ترجمة وتحرير نون بوست
لا يوجد من الناحية النظرية سبب يمنع العراق من أن يصبح أحد أهم المنتجين الرئيسيين للبتروكيماويات في العالم، وذلك بالنظر إلى احتياطياته الهائلة من النفط والغاز. وقد تمكن العراق أخيرا من إحراز بعض التقدّم في هذا القطاع الذي يشهد ركودا منذ فترة طويلة، وذلك في أعقاب انخفاض أسعار النفط نسبيًا وتراجع صادراته من النفط الخام في شهر تشرين الأول/ أكتوبر.
في مطلع هذا الأسبوع، أعلنت وزارة النفط العراقية أن بغداد ستمضي قدما في تنفيذ مجموعة من المشاريع التي ستضيف حوالي 790 ألف برميل في اليوم من طاقة التكرير إلى لائحة السعة الحالية، البالغة حوالي مليون برميل في اليوم، علما بأن قدرتها الفعلية تبلغ حوالي 650 ألف برميل في اليوم.
من المرجح أن يحدث هذا التوسع من خلال إضافة وحدات تكرير جديدة إلى منشأة كربلاء وإحداث منشآت جديدة في كركوك (70 ألف برميل في اليوم)، وفي واسط (140 ألف برميل في اليوم)، والناصرية (140 ألف برميل في اليوم) والبصرة (140 ألف برميل في اليوم)، والفاو (300 ألف برميل في اليوم).
استنادًا إلى مصادر مختلفة تحدث معها موقع “أويل برايس”، لا تزال هناك بعض العقبات الرئيسية التي تعترض مساعي العراق في أن يصبح في طليعة قطاع البتروكيماويات العالمي. لكن تتناقض هذه التطوّرات مع المشاكل الرئيسية التي لا يزال يتعيّن على العراق معالجتها من أجل إنشاء البنية التحتية الأساسية لقطاع البتروكيماويات، حتى يتمكن من غزو سوق البتروكيماويات العالمي.
فيما يلي، بعض الأسباب التي تقف وراء عدم إحراز عملاق النفط والبتروكيماويات شركة “رويال داتش شل” أي تقدم ملموس في مشروع البتروكيماويات العراقي الرائد، مصنع نبراس للبتروكيماويات في مركز البصرة النفطي الجنوبي الذي تبلغ قيمته 11 مليار دولار أميركي. يُذكر أن صفقة إنشاء هذا المصنع وُقّعت في شهر كانون الثاني/ يناير من سنة 2015، مع مذكرة تفاهم أصلية مؤرخة قبل ذلك بثلاث سنوات. في ذلك الوقت، كانت آمال كلا الجانبين بشأن مستقبل نبراس كبيرة، حيث أصدرت شركة شل بيانًا تؤكد فيه نيل موافقة مجلس الوزراء العراقي على مشروع نبراس، وأن الشركة ستعمل “بالاشتراك مع وزارتي النفط والنقل على تطوير نموذج استثماري مشترك لتحطيم رقم قياسي للبتروكيماويات على نطاق عالمي”.
بالنسبة لشركة شل، يقدم مشروع نبراس فرصة لتعزيز عمليات المنبع الموجودة في مجنون وغرب القرنة 1 لتصبح بمثابة نقطة مصب ذات كفاءة. وتقدّم الحقول مخزونات النفط والغاز المصاحب للنفط لتضيفها إلى إمكانات المواد الخام التي تأتي من حصة شل البالغة 44 بالمئة في مشروع شركة غاز البصرة، الذي تبلغ قيمته 17 مليار دولار أمريكي والمقدّر عمره بـ 25 سنة.
عموما، صُممت شركة غاز البصرة من أجل تجميع الغاز من الحقول في الجنوب، بما في ذلك تلك الواقعة غرب القرنة 1 والزبير والرميلة. وكانت خطط تصميم نبراس تتعلق بمشروع قادر على إنتاج ما لا يقل عن 1.8 مليون طن متري من البتروكيماويات المختلفة سنويًا، ما يجعله أول مشروع رئيسي للبتروكيماويات في العراق منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين، وواحد من أربعة مجمعات رئيسية فقط من مؤسسات البترول في البلاد. أما المشاريع الأخرى وهي خور الزبير في الجنوب، ومسيّب بالقرب من بغداد، ومجمع مصفاة بيجي في الشمال، فتديرها الشركة العامة العراقية للصناعات البتروكيماوية.
في تصريح له لموقع “أويل برايس”، أفاد رئيس مشاريع البتروكيماويات في شركة نفط عالمية كبرى بأن “شركة شل كانت ولا تزال شريكًا مثاليًا للعراق في نقل سلسلة أعمالها المتعلّقة بالهيدروكربونات إلى أبعد من مجرّد منبع للنفط الخام -ذو القيمة المضافة المنخفضة الذي تعثّر في الوقت الراهن إلى حد كبير- إلى المرحلة التالية التي تشكل أهمية حاسمة بالنسبة لكل من قطاعي البتروكيماويات والتكرير ذي القيمة المضافة”.
في سياق متصل، أضاف المصدر ذاته أنه “من الأفضل التركيز على منتصف المجرى على وجه الخصوص لجذب رؤوس أموال كافية، وذلك بهدف تطوير نظام غاز رئيسي متكامل”. وأضاف أن “شركة شل قامت بعمل جيد بالفعل حتى الآن مع شركة غاز البصرة، لكن لا تزال البلاد بحاجة إلى تنفيذ خططها لتطوير مركز غاز ثاني بعيد عن البصرة والذي من شأنه أن يساعد في زيادة حجم الغاز إلى مليار قدم مكعب معياري لكل يوم، حتى يصبح استخراج الإيثان على أساس مستدام وموثوق به ممكنا. وذلك من شأنه أن يُوفر الحجم الكافي لجعل مصنع البتروكيمياويات الرئيسي مشروعا قابلاً للتطبيق”.
من جهة أخرى، أكد رئيس مشاريع البتروكيمياويات على ضرورة اعتبار الإيثان مادة أولية للمصانع القليلة الأولى في العراق، تماما مثلما كان عندما استُعمل لتطوير نظام الغاز الرئيسي في المملكة العربية السعودية، الذي استعمل لنقل الغاز المرافق للنفط، حيث وقع تجزئته لاحقا وتم تزويد مدينة الجبيل الصناعية به كمادة أولية. وأوضح رئيس مشاريع البتروكيمياويات أنه “عادةً ما يُعثر على أعلى تركيز للإيثان، [ما يصل إلى 10 بالمئة] أو أكثر في مصادر الغاز المرافق، التي يمتلك العراق الكثير منها. وتسفر معالجة الإيثان عن إنتاج الإيثيلين والقليل من المنتجات الثانوية، (التي تتمثل في غاز الوقود بشكل أساسي) للمعالجة والإدارة”.
إن الفساد في العراق متفش وعميق، لكن بالنسبة لشركة “شل” وجميع شركات النفط العالمية الغربية فإن هذا السبب كان ولا يزال السبب الرئيسي وراء استمرار هذه الشركة في عملية تقييم صلاحية مجمع نبراس للبتروكيماويات.
أضاف المصدر ذاته أنه “من شأن ذلك أن يقلل من رأس المال المطلوب لأشغال البناء ومن تعقيد المتطلبات اللوجستية، التي تمثل عوامل مهمة في المراحل الأولى من تجربة العراق في صناعة البتروكيماويات. ومع نمو الصناعة والبنية التحتية المقابلة لها، يمكن أن تُستخدم مصادر مواد خام أثقل تماما مثل ما استُعمل البروبان والبيوتان ومادة النفتا في الجبيل”.
في سياق متصل، أضاف المصدر ذاته أن “حجم منشأة الإيثيلين ذات مستوى عالمي – الذي أحد أكثر منتجات البتروكيماويات المطلوبة في العالم لا سيما من قبل الصين – يتراوح بين 1.0 و1.5 مليون طن من إنتاج الإيثيلين، في حين تحتاج منشأة إيثيلين طاقة إنتاجها تصل إلى 1.0 مليون طن سنويًا ما يقارب 1.3 مليون طن سنويًا من الإيثان. وسيتطلب ذلك توفير إمدادات مستدامة وموثوقٍ بها لمدة لا تقل عن 20 إلى 25 سنة”. وشدد رئيس مشاريع البتروكيماويات على أن “بناء جميع الأجزاء اللازمة لإنشاء قطاع عام للبتروكيماويات في العراق على مستوى عالمي سيتطلب ما بين 40 إلى 50 مليار دولار أمريكي. لكن، بالنظر إلى التزام اللاعبين العالميين الرئيسيين في العراق، فلا يعتبر ذلك مشكلة”.
وفقا لمصدر عراقي يعمل مع وزارة النفط العراقية، فإن المشكلة في هذه المعادلة والسبب الحقيقي وراء تردد شركة “شل” بشأن المضي قدمًا في مشروع نبراس يتمثل في الفساد. إن الفساد في العراق متفش وعميق، لكن بالنسبة لشركة “شل” وجميع شركات النفط العالمية الغربية فإن هذا السبب كان ولا يزال السبب الرئيسي وراء استمرار هذه الشركة في عملية تقييم صلاحية مجمع نبراس للبتروكيماويات. ويمثل الفساد أيضا السبب الرئيسي وراء تأخير شركة “إكسون موبيل” العملاقة الأمريكية لفترة طويلة مشاركتها في مشروع إمدادات مياه البحر المشترك.
حسب المصدر العراقي، فقد تضطر “شل” إلى دفع رشاوى تبلغ حوالي 30 بالمئة من التكلفة الإجمالية لنبراس بالإضافة إلى الرقم الرئيسي البالغ 11 مليار دولار أمريكي. كما استنتج المصدر ذاته أنه حتى لو اعتبرت “شل” أنه من المقبول القيام بذلك، سيكون هناك خطر هائل على سمعتها إذا اكتشفت وسائل الإعلام مثل هذا الاتفاق أو إذا تسربت الأخبار إلى وسائل الإعلام من قبل إحدى التجمعات السياسية العراقية التي تسعى لتشويه سمعة أي حكومة كانت تسير البلاد في ذلك الوقت.
المصدر: أويل برايس