في خضم إعلان “إسرائيل” ومصر عن اتفاق تاريخي لتصدير الغاز الطبيعي بقيمة 35 مليار دولار – وهو الأكبر في تاريخ دولة الاحتلال – برز طرف ثالث على أنه الرابح الأكبر خلف الكواليس.
فعلى الرغم من أن الصفقة تبدو ثنائية، كان الدور الأمريكي حاسمًا في إبرامها وتوجيه مكاسبها لصالحه، فمن شركات الطاقة الأمريكية، إلى نفوذ واشنطن الإقليمي، وصولًا لاستخدام الاقتصاد كأداة لتحقيق الاستقرار السياسي، يتضح أن واشنطن جنت الفوائد الأهم من هذا الاتفاق.
ضغط واشنطن خلف إتمام الصفقة
لم تكن ولادة صفقة الغاز هذه يسيرة؛ إذ مارست واشنطن ضغطًا مكثفًا على أطرافها لضمان توقيعها. فعندما عرقلت خلافات داخلية في “إسرائيل” إقرار الاتفاق، تدخلت الإدارة الأمريكية بشكل مباشر.
وكشفت مصادر عبرية أن وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت ألغى زيارة مقررة إلى “تل أبيب” في أكتوبر/تشرين الأول الماضي احتجاجًا على تأخر الموافقة الإسرائيلية، في رسالة ضغط واضحة.
كما أفادت تقارير نشرتها وسائل إعلام غربية مثل فايننشال تايمز أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مارست ضغطًا سياسيًا ثقيلًا على حكومة بنيامين نتنياهو للمضي قدمًا في الصفقة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ فقد سعت واشنطن أيضًا لاستثمار الصفقة دبلوماسيًا، حيث دفع ترامب نحو قمة ثلاثية تجمعه مع نتنياهو ورئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، لكن القاهرة اشترطت إنجاز الاتفاق قبل عقد هذا اللقاء، وفق يديعوت أحرونوت.
هذه التحركات الأمريكية المكثفة خلف الستار تؤكد أن واشنطن رأت في الصفقة ركيزة إستراتيجية تستوجب التدخل لضمان إتمامها وفق مصالحها.

أبرز الفوائد الأمريكية
1- مكاسب كبرى لشركات الطاقة
“شيفرون” الأمريكية العملاقة للطاقة تربعت على رأس المستفيدين من الاتفاق، فبموجب الصفقة، ستتولى الشركة وشركاؤها توريد حوالي 130 مليار متر مكعب من الغاز الإسرائيلي لمصر حتى عام 2040.
وتأتي هيمنة شيفرون هنا نتيجة تمددها في قطاع الطاقة الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد استحواذها على شركة نوبل إنيرجي.
واليوم تتحكم شيفرون بتشغيل 90% من الغاز الإسرائيلي بامتلاكها حصصًا كبرى في حقلي ليفياتان (نحو 40%) وتمار (25%) الأكبر في “إسرائيل”.
هذا الحضور الطاغي يعني أن جزءًا ضخما من عوائد الصفقة سيتدفق لخزائن شركة أمريكية، مما يشكل انتصارًا اقتصاديًا كبيرًا لقطاع الأعمال الأمريكي.
وروجت الخارجية الأمريكية للاتفاق باعتباره “انتصارًا كبيرًا للأعمال التجارية الأمريكية والتعاون الإقليمي”، مدعيةً أنه لا يقتصر على تعزيز أمن الطاقة، بل يساهم أيضًا في استقرار المنطقة وإعادة إعمار غزة، وفق قولها.
Israel’s approval of the $35B Chevron natural gas agreement with Egypt marks a major win for American business and regional cooperation. This deal not only strengthens energy security, but also supports broader efforts to stabilize and rebuild Gaza.
— U.S. State Dept – Near Eastern Affairs (@StateDept_NEA) December 18, 2025
علاوة على الأرباح المباشرة، ترسخ الصفقة مكانة شيفرون كلاعب مهيمن في سوق الغاز بشرق المتوسط، مما يمنح الولايات المتحدة نفوذًا اقتصاديًا مستدامًا في أمن الطاقة الإقليمي.
2- تعزيز النفوذ عبر مشروعات إستراتيجية
إلى جانب المكاسب التجارية، يدعم الاتفاق نفوذ واشنطن الإستراتيجي بالشرق الأوسط ويخدم رؤيتها لربط المنطقة بالعالم في إطار مبادراتها الخاصة، فمن منظور أمريكي، يُبرهن تعاون مصر و”إسرائيل” في مجال الطاقة على إمكانية اندماج البنية التحتية الإقليمية بشكل يخدم خططًا أكبر.
فقد شارك كبار المسؤولين الأمريكيين في قمة وزارية للطاقة عُقدت في أثينا نوفمبر/تشرين الثاني 2025 لدعم الجهود الرامية إلى تعزيز الربط الإقليمي في الطاقة والبنية التحتية، وذلك في سياق مبادرات أوسع مثل ممر الهند–الشرق الأوسط–أوروبا (IMEC).
وبحسب رويترز، فإن استقرار إمدادات الغاز بين حلفاء واشنطن الإقليميين بوساطة شركة أمريكية يرسل إشارات إيجابية للمستثمرين بأن مشاريع الربط هذه آمنة وقابلة للتحقيق.
كذلك تسهم الصفقة في تعزيز أمن الطاقة لحلفاء أمريكا الأوروبيين بشكل غير مباشر؛ فغاز شرق المتوسط الإضافي عبر مصر يمكن أن يدعم إمدادات أوروبا ويخفف اعتمادها على مصادر منافسة.
بهذا، تستثمر واشنطن الاتفاق لتحصين موقعها كلاعب محوري في خريطة الطاقة العالمية، من خلال رعاية تعاون إقليمي يوفر بدائل للغاز الروسي إلى أوروبا، وعبر قيادة دفة مشاريع الربط الإقليمية التي تنافس مبادرات قوى دولية أخرى.
3- رافعة لخطط أمريكا للتطبيع
لطالما سعت واشنطن لتطبيع العلاقات بين “إسرائيل” ومحيطها العربي اقتصاديًا وسياسيا، فيما تأتي صفقة الغاز الأخيرة لتخدم هذا المسعى بامتياز.
ورغم أن معاهدة كامب ديفيد كانت بداية التطبيع الرسمي بين القاهرة وتل أبيب، فإن حجم التعاون الاقتصادي في هذه الصفقة يُعد تطورًا غير مسبوق يخدم تطبيعًا أكثر عمقًا تُريده واشنطن.
وتعتبر واشنطن أن تعزيز الروابط العملية بين “إسرائيل” ودول عربية أخرى من شأنه تكريس واقع التطبيع، وإنهاء العزلة الإقليمية عن “تل أبيب” خاصة بعد عدوانها المدمر الأخير على قطاع غزة.
وقد صرّح مسؤولون أمريكيون بأن توطيد العلاقات بين القاهرة وتل أبيب نتيجة هذا الاتفاق يخدم مصالح استراتيجية أمريكية أوسع في المنطقة، وفق يديعوت أحرونوت.
فكلما توطدت العلاقات بين “إسرائيل” والدول العربية خاصة في مجالات حيوية كالطاقة، ازدادت قدرة واشنطن على بناء تحالف إقليمي متين تحت مظلتها.
4- “استقرار” يخدم مصالح واشنطن
تبرز الصفقة أيضًا كأداة بيد واشنطن لتحقيق الاستقرار السياسي لدى حلفائها في المنطقة، فبينما تمرّ مصر بأزمة طاقة خانقة منذ 2022 نتيجة تراجع إنتاجها المحلي، يُستخدم الاتفاق كأداة أمريكية لتثبيت الوضع الاقتصادي المصري دون تقديم دعم مباشر يُخفف جذور الأزمة.
فالاتفاق يُتوقع أن يخفّف من أزمة الطاقة التي واجهتها القاهرة بسبب انخفاض إنتاج الغاز الطبيعي المحلي منذ 2022، مما ألقى بأعباء الاستثمارات المكلفة على الاقتصاد المصري، وهو وضع قد أثار مخاوف لدى واشنطن بشأن استقرار دولة محورية مثل مصر.
وفي الجانب الآخر، تجني “إسرائيل” عائدات طائلة تصل إلى نحو 18 مليار دولار بحسب الاتفاق.
وزعمت حكومة نتنياهو نفسها وواشنطن كذلك بأن الصفقة “تُسهم في استقرار المنطقة” من خلال دعم أمن الطاقة.
وهكذا، بينما تُلبّي مصر حاجاتها العاجلة من الطاقة وتجني “إسرائيل” المليارات لترسيخ موقعها كمصدر إقليمي، فإن الرابح الفعلي من كل ذلك هو الولايات المتحدة، التي أعادت توجيه الصفقة بما يخدم استراتيجياتها الاقتصادية والسياسية الأوسع.