ترجمة وتحرير: نون بوست
تشكل صفقة تيك توك التي أُعلن عنها يوم الخميس تهديدًا جوهريًا للنقاش الحر والصادق حول الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة. وبموجب الاتفاق المعلن، ستنقل الشركة الصينية المالكة لتطبيق الفيديوهات القصيرة، بايت دانس، السيطرة على خوارزمية تيك توك وغيرها من عملياته في الولايات المتحدة إلى ائتلاف جديد من المستثمرين تقوده شركة التكنولوجيا الأميركية “أوراكل”. وسيمنح هذا الاتفاق الذي طال انتظاره أعضاء مجلس إدارة “أوراكل” المليارديرين المقرّبين من ترامب، لاري إليسون وصفرا كاتز، سلطة فرض أجندتهم المناهضة للفلسطينيين على المحتوى الذي يشاهده مستخدمو تيك توك.
تجاهلت معظم التغطيات الإعلامية الأمريكية الرئيسية لصفقة “تيك توك” تمامًا الأجندة المناهضة للفلسطينيين التي يتبناها أكبر المستثمرين الغربيين؛ فقد لعب “تيك توك” دورًا حاسمًا في تمكين مئات الملايين من المستخدمين من رؤية الواقع القبيح لحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل في غزة. غير أن المليارديرات المقرّبين من ترامب، الذين سيتولون إدارة عمليات “تيك توك” في الولايات المتحدة، لديهم أجندة موثّقة تقوم على قمع الأصوات المنتقدة لإسرائيل ودعم الجيش الإسرائيلي الذي قتل عددًا كبيرًا من المدنيين الفلسطينيين. ومن دون وجود ضمانات، قد تتحول عمليات تيك توك في الولايات المتحدة قريبًا إلى أداة لحجب المستخدمين عن رؤية الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها حليف الولايات المتحدة الرئيسي والتفاعل معها.
يملك كلّ من إليسون وكاتز سجلًا موثّقًا في دعم إسرائيل وجيشها؛ ففي عام 2017 قدّم إليسون تبرعًا بقيمة 16.6 مليون دولار إلى منظمة “أصدقاء جيش الدفاع الإسرائيلي”، وهو أكبر تبرع فردي تلقّته المؤسسة غير الربحية في ذلك الوقت، كما يُعدّ أحد المقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
أما كاتز، التي استقالت من منصبها كمديرة تنفيذية لشركة “أوراكل” في سبتمبر/ أيلول الماضي، فقد كانت صريحة بشأن أجندة الشركة الأيديولوجية. ففي أثناء افتتاح مركز بيانات جديد لأوراكل في القدس عام 2021، قالت المليارديرة الإسرائيلية الأمريكية: “أنا أحب موظفيّ، لكن إن لم يتفقوا مع مهمتنا في دعم دولة إسرائيل، فربما لا تكون هذه الشركة المناسبة لهم. لاري وأنا ملتزمان علنًا تجاه إسرائيل ونكرّس وقتًا شخصيًا للبلاد، ولا ينبغي أن يفاجأ أحد بذلك”. كما نقلت عائلة إليسون أجندتها المؤيدة لإسرائيل إلى شبكة “سي بي إس نيوز“، حيث قام ديفيد إليسون، نجل لاري، مؤخرًا بتعيين الكاتبة المعروفة بمواقفها المناهضة للفلسطينيين باري وايس رئيسةً للتحرير.
لقد لعب “تيك توك” دورًا مهمًا في التحوّل الكبير الذي طرأ على الرأي العام الأمريكي تجاه إسرائيل، خصوصًا بين الشباب. ولهذا السبب أدان مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، المنظمة التي أعمل بها، الصفقة واعتبرها محاولة “يائسة” لإسكات الشباب الأمريكيين.
ما هو على المحك لا يقلّ أهمية عن قدرة الناخبين الأمريكيين على الاستمرار في الاطّلاع على ما يفعله الجيش الإسرائيلي بالفلسطينيين؛ ففي حين دفعت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية بتغطيةٍ لحرب إسرائيل على غزة تتماشى مع رواية الحكومة الإسرائيلية، كان مستخدمو “تيك توك” يشاهدون مقاطع غير مُفلترة للهجمات المروّعة التي شنّتها إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين.
والنتائج لا يمكن إنكارها: فقد أظهر استطلاع لمركز “بيو” في مارس/ آذار ارتفاع نسبة النظرة السلبية لإسرائيل بين الجمهوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و49 عامًا من 35 إلى 50 بالمئة، فيما ارتفعت نسبة النظرة السلبية بين الديمقراطيين في الفئة العمرية نفسها بنحو 10 نقاط لتصل إلى 71 بالمئة. كما كشف استطلاع أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” وجامعة “سيينا” في سبتمبر/ أيلول أن 54 بالمئة من الديمقراطيين قالوا إنهم يتعاطفون أكثر مع الفلسطينيين، بينما عبّر 13 بالمئة فقط عن تعاطف أكبر مع إسرائيل.
وقد أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يدرك تمامًا عواقب الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي غير المُفلترة، وقد وصف مؤخرًا صفقة بيع “تيك توك” بأنها “أهم عملية شراء تحدث… آمل أن تتم لأنها قد تكون حاسمة”. ويرى نتنياهو، الذي يواجه مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في غزة، أن السيطرة على “تيك توك” جزء من الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، وأضاف: “عليك أن تقاتل بالأسلحة التي تناسب ساحة المعركة، وأحد أهم هذه الأسلحة هو وسائل التواصل الاجتماعي”.
ووقّع الرئيس جو بايدن في عام 2024 تشريعًا يُلزم شركة “بايت دانس” ببيع عملياتها في الولايات المتحدة، وقد فرض ذلك القانون بيع “تيك توك” تحت تهديد الحظر الكامل، وهو ما دخل حيّز التنفيذ لفترة وجيزة في يناير/ كانون الثاني 2025. أما “الاتفاقية” الجديدة، التي يُتوقّع إتمامها في 22 يناير/ كانون الثاني، فستؤسس مشروعًا مشتركًا جديدًا ومستقلًا لتطبيق “تيك توك” يتولى السيطرة على العمليات الأمريكية وبيانات المستخدمين الأمريكيين وخوارزمية “تيك توك”. وسيملك المستثمرون، ومن بينهم شركة “أوراكل” ومجموعة الأسهم الخاصة “سيلفر ليك” والشركة الإماراتية “إم جي إكس” التي تتخذ من أبوظبي مقرًا لها، أكثر من 80 بالمئة من الكيان الجديد المسمّى “تيك توك يو إس دي إس جوينت فينشر إل إل سي”، فيما ستحتفظ “بايت دانس” بحصة تبلغ 19.9 بالمئة.
تركّزت الحجج الرسمية التي دفعت إلى فرض بيع تيك توك على منع الحكومة الصينية من مراقبة مستخدمي التطبيق، لكن بعض المسؤولين المنتخبين في الولايات المتحدة كانوا أكثر صراحة. ففي منتدى “معهد ماكين” في مايو/ أيار 2024، قال السيناتور آنذاك ميت رومني: “يتساءل البعض لماذا كان هناك دعم ساحق لإغلاق تيك توك أو كيانات أخرى من هذا النوع. إذا نظرتم إلى المنشورات على تيك توك وعدد الإشارات إلى الفلسطينيين مقارنةً بمواقع التواصل الأخرى، فستجدون أنها طاغية بشكل كبير في بث تيك توك”.
ولهذا السبب يجب على المدافعين عن حقوق الإنسان وحرية الصحافة أن يعملوا على مواجهة هذا الجهد الرقابي الذي ترعاه الحكومة والسعي إلى إلغائه. وهذا يعني دعوة أعضاء الكونغرس الحاليين والمستقبليين، وكذلك الإدارات المقبلة في البيت الأبيض، إلى التراجع عن هذا التركيز الإعلامي الخطير. إن سيطرة عائلة إليسون على تيك توك و”باراماونت” وربما على مؤسسات إعلامية ضخمة أخرى في المستقبل تمثل تهديدًا للنقاش العام الحر والمفتوح بشأن السياسة الخارجية الأمريكية، ولا سيما الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل.

لقد بدأ العمل على تقييد الأصوات المعارضة بالفعل. فحتى قبل صدور قانون 2024، كان تيك توك قد شرع في اتخاذ خطوات لإسكات المستخدمين الذين انتقدوا إسرائيل. ففي يوليو/ تموز 2025، وظّف تيك توك إيريكا ميندل، وهي جندية إسرائيلية سابقة لها سجل موثّق في السياسات المناهضة للفلسطينيين، لتتولى مراقبة خطاب المستخدمين على المنصة. وبالنظر إلى السجل الطويل للجيش الإسرائيلي في الدعاية وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خصوصًا بحق الفلسطينيين، لم يكن ينبغي منح أي جندي إسرائيلي سابق سلطة مراقبة خطاب مستخدمي “تيك توك”.
ومع ذلك، فقد أثبت المستخدمون المتمرّسون لوسائل التواصل الاجتماعي منذ فترة طويلة قدرتهم على التنظيم وتجاوز الرقابة، والانتقال من منصة إلى أخرى بغضّ النظر عمّا حاول المليارديرات الغربيون مثل إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ فعله. وستستمر هذه التحديات بأشكال جديدة، كما يتضح من الحملة التي أُطلقت مؤخرًا تحت وسم #استعادة تيك توك. فالحملة تدفع نحو “تمرّد المستخدمين” حيث يتحدّى الأمريكيون استحواذ “أوراكل” عبر إغراق المنصة بمحتوى داعم لتحرير فلسطين. وقد بدأ المنظّمون عرض قضيتهم في عطلة نهاية الأسبوع الماضية من خلال إسقاط عرض ضخم على مكاتب أوراكل في المملكة المتحدة.
هذه لحظة حاسمة؛ فانتقال خوارزمية “تيك توك” من “بايت دانس” إلى “أوراكل” يعني أن محتوى “تيك توك” سيتحول من الخضوع لسيطرة شركة تحت تأثير الحكومة الصينية التي ترتكب إبادة جماعية ضد الأويغور إلى الخضوع لسيطرة مستثمرين أمريكيين يريدون إسكات معارضة مستخدمي تيك توك للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة. وبمجرد أن يتولى المليارديرات والمستثمرون وأصحاب الأيديولوجيات المتشددة المعادية للفلسطينيين زمام الأمور، سيحتاج مستخدمو “تيك توك” الذين ينتقدون إسرائيل إلى الكفاح بشكل أكثر دهاءً وإبداعًا لتجنب قمع حرية التعبير. ويدعم ملايين المواطنين الأمريكيين الآن إنهاء الدعم الدبلوماسي والعسكري غير المشروط لإسرائيل؛ وبينما يدرك المليارديرات المناهضون للفلسطينيين مثل إليسون وكاتز ذلك جيدًا، فإنه يقع على عاتقنا أن نقف في وجه جهودهم الرامية إلى تقويض إرادة الأغلبية.
كانت هذه القصة قد ذكرت سابقًا أنه بموجب الصفقة يمكن لأوراكل الآن مراقبة المحتوى الذي يشاهده 2 مليار مستخدم، وهو عدد مستخدمي “تيك توك” عالميًا، وليس في الولايات المتحدة فقط. وبما أن الصفقة لم تُحسم بعد، فلا يزال من غير الواضح عدد المستخدمين الذين قد يتأثرون بها.
المصدر: ذي إنترسبت