تشهد سوريا إصلاحات ضريبية تشمل ضريبة الدخل وضريبة المبيعات والتعرفة الجمركية، في إطار إعادة هيكلة السياسة المالية بما يتلاءم مع مرحلة التعافي الاقتصادي، وتأتي هذه التغييرات في ظل الحاجة إلى تحقيق توازن بين تأمين إيرادات عامة مستدامة وتحفيز النشاط الاقتصادي والاستثمار.
يتناول هذا المقال النظام الضريبي الجديد، من خلال مقارنة التشريعات الجديدة بالقوانين السابقة، ووضعها في سياقها الإقليمي، وتحليل قدرتها على توسيع القاعدة الضريبية ودعم التعافي وإعادة الإعمار.
الإطار الضريبي الجديد
يعكس الإطار الضريبي الجديد في سوريا توجهًا عامًا نحو إعادة بناء المنظومة المالية على أسس أكثر بساطة ووضوحًا، من خلال تحديث تشريعات ضريبة الدخل وضريبة المبيعات والتعرفة الجمركية في آنٍ واحد، ويظهر من قراءة هذه القوانين مجتمعة أن الإصلاح لا يقتصر على تعديل المعدلات، بل يمتد إلى فلسفة الجباية نفسها، وآليات التحصيل، وحدود الإعفاء، ودور الرقمنة في ضبط النشاط الاقتصادي.
قانون ضريبة الدخل: تبسيط المعدلات وتوسيع القاعدة
ينظم قانون الضريبة على الدخل الجديد فرض الضريبة على دخول الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين الناتجة عن مختلف الأنشطة الاقتصادية داخل سوريا، بما يشمل الدخل الوظيفي والأنشطة التجارية والصناعية والخدمية والأرباح الرأسمالية، ويتميّز القانون بصيغة أكثر توحيدًا وتبسيطًا مقارنة بالتشريعات السابقة، مع تقليص واضح في عدد الشرائح والمعدلات.
فعلى مستوى الدخل من الوظيفة، يعتمد القانون ضريبة تصاعدية مبسطة تُفرض على الدخل الشخصي بنسبة 6% على الشريحة الأولى حتى خمسة ملايين ليرة سورية، وترتفع إلى 8% على ما يتجاوز هذا الحد، أما على مستوى دخل الشركات والمنشآت، فتُفرض ضريبة بنسبة 10% على القطاعات الإنتاجية والخدمية الأساسية، بما في ذلك الصناعة، والتعليم، والصحة، والاستشارات، والتدريب، والتقانة والتكنولوجيا، والطيران، إضافة إلى الدخل الناتج عن الأصول الرأسمالية، بينما تخضع باقي القطاعات لمعدل 15%.
وزير الاقتصاد السوري محمد نضال الشعار: العمل جار حاليًا على تشكيل نموذج اقتصادي جديد يلائم #سوريا الجديدة.
كن على اطلاع دائم.. تابعونا الآن في منصة نون سوريا لمتابعة آخر الأخبار في سوريا
👇👇@NoonPostSY pic.twitter.com/7ixLTOqg7q
— نون بوست (@NoonPost) May 9, 2025
ويواكب هذا التبسيط في المعدلات رفع كبير للحد الأدنى المعفى، حيث يُعفى من الضريبة مبلغ 60 مليون ليرة سورية سنويًا من الدخل الصافي، سواء للأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين، بما يعكس توجهًا لتخفيف العبء عن الدخول المنخفضة والمتوسطة وتوجيه التكليف نحو القاعدة الأعلى دخلًا.
إلى جانب ذلك، يتضمن القانون إعفاءات اقتصادية أساسية، أبرزها إعفاء الدخل الزراعي بكافة أنواعه، وأرباح الأسهم والحصص الموزعة من الشركات المقيمة، والدخل الرأسمالي في حالات محددة، وصادرات السلع والخدمات ذات المنشأ المحلي، إضافة إلى دخل المستثمر غير المقيم المتحقق من مصادر خارج سوريا.
ويكتمل هذا الإطار باعتماد تنظيم الفوترة والربط الإلكتروني كأداة أساسية لتحسين دقة التصريح الضريبي وتوثيق العمليات المالية، على أن تُحدد آليات التطبيق بموجب تعليمات تنفيذية لاحقة.
قانون ضريبة المبيعات: تنظيم الضريبة غير المباشرة وربطها بالفاتورة
بالتوازي مع إصلاح ضريبة الدخل، ينظم قانون ضريبة المبيعات فرض ضريبة عامة على بيع السلع وتقديم الخدمات داخل الجمهورية العربية السورية، سواء تمت العمليات محليًا أو عبر الاستيراد، ويقع العبء الضريبي عند مرحلة البيع أو تقديم الخدمة.
يعتمد القانون نظامًا متعدد المعدلات بدل النسبة الموحدة، حيث تُفرض ضريبة بنسبة 5% على شريحة واسعة من السلع والخدمات الأساسية المدرجة في الجداول الملحقة بالقانون، مقابل نسب أعلى تتراوح بين 10% و15% وحتى 45% على سلع وخدمات تُصنف غالبًا ضمن الكماليات أو السلع ذات الطبيعة الخاصة، كما تخضع بعض الخدمات، مثل النقل الجوي والفنادق والمطاعم والاتصالات والخدمات المالية والتأمينية، لمعدلات متفاوتة بحسب طبيعتها وتصنيفها.
وتُطبق ضريبة المبيعات على السلع المنتجة محليًا عند بيعها، وعلى السلع المستوردة عند التخليص الجمركي، وعلى الخدمات المقدمة داخل البلاد أو المرتبطة بها، ويعزز القانون هذا الإطار عبر تنظيم الفوترة واعتماد الربط الإلكتروني كأداة أساسية لتطبيق الضريبة، بما يهدف إلى توحيد المعايير المحاسبية، وتحسين دقة التحصيل، وربط الضريبة مباشرة بالفاتورة، كما يلغي القانون التشريعات السابقة الناظمة لضريبة المبيعات، ويبدأ نفاذه اعتبارًا من أول السنة التالية لصدوره.
كيف تغيّر الإطار الضريبي في سوريا؟
تكشف مراجعة التشريعات الضريبية القديمة في سوريا ومقارنتها بالمسودات الجديدة المطروحة اليوم عن تحول عميق في فلسفة النظام الضريبي وآلياته، فبينما كان النظام السابق يعتمد على بنية معقدة، وتصنيفات متشعبة، ومعدلات متفاوتة بين أنواع المكلفين، تتجه التشريعات الجديدة نحو بناء منظومة أكثر بساطة واتساقًا، قائمة على المعدلات المنخفضة والربط الإلكتروني وتوسيع قاعدة المكلفين، ويمكن ملاحظة هذا التحول عبر ثلاثة محاور رئيسية: ضريبة الدخل، وضريبة المبيعات، والتعرفة الجمركية.
ضريبة الدخل: من نظام متعدد الشرائح إلى هيكل مبسّط وواضح
في القانون القديم (قانون 24 لعام 2003 وتعديلاته)، كانت الضريبة تقوم على طبقات عديدة من الشرائح والتصنيفات. ففي ضريبة الرواتب والأجور، تراوحت المعدلات بين 5% و15% عبر شرائح متعددة مرتبطة بالدخل الشهري. أما في المسودة الجديدة، فقد تبنّى النظام نموذجًا شديد التبسيط يعتمد على شريحتين فقط:
- 6% على الشريحة الأولى حتى خمسة ملايين ليرة سنويًا،
- 8% على ما يزيد على ذلك.
يمثل هذا التحول سعيًا واضحًا لتخفيض معدلات الضريبة وتسهيل الامتثال وتقليص التعقيد.
أما على مستوى ضريبة أرباح الشركات، فقد كان النظام القديم يميّز بين شركات الأشخاص وشركات الأموال، بمعدلات تصاعدية تتراوح بين 10% و35% تبعًا لنوع الشركة وحجم الأرباح. بينما انتقلت المسودة الجديدة إلى تصنيف يعتمد على طبيعة النشاط الاقتصادي بدلًا من الشكل القانوني، وحددت معدلًا موحدًا 10% لقطاعات الإنتاج والخدمات الأساسية مثل الصناعة والتعليم والصحة والاستشارات والتكنولوجيا والطيران، إضافة إلى دخل الأصول الرأسمالية، مقابل 15% لباقي الأنشطة.
هذا الانتقال من تصنيف الشركات إلى تصنيف القطاعات يعكس توجهًا واضحًا نحو الوضوح والاستقرار التشريعي وسهولة التطبيق.
وفيما يخص الحد الأدنى المعفى، ارتفع من 3 ملايين ليرة سنويًا في النظام القديم إلى 60 مليون ليرة في المسودة الجديدة، مما يعكس رغبة في تخفيف العبء على الشرائح الدنيا والتركيز على أصحاب الدخول الأعلى.
كما تحوّل دور الفوترة والربط الإلكتروني من أداة تكميلية في القانون القديم إلى جزء مركزي في النظام الجديد، حيث تُلزم المسودة باستخدام برامج محاسبية معتمدة وإجراء الربط الإلكتروني الفوري مع قاعدة بيانات الإدارة الضريبية لضبط المطارح وتقليل التهرب.
View this post on Instagram
ضريبة المبيعات: من رسم إنفاق مشتت إلى ضريبة منظمة وموحدة
كان رسم الإنفاق الاستهلاكي القديم (مرسوم 2015) قائمًا على رسوم متفرقة تُفرض على مجموعة من السلع والخدمات ضمن جداول محددة، وتُستوفى في مراحل مختلفة: عند التخليص الجمركي، أو عند البيع المحلي، أو عند تقديم الخدمة، إضافة إلى رسوم خاصة على الذهب والسيارات وتذاكر السفر.
أما المسودة الجديدة لضريبة المبيعات فتتبنى مقاربة مختلفة كليًا، حيث تنتقل من الرسوم المجزأة إلى ضريبة موحدة على المبيعات، تطبق على معظم السلع والخدمات سواء عند الإنتاج أو الاستيراد أو التداول المحلي. وتعتمد المسودة هيكلًا لمعدلات يبدأ بـ 5% على السلع الأساسية، ويتدرج إلى 10% و15% وحتى 45% للسلع الكمالية أو الخاصة، ما يجعل الضريبة أكثر قابلية للتوقع وأكثر اتساقًا مع الممارسات الحديثة.
وفي الوقت نفسه، يتحول النظام الجديد تدريجيًا من الاعتماد على الفواتير الورقية والضبوط الميدانية إلى النظام الإلكتروني الكامل، حيث تُعد الفوترة الإلكترونية والربط المحاسبي جزءًا أساسيًا من البنية التشريعية، ما يسمح بتتبع المبيعات في الزمن الحقيقي وتقليل مساحة التهرب والاختلاف في التقدير بين المكلفين.
الرسوم الجمركية: تبسيط طريقة الاحتساب وتوحيد المعايير
إلى جانب إصلاحات ضريبة الدخل والمبيعات، شهدت التعرفة الجمركية هي الأخرى تعديلًا جذريًا، فقد تضمنت القائمة الجديدة أكثر من 6000 بند جمركي، مع إلغاء عدد من الرسوم الإضافية التي كانت تُفرض عبر تعاميم داخلية، كما جرى التخلي عن طريقة الاحتساب السابقة القائمة على نسبة من السعر بالليرة السورية، واستُبدلت بنظام مبالغ مقطوعة بالدولار لكل وحدة قياس (طن – لتر – كغ) وفق رموز موحدة.
ووفق تقديرات المديرية العامة للجمارك، أدى النظام الجديد إلى تخفيض الرسوم الجمركية بنسبة تتراوح بين 50% و60% مقارنة بالتعرفة القديمة، الأمر الذي يقلل التفاوت في التقدير ويسهّل الامتثال ويحد من الفساد المحتمل في تقييم البضائع.
معدلات الضرائب بين سوريا ودول الجوار
لا يمكن تقييم النظام الضريبي السوري الجديد بمعزل عن محيطه الإقليمي، إذ تساعد المقارنة مع دول الجوار (لبنان، الأردن، تركيا، العراق) على وضع معدلات ضريبة الدخل وضريبة المبيعات في سياقها الواقعي.
في سوريا، تعتمد مسودة قانون ضريبة الدخل نموذجًا مبسّطًا لضريبة الدخل الشخصي، بمعدل 6% على الشريحة الأولى من دخل الوظيفة حتى خمسة ملايين ليرة سنويًا، و8% على ما يزيد على ذلك. وتُعد هذه المعدلات منخفضة مقارنة بدول الجوار، حيث تصل ضريبة الدخل الشخصي في لبنان إلى نحو 25%، وفي الأردن إلى حوالي 30%، وفي تركيا إلى 40% على الشرائح العليا، بينما يبلغ الحد الأعلى في العراق قرابة 15%.
أما على مستوى ضريبة أرباح الشركات، فتفرض سوريا معدلات تتراوح بين 10% للقطاعات الإنتاجية والخدمية الأساسية (مثل الصناعة، التعليم، الصحة، والتكنولوجيا) و15% لباقي الأنشطة. بالمقارنة، تبلغ ضريبة الشركات في لبنان نحو 17%، وفي الأردن حوالي 20% وترتفع لبعض القطاعات لتصل نحو 35%، وفي تركيا نحو 25%، بينما تُطبق في العراق نسبة عامة تقارب 15% مع معدلات أعلى لقطاع النفط.
وفيما يتعلق بضريبة المبيعات – الذي سيكون تمهيداً للانتقال إلى ضريبة القيمة المضافة حسب وزارة المالية – تعتمد سوريا معدلًا منخفضًا نسبيًا يبلغ 5% على شريحة واسعة من السلع والخدمات الأساسية، مع معدلات أعلى على السلع الكمالية، في المقابل، يطبّق لبنان ضريبة قيمة مضافة بنسبة 11%، والأردن بنسبة 16%، وتركيا بنسبة 20%، في حين لا يملك العراق نظام VAT شاملًا، بل ضرائب مبيعات وانتقائية على سلع وخدمات محددة.
تُظهر المقارنة أن النظام الضريبي السوري الجديد يتجه إلى معدلات أدنى من المتوسط الإقليمي، سواء على دخل الأفراد أو أرباح الشركات، مع ضريبة مبيعات منخفضة على السلع الأساسية مقارنة بدول الجوار، ما يكشف توجهًا نحو تعزيز التنافسية الاقتصادية وتخفيف العبء الضريبي في مرحلة التعافي، مقابل الاعتماد على توسيع القاعدة الضريبية بدل رفع المعدلات.
هل ينجح النظام الضريبي الجديد؟
يُثار جدل مشروع حول ما إذا كان تخفيض معدلات الضرائب وتبسيطها قادرًا فعليًا على زيادة إيرادات الدولة، أم أنه يؤدي إلى تقليصها، غير أن هذه المقاربة لا تُعد تناقضًا بالضرورة، بل تنطلق من فكرة اقتصادية أساسية تقوم على توسيع القاعدة الضريبية بدل زيادة العبء على الفئة نفسها.
View this post on Instagram
تخفيض المعدلات وتوسيع القاعدة: من عبء مرتفع إلى امتثال أوسع
في النظام القديم، كانت المعدلات الضريبية مرتفعة اسميًا، لكن عدد الملتزمين محدودًا، في ظل تهرب واسع، وفساد إداري، وتقدير ضريبي غير قابل للتنبؤ، ما أدى إلى قاعدة ضريبية ضيقة وإيرادات ضعيفة وغير مستقرة. أما النظام الجديد، فيعتمد معدلات أقل وأكثر وضوحًا، ويخفض كلفة الامتثال الضريبي من حيث الوقت والمخاطر والاحتكاك الإداري، ما يرفع قابلية التصريح الحقيقي ويؤدي إلى زيادة عدد المكلفين حتى لو انخفضت الضريبة على كل فرد.
ويُنظر إلى تخفيض معدلات الضرائب في هذا السياق كجزء من سياسة اقتصادية أوسع تهدف إلى تحفيز النشاط الاقتصادي وتحسين جاذبية البيئة الاستثمارية، عبر تعزيز استقرار النظام الضريبي وقابليته للتنبؤ، بما يشجع الاستثمارات الداخلية ويُسهم في جذب رؤوس أموال خارجية للمشاركة في إعادة الإعمار. وفي هذا الإطار، أكدت وزارة المالية عزمها تخصيص نحو ربع حصيلة الضريبة العامة على المبيعات لدعم الصناعة والصادرات وتعزيز تنافسيتها، في سياق توجه يربط الإصلاح الضريبي بأهداف التنمية لا بالجباية وحدها.
الإعفاءات والعدالة والامتثال: الضريبة كعقد اجتماعي لا أداة جباية
ويُطرح تساؤل موازٍ حول الإعفاءات الضريبية، وما إذا كانت تقلّص القاعدة الضريبية، ظاهريًا قد يبدو ذلك صحيحًا، لكن عمليًا فإن منخفضي الدخل كانوا في الغالب خارج القاعدة الفعلية أصلًا، إما لعدم قدرتهم على الدفع، أو لتكليفهم بمبالغ رمزية وغير منتظمة، وبالتالي فإن إعفاءهم اليوم لا يخسّر الدولة إيرادًا حقيقيًا، بل يرفع مستوى الثقة ويعزز شعور العدالة، وهو عامل بالغ الأهمية في مجتمع خارج من حرب ودمار وتدهور معيشي.
فالقاعدة الضريبية الحقيقية تُبنى من الطبقة الوسطى والأنشطة الصغيرة والمتوسطة، مثل المهن الحرة والورش والخدمات والتجارة الصغيرة، لأنها تمثل غالبية النشاط الاقتصادي وتساهم بشكل كبير في التوظيف والنمو، وهي الفئات التي كانت الأكثر عدم امتثالًا سابقًا.
كما أن التهرب الضريبي في المرحلة السابقة لم يكن مجرد سلوك فردي سلبي، بل كان في كثير من الأحيان رد فعل عقلاني على ضريبة غير عادلة، وتقدير تعسفي، وغياب مقابل خدمي، وفساد إداري، ومن منظور اقتصادي، عندما تكون كلفة الامتثال أعلى من كلفة التهرب، يصبح التهرب خيارًا منطقيًا. ويسعى النظام الجديد إلى عكس هذه المعادلة عبر خفض كلفة الامتثال، ورفع المخاطر القانونية والرقمية، وتحسين العدالة النسبية بين المكلفين.
ويتوافق هذا التوجه مع مرجعيات اقتصادية معروفة، أبرزها منطق منحنى لافر الذي يفترض وجود مستوى أمثل للعبء الضريبي، بحيث يؤدي تجاوز هذا المستوى إلى تراجع الامتثال وزيادة التهرب بدل زيادة الإيرادات.
ووفق هذا المنطق، فإن تخفيض المعدل عند مستويات مرتفعة أو غير عادلة لا يعني بالضرورة انخفاض التحصيل، بل قد يرفع الإيرادات عبر توسيع القاعدة الضريبية، وتحسين الالتزام الطوعي، وتحويل النشاط الاقتصادي من الهامش غير الرسمي إلى الاقتصاد المنظّم، كما يعكس هذا المسار فهمًا للضريبة بوصفها عقدًا اجتماعيًا تستعيد الدولة من خلاله شرعيتها المالية بدل فرض الجباية القسرية.
مع ذلك، يبقى النقد مشروعًا إذا لم يُترجم هذا التصميم إلى تنفيذ فعلي، ففشل الرقمنة، أو استمرار الفساد الإداري، أو عدم دمج الأنشطة غير الرسمية، أو غياب الربط بين الضريبة والخدمات العامة، قد يقوض أهداف الإصلاح ويعيد إنتاج مشكلات الماضي.
ويُضاف إلى ذلك، أن نجاح النظام الجديد يفترض أن يكون مدروسًا ماليًا بما يكفي لضمان تحقيق إيرادات تغطي مستوى الإنفاق الحكومي المقرر، ولا سيما في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار، بحيث لا يؤدي خفض المعدلات إلى فجوة تمويلية تُعالج لاحقًا بضرائب أو رسوم غير مباشرة، ما يجعل نجاح النظام مرهونًا بتوازنه بين توسيع القاعدة والاستدامة المالية، لا بمجرد خفض المعدلات وحده.