ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد أن قامت الإمارات بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في 2020 بموجب “اتفاقات أبراهام” برعاية دونالد ترامب، تمكن اليهود من الاحتفال بعيد “الحانوكا” علنًا لأول مرة في الدولة العربية، فقد أُقيمت مراسم إضاءة الشموع في الفنادق، كما نصبت إحدى الجماعات من الجالية اليهودية شمعدانًا بجوار برج خليفة في دبي.
تقول مقيمة يهودية كانت قد انتقلت إلى الإمارات في تلك الفترة، إن السكان كانوا يوقفون الأشخاص الذين تبدو عليهم الهوية اليهودية ويطلبون التقاط صور معهم.
وقالت المقيمة التي طلبت عدم ذكر اسمها مثل معظم الأشخاص الذين أجرينا معهم مقابلات: “كان من الرائع أن تكون يهوديًا أو إسرائيليًا، خاصة بين جيل الشباب الإماراتي”، مضيفة: “منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، قلَّ ذلك كثيرًا، إن لم يكن قد اختفى تمامًا”.
وبعد أكثر من عامين على هجوم حركة حماس على إسرائيل في 2023، وما تبعه من حرب في غزة، والتي أدت إلى توتر العلاقات وأثارت غضبًا واسعًا في مختلف أنحاء العالم العربي، تراجعت بشكل حاد المكانة التي كانت تتمتع بها الجالية اليهودية الناشئة في الإمارات، وهي مكانة نادرة في المنطقة.
ويقول مارك سيفرز، مدير اللجنة اليهودية الأمريكية في أبوظبي، ومسؤولون وسكان محليون، إن المخاوف الأمنية والسياسية أدت إلى تقليص مظاهر اللباس الديني العلني، وإغلاق معظم خدمات الصلوات العامة، باستثناء المعبد اليهودي الرسمي في أبوظبي.

توقفت الخدمات العامة التي كانت تُقام يوميًا في قاعات الفنادق الكبرى في دبي، بما في ذلك صلوات السبت والأعياد الكبرى، وفقًا لطلبات الجهات الرسمية المحلية، بحسب ما أفاد به عدد من المطلعين على الأمر.
وقال سيفرز: “منذ بداية حرب غزة، صدرت توجيهات عامة من السلطات الإماراتية مفادها: نحن هنا لحمايتكم وأنتم مرحب بكم، لكن يُرجى تقليص الظهور العلني”.
بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، التي لا تزال بلا شك أهم دولة تقيم علاقات مع إسرائيل في العالم العربي، مثّلت هذه الخطوات تحولًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة.
على الرغم من الجدل الواسع في المنطقة، فإن اتفاقية التطبيع لعام 2020، التي تعتبر أبرز إنجاز في السياسة الخارجية خلال ولاية ترامب الأولى، ساعدت الإمارات وإسرائيل على توسيع العلاقات التجارية وتعزيز التبادل التجاري وتنشيط السياحة. بلغ حجم التجارة الثنائية 3.2 مليار دولار في عام 2024، وفقًا لبيانات إسرائيلية.
كما أن السماح بممارسة الشعائر اليهودية عزز صورة الإمارات كدولة راعية للتسامح الديني، وساعد على ترسيخ الاتفاقية كبداية لـ”سلام دافئ” مع إسرائيل، على عكس التعامل الفاتر الذي واجهته مصر والأردن بعد إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في العقود السابقة.
أما الآن، فإن المكان العام الوحيد المتبقي هو “بيت العائلة الإبراهيمية” الضخم في أبوظبي، وهو مجمع يضم دور عبادة للديانات التوحيدية الثلاث، جميعها بنفس الحجم، ولافتات بالعربية والإنجليزية والعبرية. بقي الكنيس اليهودي مفتوحًا ليخدم نحو 600 يهودي يعيشون في العاصمة.

في دبي، المركز المالي للإمارات، ظهرت مبادرات فردية تم تنظيمها في فلل وشقق خاصة بدلًا من الفعاليات العامة. وقال أحد الإسرائيليين المنخرطين في الحياة اليهودية في دبي إنه “رسميًا لا توجد صلاة جماعية” – أي الشعائر التي تتطلب حضور 10 رجال – لكن يمكن للمقيم أو الزائر أن يجد خدمة دينية إذا كانت لديه الصلات المناسبة داخل المجتمع.
ورجّح بعض السكان المحليين المطلعين أن أحد مخاوف المسؤولين الإماراتيين هو الخشية من ردود الفعل السلبية على وسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة تجاه المظاهر اليهودية أو الهوية الإسرائيلية العلنية. وقال المقيم الإسرائيلي: “بقية المنطقة ستنظر وتقول: لماذا أنتم أصدقاء معهم؟”.
على الرغم من أن علاقات الإمارات مع حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتشددة كانت متوترة في بعض الأحيان، تؤكد أبوظبي أن الروابط الدبلوماسية سمحت لها بإيصال مساعدات إنسانية إلى الفلسطينيين في غزة والحفاظ على قناة اتصال مهمة مفتوحة.
لكن هناك أيضًا مخاوف أمنية لدى المسؤولين الإماراتيين. حسب أحد المقيمين اليهود، تحوّل “بيت العائلة الإبراهيمية” إلى ما يشبه “الحصن”، مع تشديد الإجراءات الأمنية بشكل كبير.
على وجه الخصوص، صدمت جريمة قتل الحاخام الإسرائيلي المولدوفي زفي كوغان في دبي العام الماضي السكان اليهود والجالية الإسرائيلية الصغيرة في المدينة، حيث يُقدَّر عدد المقيمين الدائمين بنحو 6.000 شخص.
كان كوغان مبعوثًا لحركة “حباد” الحسيدية البارزة والمعروفة بنشاطها العالمي وشبكتها الواسعة من المراكز المجتمعية اليهودية.
وقال سيفرز إنه في أعقاب مقتل كوغان، كان موقف السلطات الإماراتية أن “هذا الهجوم استهدفنا نحن أيضًا”. وقد وجّهت أبوظبي الاتهام إلى ثلاثة مواطنين أوزبكيين، سُلّموا بسرعة من تركيا، وحُكم عليهم بالإعدام.

رفعت الحكومة الإسرائيلية في وقت سابق من هذا العام مستوى التحذير من السفر إلى الإمارات، محذّرة من خطر وقوع هجمات إرهابية من عناصر إيرانية وجهات أخرى.
وقال مسؤول إماراتي إن البلاد “لديها سجل حافل في ضمان أمن وسلامة سكانها المتنوعين”، وهي “موطن لأكثر من 200 جنسية تتعايش في سلام ووئام”.
رغم عدم تجاهل المخاطر الأمنية، أكد عدد من المقيمين الإسرائيليين واليهود أنهم ما زالوا يشعرون بدرجة عالية من الأمان والترحيب في الإمارات، خاصة مقارنة بمناطق أخرى من العالم شهدت زيادة كبيرة في الحوادث المعادية لإسرائيل وللسامية منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول.
في العالمين الإسلامي والعربي على وجه الخصوص، تظل الإمارات حالة استثنائية بسبب الوجود الكبير والعلني للإسرائيليين، حتى بين الدول التي تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، باستثناء المغرب ربما.
وقال أحد وكلاء السفر الإسرائيليين المتخصصين في تنظيم الرحلات إلى الإمارات، متحدثًا قبل هجمات سيدني: “هناك تحذيرات سفر إلى معظم الأماكن هذه الأيام، لكنها أكثر أمانًا من أوروبا ومن هنا [إسرائيل]”.
تفرض الإمارات التي يحكمها نظام استبدادي رقابة صارمة على أي نشاط سياسي، بما في ذلك المظاهرات. وقد ذكر مقيمون إسرائيليون ويهود تحدثوا إلى صحيفة “فاينانشال تايمز” أن هناك عددًا محدودًا من الحوادث التي جعلتهم يشعرون بعدم الأمان منذ بداية حرب غزة، مثل التعليقات المعادية لليهود في إحدى المدارس، وتعليق مؤيد لفلسطين من أحد المارة في مركز تجاري. وأضاف السكان المحليون أن السلطات تعاملت مع كلا الحادثين بسرعة.
وقال وكيل السفر الذي يقسّم وقته بين إسرائيل ودبي: “يمكنك أن تكون في مسبح داخل أحد الفنادق مع عرب من مختلف أنحاء المنطقة، ولن يجرؤ أحد على الحديث معك”.
في الواقع، استمر الإسرائيليون بزيارة دبي، كما يتضح من نظرة سريعة على وسم #دبي على مواقع التواصل الاجتماعي الإسرائيلية. كما استمرت نحو 25 رحلة جوية يوميًا، تستغرق ثلاث ساعات، على متن شركات طيران إسرائيلية وإماراتية خلال معظم العامين الماضيين، حتى مع تعليق العديد من شركات الطيران الدولية رحلاتها إلى تل أبيب.
وحسب أحد الإحصاءات، يوجد في دبي ثمانية مطاعم تقدم الطعام وفق الشريعة اليهودية، جميعها لا تزال مفتوحة، فيما تواصل شركات السياحة التي تخدم الزوار المتدينين تحقيق أرباح من تنظيم رحلات إلى الصحراء والبحر.
وقال الإسرائيلي المطلع على خبايا الحياة اليهودية في دبي: “لا يزال كل شيء نابضًا بالحياة، لكن عليك أن تتصرف بذكاء. الرسالة التي ترسلها السلطات هنا هي: تعالوا، لكن من فضلكم لا تلفتوا إليكم الأنظار”.
المصدر: فاينانشال تايمز