أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي في 26 ديسمبر/كانون الأول 2025 اعترافها رسميًا بمنطقة أرض الصومال (صوماليلاند) “دولة مستقلة ذات سيادة”، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا وموجة إدانات لما لها من تبعات إقليمية ودولية محتملة.
وبذلك، أصبحت “إسرائيل” أول “دولة” في العالم تُقدم على هذا الاعتراف، في خطوة قوبلت على الفور بموجة استنكار ورفض واسعة النطاق من قبل دول ومنظمات إقليمية ودولية.
فقد وقّعت 21 دولة عربية وإسلامية وإفريقية – بينها السعودية ومصر وتركيا وإيران ونيجيريا بالإضافة إلى منظمة التعاون الإسلامي – بيانًا مشتركًا يندد بالخطوة الإسرائيلية بأشد العبارات.
وأكدت هذه الدول أن الاعتراف الإسرائيلي بما يسمى “صوماليلاند” يمثل انتهاكًا للقانون الدولي وسيادة الصومال، ويهدد بإشعال توترات في منطقة القرن الإفريقي، كما أثار مخاوف من وجود دوافع خفية تتعلق بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
وترصد “نون بوست” خمسة أسباب دفعت تلك الدول للتنديد بهذه الخطوة:
1- عدوان وانتهاك لسيادة الصومال
سارعت الحكومة الفيدرالية الصومالية إلى رفض التحرك الإسرائيلي ووصفته بأنه “خطوة غير قانونية” و”اعتداء متعمد” على سيادة الصومال.
وأكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أن هذا الاعتراف يمثل “عدوانًا غير مشروع” وينتهك القواعد القانونية والدبلوماسية المستقرة.
كما أعلنت الحكومة عزمها اتخاذ “كافة الإجراءات الدبلوماسية والسياسية والقانونية اللازمة” للدفاع عن سيادة البلاد ووحدة أراضيها إزاء هذا التطور.
وبدورها، شددت الدول المنددة بالخطوة الإسرائيلية على أن الاعتراف الأحادي بأرض الصومال يخالف المبادئ الأساسية للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة التي تؤكد على احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها.
وتُعتبر أرض الصومال إقليمًا ذا حكم ذاتي أعلن انفصاله من جانب واحد منذ عام 1991 دون نيل أي اعتراف دولي سابق.
ولذلك ترى الحكومة الصومالية وأغلب الدول أن أي تعامل مباشر معه ككيان مستقل يُعد انتهاكًا لوحدة الصومال وسيادتها المعترف بها دوليًا.
2- تهديد للاستقرار بالقرن الإفريقي
حذّرت الدول والمنظمات الرافضة للاعتراف الإسرائيلي من أن هذه الخطوة قد تفجّر حالة من عدم الاستقرار والصراع في منطقة القرن الإفريقي الإستراتيجية.
ووصف وزراء خارجية مصر وتركيا وجيبوتي، في اتصالات مشتركة، الاعتراف الإسرائيلي بأنه خطوة “خطيرة” على أمن القرن الإفريقي والبحر الأحمر.
فيما نبّهت منظمة مجلس التعاون الخليجي إلى أن الإقدام على إنشاء كيانات انفصالية بشكل أحادي قد يمهد لزيادة التوتر والنزاعات الإقليمية.
كما جدّدت نيجيريا رفضها “القاطع” لأي خطوات تقوّض النظام الدستوري ووحدة أراضي الصومال، داعيةً الدول الأخرى إلى الامتناع عن أي اعتراف مماثل قد يُفاقم الأوضاع.
وتتفق هذه التحذيرات مع موقف الاتحاد الإفريقي الذي رفض بدوره الاعتراف بأي وضع منفصل لأرض الصومال، مؤكدًا أن مثل هذه التحركات الأحادية من شأنها تقويض السلم والاستقرار في عموم القارة.
3- سابقة خطيرة تهدد وحدة الدول
رأت عدة دول أن إقدام أي دولة على الاعتراف بجزء من دولة أخرى يشكل سابقة بالغة الخطورة تهدد النظام الدولي القائم على احترام وحدة الدول.
فقد حذّر البيان المشترك الموقع من 21 دولة أن “الاعتراف بأجزاء من الدول يشكّل سابقة خطيرة ويهدد السلم والأمن الدوليين ككل، ويخرق المبادئ الأساسية للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”.
وينطوي هذا التخوف على أن أي شرعنة لمساع انفصالية من جانب واحد ستشجع حركات انفصالية أخرى حول العالم وتفتح الباب أمام انتهاكات مماثلة لوحدة أراضي الدول، مما يقوّض استقرار النظام العالمي.
ولهذا السبب أكد الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وغيرها موقفها الثابت الداعم لوحدة الصومال، ورفضها لأي “سوابق” تمس بقدسية الحدود والسيادة الوطنية.

4- مخاوف من أجندة إسرائيلية توسعية
اتهمت عدة أطراف إقليمية “إسرائيل” باتباع أجندة سياسية توسعية على حساب استقرار الدول الأخرى، فقد جاء في البيان المشترك أن الخطوة الإسرائيلية تعكس “نهجًا توسعيًا واضحًا” وتجاهلاً صارخًا للقانون الدولي.
كما ندّدت تركيا بالاعتراف الإسرائيلي واعتبرته “مثالًا جديدًا على التصرفات غير المشروعة” لحكومة بنيامين نتنياهو، واصفةً الخطوة بأنها تدخل سافر في الشأن الداخلي الصومالي يهدف إلى خلق عدم استقرار إقليمي.
وبدورها عدّت إيران الخطوة “انتهاكًا فاضحًا” لسيادة الصومال، ووصفتها بأنها إجراء “خبيث” ينسجم مع سياسة الاحتلال الإسرائيلي الرامية إلى زعزعة أمن منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر لتحقيق مصالحها.
كما ربطت قطر هذا التحرك بما وصفته بتجاهل “إسرائيل” للشرعية الدولية، مؤكدةً أنه كان الأولى بها أن تعترف بدولة فلسطين بدلًا من فرض أمر واقع يزعزع استقرار المنطقة.
5- ارتباط بخطة لتهجير الفلسطينيين
ومن أبرز الدوافع التي أثارت القلق الإقليمي والدولي هي الشكوك بأن الاعتراف الإسرائيلي المفاجئ بأرض الصومال قد يرتبط بمخطط لتهجير فلسطينيين، لاسيما من قطاع غزة، إلى ذلك الإقليم الانفصالي.
وقد أكدت الدول الـ21 في بيانها المشترك رفضها القاطع لربط الاعتراف الإسرائيلي بأي خطط تهدف إلى إبعاد الشعب الفلسطيني عن أرضه”.
ويأتي هذا الموقف في ظل تقارير سابقة تكهّنت بإمكانية توطين سكان غزة في مناطق خارج فلسطين، وهو ما نفته حكومتا الصومال و”صوماليلاند” بشكل قاطع في وقت سابق من عام 2025.
كما حذرت الفصائل الفلسطينية مثل حركة حماس من هذه الخطوة، واعتبرتها “سابقة خطيرة” ومحاولة إسرائيلية “لكسب شرعية زائفة” عبر مقايضة الاعتراف بأرض الصومال بتهجير الفلسطينيين.
وبالتالي، ترى العديد من الدول أن التحرك الإسرائيلي لا ينفصل عن محاولات الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين، مما يضيف بعدًا آخر لرفضهم الشديد لهذه الخطوة.
ولم يبدِ أي طرف دولي رئيسي دعمًا صريحًا للخطوة الإسرائيلية، فيما صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه لا ينوي السير على خطى “تل أبيب” فورًا في هذا الاعتراف وأن الأمر “قيد الدراسة” حاليًا.
وعلى الجانب الآخر، دعت جهات دولية كالاتحاد الأوروبي إلى احترام وحدة الصومال وحل الخلافات عبر “حوار ذي معنى” بين مقديشو و”صوماليلاند” بدل القرارات الأحادية.
كما من المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة لبحث هذه القضية، في ضوء إجماع أطراف عديدة على التنديد بالخطوة الإسرائيلية بوصفها مغامرة دبلوماسية تنطوي على مخاطر كبيرة لاستقرار المنطقة والنظام الدولي.