة “أمريكا أولًا” غيّرت كل شيء. يؤدي هذا الخطاب بطبيعته إلى زيادة النزعة الانعزالية ويثير العداء للخارج في صفوف الفئة التي تعتمد على الخدمات الحكومية داخل الحزب الجمهوري.
طبقة العمال التي تشكل معظم الأصوات في الحزبين، هي بالضبط من يريد تحويل الأموال المخصصة لإسرائيل إلى الداخل الأمريكي، وكثير منهم يعيشون في الولايات الحمراء.
لم يبالِ نتنياهو بهؤلاء الناس، تمامًا كما لم يبالِ بتهميش الديمقراطيين وتدمير الدعم القائم على الحزبين.
ومن المؤكد أن تصاعد وحشية إسرائيل – وصولًا إلى الإبادة الجماعية المستمرة – ساهم في جعل إسرائيل أكثر إثارة للجدل في الولايات المتحدة. لكن قرار نتنياهو بالاعتماد على دعم الجمهوريين وحدهم وتنفير الديمقراطيين ساهم كثيرًا في فتح باب النقاش حول علاقة إسرائيل وأمريكا. ربما كان يدرك أن ذلك ينطوي على بعض المخاطرة، لكنه توقع على الأرجح أن يدور هذا النقاش بين الديمقراطيين والجمهوريين، لا داخل الحزب الجمهوري نفسه.
فرصة يجب اغتنامها
بالتأكيد، يظل الكونغرس والبيت الأبيض بشكل عام متأخرين كثيرًا عن الناخبين، غير أن الفجوة بين المسؤولين المنتخبين وناخبيهم أصبحت الآن أوسع من أي وقت مضى، وكلما اتسعت أكثر، أصبحت أقل قابلية للاستمرار.
باتت هذه الفجوة واضحة بما يكفي لتجعل لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) عنصرا سامّا في السياسة الأمريكية.
أظهر استطلاع حديث بين الناخبين الديمقراطيين في أربع ولايات يُتوقع أن تشهد انتخابات أولية ساخنة أن “ما يقرب من نصف الناخبين (48%) وافقوا على عبارة أنهم “لا يمكن أن يدعموا أبدًا” مرشحًا للكونغرس ممولًا من أيباك أو اللوبي المؤيد لإسرائيل بشكل عام. وأكثر من ربع الناخبين (28%) قالوا إنهم يشعرون بقوة أنهم لا يمكن أن يدعموا مرشحًا مدعومًا من أيباك.
وفي الجانب الجمهوري، سأل استطلاع معهد فهم الشرق الأوسط بالتعاون مع يوغوف الناخبين الجمهوريين عما إذا كانوا يفضلون مرشحًا يتلقى أموالًا من أيباك أو مرشحًا لا يتلقى أموالًا منها. قال 16% فقط إنهم يفضلون المرشح المدعوم من أيباك، بينما فضّل 39% المرشح الذي يرفض دعم أيباك. وفي هذه الحالة، كان الفرق بين الشباب وكبار السن ضئيلًا.
بالطبع، يميل الجمهوريون إلى كراهية اللوبيات و”جماعات المصالح الخاصة” بشكل عام، لكن هذه الأرقام ذات دلالة كبيرة.
التراجع في الدعم الأعمى لإسرائيل هو تراجع ملحوظ في صفوف الحزبين، وتشير الفجوة العمرية إلى أنه آخذ في الازدياد. لا يختلف الجمهوريون كثيرًا عن الديمقراطيين في دعم إسرائيل بشكل مجرد، لكن كلاهما لا يحب الحكومة الحالية، أو يرى أن السياسة الأمريكية الحالية خاطئة لأسباب مختلفة.
وحسب استطلاع معهد فهم الشرق الأوسط بالتعاون مع يوغوف، فإن الجمهوريين الشباب، مثل الديمقراطيين الشباب، لديهم نفور خاص من نتنياهو مقارنة بكبار السن في الحزبين. وبالتالي فإن نتنياهو هو السبب في جزء كبير من الآراء السلبية تجاه إسرائيل، وهذا يجعل استثمار هذا التحول المتصاعد في الحزبين أمرًا ملحًا بشكل أكبر.
ورغم أن استبعاد نتنياهو من السلطة يظل أمرًا محفوفا بالمخاطر، إلا أن هناك احتمالًا كبيرًا ألا يفوز في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة. البديل المرجح في هذه اللحظة هو رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت.
ورغم أن سياسات بينيت، خصوصًا تجاه الفلسطينيين، لا تختلف كثيرًا عن سياسات نتنياهو، إلا أنه سيختلف عنه في جانبين:
أولًا، أنه من غير المرجح أن يتحالف مع إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش أو أي شخصيات أخرى متطرفة بهذا الشكل، وسيكون شركاؤه في السياسات المعادية للفلسطينيين أكثر دهاءً.
ثانيًا، سيكون هو أو أي رئيس وزراء قادم، حريصًا جدًا على استعادة مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة، والأهم من ذلك، إحياء الدعم الحزبي المشترك الذي هيمن على واشنطن لفترة طويلة. وقد رأينا بالفعل بوادر استراتيجية في هذا الاتجاه، حيث سعى أنصار إسرائيل مرارًا إلى التمييز بين إسرائيل ونتنياهو بهدف تلميع الصورة في الغرب عمومًا وفي الولايات المتحدة خصوصًا.
إذا كان استطلاع معهد فهم الشرق الأوسط بالتعاون مع يوغوف يوضح شيئًا ما، فهو أن الأجيال القادمة من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء بحاجة إلى التعبئة بشكل عاجل، والتركيز على معارضة التزام الولايات المتحدة بتقديم مساعدات عسكرية لإسرائيل لمدة 10 أو 20 عامًا. هذا ليس مجرد هدف سياسي مهم بحد ذاته، بل هو أيضًا وسيلة لبناء إجماع حزبي مشترك ضد المساعدات العسكرية لإسرائيل. وفي النهاية، يمكن أن نأمل بتحقيق العدالة للفلسطينيين.
المصدر: موندويس