أقرت السلطات المغربية، العديد من الإجراءات الوقائية للحد من انتشار فيروس كورونا بالمملكة، آخر هذه الإجراءات إعلان حالة الطوارئ الصحية، قرار لاقى ترحيبًا كبيرًا من العديد من المغاربة، لكنه وجد معارضة من البعض لخشيتهم استغلال السلطة الظرف الصحي للبلاد حتى تفرض سيطرتها على الشارع المغربي وتحكم قبضتها عليه بعد تمرده وخروجه عن طوعها لسنوات عدة.
إقرار حالة الطوارئ
قبل أسبوع، أعلنت الحكومة المغربية حالة الطوارئ الصحية وقيدت الحركة في البلاد، حتى 20 من أبريل/نيسان المقبل، وذلك للحد من انتشار فيروس كورونا حسب ما أوردت وكالة الأنباء الرسمية، ونقلت الوكالة عن بلاغ لوزارة الداخلية المغربية، قولها إن القرار يأتي “حفاظًا على صحة وسلامة المواطنات والمواطنين، بعد تسجيل بعض التطورات بشأن إصابة مواطنين غير وافدين من الخارج بفيروس كورونا المستجد”.
وحددت الداخلية المغربية الحالات في “التنقل للعمل بالنسبة للإدارات والمؤسسات المفتوحة، بما فيها الشركات والمصانع والأشغال الفلاحية والمحلات والفضاءات التجارية ذات الارتباط بالمعيش اليومي للمواطن والصيدليات والقطاع البنكي والمصرفي ومحطات التزود بالوقود والمصحات والعيادات الطبية ووكالات شركات الاتصالات والمهن الحرة الضرورية ومحلات بيع مواد التنظيف”.
أشارت الداخلية المغربية إلى أن حركة التنقل ستقتصر على الأشخاص الضروري وجودهم في مقار العمل، شريطة أن يتم تسليمهم شهادة بذلك موقعة ومختومة من طرف رؤسائهم في العمل والتنقل من أجل اقتناء المشتريات الضرورية للمعيش اليومي في محيط مقر سكن المعني بالأمر أو تلقي العلاجات الضرورية أو اقتناء الأدوية من الصيدليات”.
وحذرت الوزارة من معاقبة مخالفي هذه الإجراءات، قائلة: “الأجهزة الأمنية ستسهر على تفعيل إجراءات المراقبة، بكل حزم ومسؤولية، في حق أي شخص يوجد بالشارع العام”، وأضافت “كل من يخالف هذا القرار سيعاقب بالسجن لفترة تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر وغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم (نحو 140 دولارًا) أو بإحدى هاتين العقوبتين”.
ضرورة ملحة من أجل تطويق وباء كورونا
إقرار قانون الطوارئ اعتبره العديد من المغاربة ضرورة ملحة من أجل تطويق وباء كورونا اعتبارًا للخطر المحدق بالمغرب، حيث بلغ عدد حالات الإصابة في المملكة المغربية حتى صباح اليوم الجمعة 275 حالة بعد تسجيل 50 حالة إصابة مؤكدة جديدة خلال الـ24 ساعة الماضية، في حين بلغ عدد حالات الوفاة بالمملكة جراء الإصابة بالفيروس عشر حالات، كما تمت معالجة 8 حالات.
يعيش المغرب حالة استثنائية جراء جائحة فيروس كورونا الذي بلغ من الخطورة بأن أوقف المؤسسات التعليمية والرياضية والاجتماعية والثقافية والدينية، كما أغلق خطوط الملاحة الجوية مع أغلب الدول التي تحيط بالمغرب.
من خلال هذا القرار الاستثنائي، يمكن إقرار الحد من الحقوق والحريات بهدف استتباب النظام العام والسكينة العامة والمحافظة على الصحة العامة، فهو يعطي للسلطات العمومية صلاحيات استثنائية وآليات قانونية قوية لمواجهة انتشار فيروس كورونا باعتباره خطرًا يداهم أمن وسلامة المواطنين.
السيطرة على الفضاء العام
الصلاحيات الاستثنائية التي منحت للسلطة العمومية، جعلت المغاربة يشاهدون ويعايشون عديد من الانزلاقات والسلوكات الخطيرة، حيث أظهرت العديد من الفيديوهات الموثقة بالصوت والصورة بوادر ردة عن احترام حقوق الإنسان كما هي منصوص عليها في دستور المملكة المغربية، وفق جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان.
وتحدث وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت، خلال اجتماع لجنة الداخلية في الغرفة الأولى للبرلمان المغربي، بداية هذا الأسبوع، عن حالات عنف مسجلة في بعض المدن بحق مواطنين خلال تنفيذ حالة الطوارئ الصحية.
وقال الوزير: “المغاربة اليوم يوثقون أي حدث بهواتفهم، وفي مثل حالتنا هذه، توجد انزلاقات، والله يكون في عونهم يشتغلون 24 ساعة، ويطالبون الناس بالدخول إلى منازلهم، حتى الآباء يضربون أبناءهم حين لا يسمعون إليهم”.
ويرى الأستاذ في الجامعة المغربي رشيد لزرق أن “تصريح وزير الداخلية يوحي للمتابعين وكأنه يحاول فرض سيطرته على الشارع كفضاء عمومي من خلال التبريرات الأبوية لمرسوم الطوارئ، على اعتبار أن القوى المناهضة للدولة في حالة صمت وخوف وإدبار”.
يضيف لزرق في حديث لنون بوست “وزير الداخلية أراد تبرير استعمال قوات الأمن القوة في غير محلها وضرب المواطنين وإعطائهم شرعية حتى لا يعارضهم أحد في هذه الظرفية الصعبة التي تمر بها البلاد”.
وعبر الأستاذ المغربي عن رفضه للمقاربة القاصرة التي يعمل بها المسؤولون التابعون لوزارة الداخلية جراء استغلال الإجراءات المنصوص عليها ضمن مرسوم حالة الطوارئ الصحية بهدف ترهيب المواطنات والمواطنين والاعتداء على كرامتهم والسماح بتصوير وجوه الضحايا المحمرة بالصفع والركل ومختلف أشكال التنكيل بحقوق الإنسان المغربي كما يضمنها دستور المملكة المغربية.
ويرى رشيد لزرق أن السلطات الحاكمة في بلاده تسعى إلى فرض سياسة القوة والأمر الواقع وترهيب المواطنين الخائفين من وباء كورونا، بهدف مد يدها وإحكام سيطرتها على الشارع المغربي بعد أن ظل متمردًا عليها لسنوات عدة.
وأضاف “تفويض البرلمان للحكومة وإقرار حالة الطوارئ الصحية لا يحب أن يفهم بكونه شيكًا على بياض حسب ما يعتقده الكثيرون، هذا الأمر مقيد بموضوعه ومدته الزمنية، فضلًا عن مراقبة بعدية تمارس من البرلمان على المراسيم التي يصدرها رئيس الحكومة”.
وسبق أن حذر مرصد الشمال لحقوق الإنسان (مستقل) من أن يكون إعلان حالة الطوارئ الصحية في المغرب بسبب انتشار فيروس كورونا، وما يتبع ذلك من تدابير، سببًا في انتهاك حقوق الإنسان، بما في ذلك انتهاك الحق في الحياة والحق في السلامة الجسدية وتعريض الأفراد للتعذيب أو للمعاملة أو العقوبة القاسية أو الحط بالكرامة وانتهاك الحق في حرية الفكر والتعبير.
صعوبة السيطرة على الشارع
بدورها قالت الباحثة المغربية في علم الاجتماع خديجة نعمان لنون بوست: “في هذا اللحظة لا يمكننا أن نعطي أحكامًا مسبقة بشأن نية السلطات المغربية في علاقتها بسيطرتها على الشارع المغربي، بحكم أن الواقع الصحي ليس مرتبطًا بالواقع المغربي فقط وإنما كل المجتمعات الإنسانية تصارع كورونا بواسطة الحجر الصحي الأمر الذي جعل السلطات المغربية تقدم على مجموعة من القوانين في حالة عدم امتثال الشارع للحجر الصحي”.
وعن إفراط بعض ممثلي السلطات المغربية في استعمالهم للسلطة ووصول البعض إلى مرحلة العنف، تقول نعمان: “هناك عدم وعي من الأفراد بحجم الفيروس وهذا يعود إلى أسباب عديدة من قبيل أن المؤسسات الاجتماعية التي تجعل الفرد ذي وعي وقادر على التعامل مع مجمل المراحل التي يمر بها المجتمع لم تقم بدورها على الوجه الأمثل”.
“أمام هذه المعطيات لا يمكننا القول إن السلطة المغربية تستغل الوضع الصحي للسيطرة على الشارع المغربي لأنها في الحقيقة غير قادرة على السيطرة عليه، الأمر الذي دفع بعض رجال السلطة إلى استعمال العنف”، وأضافت محدثتنا “لا يكمن للسلطة المغربية أن تسيطر على المجتمع في مدة لا تقل عن الشهر، وهي أقدمت على تهمشيه تربويًا وتعليميًا لمدة عقود، ذلك أن ماهية الوعي الصحي هو نتاج لتراكمات من التربية والتنشئة الاجتماعية”.
يخشى العديد من المغاربة أن تستغل سلطات بلادهم الوضع الصحي الذي تعيشه المملكة بسبب جائحة كورونا، لفرض سيطرتها على الفضاء العام الذي ظل لسنوات عدة بعيدًا عن سيطرتهم ومتنفسًا للمغاربة الذين ضاقوا ذرعًا بالنظام الحاكم.