ترجمة وتحرير: نون بوست
إلى أواخر عام 2024، لم يكن معظم الناس قد سمعوا باسم روضة الطنيجي؛ ثم – وفجأة – بدأت هي ومجموعة صغيرة من الشخصيات الإماراتية الشابة ذات الأسلوب المتشابه على وسائل التواصل الاجتماعي بالظهور في كل مكان: ينشرون مقاطع فيديو مصقولة، ويكتبون مقالات رأي، ويروّجون كتباً، ويعلّقون على الصراعات العالمية بلهجة حادة وساخرة.
وكانت رسالتهم التي يتشرونها متحدة تقريبًا – فيما يبدو أنه شغف باستخدام “شات جي بي تي” – حيث قدموا أنفسهم كـ”مفكرين مستقلين” مع إظهار احترام لافت لكل ما يتعلق بدولة الإمارات، وهي رسالة سعوا إلى تضخيمها باستمرار.
وقد سافروا إلى مواقع ضغط رئيسية حول العالم، وشاركوا في فعاليات مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، والتقوا بممثلين عن مؤسسة هيريتيج، كما قاموا برحلات إلى جنيف، وحضروا مؤتمر “التحالف من أجل المواطنة المسؤولة” اليميني في لندن، وتحدثوا في مركز بنسكر بجامعة كامبريدج، وأداروا جلسات نقاشية في جامعة جورجتاون بواشنطن العاصمة.
ولكن ما قد يبدو للبعض مجرد مجموعة من المؤثرين الشباب الذين يعبّرون عن آراء سياسية قوية، يتضح أنه أمر أكثر تنظيمًا بكثير؛ فخلف هذه العلامات الشخصية يقف ما يبدو أنه نظام إعلامي مترابط بإحكام: حسابات جديدة أو مُعاد تفعيلها على منصة إكس، ومجموعة من مواقع إخبارية زائفة باللغتين العربية والإنجليزية تنشر معلومات مضللة، ومقالات مُولّدة بالذكاء الاصطناعي، وتدفق مستمر من المحتوى الذي يدور عبر القنوات نفسها، مستخدمًا اللغة ذاتها، والصور ذاتها، وغالبًا الاستوديوهات ذاتها. وربما الأغرب من ذلك كله أن الأمر يشمل حتى سلسلة من الكتب التي يبدو أنها كُتبت بواسطة الذكاء الاصطناعي.
في محتواهم؛ يظهر ذكر الإخوان المسلمين بشكل مفرط، وكذلك السودان والهجرة والاحتجاجات والإسلام في أوروبا، وتُقدَّم إسرائيل باعتبارها موقعًا دفاعيًا متقدمًا للنظام الغربي، والإمارات كنموذج للدولة المثالية. باختصار، هم مجموعة تدفع بسرديات تتشابه إلى حد كبير مع روايات الحكومة الإماراتية، وكذلك إسرائيل واليمين الأوروبي واليمين المتطرف (وكذلك الإجراءات النشطة على النمط الروسي)، وقد ذهب بعضهم إلى حد الترويج لمحتوى الناشط المعادي للإسلام تومي روبنسون.
وتؤدي هذه الشخصيات دورًا يختلف عن مفهوم “المؤثرين” بالمعنى التقليدي، إذ يمكن وصفهم بما أسميه “المؤثرون المضللون”: وهم فاعلون يكررون تداول المعلومات المضللة أو الدعاية السياسية، وتبدو شهرتهم مصنوعة عبر تضخيم استراتيجي ومنهجي، لا نتيجة خبرة حقيقية أو مسؤولية.
أما الجهة التي تنسّق عناصر هذه المجموعة أو تموّل بعض رحلاتها فليست واضحة بشكل صريح، غير أن هذا المقال يبيّن وجود عدد من الروابط مع شخصية معروفة في مجال التضليل الإعلامي، مثل أمجد طه، الذي قام، إلى جانب شركته “كريستنكس ميديا”، بسرية بالإعلان عن عدد من هؤلاء الأشخاص والترويج لهم، وكذلك لعدد من المنصات والأفراد المنخرطين في هذه الشبكة. (للمزيد من المعلومات، انظر: “من هو أمجد طه؟ قراءة معمقة“).
وتوثق هذه القراءة المطولة ما يبدو أنه عملية متعددة الأبعاد ومنسقة أحيانًا للتلاعب بالسرديات، جرى تنسيقها في بعض مراحلها.
وهذا المقال طويل نسبيًا، ويتقدّم عبر أربعة محاور رئيسية. أولًا، يرسم خريطة لمجموعة من المؤثرين المقيمين في الإمارات الذين برزوا أو أعادوا تفعيل حساباتهم في أواخر عام 2024. ثانيًا، يفحص المنصات “الإخبارية” الزائفة التي تمنح هذه الحسابات قدرًا من الشرعية والتضخيم، إلى جانب أساليب وتقنيات أخرى مستخدمة. ثالثًا، يتتبع الدور الرابط الذي لعبه أمجد طه وشركته “كريستنكس ميديا” في الترويج لهذه المنظومة والحفاظ على استمراريتها. وأخيرًا، يستكشف تقاطع هذه الشبكة مع منظومة الإعلام اليميني البولندي “فيشيغراد 24”.
“المجموعة”
أولاً، هناك ما يقارب عشرة من هؤلاء “المؤثرين المضلِّلين”، الذين سيُشار إليهم لاحقًا باسم “المجموعة”. وأقول “ما يقارب” لأن الروابط بينهم متفاوتة، وسلوكياتهم تتداخل بطرق مختلفة. والأسماء التي جرى تحليلها هنا تمثل الأكثر صخبًا والأكثر ترابطًا فيما بينهم من حيث الحضور المشترك والتعاون واستخدام الأساليب والتكتيكات والإجراءات.
وهذه القائمة ليست شاملة، إذ يوجد غيرها، لكنها تعكس مجموعة أساسية مرتبطة بدرجات متفاوتة بما يبدو أنه نشاط منسق أو متقارب للغاية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنشورات والتفاعلات والسرديات والأسلوب. ولا يفترض استخدام مصطلح “المجموعة” أن جميع الأفراد يتقاضون أجرًا أو توجيهًا أو تنسيقًا رسميًا، بل يوثق درجات مختلفة من الاتصال والحضور المشترك والتفاعل داخل منظومة إعلامية واحدة، حيث يُنتَج هذا التوافق عبر الانخراط المتكرر والتضخيم والتقاطع السردي.
وعند النظر فقط إلى منصة إكس، تُظهر هذه الحسابات نمطًا شديد التركّز في توقيت إنشائها. فقد أُنشئت سبعة من حساباتهم على إكس في ديسمبر/ كانون الأول 2024 أو يناير/ كانون الثاني 2025، وتشمل هذه الحسابات: روضة الطنيجي (FormulaRauda)، ومريم المزروعي (mariam_almaz11)، وعبيد الزعابي (Obaidsview)، وعبدالقادر المنهالي (AQ_Almenhali)، وميره زايد(MeeraZayed)، وماجد الساعدي (971AlSaadi)، وربما أيضاً خميس الحوسني (KhamisMalhosani) وسارة الحوسني. أما حسابات الإنستغرام المرتبطة بهم، حيث يمكن تحديدها، فقد أُنشئت أيضًا في أواخر 2024 أو لا تُظهر نشاطاً يُذكر قبل أكتوبر/ تشرين الأول 2024.

إضافة إلى ذلك، تظهر عدة حسابات قديمة على إكس إعادة تفعيل مفاجئة أو تحولات سلوكية خلال الفترة نفسها. فقد عادت عائشة أحمد(@Aaeshahmed)، التي كانت نشطة على إكس منذ 2014، للظهور في يناير/ كانون الثاني 2025 مع اختفاء تغريداتها السابقة وتحول ملحوظ في نبرة خطابها، رغم أن حضورها على إنستغرام يعود إلى 2012. كما أن موزة الكندي (@MozahAlkindi86) وأحمد شريف العامري (@ahhmedshh)، رغم أن حساباتهما أقدم زمنيًا، إلا أنهما يتقاطعان مع الشبكة نفسها عبر مقابلات ومواد مشتركة، ما يربطهما وظيفيًا بمجموعة ديسمبر/كانون الأول–يناير/ كانون الثاني.

وبالنظر إلى مقاطع الفيديو التي ينشرونها بشكل متكرر، يبدو أن العديد منهم قد سجّلوا مقاطعهم في الاستوديو نفسه. ففي الصورة التجميعية أدناه، على سبيل المثال، يمكن ملاحظة الديكور ذاته، مثل الكرة الأرضية باللونين الأسود والفضي، وأدوات الخلفية المتطابقة. كما أن أسلوب الشرح المباشر أمام الكاميرا متشابه أيضًا. وبالنسبة لمكان التصوير، يبدو أنه مرتبط بمبادرة تُسمى “ون بودكاست إيه آي“، التي أُنشئت تقريباً في الفترة نفسها التي ظهر فيها هذا الشبكة، وهي مبادرة يظهر فيها أعضاء المجموعة بشكل بارز.

ونشر ثمانية منهم أيضًا كتبًا في غضون ثلاثة أشهر في عام 2025، جميعها مع نفس الناشر، ويبدو أن ذلك تم بمساعدة وكيل يعمل بالذكاء الاصطناعي اللغوي (سيأتي الحديث عن ذلك لاحقًا).
كما أن أفراد هذه المجموعة يمضون وقتًا معًا ويحضرون العديد من الفعاليات نفسها. ففي عام 2025، ظهر أعضاء هذه المجموعة من المؤثرين بشكل متكرر في فعاليات سياسية ودعوية ومناصرة في جميع أنحاء أمريكا الشمالية وأوروبا.
وفي فبراير/ شباط 2025، حضر عبيد الزعابي وعائشة أحمد وأمجد طه مؤتمر “إيه آر سي” اليميني في لندن. وظهر الثلاثي نفسه مرة أخرى في الشهر ذاته في مركز بنسكر بجامعة كامبريدج. وخلال الرحلة إلى لندن، وفي نفس وقت مؤتمر “إيه آر سي”، التُقطت صورةلأمجد طه وعائشة وعبيد مع كاميلا توميني من قناة “جي بي نيوز” (وكان ذلك، على الأرجح، قبل المقابلة مع أمجد طه التي أدت إلى مقاضاة القناة).
وفي مارس/ آذار 2025، ازداد التداخل عبر عدة مواقع في الولايات المتحدة: إذ ظهر عبيد وأمجد وعبدالقادر وروضة معًا في فعالية لمجلس العلاقات الخارجية في نيويورك. وفي الشهر نفسه، تحدث عبيد وأمجد وعبدالقادر في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، ثم ظهروا مرة أخرى في جامعة جورجتاون بواشنطن العاصمة إلى جانب روضة. كما شمل برنامج روضة في مارس/ آذار ظهورًا منفصلًا في مؤسسة هيريتيج مع عبيد. وبحلول نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، امتدت مشاركات الشبكة إلى جنيف، حيث حضرت روضة إلى جانب ماجد السعيدي.
ومن اللافت أن إد حسين ظهر مع هذه المجموعة في العديد من الفعاليات، بما في ذلك بنسكر، مجلس العلاقات الخارجية، وجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، وجورجتاون. وهذا أمر منطقي، إذ أن إد حسين شارك في تأسيس مركز كويليام لمكافحة التطرف، الذي قدّم نفسه في البداية كصوت إصلاحي ليبرالي في قضايا الإسلام السياسي. وفي السنوات الأخيرة، باتت تعليقات حسين وانتماءاته المؤسسية تتماشى بشكل متزايد مع الأطر الأمنية الأكثر تحافظًا وتميل إلى اليمين.
ومن أبرز الشخصيات التي ظهرت مع المجموعة جوني مور، الذي ظهر مع أمجد طه وآخرين في جامعة جورجتاون. كان مور رئيسًا لمؤسسة غزة الإنسانية، وقد اكتشفت أنا وسوهان دسوزا سابقًا أن شركة العلاقات العامة التابعة له “جِي دي إيه وورلد وايد” متورطة في حملة دعائية عالمية بملايين الدولارات تروج للإسلاموفوبيا وكراهية الأجانب.
إن تكرار الحضور المشترك، وتواتر الفعاليات المؤسسية نفسها، والتداخل بين الظهور الميداني والتضخيم عبر الإنترنت، جميعها تشير إلى نمط مستمر ومترابط من المشاركة، وليس إلى انخراط معزول أو عشوائي، رغم أنه لم يُذكر صراحةً سبب ظهور هذه المجموعة معًا بهذه الكثرة. (كما أنه ليس واضحًا من يتحمّل تكاليف هذه الرحلات عند حدوثها).

محتوى المجموعة: التركيز المفرط على جماعة الإخوان المسلمين
إلى جانب هذه التداخلات الشبكية الواضحة، يكاد جميع أفراد المجموعة ينشغلون لدرجة الهوس بجماعة الإخوان المسلمين. فقد قمتُ بتحميل جميع التغريدات لعشرة من أعضاء المجموعة، فكانت كلمة “مسلم” ثالث أكثر الكلمات شيوعًا، و”الإخوان” السادسة (بينما جاءت “السودان” في المرتبة الخامسة). وكان مصطلح “الإخوان المسلمين” إلى حد بعيد أكثر التراكيب شيوعًا (التراكيب = كلمة تظهر عادةً مجاورة لكلمة أخرى).
في الواقع، يشكّل الإسلام السياسي، وتحديدًا مخاطر جماعة الإخوان المسلمين، الموضوع الرئيس الذي تروّج له هذه المجموعة. ومن خلال هذه العدسة يتم تفسير قضايا السودان وغزة والنشاط الغربي وانتقاد وسائل الإعلام والهجرة الأوروبية والبيئة وسياسات المنظمات غير الحكومية.
وتُظهر مقاطع الفيديو الأخيرة التي نشرتها المجموعة حول الهجمات المأساوية في سيدني هذا الهوس، إذ نشر ما لا يقل عن خمسة منهم مقاطع فيديو، وتمكّن ثلاثة منهم بطريقة ما من ذكر جماعة الإخوان المسلمين في مقاطعهم الغريبة التي تبدو وكأنها مكتوبة مسبقًا، رغم أن الجماعة لا علاقة لها بالهجمات. (وقد أعدّت “ميدل إيست آي” تجميعًا جيدًا لمقاطع المجموعة حول هذه القضية).

إلى حدّ ما، يبدو أن أفراد المجموعة يتحدثون في مجالات خبرتهم، لكن إدراج النقاط الخطابية المعادية للإسلاميين يظل حاضرًا بشكل غريب. فعلى سبيل المثال، تُعد عائشة أحمد خبيرة في مجال البيئة، غير أنها في هذا الفيديو الذي تم تصويره بجامعة كامبريدج برعاية مركز بنسكر، تفسّر التدمير البيئي من خلال منظور جماعة الإخوان المسلمين!
وفي جورجتاون، يكرّر عبدالقادر النقاط الخطابية الإسرائيلية حول استيلاء حماس على المساعدات. أما في لندن، فقد تسبّب أمجد طه في دعوى قضائية ضد قناة “جي بي نيوز” بعد أن زعم زورًا أن منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية تموّل الإرهاب الإسلامي.
وهناك العديد من الأمثلة الأخرى على التداخل في سرديات المجموعة التي تبدو محدّدة للغاية بحيث يصعب اعتبارها مصادفة. فعلى سبيل المثال، هناك تركيز مشترك غريب على غريتا تونبرغ وانتقاد نشاطها – خصوصًا المتعلق بفلسطين – وكل ذلك يشبه إلى حد كبير نقاطًا خطابية مكتوبة مسبقًا.

يقوم العديد من أفراد هذه المجموعة أيضًا بلعب دور مثير للاهتمام في تأجيج مشاعر العداء للمهاجرين في أوروبا، وهو ما يُفترض أنه من شواغل المواطن الإماراتي العادي (وليس كذلك). فمن الحديث عن “لندن غير الآمنة”، إلى العصابات العنيفة من المهاجرين من شمال أفريقيا الذين يتجولون في إسبانيا؛ تبدو هذه النقاط الخطابية وكأنها صادرة عن أي سياسي شعبوي يميني أوروبي.

ويختلف أسلوب كل مؤثر من أفراد المجموعة، إذ يحاول بعضهم أن يبدو أكثر تكنوقراطية وفكرية. وقد بدا أن روضة تحديدًا استقطبت أكبر قدر من الكراهية، ربما لأنها ومريم قدّمتا نفسيهما كنسخة إماراتية من المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت، حيث تتبنيان طاقة غريبة أقرب إلى أسلوب “الفتيات المتعجرفات”، تجمع بين الترفع والتعليقات الساخرة والاستهزاء، وقد أدى ذلك إلى ظهور عدد من “الميمز” غير اللطيفة.

المواقع الإخبارية الزائفة وغسل السرديات
وهنا تبدأ الأمور في أن تصبح أكثر غرابة؛ فإلى جانب سفرهم الدولي ونشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي والبودكاست ومقاطع الفيديو الموجّهة للكاميرا، كتب العديد من أعضاء المجموعة في مواقع إخبارية غير مألوفة، أو تفاعلوا معها، أو روجوا لها. وهذه المواقع تُسمى: ذا واشنطن آي، وديلي يورو تايمز، وبريفليكس، وأفريكالكس، وإنفوفليكس.
قد لا تكون قد سمعت بهذه المواقع من قبل، جزئيًا لأنها جديدة، وأيضًا لأنها مواقع إخبارية زائفة.
وتصنف المواقع الإخبارية الزائفة كمنصات تشبه مواقع الأخبار والتي تقدّم نفسها كصحافة من دون أن تعمل كمنظمة إخبارية حقيقية. قد تمتلك هوية بصرية أنيقة وتبدو ذات مصداقية، لكنها عادةً ما تضم عددًا محدودًا من الموظفين أو عمليات تحرير غامضة، وتعتمد بشكل كبير على المحتوى الآلي أو المقتبس، وغالبًا ما تستخدم أسماء كتّاب غير قابلة للتحقق أو متناقضة أو عامة. ووظيفتها الأساسية ليست جذب قرّاء دائمين، بل استضافة السرديات وإضفاء الشرعية عليها عبر منحها مظهرًا وكأنها “تقارير صحفية”.
وتكشف بيانات التسجيل الكثير؛ إذ تم تسجيل مواقع إنفوفليكس، وبريفليكس، وذا واشنطن آي، وديلي يورو تايمز جميعها في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بينما سُجّل موقع أفريكالكس في 17 أكتوبر/ تشرين الثاني 2024.
تم إنشاء جميع حسابات هذه المنصات على إكس (باستثناء إنفوفليكس) في ديسمبر/ كانون الأول 2024. غير أن إنفوفليكس بدأ بالتغريد منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، إذ إنه حساب مُعاد استخدامه بعد أن جرى تنظيفه وإعادة توظيفه.
في الواقع، يُعد حساب إنفوفليكس على إكس حسابًا مُعاد توظيفه كان يستخدم في عملية إعلامية معادية لقطر خلال فترة الحصار بين 2017 و2020. وكما يظهر في الصورة أدناه، وكان الحساب يعود لشخص ينتحل شخصية محامية قطرية تُدعى هند الدوسري، رغم أن العديد من المستخدمين في ذلك الوقت أشاروا إلى أنه حساب وهمي (يُذكر أن استخدام حسابات مزيّفة تنتحل شخصيات قطرية كان أمرًا شائعًا لدى الحسابات المرتبطة بـ “كيوب” أثناء الحصار).
تذكير مهم: المنصات الإعلامية الشرعية لا تشتري ولا تعيد توظيف حسابات قديمة على وسائل التواصل الاجتماعي إلا إذا كانت تحاول اختصار الطريق نحو النفوذ والشهرة.
وجميع حسابات إكس تحمل علامة التحقق الذهبية، ما يشير إلى إنفاق يتراوح بين 200 و1000 دولار شهريًا، وهذا يوحي بأن هناك قيمة خاصة تُمنح للوصول عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وتؤكد منصة إكس أن جميع هذه الحسابات مقرها في “غرب آسيا”. كما أن هذه المنصات، إلى جانب كريستنوكس ميديا (سيأتي الحديث عنها لاحقًا)، كانت من الرعاة لفعالية في البحرين حول الذكاء الاصطناعي تُسمى “جذور”.

والأهم من ذلك، أنه بالإضافة إلى إنشائها في الوقت نفسه، تعمل جميع هذه المواقع كمصانع محتوى منخفض الجودة، إذ تنشر في الغالب مقالات مُولَّدة أو مُساعَدَة بالذكاء الاصطناعي إلى جانب صور مُنشأة بالذكاء الاصطناعي. ويبدو أنها صُممت لمحاكاة المنصات الإخبارية الشرعية تمهيدًا لاستخدامها الدوري في الدعاية أو التضليل (كما سيُناقش لاحقًا). ومعظمها يعاني من أعطال متشابهة؛ فعلى سبيل المثال، باستثناء “ديلي يورو تايمز” و”واشنطن آي” و”بريفليكس”، فإن أيقونات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بـ”يوتيوب” و”فيسبوك” و”إنستغرام” لا تقود إلى الحسابات الفعلية، بل تعيد التوجيه إلى الموقع نفسه. وباختصار، ظهرت المجموعة على الساحة في الوقت ذاته مع هذه المجموعة من المواقع الإخبارية الزائفة.

قضية كلاسيكية من التضليل الإعلامي وغسل السرديات: صحيفة “واشنطن آي”
إذن، ما الهدف من هذه المواقع الإخبارية الزائفة؟
يبدو أن “واشنطن آي” و”ديلي يورو تايمز” أكثر تطوراً بشكل طفيف؛ إذ تقدم” واشنطن آي” نفسها كمنصة “مستقلة” موجهة للجمهور الأمريكي وتركز على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتتبنى ديلي يورو تايمز النهج نفسه، ولكنها تركز على أوروبا؛ حيث تتشابه ديلي يورو تايمز مع واشنطن آي، فلديهما/أو كان لديهما محررون، وينشرون بين الحين والآخر مواد أصلية من قبل مساهمين معروفين وذوي سمعة طيبة. وقد أنتجا في بعض الأحيان بودكاست ومقاطع فيديو أصلية. ومع ذلك، فإن معظم محتواهما يتم إنتاجه من قبل مجموعة من كتاب المحتوى (بعضهم يعمل عن بُعد)، وليس من قبل صحفيين بالمعنى المهني.
وبما يتسق مع الطبيعة الرديئة لمثل هذه المواقع الإخبارية الزائفة، فإن صفحة “المؤلفين” في “واشنطن آي” معطلة منذ فترة – من دون توضيح السبب. وقد تولّى تحرير “واشنطن آي” لفترة وجيزة دين ميكلسن، بينما تولّى تحرير “ديلي يورو تايمز” لمدة عام تقريبًا غوس أندرسون (الذي انتقل لاحقًا، وفقًا لصفحته على لينكدإن). وهذا يشير بوضوح إلى أن لديهم ميزانية لدفع أجور المحررين والكتّاب وعلامات التوثيق، مما يثير التساؤل: من أين يأتي المال؟
ومن المهم أن نذكر أن روضة الطنيجي وميرة وأحمد قد كتبوا جميعًا لـ “واشنطن آي” عن موضوعات تشمل، كما تتوقع، الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين. ومن المثير للاهتمام أن روضة كتبت أيضًا مقالًا عن تحالف آي2يو2.

ويقدم موقع “واشنطن آي” مثالًا مثيرًا للاهتمام على غسل السرديات، وهو ما يشكّل جوهر وظيفته كموقع إخباري زائف. ففي مايو/أيار 2025 نشر الموقع خبرًا “حصريًا” زعم فيه أن رئيس الوزراء الليبي حوّل 400 مليون دولار إلى تركيا. وبطبيعة الحال، أشار الخبر إلى تورّط جماعة الإخوان المسلمين. وقد كُتب الخبر باسم “شارلوت ويتمور” و”يوسف الفيتوري”، وهما شخصيتان تبدوان مختلقتين بالكامل ولا تظهران في قائمة مؤلفي الموقع. وقد نفت وسائل إعلام ليبية أخرى الخبر، وأُزيل من موقع “واشنطن آي” – على الأرجح من قبل رئيس التحرير – رغم أنه ظلّ واحدًا من أكثر الأخبار تداولًا على منصة إكس، حيث لم يُحذف.
ومرة أخرى، يوحي ذلك بوجود إشراف تحريري مختلف بين منصات التواصل الاجتماعي والموقع الإلكتروني. ومن الممكن أن تكون الفضيحة التي أثارها هذا الخبر قد دفع موقع “واشنطن آي إلى حذف الصفحة التي تُظهر قائمة مؤلفيها.

ويعد خبر ليبيا مثالًا توضيحيًا لأنها تكشف كيف تعمل منصات مثل “واشنطن آي” داخل هذه المنظومة. فبدلًا من أن تتصرف كمنظمات إخبارية تقليدية، تعمل هذه المنصات كمستودعات لادعاءات يصعب نشرها في أماكن أخرى. وبمجرد نشرها، حتى ولو لفترة وجيزة، تكتسب هذه الادعاءات رابطًا إلكترونيًا وعنوانًا ومظهرًا يوحي بأنها “تم الإبلاغ عنها”. ومن ثم يمكن تداولها مرارًا وتكرارًا على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال حسابات متوافقة، والاستشهاد بها كأدلة، والرجوع إليها حتى بعد إزالة المقال الأصلي أو التشكيك فيه. ومن هذا المنطلق، تكمن قيمة الموقع أقل في عدد قرّائه وأكثر في دوره كـ”بنية تحتية”: فهو مصنع محتوى منخفض التكلفة يستوعب ويستضيف ويُضفي الشرعية على روايات غير موثوقة أو ذات فائدة إستراتيجية، ليُعاد تضخيمها في أماكن أخرى بأقل قدر من التدقيق التحريري؛ باختصار، إنها عملية “غسل السرديات”.
ويبقى السؤال: من الذي يكتب هذه “التسريبات المضللة”، ومن الذي يتحكم بوسائل التواصل الاجتماعي؟ هل هناك جدار فاصل بين الإشراف التحريري على الموقع الإلكتروني وبين منصات التواصل الاجتماعي؟ يبدو أن الأمر كذلك.
“ديلي يورو تايمز”
أما بالنسبة لموقع “ديلي يورو تايمز”، فيبدو أن تركيزها منصبّ على أرض الصومال، مع مقالات متفرقة عن جماعة الإخوان المسلمين. فعلى سبيل المثال؛ كتب أحمد شريف العامري مقالًا عن توسع جماعة الإخوان المسلمين في إيرلندا (نعم، إيرلندا). ومع ذلك، يبدو أن الموقع يقدم دليلًا إضافيًا على وجود علاقة مفككة بين الموقع الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي التابعة له. فقد نُشرت بعض المقالات حول موضوعات مثل السودان، وهي لا تبدو بالضرورة مما يُتوقع من منظومة تروّج لروايات مرتبطة بالإمارات. وهذا يشير مرة أخرى إلى أن محرري الموقع يتمتعون بقدر من الاستقلالية التحريرية.
غير أنه عند النظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة منصة إكس، يتضح أن المحتوى الوحيد الذي يحظى بتفاعل كبير هو المتعلق بأرض الصومال. ففي الواقع، من بين أكثر 100 تغريدة تفاعلًا، حوالي 75% بالمئة منها تتناول القرن الأفريقي. ويبدو أن التوجه يعكس بناء سردية إستراتيجية تهدف إلى الاعتراف الدولي بأرض الصومال كشريك أمني متحالف مع الغرب في القرن الأفريقي، وبشكل أساسي، هذا ما تدعو إليه الدعاية الإماراتية والإسرائيلية.
ما يبدو واضحًا لكل من “ديلي يورو نيوز” و”واشنطن آي” هو أن المواقع الإلكترونية هي مجرد واجهة لتشريع العلامة التجارية، في حين أن النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي هو المكان الذي توضع فيه الأهمية الرئيسية (بعد كل شيء، نحن نعيش في عصر يستهلك فيه الناس الأخبار بشكل متزايد عبر وسائل التواصل الاجتماعي).
وبالتالي، يمكن تضخيم المحتوى المهم أو المتوافق بالرسالة بشكل انتقائي على وسائل التواصل الاجتماعي.
الارتباط بشركة أمجد طه
هذا يعيدنا إلى أمجد طه (أمجد فاضلي). لقد كتبتُ كثيرًا عن طه، لكن من المفيد تذكير القرّاء بأنه يُجسّد نموذج “المحلّل المفضّل الجديد” لدى بعض وسائل الإعلام الغربية، أي ذلك المعلّق الذي يقدّم نفسه بصفته عربيًا أو مسلمًا ويحذّر من “العرب والمسلمين السيئين”. وإلى جانب كونه محللًا إعلاميًا، فإن أمجد يشغل أيضًا منصب الرئيس التنفيذي لشركة تُدعى “كْرِسْت-نَكْس مِيدِيَا إل إل سي”.
وعلى الرغم من الاسم، فهي ليست منتجًا جديدًا للعناية بصحة الأسنان.
وفقًا لنسخة مؤرشفة من موقعهم الإلكتروني: “تجسّد شركة “كْرِسْت-نَكْس” فلسفة التميز، المستمدة من اللاتينية: “كرست” (القمة) و”نكس” (الجوهر)، بما يعكس تركيزنا على تحقيق الأداء الأمثل من خلال الأساسيات الإستراتيجية. نحن نؤمن بأن الإعلان الناجح هو نتيجة التوفيق بين الإبداع والاستراتيجية المصاغة بعناية، بما يرفع العلامات التجارية إلى أعلى إمكاناتها. وتشمل خدماتنا الإعلانات الرقمية، والاستشارات المتخصصة… خبرتنا في الإعلان الشبكي تضمن وصول حملاتكم إلى الجمهور المناسب بأقصى فعالية…”.
ومع ذلك، ليس من الواضح دائمًا ما الذي تقوم به “كرست نكس” فعليًا. ففي سبتمبر/أيلول 2025، أرسلت الشركة وفدًا إلى رواندا، حيث زاروا “معهد رواندا للزراعة المحافظة”، من دون وضوح السبب. وقد نُشرت العديد من المشاركات على إنستغرام وفيسبوك من قبل مؤسسات رواندية حول الرحلة، بعضها حمل التعليق: “استضفنا بالأمس وفد كرست نكس في الحرم الجامعي. وتجمع هذه المؤسسة الإماراتية شبابًا محترفين من مجالات متنوعة، بما في ذلك الزراعة، لتعزيز التعاون والابتكار. بقيادة مؤسسها والرئيس التنفيذي، استكشف فريق كرست نكس الحرم الجامعي وتعرّف على رؤية المؤسسة لقيادة التحول الزراعي.”
لكن عند الضغط على أي من الروابط يتم التحويل إلى منشور مختلف أو لا يكون متاحًا، مما يوحي بأن المشاركات حُذفت، من دون وضوح السبب. وهناك بعض الأدلة على أن أعضاء المجموعة قد شاركوا بالفعل؛ إذ نشرت مريم المزروعي مقطع فيديو تتحدث فيه عن تجربتها في رواندا.
وخلال هذه الرحلة، أجرى أمجد طه مقابلة مع صحيفة “كيغالي توداي” في سبتمبر/أيلول 2025. وجاء في وصف الفيديو: “كان أمجد طه مؤخرًا في رواندا مع مجموعة من قادة الرأي الشباب الإماراتيين من كرست نكس، وهي مجموعة مقرها أبوظبي تضم شبابًا محترفين متشابهين في الفكر من مجالات متنوعة مثل السياسة والعلاقات الدولية، والذكاء الاصطناعي، والطب، والمصارف، والدفاع عن قضايا النوع الاجتماعي، والإعلام، والرياضة، والزراعة. وقد ضم الوفد 14 عضوًا، وكان في كيغالي في زيارة استمرت أسبوعًا (من 3 إلى 11 سبتمبر/أيلول 2025) للتعرف على مسيرة إعادة إعمار البلاد واستكشاف فرص الشراكة لتعزيز العلاقات بين رواندا والإمارات. وكانت المجموعة قد قامت سابقًا بزيارات مماثلة إلى الولايات المتحدة وأوروبا.
وفي المقابلة المطوّلة، يذكر أمجد طه – بطبيعة الحال – جماعة الإخوان المسلمين، ويصف كيف أن “الجميع” يطلق عليهم اسم “حماس أفريقيا”. لكن أمجد وأصدقاءه هم الوحيدون الذين يبدو أنهم يستخدمون هذا المصطلح بشكل متكرر. وفي الواقع، فإن أمجد هو من يحاول ترسيخ هذا الوصف. ويُظهر تحليل “مِلت-ووتر” بوضوح أنه كان أول من حاول جعل مصطلح “حماس أفريقيا” شائعًا في الأول من مايو/أيار.

عندما تبحث في منصة “إكس” عن “حماس أفريقيا”، فإن معظم النتائج التي تظهر في أعلى الصفحة تأتي من المجموعة، وهذا يشير إلى أن طه يتمتع بقيادة سردية للمجموعة، وهو ما يبدو متوافقًا مع حقيقة أنه غالبًا ما يكون الشخصية البارزة في العديد من الفعاليات التي تحضرها المجموعة.

هذه العلاقة متبادلة؛ إذ يكشف تحليل جميع التغريدات الصادرة عن دائرة المؤثرين أن أمجد طه يتمتع بأعلى مستوى من “الأهمية” بين جميع الحسابات التي تم جمع بياناتها، وهذا يشير إلى أن طه يُعتبر نقطة ارتكاز مهمة لجميع المؤثرين، الذين يولون أهمية كبيرة لمحتواه. بعبارة أخرى، يشير التسلسل الهرمي إلى أن المجموعة موجودة أيضًا لدعم أمجد طه والترويج له.

إلى جانب رحلاتهم الدولية وترويجهم المتبادل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، اجتمع بعض أعضاء المجموعة أيضًا في الإمارات. ففي حفل إطلاق كتاب نظّمته شركة “كريست نكس” التابعة لأمجد طه، شوهدفي الحضور عدد من أعضاء المجموعة، من بينهم عائشة وعبد القادر وميرة. كما أقيمت فعالية أخرى بالتعاون بين “كريست نكس” وبرنامج “الخبير الجديد” في الإمارات، حيث تحدثوا مع خبيرة الشؤون الخارجية ميثاء الكعبي، وهنا يمكن رؤية عبدالقادر وأمجد وموزة، كما التقى العديد من أفراد المجموعة بأحمد فؤاد الخطيب (كاتب نُشرت مقالاته في مجلة “الأتلانتيك” والتي استندت إلى معلومات مضللة من أمجد طه)، رغم أنه ليس واضحًا ما إذا كان ذلك ضمن فعالية لـ”كريست نكس”.
الترويج المتبادل الذي يقوم به أمجد للمجموعة على منصة “إكس” قوي أيضًا، فإذا حلّلت جميع تغريدات أمجد لعام 2025 (وهو ما فعلتُه)، ستجد الحسابات التي تفاعل معها أكثر من غيرها، وأهمها هو حسابات “المجموعة”. (ملاحظة: يبدو أن طه يروّج لروضة أكثر من غيرها).

في الوسط: فعالية “كريست نكس” مع ميثاء الكعبي. على اليمين: قائمة الحسابات التي تفاعل معها أكثر من غيرها.
صلة مالية
ربما تكون إحدى أكثر الصلات دلالة وإثارة للاهتمام بين طه وعدد من أعضاء المجموعة هي أن شركة “كريست نكس” التي يمتلكها نشرت إعلانات لصالح “ديلي يورو تايمز” و”واشنطن آي” في فبراير/ شباط ومارس/ أذار 2025، ويمكن العثور على هذه الإعلانات في مكتبة إعلانات “غوغل”.

وهنا يطرح سؤال نفسه: لماذا تقوم شركة يديرها شخص له تاريخ في نشر السرديات المضللة بالإعلان لمواقع إخبارية زائفة، أحدها على الأقل شارك في ترويج سرديات مضللة بشأن ليبيا؟
ومع ذلك، فإن شركة “كريست نكس” تبقى غامضة للغاية؛ فرغم إقامتها بعض الفعاليات والرحلات ورعاية مؤتمر في البحرين، إلا أنه المعلومات المعروفة حول ما تقوم به قليلة للغاية. (في هذه المرحلة لن أستغرب إن كانوا يصنعون منتجات للأسنان). كما أنه ليس واضحًا ما إذا كانت لقاءات أمجد في الخارج أو على التلفاز مرتبطة بعمله في “كريست نكس”، أو لماذا يبدو أن بعض الأدلة على أنشطتهم قد حُذفت.
نادرًا ما يُقدَّم أمجد بهذا اللقب، وحقيقة أن الموقع الإلكتروني، الذي سُجّل لأول مرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 – وتم تحديثه في أكتوبر/ تشرين الأول 2025 – أصبح غير نشط حاليًا، تشير إلى أنها تحاول التكتم على نشاطاتها. وهناك سجل عام لموظف في “كريست نكس” بدأ العمل هناك في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، لكنه غادر مؤخرًا وفقًا لـ”لينكد إن”.
مواقع الأخبار الزائفة الأخرى: “نيويورك إنسايت” و”يورو بوست إيجنسي”
لا تنتهي الغرابة هنا، ولا تنتهي المواقع الإخبارية الزائفة المرتبطة بأمجد طه على ما يبدو؛ ففي أبريل/ نيسان 2025، كتبت روضة الطنيجي (مع آدم غرين) مقالًا بعنوان “مرتكبو الإبادة الجماعية بعقدة إسلامية وخريطة سيئة” نُشر على موقع «نيويورك إنسايت» (تنويه: لن تحصل على أي أفكار جديدة بقراءتك محتواهم). وباستثناء بعض المساهمات في شكل مقالات رأي، بما في ذلك مقال لروضة الطنيجي، يُنشر محتوى «نيويورك إنسايت» دون أسماء كتّاب أو إشراف تحريري واضح. هناك بريد إلكتروني واحد للتواصل وهو “[email protected]” وعنوان عام في مانهاتن. حتى صفحة «اتصل بنا» ما زالت تحتوي على كود “إتش تي إم إل”.
وكما هو متوقع، كان مقال روضة شديد الانتقاد للقوات المسلحة السودانية وعلاقتها بجماعة الإخوان المسلمين، ويظهر بوضوح أنه كُتب باستخدام الذكاء الاصطناعي. ومن اللافت أنه يذكر اسم مؤلف مشارك يُدعى “آدم غرين”، والمرة الوحيدة التي عثرت فيها على هذا الاسم كانت في بيان صحفي صادر في أبريل/ نيسان 2025، ويذكر البيان آدم غرين الذي يُقال إنه موظف في جمعية التنمية الأفريقية، ولم يتضح ما إذا كان هذا هو نفس الشخص، أو إن كان آدم غرين موجودًا أصلًا (فهو غير مدرج في صفحة كتّاب الموقع لأنها غير موجودة أساسًا).

ويحتوي موقع “نيويورك إنسايت” على عدد غير عادي من المقالات عن السودان بالنسبة لموقع محدود التغطية ويزعم أنه معني بـ”نيويورك”؛ حيث تركز جميع المقالات على انتقاد القوات المسلحة السودانية، وصلاتها بجماعة الإخوان المسلمين، أو الأدوار الضارة للصين وإيران وروسيا في السودان.
وهناك أيضًا عناصر رديئة مثيرة للريبة في موقع “نيويورك إنسايت”؛ فلا أيقونات التواصل الاجتماعي مرتبطة فعلًا بقنواتهم، وحسابهم على “إكس” (تويتر سابقًا) يبدو مشبوهًا وغير أصلي؛ فقد أُنشئ في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وكان يتابع حسابًا واحدًا فقط حينها، يُسمى “إنسايد أفريقيا” قبل أن يتم تعليقه. بعدها غيّر “نيويورك إنسايت” علامته التجارية وأضاف شعارًا يقول: “أعلى صوتًا من تايمز سكوير”.
ويكشف فحص أفضل 100 منشور أداءً على حساب “نيويورك إنسايت” في “إكس” أن أكثر منشوراتهم تفاعلًا تدفع باتجاه اصطفاف سياسي يميني، والمحتوى الأكثر تفاعلًا يروّج بشكل كبير لرؤية مؤيدة لإسرائيل، ذات نزعة أمنية قصوى في تأطير الصراع الإقليمي، خصوصًا فيما يتعلق بحماس وحزب الله وإيران وداعميهم المفترضين. وتُصوَّر إسرائيل باستمرار على أنها تتصرف من منطلق دفاعي وبشكل مشروع، بينما يُوصَف الخصوم بمصطلحات أخلاقية ومطلقة.
وتستهدف مجموعة أخرى من المنشورات النشطاء المؤيدين لفلسطين والمهاجرين والمسلمين والمتظاهرين اليساريين، وتصورهم غالبًا على أنهم عنيفون أو متطرفون أو داعمون للإرهاب. ويُؤطَّر موضوع الهجرة من خلال روايات عن الجريمة والفوضى المدنية والهلع الأخلاقي، بما يتماشى مع رسائل الحرب الثقافية اليمينية. كما ينشر موقع “نيويورك إنسايت” مقاطع قصيرة على قناته في “يوتيوب”.
وبالنظر إلى كل ذلك، ومع وجود عدد شبه معدوم من الكتّاب باستثناء روضة الطنيجي وغرين، يظل السؤال: كيف سمع الآخرون بهذا الموقع أصلًا؟
وكالة “يورو بوست”
وهنا ندخل حقًا إلى عالم مقلوب.
لم يكن مقال روضة في “نيويورك إنسايت” نهاية القصة؛ فعندما نشرت مقالها هناك، لم تكن تلك المرة الأولى التي أسمع فيها عن هذا الموقع؛ فقد كنت أبحث بالصدفة العام الماضي في موقع إخباري زائف آخر يُدعى “يورو بوست إيجنسي” حين عثرت على “نيويورك إنسايت”.
لكن يجب أن أشرح أولًا بعض الأمور عن “يورو بوست”.
يقلّد موقع “يورو بوست” العلامة التجارية لـ”يورو نيوز”، كما أن معظم محتوى الموقع منسوخ مباشرة من “يورو نيوز”، بما في ذلك النصوص والعلامة التجارية، دون الإشارة إلى المصدر أو دليل على وجود ترخيص شرعي.
في أغسطس/ آب 2023، نشر موقع “يورو بوست” مقالًا يزعم وجود روابط بين القوات المسلحة السودانية وجماعة بوكو حرام، وهو خبر لا أساس له من الصحة على الإطلاق. وانتشر المقال أساسًا عبر حسابات مؤيدة لقوات الدعم السريع على وسائل التواصل الاجتماعي وأثار قلقًا فوريًا لدى الباحثين والنشطاء الذين لم يجدوا أي دليل يدعم هذه الادعاءات. زعم المقال عن بوكو حرام أنه كُتب بواسطة “مراسل واشنطن” داخلي. وعند تتبع النص بشكل أعمق، ظهر أيضًا على مدونة “ميديوم” كتبها شخص باسم “كارول”، وكل كتاباته الأخرى تتعلق بالسودان وتزعم تورط الجيش المصري عبر دعم بالطائرات المسيّرة. ويبالغ “يورو بوست” في الترويج لمصداقيته؛ ففي أحد المنشورات، على سبيل المثال، زعم أن مصادر من البيت الأبيض تتواصل مع “يورو بوست إيجنسي”.

وأظهر الفحص الدقيق في “يورو بوست” مزيدًا من الأدلة على أنه عملية تأثير؛ فقد تم تسجيل النطاق قبل أسابيع قليلة فقط، في يونيو/ حزيران 2023، لكن حسابه على “إكس” ادعى أنه يعود إلى أكثر من عقد مضى، وقد مرّ عبر هويات عديدة، بما في ذلك أنه كان تابعًا لشخص كان ينشر باللغة الروسية.

ونشرت وكالة “يورو بوست” أيضًا عددًا قليلًا من المقالات الأصلية التي ركزت بشكل شبه حصري على السودان، وكانت هذه المقالات، مثل تلك المنشورة على “نيويورك إنسايت”، معادية باستمرار للقوات المسلحة السودانية، وفي بعض الحالات لمصر أيضًا.

وأثارت “يورو بوست” أيضًا ضجة عندما روجت لمعلومات مضللة مؤيدة لإسرائيل بشكل صريح؛ فقد زعمت، دون أي دليل، أن الرهينة الإسرائيلية نوعا أرغاماني كانت محتجزة في منزل الصحفي في قناة الجزيرة عبد الله الجمل. وقد دفع هذا محلل المصادر المفتوحة تال هاغين إلى التساؤل عن كيفية معرفتهم بذلك.
ومثل المواقع الأخرى، تبدو “يورو بوست” عملية لتبييض السرديات عبر أخبار منخفضة الجودة وغامضة، ومعظمها معاد تدويره لكنه صحيح، مع منشورات أيديولوجية محددة أو معلومات مضللة تُضخَّم أحيانًا (صيغة 80:20 التقليدية)، ولعلّه ليس من المستغرب أن أمجد طه كثيرًا ما شارك منشورات من “يورو بوست”. وبدأ حساب “يورو نيوز” على “إكس” النشر في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2023،وكان طه يتفاعل معه بالفعل بحلول نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
صلة “يورو بوست” و”نيويورك إنسايت”
لكن ما هي الصلة بين “يورو بوست” و”نيويورك إنسايت”؟
في لحظة صدفة غريبة ومصادفة، أثناء البحث في قناة “يورو بوست” على “يوتيوب”، لاحظت شيئًا غريبًا؛ فقد احتوت مجموعة من المقاطع القصيرة على علامات مائية لا تشبه شعار “يورو بوست”، بل شعار “نيويورك إنسايت”. في ذلك الوقت لم أكن قد سمعت عن “نيويورك إنسايت”، لذا دوّنت بعض الملاحظات عنه وأكملت البحث. لم أشعر بالفضول إلا عندما نشرت روضة مقالها لاحقًا؛ حيث أثار اهتمامي أنها نشرت مقالها في موقع غريب كنت قد رصدته سابقًا.

وهذا يعني وجود صلة بنيوية واضحة بين “نيويورك إنسايت” و”يورو بوست”؛ فكلا الموقعين يتبعان نفس الأسلوب: واجهات إعلامية ذات طابع غربي، وبنية تحريرية محدودة أو غامضة، وحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي معاد تدويرها أو أُعيد استخدامها، ومجموعة ضيقة من السرديات الجيوسياسية التي يتم نشرها بشكل متكرر من خلال التضخيم والتلفيق الصريح في بعض الأحيان.
لذا فإنه من المثير للاهتمام أن روضة، التي كتبت لموقع “واشنطن آي”، كتبت أيضًا لموقع “نيويورك إنسايت” الغامض، المرتبط بدوره بوكالة “يورو بوست” المشبوهة بالقدر نفسه. فكل من “نيويورك إنسايت” و”يورو بوست” يُظهران خطًا تحريريًا قويًا معاديًا للقوات المسلحة السودانية، وكلاهما يشبه المواقع الإخبارية الزائفة الأخرى مثل “واشنطن آي” و”ديلي يورو تايمز” وغيرها. وكلا حسابيهما على “إكس” يحملان علامة التحقق الذهبية، كما أن حقيقة أن “نيويورك إنسايت” أعادت إطلاق علامته التجارية في نفس الفترة التي ظهرت فيها بقية المجموعة أمر مثير للانتباه. وحقيقة أن أمجد طه يشارك منشورات من “نيويورك إنسايت” و”يورو بوست” هي نمط آخر مثير للاهتمام. وبطبيعة الحال تثير هذه الأمور تساؤلًا حول من يدير هذه المواقع.
منظومة الإعلام اليميني
وتردد السرديات التي يروّج لها أمجد طه والمجموعة صدى تلك التي يروّج لها اليمين المتطرف الأوروبي، ومن الجدير بالذكر أن هذه السرديات المعادية للإسلام والمعادية للمهاجرين هي أيضًا سمة من سمات العمليات الإعلامية الإسرائيلية. وليس من المستغرب إذن أن بُعدًا آخر في هذه المنظومة هو أن المجموعة يتم الترويج لها عبر عملية «فيشغراد 24» الخاصة بالشرق الأوسط. وللتوضيح، فإن «فيشغراد 24» هو منفذ إعلامي بولندي يميني على وسائل التواصل الاجتماعي، يختص بإثارة الذعر الأخلاقي حول الهجرة، وغالبًا ما ينشر معلومات مضللة عن المسلمين. وفي تحليل معمّق، وُصف “فيشغراد 24” بأنه “معلومات مضللة بولندية بوصفة مجرية”.
في مايو/ أيار 2025، أنشأ “فيشغراد 24” موقعه الخاص بالشرق الأوسط تحت اسم “ميدل إيست 24″، وهو اسم يبدو وكأنه يقلّد “ميدل إيست آي”. وقد أُسس “ميدل إيست 24” على يد كل من دان فيفرمان، وهو إستراتيجي أمريكي إسرائيلي وخبير في الشرق الأوسط، وستيفان تومبسون، المؤسس البولندي البريطاني لـ”فيشغراد24″، وعبدالعزيز الخميس، صحفي ومعلق سعودي، وهيفي بوزو، مقدمة برامج تلفزيونية سورية أمريكية. (من اللافت للانتباه أن قسم “نبذة عنا” قد أزال جميع أسمائهم). وقد أثار “ميدل إيست 24” بالفعل جدلًا بسبب ترويجه المشبوه لقصص مصدرها نائب أمريكي مزيف حول أرض الصومال. (كتبت عن ذلك هنا).
في يوليو/ تموز 2025، أجرى مؤسس “فيشغراد 24” ستيفان تومبسون مقابلة مع أمجد طه. ومرة أخرى، قدّم طه خطابه المعتاد عن الإسلاموية والهجرة الأوروبية. ومن اللافت أن المجموعة تظهر بكثافة على مواقع “ميدل إيست 24″، وأحيانًا تنتج محتوى حصريًا “مشترك العلامة». إن قيام منفذ إعلامي يميني أوروبي معادٍ للإسلام بمنح منصة لعدد من هؤلاء المؤثرين الإماراتيين المضللين هو مؤشر واضح على ظهور تحالفات عالمية ناشئة.
ومن الجوانب المثيرة للاهتمام في هذا الصدد أن “فيشغراد 24” استضافت تومي روبنسون وأجرت معه مقابلة على قناتها في عام 2024، وبدا أنها تعاونت معه في إنتاج مقطع فيديو ينتقد قطر بشكل خاص (المزيد عن ذلك هنا). وقام بعض أعضاء المجموعة مؤخرًا بالترويج لآراء تومي روبنسون حول السودان، الذي أبدى اهتمامًا مفاجئًا مؤخرًا بقضايا تهم الإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك الاستقلال المحتمل لجنوب اليمن. وكأن هذا لم يكن غريبًا بما فيه الكفاية، يقوم تومي روبنسون حاليًا (ديسمبر/ كانون الأول 2025) برحلة مدفوعة الأجر إلى دبي، سيكون من المثير للاهتمام معرفة من سيقابل (لم يذكر من يدفع تكاليف الرحلة).
مصنع الكتب والمثقفون المدعومون بالذكاء الاصطناعي
ربما يكون الجانب الأكثر انفلاتًا من الواقع وما بعد الحقيقة في كل هذا هو أن ما لا يقل عن ثمانية من أفراد المجموعة قد نشروا كتبًا، حيث أتردد في استخدام كلمة “كتبوا” لأنها جميعها تظهر علامات على أنها كُتبت بواسطة الذكاء الاصطناعي. لكن نعم، عائشة، وموزة، وأحمد، وروضة، وماجد، ومريم، وعبد القادر، وعبيد جميعهم نشروا كتبًا، وقد كان لديهم الكثير من القواسم المشتركة كما هو متوقع؛ فقد نُشرت جميعها في إطار زمني متقارب، بين يوليو/ تموز وسبتمبر/ أيلول 2025. وجميعها نُشرت عبر ناشر واحد اسمه “أوثروهاوس”، ومن الجدير بالذكر أن “أوثراهاوي» هو نفس الناشر الذي أصدر كتاب أمجد طه “خديعة الربيع العربي”.

والقاعدة الذهبية هي أنه لا ينبغي دفع المال مقابل الدعاية، لكنني طلبت جميع النسخ الورقية لهذه الكتب بغرض الاحتفاظ بمجموعة من الكتب المطبوعة وربما لإعداد معرض لمتحف التضليل المستقبلي الخاص بي، وحتى لا تضطروا أنتم لذلك. (ملاحظة: يمكنكم أيضًا قراءة معظمها عبر اشتراك في مواقع مثل “إيفراند”).
تحتوي بعض الكتب على نفس الموضوعات التي يروّج لها هؤلاء المؤثرون المضللون، فكتاب “الأندلسية” لروضة الطنيجي (الذي تصفه بأنه “انفجار فكري») يتضمن هجمات متعددة ضد منظمات غير حكومية مثل “الإغاثة الإسلامية العالمية” و”مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية”، وهو النص الأكثر وضوحًا في عدائه للإسلاميين، ويؤكد أن “تسامح” أوروبا سيكون سبب انهيارها، وهي موضوعات يروّج لها العديد من أفراد المجموعة باستمرار. في الواقع، يبدو كتاب “الأندلسية” وكأنه انعكاس لخطاب طه.
أما كتاب “النموذج الإماراتي” لعبيد، فيركز أكثر على تمجيد فضائل الإمارات، لكنه يتضمن أقسامًا غريبة حول مشاكل الهجرة الأوروبية (ومدى جودة نظام الكفالة). في الواقع، تبدو هذه الأقسام وكأنها مقالات يمينية متطرفة معادية للأجانب.
وبينما تبدو معظم الكتب وكأنها تقييمات فكرية لموضوعات مختلفة، تتراوح بين البيئة والتراث والإخوان المسلمين وتجارة المخدرات، إلا أن أيًا منها لا يحتوي على مراجع أو قوائم مصادر، وجميعها تبدو وكأنها كُتبت على عجل بواسطة وكيل ذكاء اصطناعي لغوي مثل “شات جي بي تي”. فهي مليئة بالشرطات الطويلة، وبنية صياغية نمطية، ومبالغات، والتراكيب المقارنة المتضادة (هذا ليس مجرد كذا، بل هو كذا). حتى كتاب عبيد يحتوي على الكثير من النصوص المكتوبة بخط عريض، كما تفعل بعض نماذج الذكاء الاصطناعي.
ورغم أن بعض هذه الكتب تبدو وكأنها وسيلة دعاية صريحة، وربما تؤثر على نماذج الذكاء الاصطناعي في المستقبل، إلا أن لها تأثيرًا في مجال “غسيل المصداقية”. فإذا سألت مثلًا “غروك” عن “روضة الطنيجي”، فإنه يذكر كتابها المنشور على “بارنز آند نوبل”، مما قد يعطي انطباعًا للقراء غير المطلعين بأن روضة مؤلفة ذات مصداقية.

وتبدو هذه الكتب أيضًا وكأنها صفقة شاملة، فها هي روضة تعرض كتابها أمام وفود في مؤتمر “اتفاقيات إبراهيم» الذي نظمته أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية؛ حيث عُرضت جميع كتب المجموعة معًا كما ترون.

وإن لم يكن ذلك كافيًا، فإن روضة تعمل على كتابها التالي.
الخاتمة: أمجد والمثقفون المدعومون بالذكاء الاصطناعي
بين أكتوبر/ تشرين الأول وديسمبر/ كانون الأول 2024، ظهرت بنية تحتية إعلامية وسردية جديدة؛ حيث سُجّلت في غضون أسابيع قليلة مواقع إخبارية زائفة مثل “واشنطن آي” و”ديلي يورو تايمز” و”بريفليكس” و”أفريكا ليكس” و”إنفو فليكس”. كما أُنشئت حسابات على منصة “إكس” لمؤثرين مثل روضة الطنيجي، ومريم المزروعي، عبيد الزعبي، وعبدالقادر المنهالي في ديسمبر/ كانون الأول 2024. وبحلول أوائل 2025، كانوا يظهرون معًا في “مجلس العلاقات الخارجية” و”مؤسسة هيريتيج” وجامعة جورجتاون ومؤتمر مجلس أمناء السجلات الأكاديمية في الدولة غالبًا برفقة أمجد طه. وفي فبراير/ شباط ومارس/ أذار، كانت شركة أمجد طه “كريستنكس ميديا” تدير إعلانات مدفوعة لصالح “واشنطن آي” و”ديلي يورو تايمز” عبر شبكة إعلانات غوغل.
النمط واضح ومتسق: إنشاء متزامن وظهور متقارب واستوديوهات مشتركة وتثبيت سرديات متطابقة؛ حيث يظهر “الإخوان المسلمون” بلا توقف، باعتبارهم سببًا للتدمير البيئي، والحرب السودانية، والهجرة الأوروبية، وغزة، والهجمات الإرهابية في سيدني. ويُعاد تأطير “حماس” باعتبارها “حماس أفريقيا”، وتقدّم الهجرة كتهديد أمني، وتُصوَّر إسرائيل كحصن دفاعي للنظام الغربي. تنتقل هذه النقاط عبر المواقع الإخبارية الزائفة، وتُضخَّم عبر حسابات المؤثرين، وتظهر حتى في كتب منشورة عبر دار نشر “أوثرهاوس” تبدو وكأنها كُتبت بواسطة “شات جي بي تي”.
والشخصية المحورية هنا هي أمجد طه، وهو شخصية ذات تاريخ حافل في عمليات التضليل؛ حيث تشتري شركته إعلانات لمواقع إخبارية زائفة، ويروج لمواقع مشبوهة، ويظهر إلى جانب المجموعة في فعاليات دولية. تُظهر تغريداته أعلى معدلات التفاعل بين أعضاء الشبكة؛ فهو يروّج لمحتواهم، وهم يروجون محتواه. وتشير مقاييس التأثير إلى علاقة متبادلة: الشبكة موجودة للترويج لطه، وبنية طه التحتية موجودة لإضفاء الشرعية على الشبكة، لكن الأمر الذي لا يزال غير واضح هو مدى تورط “كريستنكس” في ذلك.
إن ما يجعل هذا الأمر مهمًا هو طبيعته المنهجية؛ فالبنية التحتية تعمل عبر واجهة استقلالية زائفة: حسابات منفصلة، منافذ مختلفة، أسماء فردية، لكن تواريخ الإنشاء متطابقة، وتسجيلات النطاقات متقاربة، وإعلانات غوغل تربط “كريستنكس” ببعض المواقع الإخبارية الزائفة. ويظهر العديد من المؤثرين معًا بشكل متكرر في نفس الأماكن، وتبيّن حسابات “إنفو فليكس” و”يورو بوست” على “إكس” تبيّن أنها أدوات معاد تدويرها من حصار قطر عام 2017. وتظهر العلامة المائية لـ”نيويورك إنسايت” على مقاطع فيديو “يورو بوست إيجنسي”، وهي مواقع يروّج لها طه وأعضاء المجموعة.
وتشير التكتيكات والتقنيات والإجراءات، إنشاء الحسابات المتزامن، وتقارب السرديات، والترويج عبر المنصات، البنية الإخبارية الزائفة، إلى نشاط منظم. وفي قلب هذا النشاط يوجد فاعل معروف في مجال التضليل الإعلامي يعمل بنشاط على الترويج لمواقع إلكترونية وحسابات تفتقر إلى الشفافية التحريرية، وتحتوي على توقيعات مزيفة، وبمحتوى يبدو أنه مولّد بالذكاء الاصطناعي، بينما تدفع شركته مقابل توسعة نطاق انتشارهم.
الأمر الذي يبقى مثيرًا للتساؤل هو الآليات العملية لهذه المنظومة؛ من يمول السفر الدولي المتكرر، والوصول إلى الفعاليات، وإنتاج الاستوديوهات، وظهور هذه المجموعة من المؤثرين؟ ومن يغطي التكاليف المستمرة لتسجيل النطاقات، وعلامات التحقق المميز على المنصات، والإنفاق الإعلاني، والإنتاج واسع النطاق للمحتوى عبر مواقع إخبارية زائفة متعددة؟ وكيف تُتخذ القرارات التحريرية بين المواقع وحساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي؟ وهل هناك فصل متعمد بين الإشراف على المواقع والترويج عبر المنصات؟ وما الدور الذي تلعبه “كريستنكس ميديا” إن وُجد، هل تنسّق التوزيع، وتدفع للمؤثرين، وتوفر البنية التقنية، أو تدير الإعلانات والترويج؟
وأخيرًا، فإن من أكثر ما يلفت انتباهي في هذه المجموعة هو عامل العمر. فمعظم أعضائها من الشباب، وهم حديثو العهد نسبيًا بالتعليق السياسي العام، ويعملون في بيئات إعلامية تُكافئ الظهور والتحقق والوصول أكثر بكثير مما تكافئ الدقة أو الاستقلالية. وسواء كان ذلك بدافع الطموح، أو السذاجة، أو الانتهازية، أو القناعة الأيديولوجية، فإن دوافع عناصر مختلفة من المجموعة تبقى غير واضحة، كما أنه ليس من الواضح إذا كان لدى أي منهم أي تحفظات حول طبيعة ما يفعلونه، وربما يكشف الوقت ذلك.
المصدر: ديس إنفلونس











