تتصاعد على نحوٍ مطّرد طبول الحرب والتهديدات المتبادلة بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران، إلى مستوى يُعدّ الأعلى منذ انتهاء حرب الأيام الاثني عشر، التي اعتبرتها كلٌّ من إسرائيل والولايات المتحدة، آنذاك، جولةً ناجحة حققت أهدافها المعلنة، سواء على صعيد توجيه ضربات قاسية للبرنامج النووي الإيراني، أو في إطار تعطيل برنامج الصواريخ الباليستية واستنزافه عملياتيًا.
هذا التصعيد لا يأتي في فراغ، بل يتقاطع مع جملة من المؤشرات السياسية الإسرائيلية والتقديرات الاستخباراتية المتداخلة، حول ما يجري فعليًا خلف الكواليس. فتوقيت تصاعد الخطاب التهديدي، الرسمي وغير الرسمي، بشأن احتمال مواجهة جديدة مع إيران، يتزامن مع التحضيرات لزيارة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة، وهي زيارة يُتوقّع أن يحمل فيها ملفات إقليمية شديدة الحساسية، في مقدمتها غزة ولبنان وسوريا. وفي هذا السياق، تُقدَّر ضغوط أمريكية محتملة تطالب نتنياهو بتنازلات محددة، ما يدفعه للبحث عن مقايضة استراتيجية تعيد رسم أولويات المنطقة من منظور إسرائيلي، وتلبّي في الوقت ذاته حاجاته السياسية الداخلية.
في المقابل، تكشف المعطيات المتوافرة عن استعدادات إيرانية متواصلة منذ انتهاء الجولة العسكرية الأخيرة في حزيران/يونيو الماضي، تحضيرًا لاحتمال جولة قتال جديدة. إذ تعمل طهران على معالجة الثغرات التي كشفتها الحرب، ولا سيما في الجوانب الأمنية ومنظومات الدفاع الجوي، إضافة إلى مسألة استباحة الأجواء الإيرانية من قبل الطيران الإسرائيلي، وهو ما يعزز الانطباع بأن مسار التصادم بين الطرفين قائم ومرشّح للتكرار، وإن ظلّ توقيته مفتوحًا على الاحتمالات.
حرب لم تنتهِ
منذ أن وضعت حرب الأيام الاثني عشر أوزارها، سرعان ما تراجع بريق الاستعراض الإسرائيلي بـ”النصر”، مقابل اتساع دائرة التشكيك في الرواية التي روّج لها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي قدّمت التدخل الأميركي في الحرب، ولا سيما ضربة “مطرقة منتصف الليل” بوصفها حسمًا للملف الإيراني عبر تعطيل البرنامج النووي، غير أن الوقائع اللاحقة أظهرت أن هذا “الحسم” كان، في أحسن الأحوال، نظريًا ومؤقتًا.
في هذا السياق، كتب العميد احتياط تسفيكا حايموفيتش في موقع القناة 12 الإسرائيلية أن الحقيقة تقع، على الأرجح، بين خطاب ترامب الذي يعلن تدمير المشروع النووي الإيراني، وبين التقديرات الإسرائيلية التي تتحدث عن إرجاعه خطوات إلى الوراء دون القضاء عليه.
ويشير الكاتب إلى أن إيران، وبعد ستة أشهر فقط من الحرب، ما تزال تمتلك ترسانة معتبرة من الصواريخ بعيدة المدى -تُقدَّر بنحو 1500 صاروخ متبقٍّ- حتى قبل استئناف الإنتاج، بما يكفي لتهديد إسرائيل بجولة قتال جديدة.
ولا يقتصر الخطر هنا على الأرقام، بل على دلالاتها العملياتية. فإنتاج آلاف الصواريخ، حتى إن كان أقل من الطموحات الإيرانية قبل الحرب، يظل كفيلًا بتهديد استمرارية الأداء الوظيفي داخل إسرائيل، وتحدّي منظومات الدفاع بصورة جدية، وفي السباق المفتوح بين قدرة إيران على التعافي وإعادة الإنتاج، وبين قدرة إسرائيل والولايات المتحدة على تجديد مخزونات الدفاع، يصبح عامل الزمن عنصرًا حاسمًا في ترجيح الكفة.
وعند جمع المشهد بين ما كان مأمولًا إسرائيليًا من الحرب وما تحقق فعليًا، تتضح فجوة واسعة بين الهدف والنتيجة، فقد عوّلت الحكومة الإسرائيلية على “صدمة” استراتيجية تدفع النظام الإيراني إلى الانكفاء أو الانهيار، على غرار ما حاولت فرضه على حزب الله في لبنان عبر سلسلة ضربات انتهت باغتيال أمينه العام.
غير أن هذه المقاربة استنزفت أوراقًا أمنية حساسة وفي مقدمتها بنك الأهداف، دون بلوغ الحسم المنشود، لتنتهي الجولة بلا نتيجة فاصلة، مع تسجيل قدرة إيرانية واضحة على ضرب العمق الإسرائيلي وإحداث مشاهد دمار غير مسبوقة داخل مدنه.
هذا الواقع لم يُغلق ملف المواجهة بين إسرائيل وإيران، بل أبقاه مفتوحًا على احتمالات أكثر خطورة، في ظل انتهاء الحرب دون حسم. وفي هذا السياق، أشارت نيوزويك في تقرير نُشر في 19 أغسطس/آب إلى أربعة مؤشرات تعكس مخاطرة الطرفين بالعودة إلى الحرب، أبرزها تسارع وتيرة إعادة التسلح، سواء عبر سعي إيران لإعادة بناء منظوماتها الدفاعية وتحديث قدراتها الجوية، أو من خلال تعزيز إسرائيل انتشارها العسكري وتجديد مخزوناتها بدعم أميركي مباشر.
كما لفت التقرير إلى الغموض الذي لا يزال يكتنف مصير البرنامج النووي الإيراني، مع استمرار التخصيب وتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مقابل تعثر المسار التفاوضي مع إدارة ترامب.
ويضاف إلى ذلك تقارب سياسي متزايد بين ترامب ونتنياهو في مقاربة الملف الإيراني، بالتوازي مع تصاعد أنشطة وكلاء طهران الإقليميين، ولا سيما في البحر الأحمر. وتخلص المجلة إلى أن تراكم هذه العوامل، وتعدد الجبهات المفتوحة، يُبقي خطر تجدد الصراع المباشر قائمًا، ضمن توازن ردع هشّ قابل للانفجار عند أول اختبار جدي.
تهديدات متبادلة
على الرغم من أن لغة التهديد باتت السمة الغالبة في العلاقة بين إسرائيل وإيران، فإن الوتيرة التي اتخذتها التصريحات خلال الأسابيع الماضية توحي بالانتقال من مستوى الردع الخطابي إلى عتبة أكثر جدية، تعيد إلى الأذهان الأجواء التي سبقت حرب الأيام الاثني عشر.
أكثر هذه التصريحات مباشرة وخطورة، جاء على لسان رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير، خلال مراسم تسليم قيادة قسم التخطيط في قاعدة كِرياه بتل أبيب، حين قال: “شعر أعداؤنا مرة أخرى بضربة ذراع الجيش الإسرائيلي الطويلة، والتي ستواصل ضرب أي مكان تقتضيه الحاجة على الجبهات القريبة والبعيدة”، مضيفًا أن “الحملة ضد إيران تُعدّ محور الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل”. وهي صياغة لا تعكس مجرد رسالة ردع، بقدر ما تضع إيران صراحة في قلب العقيدة العملياتية المقبلة للجيش الإسرائيلي.
في السياق ذاته، علّق المراسل العسكري لصحيفة “معاريف” العبرية، أفي أشكنازي، بأن كلمات رئيس الأركان تعكس بوضوح أن “رياح الحرب بدأت تهب في المنطقة”، معتبرًا أن تزامن تصريحات زامير مع زيارة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة، يشير إلى تحضيرات لخطوة ما ضد إيران.
هذا الانطباع عززته تسريبات متقاطعة من داخل المؤسستين الأمنية والسياسية في إسرائيل، إذ نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مسؤول أمني رفيع أن ملف التسلح الإيراني سيكون في صلب محادثات نتنياهو مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. في حين كشف موقع أكسيوس أن رئيس الأركان الإسرائيلي حذّر قائد القيادة المركزية الأميركية من تحركات إيرانية وُصفت بأنها “غير اعتيادية” خلال الأسابيع الأخيرة.
وبحسب مصادر أميركية وإسرائيلية متطابقة، فإن نتنياهو يتعامل مع الملف الإيراني بوصفه الأولوية الأولى على جدول أعماله في واشنطن، وتُظهر التسريبات أنه سيؤكد أمام ترامب أن طهران لم تعد تكتفي ببناء عناصر التهديد على نحوٍ نظري، بل انتقلت إلى مرحلة “الاختبارات الميدانية”، بما يشمل تغيير مواقع إطلاق الطائرات المسيّرة، وتجريب منظومات رادار ودفاع جوي جديدة، فضلًا عن تحركات غير مألوفة لوحدات من “الحرس الثوري”، جرى رصدها وتثبيتها استخباريًا. وهي معطيات تعاملت معها غرف القيادة العسكرية الإسرائيلية بوصفها جرس إنذار مبكر لاحتمال التصعيد.
View this post on Instagram
في المقابل، لم تتأخر طهران في الرد على التصعيد الإسرائيلي بخطاب مضاد، حمل رسائل جاهزية لا تقل حدّة، إذ قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن بلاده لا تستبعد شن هجوم جديد من قبل الولايات المتحدة أو تنفيذ عملية عسكرية أوسع ضدها، مؤكدًا في الوقت ذاته أن إيران “مستعدة بالكامل، بل أكثر استعدادًا من ذي قبل”.
أما على المستوى العسكري، فأكد نائب رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية العميد أبو الفضل شكارجي جاهزية القوات البحرية والبرية والصاروخية لمواجهة أي سيناريو عدائي. ونقلت وكالة “مهر” عنه قوله، خلال لقاء في جامعة شريف، إن إيران “لم تستسلم حتى في ذروة التوترات”، مضيفًا: “خلال الأيام الاثني عشر الماضية، عزّزنا قوتنا وحققنا نتائج ملموسة”.
القدرات الصاروخية الإيرانية
بعد سنوات كان فيها البرنامج النووي الإيراني في صدارة الخطاب الإسرائيلي، يتقدّم البرنامج الصاروخي الباليستي اليوم إلى واجهة التهديدات والتحذيرات، فقد شكّلت حرب الأيام الاثني عشر اختبارًا عمليًا غير مسبوق لهذه القدرات، أظهر ليس فقط فاعلية الصواريخ الإيرانية، بل عمق البنية التحتية الصناعية والعسكرية الداعمة لها، وقدرتها على إحداث ضرر حقيقي في العمق الإسرائيلي حتى ضمن نطاق إطلاق محدود نسبيًا.
في هذا السياق، نقلت NBC News عن مصادر مطلعة أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يعتزم إطلاع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تقديرات استخباراتية جديدة تفيد بتوسّع إيران في إنتاج الصواريخ الباليستية، وبدء إعادة بناء منشآت تضررت خلال الضربات الأميركية والإسرائيلية الأخيرة، إلى جانب عرض خيارات لشنّ ضربات عسكرية إضافية تستهدف هذا البرنامج.
وتقدّر الأوساط الاستخباراتية الإسرائيلية أن طهران تنتج نحو 300 صاروخ باليستي شهريًا، ما قد يرفع إنتاجها السنوي إلى قرابة 3 آلاف صاروخ، وهو تطور تنظر إليه تل أبيب بوصفه تحولًا مقلقًا في ميزان التهديد.
وبحسب مصادر إسرائيلية وأميركية تحدّثت لـNBC، فإن القلق لا يقتصر على الكم، بل على سرعة التعافي بعد الضربات، وعودة تشغيل خطوط الإنتاج، بالتوازي مع جهود ترميم منظومات الدفاع الجوي التي تضررت خلال الحرب.
ورغم أن تقديرات إسرائيلية نقلها موقع أكسيوس، تذهب إلى أن وتيرة إعادة البناء لا تستدعي تحركًا عسكريًا فوريًا، فإنها تحذّر من أن العام المقبل قد يشهد لحظة أكثر إلحاحًا، إذا ما استكملت إيران استعادة قدراتها الصناعية الصاروخية.
الجنرال الإسرائيلي تسفيكا حايموفيتش يلفت، في هذا الإطار، إلى أن الجدل لم يعد يدور حول نية إيران استئناف الإنتاج، بل حول حجم التسارع في هذا المسار. فقبل الحرب، كان الطموح الإيراني الوصول إلى امتلاك نحو 20 ألف صاروخ باليستي بعيد المدى بحلول 2027.
وخلال الحرب، أطلقت طهران قرابة 450 صاروخًا فقط، وهو رقم أقل بكثير من خططها، لكنه كان كافيًا -من وجهة النظر الإسرائيلية- لكشف حجم التحدي الذي تشكله هذه المنظومة على أنظمة الدفاع الإسرائيلية والأميركية المنتشرة في المنطقة.
وفي أكتوبر الماضي، كشفت CNN، نقلًا عن مصادر أمنية وغربية، أن إيران تعمل مع الصين على إعادة بناء برنامجها الصاروخي، رغم إعادة تفعيل عقوبات الأمم المتحدة. وأفادت التقارير بوصول شحنات كبيرة من نترات البروكلورات الصوديوم -المادة الأساسية لإنتاج الوقود الصلب للصواريخ الباليستية متوسطة المدى- إلى ميناء بندر عباس، بكمية قُدّرت بنحو 2000 طن، منذ أواخر سبتمبر/أيلول 2025، في مؤشر واضح على سعي طهران لاستعادة مخزوناتها المستهلكة.
كما أظهرت صور أقمار صناعية حللتها وكالة أسوشييتد برس، في 29 سبتمبر/أيلول 2025، بدء أعمال إعادة إعمار مواقع إنتاج صاروخي استُهدفت خلال الحرب. غير أن خبراء يشيرون إلى أن استعادة الإنتاج على نطاق صناعي كامل ما تزال مرهونة بالحصول على معدات متخصصة لخلط الوقود الصلب، وهي معدات تخضع لرقابة وعقوبات مشددة، ما يجعل مسار التعافي تقدميًا لكنه غير مكتمل.
حسابات الضربة الاستباقية
رفعت التصريحات الإسرائيلية الأخيرة منسوب التوتر الإقليمي إلى مستوى غير مسبوق، ويتقاطع هذا التصعيد مع توقيتين لافتين: اقتراب زيارة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، وتنظيم إيران مناورات صاروخية واسعة النطاق.
فقد أفادت وسائل إعلام إيرانية رسمية بوقوع تجارب وإطلاقات صاروخية متزامنة في عدد من المدن، بينها خرم آباد وأصفهان وطهران ومشهد، وبثّت منصات رسمية وشبه رسمية مقاطع مصوّرة لهذه العمليات دون الإفصاح عن تفاصيلها العملياتية.
في المقابل، كشف موقع أكسيوس نقلًا عن مصادر إسرائيلية وأميركية، أن تل أبيب حذّرت إدارة الرئيس دونالد ترامب من احتمال أن تستخدم إيران هذه المناورات غطاءً لتنفيذ ضربة مباغتة. وبحسب المصادر، فإن هامش المخاطرة لدى الجيش الإسرائيلي بات أقل بكثير مما كان عليه في السابق، في ضوء ما رصدته الاستخبارات من تحركات صاروخية إيرانية متسارعة.
ورغم ذلك، حرص نتنياهو على إبقاء تصريحاته ضمن إطار الردع العلني، مكتفيًا بالقول إن إسرائيل على علم بالتدريبات الإيرانية الجارية، مع التأكيد أن أي هجوم إيراني سيُقابل برد “شديد”.
ويمكن الاستشراف أن السيناريو الأكثر إثارة للقلق داخل إسرائيل يتمثل في احتمال أن تكون المناورات الإيرانية مجرد ستار لتحضير ضربة صاروخية استباقية واسعة تستهدف العمق الإسرائيلي، خصوصًا في ظل مؤشرات استخباراتية إسرائيلية وغربية، حول تعزيز الجبهة الداخلية الإيرانية، وتحديث أنظمة الإنذار والدفاع الجوي.
وفي هذا السياق، حذّر محلل القناة 14 العبرية تامير موراغ من أن “مكاسب الجولة السابقة قد تتآكل مع مرور الوقت”، مشيرًا إلى سيناريو تتمكن فيه إيران من استعادة قدراتها بما يسمح لها بإطلاق وابل صاروخي واسع يشكل تحديًا حقيقيًا لمنظومات الدفاع.
غير أن المفارقة تكمن في أن طهران تحمل المخاوف ذاتها، ولكن بالعكس، إذ ترى القيادة الإيرانية أن التصعيد الإعلامي الإسرائيلي، والتسريبات المتكررة المنسوبة إلى “مصدر سياسي مسؤول” -غالبًا ما يُفهم على أنه مكتب نتنياهو- قد يكون جزءًا من عملية تهيئة الرأي العام الدولي لتبرير حاجة إسرائيل إلى تنفيذ ضربة استباقية، قبل أي هجوم إيراني مفترض. وهو ما يجعل المشهد قائمًا على تراكم إشارات قابلة لإساءة التقدير من الطرفين.
في هذا الإطار، نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي تحذيرهم المتكرر من أن “خطأ في إدارة السلوك تجاه إيران قد يكون كافيًا لإعادة إشعال المواجهة”، حتى في غياب نية مسبقة لدى أي من الطرفين.
وأشارت الصحيفة إلى أن صعوبة العمل الاستخباراتي داخل إيران تدفع أحيانًا إلى بناء تقديرات تستند إلى منشورات وتصريحات إسرائيلية، ما قد يدفع طهران، في حال استشعرت اقتراب الحرب، إلى التفكير في الهجوم أولًا.
كما نقلت الصحيفة عن مسؤولين أمنيين قولهم إن الإغراق الإعلامي بالعناوين التصعيدية قد يكون أكثر خطورة من التحركات العسكرية ذاتها، مشيرين إلى أن بعض “الأنشطة غير المألوفة” التي رُصدت في إيران قد تكون في جزء منها نتاج موجات إشاعات غذّتها حسابات إسرائيلية على تطبيق “تلغرام”، أكثر من كونها استعدادات هجومية فعلية.
وذهب تقدير أمني إسرائيلي إلى أن إيران، حتى الآن، لا تملك مصلحة في المواجهة المباشرة، إلى حين استكمال إعادة بناء قدراتها، واستخلاص دروس إخفاقاتها السابقة، وتعزيز أدواتها الاستخباراتية ودعم حلفائها الإقليميين.
في المقابل، لا تخفي أوساط عسكرية إسرائيلية قلقها من الثمن الذي دُفع في الجولة السابقة، إذ أقرّ ضابط إسرائيلي رفيع بحسب “يديعوت أحرونوت” بأن إسرائيل “أحرقت” خلال الحرب مع إيران قدرات تكنولوجية وأدوات تضليل وأسلحة نوعية لم تُستخدم منذ عقدين، ما يحدّ من هامش المناورة في أي جولة قادمة.
سياسيًا، تربط الصحيفة ذاتها التصعيد الإسرائيلي بمحاولات صرف الأنظار داخليًا عن الضغوط المتزايدة لتشكيل لجنة تحقيق في إخفاقات السابع من أكتوبر، وعن المماطلة في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب بشأن غزة.
وفي هذا السياق، يدرك نتنياهو أن زيارته إلى واشنطن سترافقها ضغوط أميركية كبيرة لدفعه إلى تنازلات جوهرية في ملفي غزة وسوريا، ما يدفعه إلى توظيف “الخطر الإيراني” كفزّاعة استراتيجية تبرّر تلك التنازلات أمام شركائه وجمهوره، مقابل دعم أميركي لتحركات مستقبلية ضد إيران وحلفائها.
وبالاستناد إلى سجل نتنياهو السياسي، لا يمكن استبعاد لجوئه إلى فتح مواجهة جديدة، حتى إن تعارضت مع تقديرات استخباراتية وعسكرية، إذا ما اقتضت مصلحته السياسية إبقاء المنطقة على حافة الاشتعال إلى حين عبور الاستحقاقات الداخلية.
في المقابل، يبدو أن إيران، وقد استخلصت دروس حرب الأيام الاثني عشر، لن تكون مستعدة هذه المرة لانتظار الضربة، ما يجعل لحظة الخطأ في التقدير -لا القرار المسبق- العامل الأخطر في تحديد مسار المرحلة المقبلة.