أطلقت عدد من المنظمات الحقوقية المصرية والدولية مبادرة جديدة للإفراج عن السجناء والمعتقلين في مصر خوفًا من كارثة انتشار فيروس كورونا الجديد، لا سيما بعد التحذيرات التي تشير إلى الأوضاع المأساوية للسجون واحتمالية حدوث كارثة حال إصابة أي من المحبوسين.
المبادرة التي جاءت تحت شعار “أنقذوهم، وأنقذوا الوطن“، وحملت ستة بنود موجهة إلى النظام، انطلقت من فلسفة أن الشواهد المتكررة بالإصابة بالفيروس نتيجة التجمعات الكبيرة، هو ذات الخطر – وأسوأ – داخل السجون ومقار وأماكن الاحتجاز، نتيجة ضعف المستوى والمناخ الصحي بداخلهم، فضلًا عن ضعف الرعاية والإمكانات الطبية اللازمة لمواجهة هذا الفيروس في حال انتشاره.
ومع توارد الإعلانات الرسمية من القوات المسلحة المصرية، عن وفاة لوائين بالقوات المسلحة حتى الآن، نتيجة الإصابة بفيروس كورونا، فضلًا عن الأنباء المتواترة الأخرى، التي تؤكد إصابة عدد ليس بالقليل من قيادات القوات المسلحة بذات الفيروس، كان لا بد من الإسراع بتقديم مثل هذه المبادرات.
ووفق الجهات المشاركة في المبادرة فإنها “لا تنطلق من هدفٍ سياسي، وإنما من هدفٍ إنساني، كدورٍ من أدوار ومهام منظمات المجتمع المدني، في القيام بدورها المساند والمساعد للحكومات والأنظمة في أوقات الأزمات أو في الفترات التي تكون إمكانات الدولة – دون تدخل منها – غير مناسبة لحجم الأزمة أو الظرف الطارئ أو القوة القهرية التي تضرب البلاد”.
يذكر أن السلطات المصرية أخلت، الخميس الماضي، سبيل 15 عضوًا من أحزاب وقوى سياسية معارضة، بينهم أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة والناشطان السياسيان شادي الغزالي حرب وحازم عبد العظيم، وعبد العزيز الحسيني نائب رئيس حزب “تيار الكرامة”، وهي البادرة التي استبشر معها البعض خيرًا بشأن توسعة دائرتها لتشمل بقية المحبوسين على ذمة قضايا رأي.
“أنقذوهم، وأنقذوا الوطن”
تهدف المبادرة التي تتبناها عدة منظمات حقوقية، من بينها مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان، ومركز الشهاب لحقوق الإنسان، ومنظمة هيومن رايتس مونيتور، ومنظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان بالتعاون مع منظمات حقوقية أخرى (مصرية، إقليمية، ودولية)، وبمشاركة شخصيات على مستوى العالم، إلى إيجاد السبل والآليات المناسبة، لحماية المجتمع المصري ممَّا قد يشكله التكدس المرتفع بالسجون ومقار وأماكن الاحتجاز لبؤرةٍ خطرة لانتشار الفيروس.
فالأوضاع السيئة التي عليها السجون المصرية بشهادة العديد من المنظمات الحقوقية، كانت مصدر القلق الأبرز الذي انطلقت منه الجهات المشاركة في المبادرة بهدف الحفاظ على حياة السجناء كافة من الإصابة دون القدرة على السيطرة عليه، في ظل ضعف الإمكانات الطبية الملائمة للتعامل مع هذا الوباء.
كما قدمت المبادرة عددًا من المطالب التي ناشدت الحكومة المصرية بتنفيذها في إطارٍ من الشرعية القانونية، اتساقًا مع الدستور المصري والمواثيق الدولية، التي تضع الحق في الحياة على أعلى المراتب، ويجب أن تعمل الحكومات على الحفاظ عليها واحترامها.
المطلب الأول تمثل في الإفراج الفوري عن كل السجناء في السجون المصرية، مع اتخاذ التدابير الاحترازية (الإجرائية/القانونية)، بالأخص الإفراج مع الإقامة الجبرية، ووضع الأسماء على قوائم المنع من السفر، أما المطلب الثاني فتمثل في الإفراج الفوري عن كل المحبوسين احتياطيًا على ذمة التحقيق في قضايا منظورة أمام قضاة التحقيق أو التي أمام النيابة العامة أو العسكرية أو التي لم يحكم فيها ومنظورة في المحاكم، وبالأخص المحبوسين على ذمة قضايا ذات طابع سياسي، وإلزامهم بحضور جلسات التحقيق في مواعيدها المقررة.
دعت منظمة العفو الدولية السلطات المصرية إلى إطلاق سراح سجناء الرأي وغيرهم من المعتقلين المعرضين للخطر بسبب الوباء، كما طالبت بالإفراج دون قيد أو شرط عن جميع النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين لمجرد التعبير عن آرائهم سلميًا
كذلك الإفراج الفوري عن كل من قضوا نصف مدة العقوبة، بموجب عفو رئاسي، وكذلك الإفراج الفوري عن كل النساء في السجون المصرية، والإفراج الفوري عن الأطفال المحتجزين بدور الأحداث والمؤسسات العقابية، وأخيرًا الإفراج الفوري عن المحتجزين ممَّن تزيد أعمارهم على 60 عامًا أو أصحاب الأمراض المزمنة والخطرة أيًا كانت أعمارهم.
وفي نهاية بيانها، دعت الحملة كل الجهات المعنية والشخصيات العامة والمنظمات الحقوقية على المستوى المصري والإقليمي والدولي لتبني هذه المبادرة في إطار المطالبات المعلنة، التي تكررت في أكثر من دولة، حماية من انتشار فيروس كورونا، ومنها إيران التي قررت الإفراج عن 85000 ألف سجين، وقرار العفو الصادر عن ملك البحرين بالعفو عن قرابة 1000 معتقل، فضلًا عن خطوات التشاور والتدقيق التي تتم في الشأن ذاته في كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
دعوات للإفراج عن المعتقلين
المطالب التي دعت إليها المبادرة ليست الأولى من نوعها، إذ سبقتها محاولات ومساعٍ أخرى، منها ما طالبت به 40 منظمة حقوقية في مصر والشرق الأوسط، الحكومات العربية المختلفة بسرعة التحرك لمواجهة فيروس كورونا المستجد وما قد يسببه من خطورة على حياة السجناء في أماكن الاحتجاز.
المنظمات في بيان مشترك لها طالبت في 11 بندًا بضرورة الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين والجنائيين غير الخطيرين على المجتمع ومن كبار السن والمرضى وإطلاق سراح المعتقلين الإداريين في الدول التي ما زالت تستخدم هذا الإجراء، مؤكدة ضرورة حماية الأشخاص الذين سيظلون رهن الاحتجاز بعد إصدار قرارات بالإفراج عن السجناء وتوفير الحماية الطبية اللازمة والتأكد من تطبيق أعلى درجات الأمان عليهم.
ومن ضمن الإجراءات التي طالبوا بها إجراء تدقيق شامل للسجناء، وبالتالي تقليل عدد مقيدي الحرية عن طريق الإفراج الفوري عن المحتجزين والسجناء “الأقل خطورة”، بمن فيهم المدانون أو المحتجزون رهن المحاكمة (الحبس الاحتياطي) بسبب الجرائم غير العنيفة والمعتقلون الإداريون وأولئك الذين لا مبرر لاحتجازهم المستمر.
كذلك الإفراج عن المحتجزين والسجناء المعرضين بشكل خاص للفيروس، بمن فيهم كبار السن والأفراد الذين يعانون من حالات كامنة خطيرة بما في ذلك أمراض الرئة وأمراض القلب والسكري وأمراض المناعة الذاتية، بجانب السماح للأفراد الذين هم تحت إطلاق سراح مشروط وتدابيرها لإتمام المراقبة الخاصة بهم في منازلهم.
رغم كل هذه المناشدات المحلية والإقليمية والدولية، والظرفية الصحية التي تتعرض لها البلاد، بل والعالم أجمع، والإجراءات المماثلة التي اتخذتها بعض الدول حماية لشعوبها، فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان له رأي آخر
وتضامن مع التحركات الحقوقية المصرية كيانات حقوقية إقليمية ودولية، ففي بيان مشترك تضامنت 14 نقابة وجمعية ومنظمة تونسية مع سجناء الرأي في مصر والعالم العربي وعائلاتهم، محذرين من مخاطر تحول السجون إلى بؤر لوباء كورونا، كما دعوا منظمة الصحة العالمية لدعم مطالب إطلاق سراحهم.
المؤسسات التونسية دعت المنظمات الدولية وكل الضمائر الحية في العالم، إلى دعم مطالب عائلات المعتقلين والمحبوسين، من أجل الإسراع بإنهاء الأسر الظالم والمهدد لسلامة بناتها ووأولادها وحمايتهم من هذا الوباء الفتاك، هذا بجانب إدانتها لاعتقال الشرطة المصرية في 18 من مارس الحاليّ والدة وأخت الناشط المصري المعتقل علاء عبد الفتاح، على هامش تنظيمهما وقفة للمطالبة بالإفراج عن سجناء الرأي خشية الإصابة بالفيروس، إلا أن السلطات أفرجت عنهما في وقت لاحق.
عالميًا.. دعت منظمة العفو الدولية السلطات المصرية إلى إطلاق سراح سجناء الرأي وغيرهم من المعتقلين المعرضين للخطر بسبب الوباء، كما طالبت بالإفراج دون قيد أو شرط عن جميع النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين لمجرد التعبير عن آرائهم سلميا، والنظر أيضًا في الإفراج عن المحتجزين دون محاكمة، وغيرهم من المحتجزين المعرضين بشكل خاص للمرض، فضلًا عن كبار السن والذين يعانون من حالات طبية كامنة.
المنظمة لفتت الأنظار إلى ما وصفته بالمخاوف الموثقة من اكتظاظ السجون المصرية وسوء الرعاية الصحية وانعدام الصرف الصحي فيها، مضيفة “لسنوات عديدة، تمتلئ السجون المصرية بالصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان والمنتقدين السلميين”، وتابعت “تتزايد المخاوف بشأن سلامة الأشخاص المحتجزين مع انتشار الفيروس، لذا نطالب السلطات في مصر بإظهار التسامح واتخاذ تدابير عاجلة يمكن أن تنقذ الأرواح”.
إصرار على التنكيل
رغم كل هذه المناشدات المحلية والإقليمية والدولية، والظرفية الصحية التي تتعرض لها البلاد، بل والعالم أجمع، والإجراءات المماثلة التي اتخذتها بعض الدول حماية لشعوبها، فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كان له رأي آخر، حيث صادق الأحد الماضي، على تعديلات جديدة على أحكام القانونين رقمي 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون، و182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات، وتنظيم استعمالها والاتجار فيها.
تلك التعديلات استثنت المحبوسين على ذمة قضايا الرأي وحرية التعبير والتظاهر، بجانب قضايا المخدرات، من الإفراج الشرطي (بعد قضاء ثلاثة أرباع مدة العقوبة) وهو ما قوبل باستنكار كبير من المدافعين عن حقوق الإنسان، لما تحمله تلك التعديلات من إصرار على التنكيل بأصحاب الرأي والمعارضين للنظام.
بدوره انتقد منتدى “برلمانيون لأجل الحرية” التعديلات التي أقرها السيسي، ففي بيان له قال: “في الوقت الذي تتصاعد فيه الأصوات الحرة محليًا وعالميًا لإطلاق سراح السجناء إنقاذًا لأرواحهم من خطر كورونا الداهم، وتتجه فيه الحكومات والبرلمانات في العالم لإصدار تشريعات وتعديلات وقرارات تسمح بالإفراج العاجل عن المسجونين، ويطالب فيه الجميع بالتكاتف وتوحيد الجهود لتجنيب مصر مخاطر كورونا يفاجئنا النظام المصري بتمرير تعديلات على قانوني السجون ومكافحة المخدرات ليحذف منهما المواد التي كانت تتيح الإفراج الشرطي عن المسجونين في قضايا سياسية”.
وأشار المنتدى (كيان سياسي برلماني يضم البرلمانيين المصريين بالخارج، الذين كانوا أعضاءً بمجلسي الشعب والشورى عام 2012) إلى “استثناء المادة 52 مكرر التي تم إضافتها لقانون السجون حديثًا من الإفراج الشرطي للمحبوسين وفقًا لمواد قانون التجمهر رقم 10 لسنة 1914، وقانون مكافحة غسل الأموال رقم 80 لسنة 2002، وقانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، وهي القوانين التي توجه النيابة الاتهامات وفقًا لها لغالبية السجناء في القضايا السياسة حاليًّا، حيث يجري تصنيفها ظلمًا باعتبارها قضايا إرهابية”.
وتابع “إذا كانت وزارة الداخلية قد دأبت خلال الفترة الماضية على عدم احترام القانون (الملغي) فيما تضمنه من إطلاق سراح من قضى ثلاثة أرباع العقوبة فإن التعديل الجديد جاء ليقنن ذلك الوضع الاستبدادي، وليطلق يدها في استمرار حبس أولئك السجناء، وإلغاء حقهم في اللجوء إلى القضاء للمطالبة بحريتهم بعد نصف المدة”، لافتًا إلى أن “هذه التعديلات الخطيرة جاءت لتؤكد استمرار رغبة النظام في قمع خصومه السياسيين، بل وتركهم للموت البطيء داخل محابسهم، ورفض كل دعوات إطلاق سراح السجناء لإنقاذهم من وباء كورونا”.
وهكذا يواصل النظام المصري منهجيته في التنكيل بخصومه والإصرار عليها بصرف النظر عن أي ظروف مستجدة تضع حياة المعارضين في خطر، ورغم المناشدات الدولية التي تطالب حكومات العالم بالإسراع في الإفراج عن المحبوسين في ظل وباء الكورونا يبقى السيسي مصرًا على موقفه، متحديًا بذلك الأعراف الإنسانية والحقوقية كافة، حتى إن كان ثمن عناده حياة الآلاف داخل السجون والمختلطين بهم.