منذ تشكيله في أبريل/نيسان 2022، علقت آمال كبيرة على المجلس القيادي الرئاسي اليمني لتوحيد صفوف المعسكر المناهض للحوثيين وفتح نافذة نحو مفاوضات سلام شاملة.
لكن السنوات اللاحقة كشفت حجم التعقيد: انقسامات داخلية مزمنة، وتوازنات فصائلية متضاربة، وصعود متسارع للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي عزّز نفوذه ميدانيًا في محافظات الجنوب، بما جعل المجلس أمام تحدٍ جديد لا يقل خطورة عن خصمه الرئيس.
في هذا التقرير، نعود إلى لحظة التأسيس: لماذا شُكّل المجلس؟ ما مهامه وصلاحياته؟ من يقوده ومن هم أعضاؤه؟ والأهم: ماذا حقق فعليًا منذ تأسيسه، وكيف يمكن قياس أدائه سياسيًا وعسكريًا وخدميًا؟
تشكيل المجلس
في 7 أبريل 2022، أعلن الرئيس اليمني آنذاك عبد ربه منصور هادي من الرياض نقل كامل سلطاته التنفيذية “بصورة لا رجعة فيها” إلى مجلس قيادة رئاسي جديد مكوّن من ثمانية أعضاء، تزامنًا مع إعفاء نائبه من منصبه.
تشكّل المجلس بترتيب ورعاية سعودية-إماراتية في العاصمة السعودية، ضمن مسعى عاجل لإعادة هيكلة قيادة معسكر الشرعية اليمنية وتوحيد الفصائل المناهضة للحوثيين تحت مظلة واحدة بعد سنوات من الخلافات والتشتت.
وقد اعتُبر هذا التغيير محاولة أخيرة لإنقاذ التحالف المناهض للحوثيين عبر إشراك أطراف أوسع في صنع القرار واستبعاد الشخصيات التي كانت مثار خلاف.
مهامه وصلاحياته
تسلّم المجلس القيادي الرئاسي كافة مهام رئيس الجمهورية ونائب الرئيس وفق إعلان نقل السلطة، مما خوّله صلاحيات واسعة أبرزها:
- إدارة شؤون الدولة سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا خلال فترة انتقالية.
- توحيد الصفوف الداخلية وقيادة جهود استعادة الدولة.
- تمثيل الجانب الحكومي في أي مفاوضات سلام مع الحوثيين.
- تقديم الخدمات في مناطق سيطرته (بعد دعمه ماليًا من السعودية والإمارات).
قيادة المجلس
يترأس المجلس رشاد محمد العليمي، وهو سياسي مخضرم من محافظة تعز شغل سابقًا منصب وزير الداخلية إبان حكم الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح.
وعُرف العليمي بعلاقاته الوثيقة مع السعودية وتحالفه مع حزب الإصلاح الإسلامي، وقد اختير كوجه توافقي لقيادة المرحلة نظرًا لخلفيته الأمنية وعلاقاته الإقليمية الواسعة.
إلى جانب رئيس المجلس، يضم التشكيل سبعة أعضاء يمثلون أطيافًا مختلفة من القوى المناهضة للحوثيين، وهم:
- محافظ مأرب سلطان العرادة (قيادي في حزب الإصلاح)
- عبدالله العليمي (مدير مكتب عبد ربه منصور هادي سابقًا وقيادي في الإصلاح)
- اللواء عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي (مدعوم من الإمارات)
- العقيد طارق صالح نجل شقيق الرئيس الأسبق وقائد قوات المقاومة الوطنية (مدعوم إماراتيًا)
- فرج البحسني محافظ حضرموت السابق
- القائد العسكري السلفي عبد الرحمن أبو زرعة المحرمي (قائد ألوية العمالقة)
- الشيخ عثمان مجلي (زعيم قبلي من محافظة صعدة وعضو في حزب المؤتمر)
هذا التشكيل المتنوع جمع للمرة الأولى قيادات تمثل الجنوب والشمال وتيارات الإسلاميين (الإصلاح) والمحافظين (المؤتمر) والمستقلين، تحت مظلة قيادة جماعية واحدة.

الأداء والتحديات منذ التأسيس
بعد مرور أكثر من عامين على تشكيله، يواجه المجلس القيادي الرئاسي حصيلة متواضعة وإنجازات محدودة في ميزان الأداء.
فعلى الرغم من نجاحه النظري في جمع طيف متباين من القوى تحت سلطة تنفيذية موحدة، فإن الانقسامات العميقة بين مكوناته سرعان ما طفت على السطح وشلّت فعاليته، وذلك نظرًا لتباين أجندات وخلفيات أعضاء المجلس.
فقد عانى أعضائه من غياب رؤية موحدة تجاه القضايا المحورية ككيفية تقاسم السلطة في المناطق “المحررة” وشكل الدولة اليمنية مستقبلًا (وحدة مركزية أم فيدرالية أم انفصال الجنوب) مما أدى لاندلاع توترات ميدانية، فضلًا عن تباين الآراء حول ترتيب أولويات التفاوض مع الحوثيين.
ولم ينجح المجلس وأجهزته المساندة (كلجنة توحيد القوات العسكرية واللجنة الاقتصادية وغيرها) في تحقيق انسجام يُذكر – إذ بقيت القرارات حبرًا على ورق في ظل غياب آليات فاعلة لتنفيذها واعتراض بعض الأطراف على مخرجاتها.
ونتيجة لذلك، تعطل كثير من جهود تحسين الخدمات وتوحيد المؤسسات في المناطق الخاضعة للحكومة، ما انعكس في تآكل ثقة الشارع اليمني بقدرة المجلس على الإنجاز.
وبات المجلس عمليًا هيئة مشلولة بفعل التجاذبات الداخلية، وعاجزًا عن اتخاذ قرارات حاسمة أو فرض حضور قوي على الأرض مقارنة بخصومه الحوثيين.
العلاقة مع الانفصاليين بالجنوب
شكّل اختلاف تطلعات شركاء المجلس الرئاسي بشأن انفصال الجنوب أحد أصعب التحديات أمامهم، فالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات يمثّل طرفًا رئيسيًا داخل المجلس عبر وجود زعيمه عيدروس الزبيدي كنائب لرئيس المجلس.
ومع ذلك، لم يُخفِ الانتقالي نواياه الانفصالية واستمر في الدفع باتجاه تكريس “قضية الجنوب” على رأس الأجندة؛ إذ طالب صراحةً بأن يُبتّ بمستقبل جنوب اليمن سياسيًا قبل المضي في أي اتفاق نهائي مع الحوثيين.
هذا التباين في الأولويات ولّد توترات متصاعدة بين جناحي المجلس (الشمالي والوحدوي في مقابل الجنوبي الانفصالي). فعلى الأرض، استغل الانتقالي وحلفاؤه حالة الهدوء النسبي خلال الهدن لمدّ نفوذهم.
شهد عام 2022 سيطرة قوات مدعومة إماراتيًا (ألوية العمالقة الموالية للانتقالي) على محافظة شبوة الغنية بالنفط بعد إقصاء قوات موالية للشرعية منها، وتقدم قوات الانتقالي كذلك في محافظة أبين المجاورة لتعزيز حضورهم هناك.
وتصاعدت خطوات التصعيد بصورة دراماتيكية أواخر عام 2025؛ حيث شنّ الانتقالي حملة عسكرية في المحافظات الشرقية تمكن خلالها من طرد قوات الحكومة من عدن (العاصمة المؤقتة) وبسط سيطرته على مناطق واسعة في جنوب اليمن بما فيها أجزاء من حضرموت والمهرة.
وأعلن قادة الانتقالي أن تلك التحركات تأتي ضمن مسعاهم لإعلان ما تسمى “دولة الجنوب”، رافضين الانصياع لنداءات الحكومة بالانسحاب.
أمام هذا الوضع الخطير، ندّد العليمي بهذه الإجراءات الأحادية، محذرًا من أنها قد تفجّر مواجهة داخلية جديدة وتقوّض ما تبقى من مؤسسات الدولة.
حتى أن الحكومة اليمنية اضطرت لطلب تدخل السعودية لكبح اندفاعة الانتقالي، فجاء التحذير شديد اللهجة من الرياض.
وقالت المملكة إن أي “مغامرة” عسكرية تهدد استقرار اليمن ستواجَه بحزم، وأن على الانتقالي الانسحاب من المعسكرات والمنشآت التي استولى عليها وترك حل القضية الجنوبية لطاولة الحوار والتوافق اليمني.
كما أعربت السعودية عن أسفها لما قامت به دولة الإمارات العربية المتحدة من ضغط على قوات المجلس الانتقالي الجنوبي لدفع قواته لتنفيذ عمليات عسكرية على حدود المملكة الجنوبية في محافظتي حضرموت والمهرة شرقي اليمن.
واعتبرت السعودية تلك الأعمال بالغة الخطورة وتهدد الأمن الوطني للمملكة، والأمن والاستقرار في الجمهورية اليمنية والمنطقة.
شكلت هذه التطورات ذروة التصدع داخل المجلس، حتى بات خطر انهياره واقعًا ملموسًا مع تحول شركاء الأمس إلى خصوم يتنازعون على الأرض والنفوذ بدعم خارجي.
التعامل مع الحوثيين
على صعيد الصراع مع الحوثيين، أعلن المجلس القيادي منذ البداية التزامه بالحل السلمي كخيار استراتيجي، ففي أول خطاب له بعد توليه السلطة، تعهّد رشاد العليمي بالسعي لإنهاء الحرب وإحلال السلام عبر “عملية سلام شاملة” تضمن لليمنيين تحقيق تطلعاتهم.
وتماهى خطاب المجلس مع الجهود الدولية، حيث أيد هدنة الأمم المتحدة التي انطلقت تزامنًا مع تشكيله واستمرت في مراحل مختلفة، وأبدى استعدادًا لمفاوضات مباشرة تحت رعاية أممية.
ومع ذلك، وعلى أرض الواقع، لم يتمكن المجلس من الجلوس إلى طاولة حوار مباشرة مع قيادة الحوثيين حتى نهاية 2025.
فقد ارتكزت المفاوضات الفعلية خلال عامي 2023 و2024 على حوار ثنائي بين السعودية والحوثيين بوساطة عُمانية، بهدف ترتيب تفاهمات أمنية وإنسانية تمهيدًا لتسوية أوسع.
هذه المحادثات الثنائية – التي أحرزت بعض التقدم في ملفات مثل تبادل الأسرى وتخفيف الحصار – جرت بمعزل شبه تام عن المجلس وحكومة عدن، حيث اقتصر دورهما على مشاورات جانبية عبر المبعوث الأممي دون تأثير يُذكر في مجرى التفاوض الرئيسي.
وقد أثار هذا الاستبعاد استياء قيادة المجلس التي شعرت بالتهميش، إذ عبّر أعضاء فيه عن خشيتهم من إبرام اتفاقات بين الرياض والحوثيين تتجاهل مصالح القوى اليمنية المناهضة للجماعة.
ورأى مسؤولون في المجلس أن المملكة تسعى لـ”مخرج مشرّف” من الحرب قد يأتي على حسابهم، محذرين من أن أي اتفاق يتجاوزهم قد لا يصمد وقد يمهّد لجولة صراع جديدة داخل اليمن.
من جهتهم، يرفض الحوثيون حتى الآن الاعتراف بالمجلس القيادي كطرف مفاوض مشروع، مصرّين على التفاوض مباشرةً مع السعوديين باعتبارهم “أصحاب القرار الفعلي” على الضفة الأخرى.
ووصف متحدثو الجماعة المجلس بأنه مجرد أداة بأيدي التحالف ويضم “عملاء” ليس لهم وزن مستقل، في موقف عقّد مهمة الهيكل اليمني الرسمي في الانخراط بالعملية السياسية، وأبقاه في موقف المترقب لتفاهمات الإقليم.
وحتى أواخر ديسمبر/كانون الأول 2025، ورغم حالة التهدئة النسبية السائدة منذ أكثر من عام، لم يصل اليمن بعد إلى اتفاق سلام نهائي.

المجلس إلى أين؟
يمكن القول إن المجلس القيادي الرئاسي مثّل محاولة جريئة لإعادة رسم هرم السلطة في معسكر الشرعية اليمنية وتوحيد جبهتها المبعثرة أملًا في إنهاء حرب طال أمدها.
وبقدر ما نجح هذا المجلس في تخطي عتبة مهمة بإزاحة قيادة سابقة مُتعَبة وإشراك أطراف متباينة تحت لوائه، فإنه واجه عقبات جسيمة من الداخل حالت دون تحوله إلى جبهة سياسية قوية بسبب التباينات العميقة بين مكوناته وتصاعد الصراع السعودي الإماراتي أخيرًا، بعد خطوات أبو ظبي التصعيدية الأخيرة في جنوب وشرق اليمن.
وأعلن المجلس إلغاء اتفاقية الدفاع المشتركة مع الإمارات بما يفضي إلى خروج كافة قواتها من أراضيه خلال 24 ساعة، وهو ما أعلنت الإمارات التزامها به وبدء سحب قواتها من اليمن.
واتفاقية الدفاع المشترك كانت تهدف إلى التعاون العسكري والأمني بين البلدين، وتُعتبر جزءًا من الإطار الذي يبرر الوجود العسكري لأبوظبي في اليمن ضمن التحالف العربي منذ 2015.
وطالب القرار “قوات درع الوطن التحرك وتسلّم كافة المعسكرات في محافظتي حضرموت والمهرة”، شرقي اليمن.
ومع دخول اليمن عام 2026، يجد المجلس نفسه أمام مفترق طرق حرج: فإما أن يُرمّم صفوفه ويوحّد رؤيته في مواجهة استحقاقات السلام المرتقبة، وإما أن تسبقه الأحداث ويتم تجاوز دوره في رسم مستقبل البلاد.
كما أن الخيارات التي ستتخذها الأطراف اليمنية المختلفة، وكذلك مدى تنسيق الموقف السعودي-الإماراتي، ستحدد ما إذا كان سيظل إطارًا انتقاليًا يقود المرحلة المقبلة أم أنه سيطوي صفحته كحلقة أخرى لم تُكلل بالنجاح في تاريخ التجارب السياسية اليمنية.