لشهور قبل انتخابات عمادة مدينة نيويورك، حكم التوتر علاقة مرشحها الفائز زهران ممداني بإدارة واشنطن عموماً وبترامب على وجه الخصوص. إتهامات متبادلة وحرب كلامية احتلت الصفحات الأولى لوكالات الإعلام وصارت حديث القريب والغريب، لا لكونها تعكس صدعاً متنامياً في السياسة الأمريكية وحسب ولكن لأنها تنذر بأزمة وشيكة بين واشنطن العاصمة ونيويورك كإحدى أهم الولايات الامريكية وعاصمتها الإقتصادية وهي حرب إن نشبت سيكون لها أثرٌ ملموس على إقتصاد وأمن الأمريكيين عموماً بما يتجاوز الولايتين الأبرز واشنطن ونيويورك.
هبّ ترامب لنصرة أندرو كومو، الديمقراطي الذي حكم ولاية نيويورك سابقاً والمقرب من صهاينة المدينة، فألقى التهم جزافاً ب”شيوعية” ممداني وتطرفه وخطورة فكره الإشتراكي وهدد تارة بسحب جنسية ممداني الأمريكية وتجريده بالتالي من جقه بالترشح لعمادة المدينة وتارة أخرى بقطع التمويل الفيدرالي عن مدينة نيويورك، إحدى أكبر مصارفه، حال فوز المرشح الأوفر حظاً في السباق.
فهل يستطيع ترامب إفشال ممداني؟ أي دورٍ يلعبه التمويل الفيدرالي في حياة المدينة؟ وهل يمكن قطعه بصورة قانونية؟ ما البدائل التي يملكها ممداني؟ وما إمكانية مواجهته لتعنت واشنطن؟ ماذا عن سياسات الهجرة الطاردة في مدينة المهاجرين؟ كيف سيواجه ممداني نشر قوات الحرس الوطني في مدينته؟ يسلط هذا المقال الضوء على السناريوهات المختلفة لمواجهة متوقعه بين ممداني وترامب ومن ورائهما المؤسسة السياسية الأمريكية.
تهديدات نارية
مع اقتراب ممداني من قصر غرايسي في الجانب الشرقي العلوي من مانهاتن، مكان إقامة عمدة مدينة نيويورك، أزبد ترامب على صفحته على تروث سوشال متنبأً بفشل التجربة الإشتراكية في مسقط رأسه ومدينته الأثيرة نيويورك متوعداً بإقتصار التمويل الفيدرالي الذي تمنحه إدارته للولايات على حده الأدنى المطلوب بموجب القانون. ومشجعاً الناخبين لإختيار كومو بدعوى أنه أهون عليه أن يرى “ديمقراطياً” ناجحاً يحكم المدينة على أن يرى إشتراكياً فاشلاً مكانه. التهديد ذاته كرره ترامب في لقاء معه على برنامج “ستون دقيقة” على سي بي أس نيوز.
تعمتد مدينة نيويورك بشكل رئيس على ضرائبها الخاصة والرسوم التي تفرضها على أرضها وإيراداتها من البنية التحتية والخدمات والتراخيص وغيرها من الإيرادات غير الضريبية، بينما تشكل نسبة التمويل الفيدرالي فقط 6.4% من إجمالي إنفاق المدينة.
وبينما تساهم الولاية في تمويل برامج التعليم والصحة في المدينة بميزانيات مليارية، تتجه المنح الفيدرالية بشكل أساسي لنفقات التغذية والإسكان والتعليم. ووفقاً لتقرير توماس دي نابولي، مراقب حسابات ولاية نيويورك ومسؤولها المالي الأول، المنشور في الثامن والعشرين من أبريل 2025، ستحتاج الولاية لميزانيتها التشغيلية والإستثمارية لعام 2026 قرابة 7.4 مليار دولار أمريكي من التمويل الفيدرالي.
أظهر فوز مامداني أن الناخبين اليهود والتقدميين في نيويورك يضعون قضايا المعيشة وحقوق الإنسان فوق الدفاع المطلق عن الحكومة الإسرائيلية، مما يعكس تراجع شعبية “إسرائيل” وتأثير ذلك حتى على الحليف الأمريكي الرئيسي.
📍ممداني يزعزع قواعد الدعم الأمريكي لـ “إسرائيل” 👇… pic.twitter.com/Ngthl6MwNo
— نون بوست (@NoonPost) November 28, 2025
حيث وضعت مدينة نيويورك خططاً إستثمارية ضخمة للفترة بين 2026-2029 بقيمة 93 مليار دولار أمريكي، وهي خطط تحتاج إلى دعمٍ من كل من الولاية والحكومة الفيدرالية.
بينما تشير الخطة المالية الأحدث لمدينة نيويورك للعام المقبل والتي نشرها المراقب في نوفمبر المنصرم بأن حاجة المدينة للتمويل الفيدرالي قد ترتفع لنسبة 8% أي ما مجموعه 8.6 مليار دولار أمريكي من ميزانيتها الضخمة التي تبلغ حوالي 118 مليار دولار أمريكي. ومن المتوقع أن تتجه النفقات الفيدرالية لوزارة الصحة والتعليم والخدمات الإجتماعية التي تقدم رعاية للأطفال وملاجئ للمشردين ورعاية اجتماعية للفئات الاقل حظاً في المدينة.، حيث سجّل برنامج المساعدة المؤقتة للأسر المحتاجة TANF أكبر دعم فيدرالي غير مرتبط بالجائحة للسنتين المالييتين 2025 و 2026.
ورغم أن التمويل الفيدرالي متواضع نسبياً مقارنة بالميزانية الضخمة للمدينة لكنه يدعم الفئات الأكثر تهميشاً والأضعف في المجتمع النيويوركي ما يعني أن نجاح خطة ممداني بإنتشال هذه الفئات من بؤسها وجعل مدينة نيويورك محتملة النفقات سيحتاج إلى التمويل الفيدرالي أو بديل قادر على سدّ هذه النسبة وإن صغرت في الميزانية.
قانونية قطع التمويل الفيدرالي
يحدد الدستور الأمريكي منَ يملك سلطة الإنفاق من الخزينة الأمريكية والكيفية التي تتم عليها، وبموجب المادة الأولى من القسم التاسع من الدستور لا يجوز سحب أموال من الخزانة إلا بموجب إعتمادات يقرها القانون الفيدرالي الذي يتبناه الكونجرس. أما المادة الأولى من القسم الثامن من الدستور فيقرر أن الكونجرس وحده مخوّل بجمع الضرائب وتحديد كيفية إنفاقها على المتطلبات الوطنية بما في ذلك كيفية تخصيص الأموال الفيدرالية للولايات.
وعليه فإن حجب التمويل الفيدرالي المقر من قبل الكونجرس، بقرار من الرئيس يعتبر عملاً غير قانوني بموجب الدستور.
هذا لا يعني أن الرئيس لا يملك أية صلاحية بخصوص التمويل الفيدرالي، فهناك سوابق تاريخية لتهديدات ترامب؛ إذ أن هذه ليست المرة الأولى التي يحاول رئيس أمريكي فيها اللعب بورقة التمويل الفيدرالي لإبتزاز الولايات؛ فقد حاول الرئيس ريتشارد نيكسون سبعينات القرن الماضي حجب التمويل عن البرامج الفيدرالية التي أقرها الكونجرس من قبل لتقوم المحكمة برد دفوعه المتعلقة بالسلطة الرئاسية وإعادة الكرة لملعب الكونجرس.
عمدة نيويورك زهران ممداني: سأتعامل مع إدارة ترامب لخدمة نيويورك من دون التراجع عن قناعتي بأنه فاشي ويهدد الديمقراطية. pic.twitter.com/CWJ8Irlx3L
— نون بوست (@NoonPost) November 24, 2025
حيث قام الكونجرس بإقرار قانون مراقبة حجب الأموالICA لعام 1974 والذي يمكن الرئيس من حجب (تأجيل) التمويل الفيدرالي الذي أقره الكونجرس لمدة 45 يوماً فقط وبمجرد إنتهاء المدة ينبغي على الكونجرس الموافقة على قرار الرئيس بمواصلة الحجب وإلا يُفرج عن التمويل بكلمة الكونجرس النهائية. وقد تم إقرار هذا القانون لمنع الرئيس الأمريكي من إبتزاز سلطته والتعدي على صلاحيات الكونجرس بالضغط على الولايات بورقة التمويل.
الكونجرس في المقابل يستطيع تقييد التمويل للولاية بشروط مرتبطة بالهدف من التمويل وليست إعتباطية؛ وهو سيناريو محتمل خاصة وأن الجمهوريين يسيطرون على كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب في الكونجرس بواقع 53 مقعداً في الشيوخ و220 مقعداً في النواب مقابل 47 مقعداً للديمقراطيين في الشيوخ و212 مقعداً في النواب.
وعليه يمكن للكونجرس أن يربط تمويل ولاية نيويورك ككل بشروط تثقل من كاهلها ما يؤثر بدوره على تمويل مدينة نيويورك وقد يحشد العداء لإدارة ممداني وسط حكومة الولاية التي سترى فيه حجر عثرة أمام تمويلها الفيدرالي. ولكن لا يصح أن تكون شروط التمويل تعجيزية ولا عشوائية كما إن الشروط الإنتقامية ستواجه قرارات قضائية رافضة حال تم إقرارها لمجرد الضغط على ممداني.
استهداف لمدينة نيويورك
هجوم إدارة ترامب على مدينة نيويورك ليس جديداً، وقد سبق إنتخاب ممداني بكثير؛ فقد أعلنت الإدارة من قبل عن تجميدات وتخفيضات متعددة على التمويل الفيدرالي لمدينة نيويورك حتى في عهد إيريك آدامز العمدة الحالي للمدينة والمعروف بتوجهاته الرأسمالية الصهيونية.
وقد أنتجت التجميدات الفيدرالية المعلن عنها منذ تولي ترامب للرئاسة يناير الماضي إلغاء لمنح كانت مخصصة لهيئة النقل وشرطة مدينة نيويورك لغايات مكافحة الإرهاب في مترو أنفاق المدينة بقيمة 34 مليون دولار أمريكي بدعوى عدم إستجابة المدينة لسياسات الهجرة التي تتبعها إدارة ترامب. وقد تمكنت المدينة من إنتزاع قرار قضائي برفع التجميد وإستعادة المنحة الفيدرالية حيث وجد القاضي أن قرار إدارة ترامب تعسفي ويعد إنتهاكاً صارخاً لروح القانون وللمبادئ الدستورية.
كما قامت الإدارة بإلغاء منحة فيدرالية للمدينة بقيمة 80 مليون دولار أمريكي مخصصة لبرنامج الخدمات والملاجئ في المدينة بدعوى أنها تؤوي مهاجرين غير شرعيين. آدامز توجه للقضاء مرة اخرى أملاً في استعادة التمويل وما زالت القضية منظورة حتى اللحظة امام القضاء الفيدرالي.
ترمب وعمدة نيويورك زهران ممداني ظهرا أمام الصحفيين بعد لقائهما في البيت الأبيض فيما وجهت صحفية سؤالًا لممداني حول ما إذا كان ما يزال يعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب “فاشيًا” pic.twitter.com/GRG14TVzDw
— نون بوست (@NoonPost) November 22, 2025
كما ألغت منحة فيدرالية بقيمة 47 مليون دولار أمريكي لمدارس مدينة نيويورك بدعوى التمييز وعدم الإلتزام بتعلميات الإدارة بالإقتصار على التعريف البيولوجي للجنسين دون إلتفات للمتحولين والشواذ. ما دفع العمادة مرة أخرى لمقاضاة الحكومة أكتوبر المنصرم وما زالت المحكمة تنظر في هذه القضية أيضاً.
وما إن إنطلق قطار الإغلاق الحكومي في الأول من أكتوبر الماضي، حتى عادت إدارة واشنطن لتفرض مزيداً من الإلغاءات والتخفيضات على المنح الفيدرالية المقررة للولاية ككل ولمدينة نيويورك، فجمّدت منحاً فيدراليةً بقيمة 18 مليار دولار أمريكي مخصصة للبنية التحتية في الولاية. وإذ لم تتضح الصورة حول قيمة ومدى أثرها على مدينة نيويورك بعد، يتوقع دي نابولي أن تبلغ 400 مليون دولاراً للسنة المالية الحالية 2025 و 135 مليون للسنة المالية القادمة 2026.
رحلة البحث عن البدائل
العجز الذي يخلقه التجميد الفيدرالي خاصة في البرامج التعليمية والإسكانية وبرامج الرعاية الإجتماعية سيكون على المدينة والولاية تغطيته ما يعني ضغطاً على برامج أخرى بالإقتطاع من مخصصاتها لصالح سد العجز كما تعني مزيداً من الضرائب والرسوم وتخلياً عن المجانية والحدود الدنيا التي وعد بها ممداني خلال فترته الإنتخابية بتوفير حافلات مجانية ومحلات بقالة حكومية وتجميداً على الإيجارات ورعاية مبكرة مجانية للأطفال. كل هذه الوعود تحتاج ميزانية مليارية سيكون من الصعب تغطيتها حال إنسحاب التمويل الفيدرالي للأساسيات في المدينة.
من ناحية أخرى، تحكم علاقة كاثي هوشول، حاكمة ولاية نيويورك الديمقراطية، دبلوماسية هشّة مع إدارة ترامب. فقد استطاعت هوشول، على خلاف بقية الحكّام الديمقراطيين، التوصل مع ترامب لصيغة تفاهمية حول الملفات الأكثر أهمية للولاية خاصة ملفات تمويل محاربة الإرهاب وبعض الملفات البيئية، وبنت علاقة هادئة نسبياً مع البيت الأبيض في ظل المصلحة المتبادلة بين الطرفين خاصة وأن ترامب يملك مصالح إقتصادية وتجارية شخصية مفصلية في مدينة نيويورك.
من غير المعلوم حتى اللحظة ما إذا كانت هوشول ستضحي بتلك العلاقة الحذرة مع ترامب وتفتح على نفسها نيران البيت الأبيض خاصة وهي مقبلة على سنة حرجة تعيد فيها ترشيح نفسها في إنتخابات نوفمبر النصفية القادمة لمنصب حاكمة الولاية، في حال تعرّض ممداني لحملة إنتقامية من إدارة ترامب. وفي حال هبّت هوشول لإنتشال ممداني، في إلى حدٍّ ستذهب؛ في ظل رفضها المبدئي لدعم زيادة معتبرة على ضرائب الشركات والأثرياء، وعدٌ يحتاجها ممداني لتنفيذه.
وقوع هوشول بين ناري ممداني وترامب مدفوع أيضاً بمصلحتها الواقعة مع كلا الطرفين؛ فمن ناحية يملك ترامب في يديه مفاتيح التمويل الفيدرالي ومستقبل مشاريع بنية تحتية ضخمة تراهن هوشول عليها لإعادة إنتخابها ونجاح أجندتها، ومن ناحية أخرى يمسك ممداني بزمام أهم مدينة في الولاية ويدعمه في ذلك قطاعات واسعة ستشكل هي أيضاً القاعدة الإنتخابية لهوشول قريباً، ولن تكون سعيدة بتقاربٍ مع رئيس غير شعبي على حساب ابنها الديمقراطي المنتخب.
مقصلة الحرس الوطني
لا يقتصر تدخل ترامب الفيدرالي في شؤون الولايات على ورقة التمويل الفيدرالي إذ يبدو أن الرجل لا يوفّر فرصة لمضايقة العمد الديمقراطيين في مدنهم مستغلاً بذلك كل هامش يمنحه إياه القانون أو تطول مدة نظره أمام القضاء ليفرض سيطرة فيدرالية على الولايات وينفذ أجندات إدارته رغماً عن أنف حكامها وعمدها الديمقراطيين.
واحدة من أعرض عناوين هذه اللعبة كانت إرسال قوات الحرس الوطني إلى شوارع المدن التي تعد متسامحة مع المهاجرين غير الشرعيين وأهمها واشنطن دي سي وأوريجن ولوس أنجلوس وبورتلاند والتي وصفها ترامب بأوكار للمجرمين والهاربين من العدالة وبحاجة لتدخل فيدرالي عاجل.
لم تشهد شوارع المدن الكبرى بما فيها نيويورك تواجداً لعناصر قوات الحرس الوطني حتى اللحظة غير أن هذا السيناريو ليس مستبعداً بل ويرجح أن يرى النور العام المقبل خاصة في ظل تهديدات ترامب بتنظيف نيويورك بإستخدام الحرس الوطني حال فوز ممداني بعمادتها. وقد توعد ممداني بالتوجه للقضاء لمجابهة وجود الحرس في شوارع مدينته كما فعلت بقية المدن والتي ما زالت قضاياها تترد في ردهات المحاكم حتى اللحظة.
في يد ترامب بطاقة أخرى تتعلق بالمهاجرين في المدينة، والتي تعد منذ ثمانينات القرن الماضي ملاذاً آمناً لهم وغير متعاونة إجمالاً مع سلطات الهجرة الفيدرالية، ألا وهي وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك ICE. وقد كثّف ترامب من تواجد هذه القوات في محاكم الهجرة حيث اعتقلت بالفعل مئات المهاجرين الذين حضروا جلسات استماع إلزامية بشأن تصويب أوضاعهم القانونية.
وقد اتخذ ممداني المهاجر من اوغندا مساراً مختلفاً عن سلفه في العمادة إيريك آدامز والذي كان متعاوناً مع الإدارة في ملف الهجرة ولم يسع لمصادمة حقيقية مع ترامب حول المسألة بعد أن قامت الحكومة الفيدرالية بإسقاط تهم الرشوة والإحتيال الفيدراليين ضده والتي عدّها مدعي عام المدينة فضيحة سياسية وقدم على إثرها استقالته.
أما ممداني فيرفض تماماً تواجد قوات إنفاذ قوانين الهجرة أو الحرس الوطني في شوارع نيويورك ويعتبرها مدينة المهاجرين التي بناها مهاجرون ويحكمها الآن مهاجر والتي ستقف صفاً واحداً في مواجهة سياسات ترامب الطاردة للمهاجرين. متوعّداً قوات إنفاذ قوانين الهجرة بالإعتقال حال مخالفتهم للقانون في شوارع المدينة.
مواجهة مرتقبة
لمواجهة سياسات ترامب للهجرة في المدينة، تعهد ممداني ببناء تحالف من عمادة المدينة وحاكمتها كاثي هوشول ومدعيتها العامة ليتيتيا جيمس خاصة في ظل تقييد القانون لسلطة العمدة في مواجهة الحرس الوطني المُرسَل من قبل الرئيس على خلاف حكومة الولاية ومنظمات المجتمع المدني التي تملك أدوات أكثر في مواجهة الحرس.
غير أن مكتب العمدة قادر على بناء التحالفات ودفع هذه الجهات بإتجاه التحرك الجمعي وبناء الحجج القانونية اللازمة لمواجهة قضائية مباشرة مع الرئيس كما فعلت المدن الديمقراطية الأخرى التي شهدت تواجداً لقوات الحرس الوطني في شوارعها مثل شيكاغو وأوريجن وبروتلاند.
فعلى سبيل المثال يستطيع العمدة مخاطبة سكان المدينة ورفع الوعي بينهم بكيفية التعامل مع قوات الحرس الوطني وتوثيق الإنتهاكات ورفعها على المنصة المخصصة لذلك في مكتب مدعية المدينة العامة؛ الأمر الذي سيساعد بشكل كبير على بناء القضية ويرفع احتمالات إنصافها من قبل القضاء.
فسلطة الرئيس في تحريك الحرس الوطني في شوارع المدن ليست مطلقة وهي محددة بإستثناءات ضيقة منها حالة العصيان والغزو الأجنبي بما تنطوي عليه من عجز للرئيس عن تطبيق القوانين الفيدرالية في الولايات بدون مساعدتها، وهي فوق هذا غير قادرة على الإنخراط في إنفاذ القانون المدني بإعتقال المدنيين أو إصدار مذكرات بالخصوص؛ الامر الذي يجعل من فرصة نقض القضاء لمشروعية تواجدها أمراً مرجحاً.
زهران ممداني خلال لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالبيت الأبيض: تحدثت عن ارتكاب حكومة إسرائيل جرائم إبادة جماعية وأن حكومتنا هي من مولتها. pic.twitter.com/ijOWaJVvUz
— نون بوست (@NoonPost) November 22, 2025
كما يستطيع العمدة تمويل خدمات الهجرة القانونية وتقوية الدائرة القانونية للمدينة وإرفادها بمزيد من الإيرادات التي ستعينها على خوض معركتها القانونية القادمة.
وقد بدأ ممداني بالفعل وضع خططٍ لمواجهة سياسات ترامب الإنتقامية في المدينة ففي وثيقة سياسية أعدها ممداني تحت عنوان “مواجهة ترامب” أعلن العمدة المنتخب عن نيته تعيين 200 محامٍ جديد في دائرة المدينة القانونية لتحدي سياسات ترامب. كما يملك ممداني أوراقاً مهمةً لمواجهة إدارة ترامب بالضغط لثنيها عن مواصلة سياساتها العدائية في المدينة؛ فغراراً لتحركات عمدة مدينة سان فرانسيسكو، دانيال لوري، الذي دفع بقادة الصناعات التكنولوجية في المدينة كخط مواجهة لإثناء ترامب عن سياسات الهجرة التي قد تضر بإقتصاد المدينة وإستثماراتها، بإمكان ممداني بناء تحالفات مع عمالقة وول ستريت لمحاولة ثني ترامب عن الإضرار بمصالح العاصمة الإقتصادية للولايات.
كما يمكن لممداني التيمن بتحركات عمد مدن ديمقراطية أخرى شهدت مواجهات مع قوات الحرس الوطني وقوات إنفاذ قوانين الهجرة؛ فعلى سبيل المثال احتجت عمدة مدينة لوس انجلوس كارن باس على القوات الفيدرالية بالتواجد في حي مكتظ بالمهاجرين وهي خطوة رمزية تظهر إلتفافها حول قاعدتها الإنتخابية.
كما وقع عمدة مدينة شيكاغو براندون جانسون أمراً تنفيذياً يمنع القوات الفيدرالية من التواجد في الممتلكات المخصصة لإنفاذ قوانين الهجرة المدنية.
ختاماً، على الرغم من اللغة الناعمة التي تبادلها ممداني وترامب في لقائهما في البيت الابيض نهاية نوفمبر المنصرم، يبدو أن مواجهةً مفصلية على وشك الاندلاع بين واشنطن وعمادة مدينة نيويورك حول ملفات عدة لن يتورع فيها ترامب عن استخدام كافة أوراق الضغط من تمويل فيدرالي وقوات فيدرالية لإفشال الشاب الإشتراكي المهاجر الذي يحكم الآن مسقط رأس ترامب ودرّة تجارته. كما ولن تفوت ممداني مسألة التجهيز لهذه المواجهة وحشد التحالفات وبناء المتاريس القانونية والشعبية للدفاع عن أجندته التي ضمنت له نجاحاً كاسحاً في الإنتخابات. مواجهة شيقة سترسم معالم سياسة ترامب من المدن الديمقراطية للسنوات الثلاث القادمة وستحكم على تجربة ممداني الوليدة بالنجاح أو بالفشل ولن يسلم من تبعاتها ملايين الأمريكيين.
