في ذروة التوتر المتصاعد الذي تشهده محافظات جنوب اليمن خلال الأيام الأخيرة، نفّذ تحالف دعم الشرعية في اليمن، بقيادة المملكة العربية السعودية، ضربة جوية دقيقة استهدفت ما وصفه بـ”دعم عسكري خارجي” في ميناء المكلا بمحافظة حضرموت شرقي البلاد، وذلك عقب طلب رسمي بإخلاء الميناء حفاظًا على سلامة المدنيين.
وأفادت وكالة الأنباء السعودية، نقلًا عن قيادة التحالف، برصد سفينتين وصلتا إلى ميناء المكلا قادمتين من ميناء الفجيرة خلال يومي السبت والأحد الموافقين 27 و28 ديسمبر/كانون الأول الجاري، دون الحصول على تصاريح رسمية، موضحة أن السفينتين قامتا بتعطيل أنظمة التتبع الخاصة بهما، وأنزلتا شحنات أسلحة يُعتقد أنها موجهة لدعم قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، بما يسهم في تصعيد الصراع وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
وفي السياق ذاته، أعلن المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف، اللواء الركن تركي المالكي، أن العملية العسكرية جاءت استجابة لطلب رسمي تقدّم به رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، لاتخاذ إجراءات فورية لحماية المدنيين في محافظة حضرموت، على خلفية ما وصفه بـ”انتهاكات إنسانية جسيمة ومروّعة” ارتكبتها عناصر مسلحة تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
غارة جوية لـ "التحالف" تستهدف شحنة أسلحة إماراتية غير مصرح بها في ميناء المكلا، وصلت من ميناء الفجيرة لدعم تحركات عسكرية في حضرموت والمهرة. pic.twitter.com/Q6UM3asgth
— نون بوست (@NoonPost) December 30, 2025
وتزامنًا مع تسارع التطورات، أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني قرارات تصعيدية، طالب فيها القوات الإماراتية بمغادرة جميع الأراضي اليمنية خلال مهلة لا تتجاوز 24 ساعة، معلنًا فرض حالة الطوارئ في عموم الجمهورية ابتداءً من اليوم ولمدة 90 يومًا، كما أعلن إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، وفرض حظر جوي وبري على جميع الموانئ والمنافذ اليمنية لمدة 72 ساعة.
وأكد العليمي أن هذه الإجراءات تأتي في إطار حماية المدنيين والحفاظ على المركز القانوني للدولة، وذلك عقب ما وصفه بتأكد السلطات اليمنية من قيام الإمارات بشحن سفينتين محملتين بالأسلحة من ميناء الفجيرة إلى ميناء المكلا.
وتخيّم حالة من القلق والترقب على المشهد اليمني، في ظل تطورات غير مسبوقة توحي باحتمال انتقال المواجهات في جنوب البلاد إلى مرحلة مغايرة تمامًا، يُعاد فيها تشكيل موازين النفوذ والقوى. ويزداد هذا القلق مع خروج الخلاف السعودي–الإماراتي من إطار التفاهمات الدبلوماسية غير المعلنة إلى العلن، للمرة الأولى منذ انطلاق عمليات التحالف العسكري في اليمن عام 2015.
تصعيد غير مسبوق.. تسمية الإمارات للمرة الأولى
حمل بيان وزارة الخارجية السعودية الصادر تعليقًا على عملية المكلا دلالات سياسية لافتة، عكست تحولًا واضحًا في مقاربة الرياض للملف اليمني عمومًا، ولعلاقتها مع الحليف الإماراتي على وجه الخصوص. وقد تضمّن البيان مجموعة من النقاط المحورية، أبرزها ما يلي:
–للمرة الأولى، توجه السعودية تسميةً مباشرة وصريحة للإمارات، متهمةً إياها بممارسة ضغوط على المجلس الانتقالي الجنوبي لدفع قوات تابعة له لتنفيذ عمليات عسكرية قرب الحدود الجنوبية للمملكة، وتحديدًا في محافظتي حضرموت والمهرة، وهو ما اعتبرته الرياض تهديدًا مباشرًا لأمنها الوطني، ولأمن واستقرار الجمهورية اليمنية والمنطقة بأسرها.
–وجّهت الرياض اتهامًا رسميًا لأبوظبي بأن الممارسات المنسوبة إليها تنطوي على مخاطر بالغة، ولا تتسق مع المبادئ والأسس التي أُنشئ على أساسها تحالف دعم الشرعية في اليمن، كما أنها لا تخدم الجهود المشتركة الرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد.
أبرز ما أعلنت عنه وزارة الخارجية السعودية:
– نأسف لما قامت به الإمارات من ضغط على المجلس الانتقالي الجنوبي لدفع قواته للقيام بعمليات عسكرية على حدود المملكة الجنوبية في محافظتي حضرموت والمهرة.
– أي مساس أو تهديد لأمن المملكة الوطني خط أحمر، لن نتردد في اتخاذ كافة الخطوات… pic.twitter.com/oTyAG8w6dI
— نون بوست (@NoonPost) December 30, 2025
–شددت المملكة على أن أي مساس بأمنها الوطني يُعد خطًا أحمر، مؤكدة أن ما تقوم به الإمارات يدخل في هذا الإطار، وأن الرياض لن تتردد في اتخاذ جميع الخطوات والإجراءات اللازمة للتعامل مع هذا التهديد وتحييده.
–أكدت السعودية على ضرورة استجابة الإمارات لطلب الجمهورية اليمنية القاضي بسحب قواتها العسكرية من الأراضي اليمنية خلال مهلة لا تتجاوز 24 ساعة، إلى جانب وقف أي أشكال للدعم العسكري أو المالي لأي طرف داخل اليمن.
–واختتم البيان برسالة تحذيرية غير مباشرة بشأن مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين، إذ أعربت المملكة عن أملها في أن تبادر الإمارات باتخاذ الخطوات المطلوبة للحفاظ على العلاقات الأخوية، في إشارة واضحة إلى أن عدم الاستجابة قد ينعكس سلبًا على مسار العلاقات بين الطرفين.
تحول لافت في المقاربة السعودية.. ما الذي حدث؟
لم يأتِ التصعيد السعودي الأخير في السياق اليمني بوصفه خطوة مفاجئة، بل مثّل حصيلة طبيعية لمسار متدرّج من التطورات المتسارعة منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول، فقد أطلق المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيًا، عملية عسكرية واسعة تحت مسمى “المستقبل الواعد” في الثاني من الشهر، سرعان ما تحولت إلى هجوم شامل استهدف فرض السيطرة الكاملة على الجنوب.
وبحلول الثامن من ديسمبر، كان المجلس قد أحكم نفوذه على معظم المحافظات الجنوبية، بما في ذلك عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًا، إلى جانب حضرموت ذات الثقل الجغرافي والنفطي، والمهرة ذات الموقع الاستراتيجي الحساس.
تزامن ذلك مع تصعيد غير مسبوق في الخطاب الانفصالي، حيث تخلّى المجلس عن لغة الشراكة وتقاسم السلطة، وبات يعلن صراحة سعيه لإحياء مشروع “دولة الجنوب”، في تحول ينذر بإعادة فتح ملف الصراع اليمني من زاوية جديدة، تتجاوز البعد الداخلي إلى إعادة رسم موازين النفوذ الإقليمي في منطقة شديدة الحساسية.
(إلى أهلِنا في اليمن)
استجابةً لطلب الشرعية اليمنية قامت المملكة بجمع الدول الشقيقة للمشاركة في تحالف دعم الشرعية بجهودٍ ضخمة في إطار عمليتي (عاصفة الحزم وإعادة الأمل) في سبيل استعادة سيطرة الدولة اليمنية على كامل أراضيها، وكان لتحرير المحافظات الجنوبية دورٌ محوريٌ في تحقيق ذلك.…
— Khalid bin Salman خالد بن سلمان (@kbsalsaud) December 27, 2025
أمام هذا المشهد، بدت الرياض وقد غادرت مربع الصمت الحذر، فأصدرت وزارة خارجيتها في 25 ديسمبر/كانون الأول بيانًا حمّلت فيه المجلس الانتقالي- ومن خلفه الإمارات بشكل غير مباشر- مسؤولية التحركات العسكرية الأحادية في حضرموت والمهرة، واعتبرتها خطوات غير منسّقة مع مجلس القيادة الرئاسي أو التحالف، وتضر بمصالح اليمنيين وبجهود دعم الشرعية.
أعقب ذلك قصف جوي استهدف قوات “النخبة الحضرمية”، بالتوازي مع رسالة واضحة من وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان حذّر فيها من خطورة الانقسام الداخلي، معتبرًا أن ما جرى منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول أضعف الجبهة الوطنية في مواجهة الحوثيين، وداعيًا المجلس الانتقالي إلى الانسحاب وتسليم المعسكرات لقوات “درع الوطن”.
ولم تقتصر الرسائل السعودية على التحذير السياسي، بل شملت تهديدًا عسكريًا صريحًا بالتعامل المباشر مع أي تحركات للمجلس الانتقالي في حضرموت، استجابةً لطلب رسمي من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي لحماية المدنيين ومنع توسع المواجهات.
لكن يبدو أن الرسائل تم تجاهلها، حيث واصلت الإمارات تعزيز الدعم العسكري للمجلس، كما عكسته حادثة السفينتين المنطلقتين من ميناء الفجيرة إلى المكلا في ذروة التصعيد، في مؤشر على تجاهل المقاربة السعودية.
ومن هنا واستحضارًا لتجربة السودان والدعم الإماراتي لميليشيا حميدتي وما أفرزته من نزعات انفصالية، رأت الرياض أن الخطوط الحمراء في اليمن قد جرى تجاوزها، ما دفعها إلى التخلي عن إدارة الخلاف بالتنسيق الضمني، والتدخل العلني لإعادة ضبط المشهد ومنع انزلاق الجنوب اليمني إلى سيناريو تفكيكي واسع.
اللعب على المكشوف
مع الموقف السعودي الأخير، الذي سمّى الإمارات صراحةً بوصفها طرفًا مؤججًا للأحداث في الجنوب، ومهدِّدًا للأمن القومي الإقليمي، تدخل الأزمة اليمنية طورًا غير مسبوق منذ انطلاق عمليات التحالف، فهذه هي المرة الأولى التي يُرفع فيها الغطاء السياسي بهذا الوضوح، لتغدو ساحة اليمن مكشوفة بالكامل، وأصبحت خطوط الصراع وأدوار الفاعلين معلنة بلا مواربة، فما كان يُدار خلف الكواليس بات اليوم مطروحًا على الملأ، في مؤشر على تحوّل نوعي في طبيعة المواجهة ومساراتها.
وتتجه التطورات، تبعًا لذلك، نحو تصعيد مزدوج، سياسي وعسكري، كانت باكورته موقف السلطة المحلية في محافظة حضرموت، التي أعلنت تأييدها الكامل للقرارات السيادية الصادرة عن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، وفي مقدمتها إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع دولة الإمارات، والمطالبة بإخلاء القوات التابعة لها من الأراضي اليمنية.
وفي السياق ذاته، عبّرت السلطة المحلية بحضرموت عن شكرها لقيادة تحالف دعم الشرعية، ممثلة بالسعودية، مثمنةً ما وصفته بالمواقف الأخوية والجهود المتواصلة في دعم أمن واستقرار اليمن، ورعاية مسار استعادة مؤسسات الدولة، مؤكدة أن حضرموت تنظر إلى المملكة بوصفها سندًا استراتيجيًا محوريًا، وضامنًا أساسيًا للتوازنات الأمنية والسياسية في المحافظة والبلاد عمومًا.
مشاهد تظهر الدمار الذي تسبّب فيه الاستهداف السعودي لميناء المكلا. pic.twitter.com/w1gT4eB86n
— نون بوست (@NoonPost) December 30, 2025
ميدانيًا، لم يتأخر انعكاس هذا التصعيد السياسي، إذ اندلعت اشتباكات مسلحة عنيفة بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات حلف حضرموت، في مشهد يعكس هشاشة التفاهمات القائمة، وسرعة انزلاق الخلافات السياسية إلى مواجهات عسكرية مفتوحة.
بالتوازي، صعّد نائب رئيس هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، هاني بن بريك، لهجته تجاه المملكة العربية السعودية، متهمًا إياها بتنفيذ ما وصفه بـ”اعتداء رسمي” على محافظة حضرموت ومينائها المدني، معتبرًا في تدوينة نشرها على منصة «إكس»، أن قصف ميناء المكلا تم بذرائع “واهية” تفتقر لأي مسوغ قانوني، مؤكدًا أن استهداف منشأة مدنية يشكل، بحسب تعبيره، “انتهاكًا فاضحًا للقانون الدولي الإنساني”.
بهذا المشهد المتشابك، تبدو الأزمة اليمنية مقبلة على مرحلة أكثر تعقيدًا، تتراجع فيها سياسات التهدئة لصالح خطاب المكاشفة والصدام المفتوح، في ظل إعادة رسم موازين النفوذ داخل الجنوب، وتحوّل الخلافات بين أطراف التحالف من خلافات مكتومة إلى صراعات معلنة على الأرض.
ماذا تريد الرياض من تلك العملية؟
إن فتح جبهة صراع واسعة في اليمن في هذا التوقيت، وتقديم دولة الإمارات بوصفها “خصمًا” مباشرًا وعلنيًا على الساحة اليمنية، لا يندرج، بطبيعة الحال، ضمن الأهداف الاستراتيجية الرئيسية للسعودية، فالكلفة المترتبة على مثل هذا المسار، على المديين المتوسط والبعيد، ستكون باهظة سياسيًا وعسكريًا، وربما اقتصاديًا أيضًا، بما لا يخدم أولويات الرياض الإقليمية في هذه المرحلة.
من هذا المنطلق، سعت المملكة، عبر مقارباتها الأمنية، إلى تحقيق حزمة من الأهداف المحددة من خلال عملية المكلا، في مقدمتها إعادة رسم قواعد الاشتباك، والإعلان للمرة الأولى وبصورة رسمية عن خطوطها الحمراء في اليمن.
ويُفهم هذا التوجه بوصفه محاولة لإعادة ضبط إيقاع الصراع ومنع الانزلاق نحو مسارات تتجاوز التفاهمات التي حكمت عمل التحالف منذ انطلاق عملياته، وعليه ومن الطبيعي أن يرافق ذلك تعطيل بعض خطوط الإمداد والدعم للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي اتسعت طموحاته السياسية والعسكرية إلى ما هو أبعد من المقاربات المتوافق عليها سابقًا.
في السياق ذاته، هدفت الرياض إلى توجيه رسالة تحذير شديدة اللهجة إلى أبو ظبي بشأن تحركاتها ونفوذها في جنوب اليمن، وهي رسالة لا يُراد لها أن تبقى محصورة في الجغرافيا اليمنية فحسب، بل يُتوقع أن تمتد دلالاتها إلى ملفات وساحات أخرى، من بينها السودان والصومال ومنطقة القرن الأفريقي، حيث تتقاطع المصالح وتتشابك الأدوار الإقليمية.
وعلى نحو أكثر وضوحًا، سعت المملكة إلى إظهار استعدادها لاستخدام القوة الصلبة عند الضرورة لحماية أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية، وعدم الاكتفاء بأدوات الدبلوماسية الهادئة وحدها، ويعكس هذا التحول النوعي حجم الامتعاض السعودي المتراكم إزاء ما تعتبره الرياض تجاوزات غير مقبولة في التحركات الإماراتية الأخيرة، وفرض وقائع ميدانية لا تنسجم مع رؤيتها لإدارة الملف اليمني.
ومع ذلك، بدا حرص السعودية على إبقاء قنوات الدبلوماسية مفتوحة، سواء مع الإمارات أو مع المجلس الانتقالي الجنوبي، فقد جاء توصيف الإمارات بـ”الدولة الشقيقة” أكثر من مرة في بيان وزارة الخارجية السعودية ليؤكد أن التصعيد لا يعني القطيعة، بل يهدف إلى إعادة تصويب المسار وفتح المجال أمام تفاهمات جديدة لإدارة المشهد اليمني، وفق مقاربة تختلف عن المقاربة الإماراتية، وتتيح لأبو ظبي هامشًا للتراجع وإعادة التموضع دون خسائر سياسية كبرى.
ماذا بعد؟
لا شك أن التطورات الأخيرة لم تكن ضمن الحسابات الاستراتيجية لأبو ظبي، التي تحركت وفق مقاربات أحادية الاتجاه، افترضت هامشًا أوسع للمناورة على الساحة اليمنية، غير أن الرد السعودي جاء متجاوزًا للتقديرات الإماراتية كافة، ما وضع الإمارات في مأزق سياسي وعسكري بالغ الحساسية، لا سيما بعد مطالبة مجلس القيادة الرئاسي بخروج جميع القوات الإماراتية المتمركزة في اليمن، وهو مطلب حظي بتأييد صريح من السعودية في بيان صادر عن وزارة خارجيتها.
وفي المقابل، تبدو أبو ظبي غير راغبة في الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة مع الرياض، وهو ما انعكس بوضوح في التزامها الصمت الرسمي إزاء هذه التطورات، أو محاولة احتوائها عبر أدوات غير مباشرة، من خلال لجان سياسية وأذرع إعلامية ركزت على إبراز ما تصفه بـ”حسن النوايا” الإماراتية، والتأكيد المتكرر على دعمها للشرعية اليمنية، في مسعى لتخفيف حدة التصعيد وامتصاص تداعياته.
غير أن تلك المقاربة ليست بمأمن من ارتدادات عكسية -كرد فعل انتقامي ولو مؤقت من باب حفظ ماء الوجه- قد تلقي بظلالها على المشهد، لعل أبرزها التلويح بتفكيك تحالف دعم الشرعية، وفك الارتباط السعودي الإماراتي كما جاء على لسان مصادر في المجلس الانتقالي، نقلت تصريحاتها قناة “سكاي نيوز” الإماراتية، وهي الخطوة التي قد تعيد المشهد اليمني للمربع رقم صفر وتصب بطبيعة الحال في صالح الحوثيين، وهو ما لا يقبله الطرفان.
وفق هذه المعادلة، لا يُتوقع أن تمضي المملكة في تصعيد إضافي يتجاوز هذا السقف، بعدما حرصت على إرسال رسائلها دفعة واحدة وبدرجة عالية من الوضوح وهي رسائل يُرجح أنها وصلت إلى الأطراف المعنية، التي ستجد نفسها مضطرة إلى إعادة تقييم خياراتها، ووضع حزمة من المقاربات السياسية والعسكرية قبل الإقدام على أي جولة جديدة من التصعيد مع السعودية.
وأمام هذا المشهد المعقد، يبرز احتمال دخول أطراف وسيطة على خط الأزمة، سواء كانت مصرية أو أمريكية أو خليجية، أو عبر جهد مشترك يجمع بينها، بهدف فرض التهدئة وكبح مسار الانزلاق نحو مواجهة أوسع، فكل من الرياض وأبو ظبي تمثلان حليفين محوريين بالنسبة لواشنطن وعدد من القوى الإقليمية، ومن ثم فإن ترك التوتر يتفاقم لا يخدم مصالح أي طرف.
وعليه، قد تفتح هذه التطورات الباب أمام مرحلة جديدة من التفاهمات، تُؤخذ فيها المخاوف السعودية ومقارباتها تجاه الملف اليمني بعين الاعتبار، بوصفها عنصرًا حاكمًا في أي صيغة مقبلة لإدارة الصراع.
في الأخير.. تمثل هذه التطورات نقطة تحول فارقة في مسرح النفوذ الإقليمي، وعلامة مفصلية على المستوى الذي بلغه الصراع، ولا سيما حين ينتقل من دائرة الخصوم إلى فضاء الخلاف بين الحلفاء أنفسهم، تلك التطورات المرشحة، طوعًا أو قسرًا، لإعادة تشكيل خارطة التوازنات وترتيب مراكز القوة، حتى وإن جرى احتواء موجة التصعيد الراهنة.
قد يرى البعض أن ما حدث يجب أن يوضع في سياقه وحجمه الطبيعي، بلا تهويل أو مبالغة، كونه رسالة سعودية مقتضبة ذات أهداف محددة يجب ألا تتجاوزها القراءات المختلفة، في الوقت الذي يرى فيه أخرون أن ما قبل الثلاثين من ديسمبر/كانون الأول 2025 لن يكون كما بعده، بصرف النظر عن مآلات التطور الحالي، لا على الساحة اليمنية فحسب، بل على مجمل الملفات الإقليمية التي تتقاطع فيها المصالح وتتشابك فيها الأدوار، فقد انكشفت حدود التفاهمات القديمة التي عانت لسنوات من الهشاشة على حساب المقاربات، وبرزت معادلات جديدة تفرض نفسها على صانعي القرار، إيذانًا بمرحلة مختلفة ستُدار فيها الصراعات والحسابات الإقليمية بمنطق مغاير لما كان سائدًا في السابق.