منذ سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على محافظتي حضرموت والمهرة شرقي اليمن في التاسع من ديسمبر/كانون الأول الجاري، تتوالى تصريحات عدد من الوزراء والمحافظين والمسؤولين في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، التي يعلنون فيها تأييدهم لانقلاب المجلس الانتقالي على الحكومة وخطواته نحو إعلان انفصال الجنوب اليمني عن شماله بقيادة عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا.
يرى ساسة يمنيون تحدثنا إليهم، أن تلك التصريحات تأتي في سياق الحرب النفسية التي يمارسها الانتقالي بحق الحكومة اليمنية، فيما يرى البعض الآخر أنه لا يجب التقليل من أهمية تلك التصريحات التي تمهد الطريق فعليًا لدى الانفصاليين إلى إنهاء دولة الوحدة في اليمن.
وبين الرأيين يتساءل آخرون عن جدوى تلك الانشقاقات وإلى أي مدى يمكن لها أن تؤثر على اتخاذ قرار الانفصال؟ وما هي ردود أفعال الحكومة اليمنية تجاه أولئك الوزراء والمسؤولين المنشقين عنها؟ والتوقعات بكيفية التعامل مع الموقف في الوقت الراهن ومستقبلًا.
فرض واقع سياسي وعسكري
وزراء التخطيط والكهرباء، والاتصالات والأشغال والنقل والشؤون القانونية والثروة السمكية، ونواب ووكلاء وزارات الصناعة والتجارة والإعلام والشباب والرياضة، والصحة، والتعليم، ومحافظي عدن وسقطرى، وشبوة ولحج وأبين، ومسؤولي النقل الجوي ومطار وجامعة عدن، ومسؤولين حكوميين في عدد من المؤسسات الحكومية العاملة في عدن العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية، أعلنوا جميعهم في بيانات منفصلة تأييدهم للانفصال وبسط سيطرة المجاميع المسلحة للمجلس الانتقالي الجنوبي على كافة المحافظات الجنوبية والشرقية اليمنية.
وتتزامن هذه الانشقاقات عن الحكومة اليمنية مع استمرار المسيرات والاعتصامات الشعبية في ساحات وميادين منتشرة في مدن عدن وسيئون وشبوة والضالع للمطالبة بانفصال الجنوب وإعلان دولة جديدة.
يرى سالم باوزير الناشط في المجلس الانتقالي الجنوبي أن بيانات تأييد الوزراء المنتمين للمحافظات الجنوبية والشرقية يأتي ضمن الانتصار للقضية الجنوبية عقب سيطرة القوات الجنوبية على الموارد الاقتصادية في حضرموت والمهرة، وكان ذلك إيذانًا بالتحول الاستراتيجي لنقل القضية الجنوبية من “مرحلة المطالبة” إلى “مرحلة التمكين المؤسسي” حسب وصفه، حيث يؤدي تصدع الحكومة من الداخل إلى منح المجلس الانتقالي غطاءً رسميًا وشرعية إدارية تضعف مركزية “مجلس القيادة الرئاسي”.
View this post on Instagram
ويقول باوزير لـ”نون بوست”: “هذا الحراك، المدعوم بالسيطرة على منابع النفط، يهدف إلى فرض واقع سياسي واقتصادي جديد يجعل من “فك الارتباط” نتيجة حتمية لامتلاك الأرض والمؤسسات والموارد، مما يضع المجتمع العربي والإقليمي والدولي أمام أمر واقع يتجاوز الشعارات السياسية ليتعامل مع كيان دولة مكتمل الأركان يدير شؤونه ذاتيًا بانتظار الاعتراف القانوني”.
تحقيق ومحاسبة
وفي مواجهة انقلاب الانتقالي من قبل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، أصدر وزراء في وزارات “الشباب والرياضة، والأوقاف والإرشاد، والعدل، والصناعة والتجارة” اليمنية بيانات أعلنوا فيها رفضهم القاطع لأي مواقف أو بيانات ذات طابع سياسي مناوئة للدولة اليمنية صادرة عن بعض منتسبي تلك الوزارات ووزارات يمنية أخرى، مؤكدة أن ما جرى تداوله من وزراء ومسؤولين محسوبين على الانتقالي لا يندرج ضمن اختصاصاتها القانونية والمؤسسية، ويخالف المرجعيات الدستورية والقانونية الحاكمة.
وفي السياق وجه رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي بالتحقيق مع الوزراء والمسؤولين الذين أصدروا تصريحات خارجة عن توجيهاته، كما عقد العليمي اجتماعًا بقيادات وزارة الخارجية، والسفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية الممثلة للجمهورية اليمنية في عدد من بلدان العالم، أوضح لهم بطلان اتخاذ الانتقالي إجراءات أحادية تخالف مرجعيات المرحلة الانتقالية المتعلقة بالتوافق القائم، وفي المقدمة إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض، وما تضمنه من صلاحيات تمثيل الدولة وإدارة السياسة الخارجية، وآلية اتخاذ القرار، وحماية وحدة اليمن، وسلامة أراضيها.
وأكّد أن الإجراءات الأحادية الأخيرة للمجلس الانتقالي لا تهدد اليمن فقط، بل تمس أيضًا التزامات الدولة المتبادلة بحماية أمن دول الجوار، وجهود المجتمع الدولي لحماية الممرات المائية، وإمدادات الطاقة، وسفن الشحن التجاري عبر البحرين العربي، والأحمر، وخليج عدن.
عبد الكريم ثعيل القيادي في الحكومة اليمنية وعضو مشاورات الرياض قال لـ”نون بوست”، إن تصريحات بعض الوزراء في الحكومة اليمنية والتي أيدت ما أسماه تمرد المجلس الانتقالي على الشرعية وجرائم الغزو المناطقي للمليشيات ضد أبناء محافظتي حضرموت والمهرة ومؤسسات الدولة اليمنية هناك، لا تعدو كونها اصطفافًا مع الجريمة والتمرد والعبث وتجديدًا لرؤيتهم المتطرفة غير الواقعية التي يريدون فرضها بقوة السلاح حتى على غالبية القوى وأبناء اليمن في المحافظات الجمهورية اليمنية في جنوب وشرق البلاد.
ويرى ثعيل وهو وكيل أمانة العاصمة أن “الوزراء والمسؤولين المحسوبين على المجلس الانتقالي المدعوم من الامارات، كشفوا لعامة الشعب وللجهات الدولية والإقليمية الراعية للعملية السياسية والداعمة الشرعية بأن الانتقالي مسيطر على أكثر من نصف الحكومة وقرابة ثلاثة أرباع مؤسسات الدولة، وأنه مارس تجريفًا مناطقيًا وسياسيًا وعسكريًا وأمنيًا للمناصب القيادية والوسطى، كما سيطر سيطرة تامة على السلطات المحلية في كثير من المحافظات الجنوبية في الجمهورية اليمنية”.
واعتبر ثعيل أنه لم يكن للانتقالي أن يصل إلى ما وصل إليه من عبث حسب تعبيره، لولا وجود غطاء ناعم من قبل رئيس مجلس القيادة الرئاسي، حسب رأيه، إذ يرى أنه “كان وما زال بإمكانه أن ينهي هذا العبث بمجرد استخدام صلاحياته” التي منحه إياها قرار رئيس الجمهورية اليمنية المشير عبد ربه منصور هادي، والذي يعدّ هو المرجع الوحيد لإنهاء هذا العبث في حال فشل رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي بعد دوس الانتقالي لمبادئ وأهداف التفويض أمسى في حكم العدم، والكلام لـ ثعيل.
خطوة أحادية
عادل المسني وهو باحث أكاديمي في العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول، يقلل في حديثه مع “نون بوست”، من أهمية تصريحات وزراء ومسؤولين حكوميين بتأييدهم للمجلس الانتقالي الجنوبي بإعلان الانفصال، ويرى أن ذلك يُعد ضغطًا إعلاميًا لا أكثر، ومبيّنًا في الوقت نفسه أن أولئك الوزراء هم في الأصل منتمون للمجلس الانتقالي الجنوبي قبل أن يتم تعيينهم في مناصب حكومية عقب اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي.
بدوره، يرى عبد السلام محمد رئيس مركز أبعاد للدراسات، في حديثه مع “نون بوست”، أنه لولا الدعم الإماراتي لما تجرأ الانتقالي على التحرك نحو حضرموت والمهرة والمطالبة علنًا بالانفصال نكاية بالسعودية وسلطنة عمان.
View this post on Instagram
واعتبر محمد انقلاب المجلس الانتقالي الجنوبي خطوة أحادية وغير قانونية ومدانة من المجتمع الدولي، ومدانة وغير مقبولة لدى السعودية التي رعت مشاورات الرياض التي أفضت على أن يكون الانتقالي شريكًا في حكم اليمن، بالتالي فإنّ ما قام به الانتقالي “قفزة مجهولة في الهواء لا يعرف كيف سيكون مصيرها”.
إعادة تموضع
وعن تطورات الأحداث في اليمن أصدر مجلس الأمن الدولي بيانًا بشأن اليمن أشار فيه إلى أن التصعيد المستمر في اليمن، بما في ذلك التطورات الأخيرة، لا يفضي إلى إحراز تقدم.
ودعا المجلس جميع الأطراف إلى خفض التصعيد مع التأكيد على أن مجلس الأمن الدولي ملتزم بدعمه الراسخ لوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه ودعمه لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية.
وعقب بيان مجلس الأمن الدولي وبيانات مماثلة من واشنطن ولندن والاتحاد الأوروبي، صدر بيان مشترك لـ 15 حزب يمني يؤيد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا ويرفض الإجراءات الأحادية التي قام بها الانتقالي في المناطق الشرقية.
السياسي والصحفي اليمني عوض بن هلابي توقع في حديثه لـ”نون بوست”، بأن الوزراء في الحكومة اليمنية الذين لم يبدوا أي موقف رسمي يعبر عن قناعاتهم حتى الوقت الراهن هم مع ميلان الميزان من حيث القوة والسيطرة والأمان، أما بالنسبة للوزراء والمسؤولين الذين أعلنوا تأييدهم للانتقالي فلن يقبلوا بأوامر رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، وسيديرون الوزارات بأوامر من الزبيدي رئيس الانتقالي.
كما توقع بن هلابي أن الوضع في الجنوب اليمني سيبقى كما هو عليه في الوقت الراهن، وأن الأيام القادمة ستشهد خفضًا للتصعيد بشكل تدريجي إلى استكمال التفاهمات حول خارطة التموضعات العسكرية في وادي حضرموت والمهرة.