ترجمة وتحرير: نون بوست
ظلت عائلة عبده خاروف، وهو خطيب مسلم معتدل في حي فقير للغاية بدمشق، مثقلة لنصف عقد بأسئلة عن الكيفية التي انتهى بها في سجن تديره أجهزة الاستخبارات السورية المرعبة، حيث جرى استجوابه ولقي حتفه.
كانت لديهم بعض التفاصيل الأساسية؛ ففي يوليو/ تموز 2020، استدعاه ضابط استخبارات سوري، وكان الإمام حينها في الستين من عمره، وطلب منه التوسط في نزاع بين عائلتين محليتين. وعندما وصل خاروف إلى المكان المحدد، قام عناصر الأمن بإلقائه في مؤخرة شاحنة ونقلوه إلى مجمع أمني محاط بالأسوار في وسط المدينة.
وهناك، في سجن تحت الأرض غير بعيد عن المطاعم والفنادق الفاخرة، توفي الإمام، كما علمت أسرته في وقت لاحق من ذلك العام، لكن العائلة لم تستلم جثمانه قط.

ظهر تفسير لذلك الشهر الماضي حين قرأت العائلة لأول مرة جزءًا من ملفه الأمني، والذي كان ضمن آلاف الصفحات من وثائق الاستخبارات العسكرية السورية التي اكتشفتها صحيفة “وول ستريت جورنال”، وقد كانت هذه الملفات جزءًا من تحقيق استمر عامًا كاملاً في الجرائم التي ارتكبها نظام الرئيس السابق بشار الأسد، الذي أطاحت به قوات المعارضة وفرّ إلى روسيا في ديسمبر/ كانون الأول 2024.
وتشير الوثائق إلى أن خاروف اعتُقل في إطار تحقيق تضمن شهادة أحد أقاربه البعيدين، الذي قال ضباط المخابرات إنه ذكر اسم الإمام أثناء استجوابه في ذات السجن بعد اعتقاله في ذلك الصيف.
واتهم ذلك القريب، وهو مقاتل سابق في صفوف المعارضة، خاروف بمساعدة المعارضين للأسد، حسبما ورد في الوثيقة، على الرغم من أن أسرة خاروف المقربة أكدت أنه تجنب السياسة لسنوات بعد فترة وجيزة من دعمه الأولي للانتفاضة التي بدأت في عام 2011، وقام بواجباته في قراءة الخطب التي وافقت عليها الحكومة كل يوم جمعة في مسجد الإخلاص بالمدينة.
وشاية الأقارب
استشهد المسؤولون بحديث محمود خاروف عن قريبه عبده خاروف

نفى قريبهم، محمود خاروف، في مقابلة له بشدة أن يكون قد ذكر اسم الإمام، حتى خلال الأسابيع التي تعرّض فيها للتعذيب داخل السجن. لكن نفيه لم يقنع أسرة عبده خاروف، التي قاطعت ابن عمها منذ سنوات.
هذه القضية هي واحدة من مئات القضايا التي كشفتها الصحيفة، والتي تسلط الضوء على تفاصيل جديدة عن نظام المراقبة الوحشي الذي أنشأه نظام الأسد للحفاظ على قبضته على السلطة.
ومثلما فعل جهاز الاستخبارات في ألمانيا الشرقية وشرطة ستالين السرية؛ ازدهر النظام من خلال زرع الخوف في المجتمع السوري حتى على المستوى الجزيئي، محوّلًا الجيران والأصدقاء والأزواج ضد بعضهم البعض.
وبمجرد أن يقع الضحايا في قبضة الشرطة السرية، كان الكثير منهم يختفون إلى الأبد: فقد اختفى أكثر من 160 ألف شخص قسريًا على يد نظام الأسد منذ عام 2011، بحسب إحصاء الشبكة السورية لحقوق الإنسان. كما قتلت آلة الموت الممنهجة للنظام آلافًا آخرين دُفنوا لاحقًا في مقابر جماعية، وفقًا لتحقيقات أميركية وسورية في جرائم الحرب، ومنظمات حقوق الإنسان، ووثائق الأمم المتحدة، والتحقيقات التي أجرتها الصحيفة نفسها.
وبدأ السوريون للتو في محاولة استيعاب الصدمة والبارانويا التي خلّفها النظام بعد عام من انهياره، ولا يزال كثيرون يتساءلون عمّن يمكن الوثوق به، ومن الذي وشى بالآخرين.
وأعلنت الحكومة السورية الجديدة أنها تخطط للتحقيق في انتهاكات نظام الأسد، لكن إجراء محاسبة كاملة ستكون مهمة ضخمة لم تبدأ بعد بشكل جدي.
وقد بدأ تقرير صحيفة “وول ستريت جورنال” في كشف النقاب عن النظام، بفضل أكثر من ألف صفحة من وثائق المخابرات العسكرية السورية التي تمت مراجعتها وتصويرها داخل مجمع كفر سوسة الأمني قرب ساحة الأمويين الشهيرة في دمشق.
وعُثر على بعض الملفات مخبأة في مستودع سري اكتشفه المتمردون عندما اخترقوا جدارًا من الطوب أثناء اقتحام المبنى، بينما وُجدت ملفات أخرى مكدسة على مكاتب ضباط المخابرات الذين فرّوا قبل أيام، تاركين وراءهم أسلحة وزجاجات ويسكي فارغة وسجائر مطفأة وكؤوس شاي نصف ممتلئة، فيما كانت قوات المعارضة تقترب من العاصمة في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024.


تُظهر الوثائق تجسس الأجهزة الاستخباراتية الأربعة الرئيسية التابعة للأسد على ناشطين سلميين، ومقاتلين، ودبلوماسيين زائرين، وموظفي الأمم المتحدة، بل وحتى على بعضها البعض. وقد فصّلت ما اعتبرته جرائم، بما في ذلك حمل الدولارات الأميركية، وحيازة شرائح هاتف غير مسجلة، والتحدث ضد الحكومة حتى في جلسات خاصة.
وكان ضباط المخابرات يدوّنون ملاحظات على المكالمات الهاتفية التي تم التنصت عليها، ويكتبون آلاف الصفحات من التقارير حول أنشطة المعارضة. كما كانوا يتلقون تقارير من فروع أخرى للأجهزة الأمنية ومن شبكة جواسيس منتشرة في سوريا والشرق الأوسط وأوروبا. وتشمل الوثائق اعترافات انتُزعت تحت التعذيب، وهو ما أكدته الصحيفة من خلال مقابلات مع أشخاص وردت أسماؤهم في الوثائق.
ومن بين القضايا التي تحققت منها الصحيفة: ممثل بارز طُلب من زوجته أن تؤجل خططها للطلاق وأن تسجل محادثاته سرًا؛ وجاسوس حكومي جرى تجنيده لمراقبة مؤتمر دبلوماسي في براغ؛ ومراهق عُذّب حتى اعترف زورًا بانضمامه إلى جماعة مسلحة.
وقال فيصل إيتاني، المحلل السياسي السوري اللبناني الذي ورد اسمه في الوثائق لدوره في تنظيم مؤتمر براغ، إنه نشأ وهو يدرك دائمًا وجود المخابرات السورية من حوله.
وأضاف إيتاني، الذي يعمل الآن في معهد نيو لاينز في واشنطن: “لقد كانوا دائمًا موجودين. بالنسبة لي، يصعب تصديق أن النظام لم يعد موجودًا. الأمر أشبه بفقدان صديق أكرهه، اختفى فجأة بعد ثلاثين عامًا”.
وتُظهر الوثائق أيضًا كيف شجّع عملاء الأسد السوريين على الإبلاغ عن بعضهم البعض، تاركين وراءهم إرثًا من انعدام الثقة.


خيانة عائلية
ودعم فراس الفقير، الممثل ذو الصوت الجهوري، في البداية الاحتجاجات ضد نظام الأسد ووقّع على بيان الفنانين الذي دعا إلى إصلاحات حكومية. لكنه تراجع عندما شن النظام حملته القمعية الدموية، واستمر في العمل بمبنى التلفزيون الرسمي؛ حيث كان يصوّر مسلسلات رمضانية وبرنامجًا حواريًا صباحيًا.
غير أن واصل التعبير عن إحباطه من الحكومة أمام زوجته هالة ديب في المنزل؛ ففي إحدى جلسات العشاء مطلع عام 2020 مع هالة ووالدتها، أطلق انتقادات حول اعتماد الدولة على روسيا ومنح الأسد امتيازات للنخب من رجال الأعمال.
وفي ربيع 2020، طلبت هالة فجأة الطلاق، بحسب قوله؛ فأثناء إقامتها قريبة من عائلتها في مدينة طرطوس الساحلية خلال جائحة كورونا، أرسلت له رسالة صوتية تتضمن مقطعًا من انتقاداته التي كانت قد سجلتها سرًا، وقالت إنها تريد المال، وإلا سترسل التسجيلات إلى المخابرات.
مراقبة في المنزل
تم تسجيل محادثات فراس الفقير مع زوجته سرًا

تُظهر الوثائق الاستخباراتية أنه بعد فترة قصيرة، قامت هالة بالفعل بتسليم تسجيل واحد على الأقل. وجاء في تقرير مؤرخ في يوليو/ تموز 2020 أن الاستخبارات العسكرية تلقت معلومات تفيد بأن الفقير كان يتحدث ضد الحكومة في منزله، مع سرد انتقاداته للنظام. وأشار التقرير إلى أن زوجته أرادت الطلاق “لأنها لا تستطيع تحمّل حديث يسيء إلى القيادة السياسية العليا”.
وذكر التقرير أن جهاز الأمن وجّه أحد مصادره لإقناعها بتأجيل الطلاق بغرض جمع المزيد من المعلومات عن الممثل.
لم يكن الفقير على علم بالتقرير السري، لكنه أصبح قلقًا من أنه تحت المراقبة، فالتقى الفقير هالة وعائلتها للمرة الأخيرة في طرطوس في صيف ذلك العام، ويتذكر الفقير أن هالة سألته: “لماذا تتحدث ضد الرئيس؟”؛ فنفى أمامها أن يكون قد انتقد الحكومة.
بعد بضعة أسابيع، قال الفقير إن مديره استدعاه إلى مكتبه، حيث كان ضابط استخبارات بانتظاره. وأخبر الفقير الضابط أن زوجته قدّمت شكوى كاذبة ضده، فدوّن الضابط الملاحظات وغادر.
وحضر رجال الأمن لاستجوابه مرتين أخريين على الأقل. بعدها، بقي الفقير في شقته معظم الوقت، خائفًا من أن يُعتقل إذا ذهب إلى عمله. وظهرت بارقة أمل حين عرض طبيب عسكري كان قد استضافه في أحد البرامج التلفزيونية التدخل لدى مسؤولي المخابرات، وبدأت مخاوف الفقير تتلاشى أخيرًا عندما مرّت شهور ولم يُعتقل.
قرأ الفقير، الذي يبلغ الآن 47 عامًا والمطلق، ملفه الاستخباراتي في وقت متأخر من إحدى الليالي هذا الشهر بينما كان يجلس بجوار نافورة في فناء حجري بأحد فنادق دمشق.
وقال: “إن أصعب شيء في الوجود أن تُطعَن في ظهرك من الشخص الذي يحبك، زوجتك نفسها”.
وامتنعت هالة، التي انتقلت إلى دبي، عن التعليق.

الفرع 215
وتشير الوثائق التي جرى رقمنتها ومراجعتها من قبل الصحيفة إلى عدة وحدات تابعة لأجهزة الاستخبارات التي كانت متمركزة في مجمع أمني بدمشق. وتشمل هذه الوحدات فرع المخابرات العسكرية 215، وهو وحدة قام ضباطها بتعذيب السجناء وإعدامهم كجزء من حملة النظام لكسر إرادة السوريين المعارضين للأسد، وذلك وفقًا لمنظمات حقوقية والشهود ومسؤولين سابقين في النظام.
وتظهر الوثائق، التي جرى التحقق منها عبر مقابلات، أن مجموعة من السوريين العاديين كانوا ضمن من جرى التجسس عليهم. من بينهم عضو في مجموعة الدفاع المدني المعروفة باسم “الخوذ البيضاء” قرب مدينة حمص، والذي انتهى به الأمر إلى قضاء سنوات في الاعتقال، بما في ذلك في سجن صيدنايا الشهير بقسوته، بسبب عمله مع منظمة الإنقاذ التي كانت تعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.
وتم التبليغ عن آخر، وهو مسؤول محلي سابق من محيط مدينة حماة، إلى أجهزة الاستخبارات لمجرد نشره على وسائل التواصل الاجتماعي عن مكالمة فيديو مبهجة مع أقارب له في الخارج، وهو فعل كان النظام عادةً ما يعتبره دليلاً على احتمال وجود صلات مع معارضين سياسيين.
وتُظهر مجموعة من الملفات تجسس النظام المكثف على عمليات الأمم المتحدة في البلاد، حيث كان يسجل تحركات وأنشطة موظفي المنظمة. ووصف تقرير صادر في عام 2014 زيارة وفد من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى مأوى للنازحين في حلب، كما تضمن أسماء وأرقام الهوية لكل عضو من أعضاء المجموعة المكونة من خمسة أشخاص، إلى جانب الفندق الذي أقاموا فيه وتفاصيل سياراتهم.
وقالت رئيسة الوفد، يوكو أكساكا، وهي مسؤولة رفيعة المستوى في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وهي الآن في إجازة من الأمم المتحدة، للصحيفة إن الملف كان دليلاً على ما كانت تشتبه به من مراقبة مستمرة خلال فترة وجودها في سوريا، وأضافت: “مهما قلت، حتى ما أقوله الآن، ربما عليّ أن أفترض أن هناك من يسمعني”.
وفي متاهة الأنفاق تحت فرع 215، كان ضباط الاستخبارات يحشرون الأشخاص الذين اعتقلوهم في سجن ذي غرف خرسانية بلا نوافذ، بحسب ما قاله معتقلون سابقون. وكان السجن يضم زنازين ضيقة تشبه التوابيت للحبس الانفرادي، وغرفًا أخرى متناثرة فيها خصلات من الشعر البشري وبقع دماء وأظرف رصاص عندما زارها مراسلو الصحيفة بعد سقوط النظام.


وقال علي حمدان، وهو مسؤول سابق في الطب الشرعي العسكري يبلغ من العمر 47 عامًا ويتعاون حالياً مع محققي جرائم الحرب الدوليين، في مقابلة مع الصحيفة إن وحدته كانت توثق ما بين ثلاث إلى عشر جثث يوميًا من الفرع 215 بين عامي 2012 و2015.
وأوضح أن العديد من الجثث كانت تعاني من كسور في الجمجمة وآثار حروق وعلامات صعق كهربائي. وتشمل الصور الجنائية للمعتقلين المتوفين، التي تم تهريبها من سوريا على يد أحد مسربي الوثائق خلال الحرب، العديد ممن وُضع عليهم إشارات تفيد بأنهم من الفرع 215.
متمرد شاب
ويكشف تقرير آخر عثرت عليه الصحيفة، على مكتب مزدحم قرب زجاجة فارغة من ويسكي “غلاينفيديخ”، قصة فتى مراهق يرتدي سترة مزخرفة تم التعرف عليه باسم محمود حمّاني.
وقالت أجهزة الاستخبارات إنها اعتقلته في عام 2014 عندما كان يبلغ من العمر 17 عامًا، للاشتباه بانضمامه إلى مجموعة متمردة. ووفقاً للملف، فقد وقّع اعترافًا خطيًا ذكر فيه أنه ألقى الحجارة على قوات الأمن وساعد في مراقبة المواقع العسكرية التابعة للنظام لصالح المتمردين، وبعد ذلك أُفرج عنه.
وأضاف التقرير أن الاستخبارات السورية واصلت تعقّب الشاب طوال معظم العقد التالي.

وقد عثرت الصحيفة على حمّاني اليوم، وهو شاب نحيل يبلغ من العمر 28 عامًا ويخدم في قوات الأمن التابعة لحكومة سوريا الجديدة. ويعمل في نوبات حراسة طويلة في وسط المدينة وما زال يعيش مع أسرته في ضاحية عمالية بدمشق.
وبينما كان يتصفح النسخة الرقمية من ملفه على جهاز كمبيوتر محمول، أشعل حمّاني سيجارة وروى القصة وراء الأوراق. ففي ذلك الوقت، كانت بلدته محاصرة من قبل قوات النظام بعد أن تشكّلت فيها مجموعة متمردة. وقد أمسك به رجال الأمن وألقوه في مؤخرة شاحنة واقتادوه إلى الفرع 215.
قال إن الضباط جردوه من ملابسه، وعلقوه من معصميه وصعقوه بالكهرباء. واتهموه بالعمل مع قائد المتمردين ملاث سلوم، وهو زعيم فرع محلي للجيش السوري الحر، وطالبوه بالإجابة على السؤال التالي: ”إذا رأيت جنديًا سوريًا أمامك، هل ستقتله؟“
وفي رواية حمّاني، رضخ بعد أربعة أيام، ووضع بصمة إبهامه على اعتراف مكتوب لم يُسمح له بقراءته. وفي الوثيقة، الموجودة في ملف وردي اللون، اعترف حماني بمساعدة ميليشيا سالوم من خلال مراقبة مواقع النظام. وجاء في الوثيقة: “الحقيقة هي أنني معارض للنظام الحاكم“، لكن حمّاني قال إن الاعتراف كان كذباً، وإنه لم يكن له أي دور في التمرد المسلح.
وأضاف أنه أُطلق سراحه لأن شقيقه دفع رشوة. وأشارت الوثائق إلى أن قضيته أُسقطت في المحكمة لعدم كفاية الأدلة.
وغادر سلّوم ريف دمشق في عام 2016 بعد أن وافق على هدنة مع الحكومة مقابل المرور الآمن إلى الشمال الخاضع لسيطرة المعارضة. وعاد هذا العام ليستقر في بيت حجري يملكه ابن عمه بعد نحو عقد قضاه في المنفى في الشمال وفي إسطنبول. وقال إنه كان يعرف حمّاني كمراهق صغير السن لا يصلح للقتال: “كان دون الثامنة عشرة. لم أعطه سلاحاً!”
وبعد أن علم بملف الاستخبارات من الصحيفة، توجه سلّوم إلى منزل حمّاني وقال: “لماذا أعطيت اسمي للاستخبارات؟” وكان سلّوم حينها في الخامسة والأربعين من عمره.


قال حمّاني: “كانوا يضربونني. كنت سأقول أي شيء لإيقاف ذلك.”
نظر سالّوم إلى الشاب بحذر، ثم عاد إلى سيارته وانطلق مبتعدًا. وبالنسبة له، كما قال، كان حمّاني متعاونًا مع النظام.
البحث عن إجابات
ومثل كثيرين غيره، كان خاروف، الإمام في دمشق، قد دعم في البداية الحركة ضد الأسد عندما اندلعت، بحسب ما ذكر أفراد عائلته. لكنه ابتعد عندما تحولت الانتفاضة إلى العنف، فكان يعظ ضد الهجمات المسلحة على الحكومة ويمنع أبناءه الثلاثة من الانضمام إلى الجماعات المسلحة.
وفي عام 2014 وقّع اتفاق عفو مع الحكومة، وافق بموجبه على التخلي عن النشاط المعارض مقابل الحصول على عفو. وقال أبناؤه إنه كان يحمل أوراق العفو مطوية في جيب قميصه أينما ذهب تحسبًا لأي مشكلة.


بعد عام من التوقف القسري، عاد خاروف إلى عمله في وزارة الأوقاف السورية، يلقي خطبًا معتمدة على المصلين. وفي الليل، كان يشجع فريقه المفضل لكرة القدم، ريال مدريد، مع أبنائه في منزلهم الخرساني المكوّن من طابق واحد.
وعندما أخذه رجال الأمن في يوليو/ تموز 2020، أصيبت الأسرة بصدمة، فاتصلوا بعمه الذي كانت له صلات مع أجهزة الأمن وساعد سابقًا في ترتيب أوراق العفو الخاصة بخاروف، لكنه قال إنه لا يستطيع فعل شيء.
ومضت أسابيع من دون أن تسمع الأسرة شيئًا. وفي سبتمبر/أيلول، فزارت زوجته مكتب السجل المدني السوري. وقدّم لها المسؤولون وثيقة، راجعتها الصحيفة، تفيد بأن خاروف توفي في منتصف أغسطس/آب 2020، لكن السلطات رفضت تسليم الجثمان.
وقال أحد المعارف، الذي كان محتجزًا في المنشأة في الوقت نفسه، للعائلة إنه شاهد الإمام يُضرب حتى الموت بواسطة كرسي. ولم تتمكن الصحيفة من التحقق بشكل مستقل من سبب وفاة الإمام.
وأشارت إحدى وثائق المخابرات العسكرية، المؤرخة في يوليو/تموز 2020، إلى استجواب ابن عم الإمام، محمود خاروف، الذي اعترف بالمشاركة في التمرد المسلح. وقال للمحققين إن الإمام كان يعمل مع المتمردين من خلال منحهم الموافقة الدينية على تنفيذ عمليات الإعدام في الأيام الأولى من الحرب.
وجاء في الوثيقة عن خاروف: “لقد كان أحد مؤيدي الحركة الإرهابية المسلحة في بداية الأحداث الجارية في البلاد.”

لا يزال ابن العم، محمود خاروف، يعيش بالقرب في منزل منخفض على طريق موحل، رغم أن العائلتين لا تتحدثان مع بعضهما أبدًا.
وفي مقابلة، أنكر أنه ذكر اسم الإمام على الإطلاق، حتى أثناء التعذيب حين أُجبر على توقيع اعتراف يقول فيه إنه قاتل مع المتمردين. وقال إنه كان محشورًا في قبو الفرع 215، حيث ضربه رجال الأمن على ساقيه بأنبوب بلاستيكي أخضر. وكان معصوب العينين ولم يتمكن حتى من قراءة ما وقّع عليه إلى أن عرض عليه القاضي الوثيقة في جلسة محكمة لاحقة، كما روى. ولا يزال يمشي بعرج نتيجة الضرب، وقال وهو ينفجر بالبكاء: “النظام دمّر حياتي كلها.”
وأضاف محروس، متأملاً حياة والده: ”أشعر بالارتياح. الآن نحن على يقين أنه لم يرتكب أي خطأ“.
وقالت أسرة عبده خاروف المباشرة إنها تصدق وثائق الاستخبارات، إذ طالما اشتبهت بأن ابن عمهم انقلب عليهم. وأوضحوا أن الاطلاع على السجلات منحهم قدرًا من الراحة.
وأضاف محروس خاروف، الابن الأكبر للإمام: “الآن عرفنا. كنا ننتظر دليلاً. هذا الشخص كان سبب وفاته”.
وأضاف محروس متأملاً في حياة والده: “أشعر بالارتياح. الآن نعرف يقينًا أنه لم يرتكب أي خطأ.”

المصدر: وول سيريت جورنال