عقب مرور أكثر من شهر على بدء الإغلاق شبه الكامل في تركيا بسبب انتشار فيروس كورونا، بدأت الأزمة الاقتصادية تضرب قطاعات واسعة في عموم البلاد وتؤثر على عموم الشعب التركي وهو الأمر الذي ينطبق تمامًا على ملايين اللاجئين والمقيمين العرب في تركيا.
ورغم أن العرب لا يشكلون حالةً استثنائيةً في تركيا، فإن ظروف اللجوء وضعف الحال لدى شريحة واسعة منهم، وعمل الميسورين منهم في قطاعات تعتبر الأسرع والأكثر تضررًا من الأزمة كقطاعات السياحة والمطاعم والمقاهي والعقارات والتجارة وغيرها، جعلهم من أسرع وأكثر المتضررين من هذه الأزمة التي لا تبدو في الأفق نهاية قريبة لها.
وبينما اتخذت الحكومة التركية سلسلة إجراءات في إطار ما أطلق عليه “درع الاستقرار الاقتصادي” لمساعدة الشرائح الأكثر تضررًا من هذه الأزمة، فإن هذه الإجراءات لن تغطي الكثير من احتياجات اللاجئين والمقيمين العرب الذين يعمل معظمهم بشكل غير رسمي ما يحرمهم من الاستفادة من هذه الإجراءات، الأمر الذي ولد حاجة متزايدة بضرورة التحرك على الصعيد الرسمي والمؤسساتي والشعبي العربي للتضامن والتكافل لمساعدة الشرائح المتضررة من اللاجئين والمقيمين.
وفي هذا الإطار، انطلقت خلال الأسابيع الماضية العديد من حملات الدعم والمساندة من جهات مختلفة منها السفارات الرسمية والجاليات والهيئات الشعبية والتجمعات الطلابية وتجمعات رجال الأعمال العرب، وصولًا للمبادرات الشخصية، في مشهد عزز روح التضامن والتكافل بين العرب والأتراك من جهة، وبين الجاليات العربية بعضها البعض، عوضًا عن حالة التكافل داخل كل جالية على حدة.
“يمنيون في تركيا”
مبادرة أطلقتها الجالية اليمنية في إسطنبول بالتعاون مع رجال الأعمال والمستثمرين اليمنين، وتضمنت عدة مبادرات تعمل على احتواء أزمة كورونا والوقوف إلى جانب أبناء الجالية في احتياجاتهم بالمجالات الصحية والإنسانية والمجتمعية.
نائب رئيس الجالية اليمنية الدكتور أحمد العقبي أكد في حديث مع “نون بوست” تشكيل لجنة اقتصادية لمساندة الأسر والعائلات التي انقطع عملها جراء هذه الأزمة التي ربما تطول في الأيام القادمة، ويقول في هذا الصدد: “نحن ندرس ونرتب آلية معينة للجمع بين احتياجات رجال الأعمال والأيدي العاملة اليمنية في تركيا لتوفير فرص عمل وهم في بيوتهم عن بعد، لمساندة بعضنا البعض”.
شملت المساعدات الطلبة الذين تأثروا بشكل مباشر بسبب خروجهم من السكنات
وأشار العقبي إلى إعلان الجالية تشكيل لجنة طوارئ تحت إشراف السفارة والجالية ومجلس الوجهاء والأعيان، تضم رؤساء مؤسسات المجتمع المدني اليمنية العاملة في تركيا، ومديري المدارس الأهلية اليمنية ورؤساء اتحاد وأندية وجمعية رجال الأعمال والإعلاميين واتحاد طلاب اليمن، بهدف حشد الطاقات وتوجيه الجهود لإنجاح مبادرة يمنيون في تركيا.
ويقول العقبي: “ضمن الخطوات عملنا على تأسيس “مبادرة طبية” بهدف استقبال الاستفسارات وتقديم الاستشارات لأبناء الجالية الذين يواجهون وعكات صحية ويحتاجون إلى استشارة طبية في ظل تفشي فيروس كورونا”.
وتحتوي المبادرة الطبية على 30 طبيبًا يعملون في المستشفيات والمستوصفات التركية، بالإضافة إلى 5 طلاب طب بشري في المستوى الرابع إلى السادس لاستقبال المكالمات، وفق العقبي.
حملة “ساند” الإلكترونية
وفي ذات السياق أطلقت الجالية اليمنية في تركيا، حملة “ساند” عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإغاثة الطلبة والعائلات المتضررة من تداعيات الأزمة برعاية السفارة اليمنية في أنقرة، وبالتعاون مع اتحاد الطلاب اليمنيين في تركيا وجمعية الرحمة الإنسانية.
شملت المساعدات الطلبة الذين تأثروا بشكل مباشر بسبب خروجهم من السكن الجامعي، أو انقطاع مصادر دخلهم أو توقف الحوالات المالية عنهم، وستخصص المساعدات أيضًا للأسر التي فقدت مصادر دخلها سواء كانت في الوظائف المؤقتة أم وظائف الدخل المحدود.
ولاقت الحملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي قبل أسبوع تعاونًا بين شرائح المجتمع العربي، وتشمل المساعدات المزمع تقديمها للمتضررين من كورونا مساعدات نقدية وعلاجية وغذائية.
ويعيش في تركيا ما لا يقل عن 5 ملايين عربي، بينهم قرابة 3.6 مليون لاجئ سوري، ومئات آلاف من العراق ومصر واليمن وفلسطين وغيرها من الدول العربية، يعملون في مجالات مختلفة لكن معظمها يتركز في القطاعات المرتبطة بالسياحة والنقل والعقارات وهي قطاعات من الأكثر تضررًا بفعل الأزمة.
حملة الإغاثة للفلسطينيين في تركيا
أمثلة اجتماعية تكافلية تظهر يومًا بعد يوم بين شرائح المجتمع في زمن الكورونا وفي الوقت الذي يعاني فيه الفلسطينيون من قلة الدعم والتمويل المؤسساتي المقدم لهم، انطلقت “حملة الإغاثة للفلسطينيين في تركيا” للطلبة والأسر الفلسطينية التي تعيش في تركيا ونفذه الاتحاد العام لطلبة فلسطين فرع تركيا من خلال الشراكة مع اتحاد رجال الأعمال الفلسطيني التركي وسفارة دولة فلسطين والجالية الفلسطينية.
في هذا السياق يقول أنس الجزار رئيس الاتحاد العام لطلبة فلسطين لنون بوست: “الحملة أخذت أكثر من شكل في بداية الأزمة وشملت أكثر من محافظة داخل تركيا، حيث سعى الاتحاد إلى توفير سكنات بديلة للطلبة والمساهمة في دفع الإيجارات التي تراكمت عليهم، ومن ثم نفذت الحملة توزيع وجبات طعام جاهزة لأكثر من ٥٠٠ طالب، وتوزيع ما يقارب ٥٠٠ سلة غذائية، بالإضافة إلى تغطية ودفع إيجار ١٥٠ طالبًا وعائلة فلسطينية وبالتنسيق مع السفير الفلسطيني في أنقرة”.
وبخصوص فكرة المبادرة بيّن الجزار أنها انبثقت من مؤسسة رجال الأعمال كمبادرة تضم كل المؤسسات المدنية الفلسطينية العاملة في تركيا، مشيرًا إلى أن الاتحاد العام لطلبة فلسطين كان له الدور الأكبر في الميدان والرصد ومعرفة الاحتياجات من خلال فريق متطوع.
حول الصعوبات التي تواجه الفريق؛ تقول نداء صلاح نائبة رئيس الاتحاد العام لطلبة فلسطين لنون بوست: “خروجنا كل يوم للتوجه نحو العمل الميداني يعرضنا لعدوى المرض رغم الإجراءات الاحترازية التي نأخذها بعين الاعتبار، لكن الخوف والقلق كانا موجودين، كما نواجه إشكالية شح الإمكانات فنحاول قدر المستطاع أن نعالج جزءًا من الأزمة”.
أما بشأن طريقة التواصل مع الأسر والطلبة في الداخل التركي نوهت صلاح إلى أنهم يتلقون عشرات الرسائل والاستفسارات عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال الأرقام المخصصة الموجودة على صفحة اتحاد طلبة فلسطين، كذلك التعاون بين السفارة الفلسطينية في أنقره والقنصلية في إسطنبول التي تعمل كغرفة طوارئ على مدار الساعة لكشف الحالات الأكثر احتياجًا للمساعدة.
حملات بين السوريين
وفي نموذج سوري يبعث الأمل والتفاؤل وللتصدي لأزمة كورونا تنوعت مبادرات إنسانية جماعية وفردية من أشخاص عبر صفحات التواصل الاجتماعي وانتشار “الوسوم” التي يقدمها السوريون من خلال مبادرة “اسألوهم اطمئنوا عليهم” و”حملة جارك أمانة” من أجل إغاثة المسنين وتوزيع الخبز بكميات كبيرة بشكل مجاني في أثناء فرض حظر التجوال على من يتجاوز الستين عامًا، وتقديم سلات غذائية من خلال جمعيات خيرية أو حتى أفراد سوريين يكتبون عبر الفيسبوك وكيفية التواصل مع الأسر السورية المحتاجة، وإعفاء بعض المستأجرين من دفع الإيجار والفواتير الأخرى المضافة.
يتم التنسيق مع الجانب التركي بهدف مساعدة العرب والسوريين الموجودين في تركيا وتقديم السلات الغذائية وجمع التبرعات للعوائل المتضررة
اعتبر بعض السوريين أن هذه المبادرات تساهم في التخفيف قدر المستطاع عن الأسر التي لم تعد تتمكن من شراء ما يلزم أطفالها من طعام وشراب وتعزز شعور الإحساس بالغير، وهو ما ينم عن تعاضد مجتمعي كان حاضرًا وملحوظًا طيلة سنوات الحرب والأزمة بل وقبلها بعقود أيضًا، وخاصة بين صفوف الشباب والأقارب والجيران.
وعبر صفحة منبر الجمعيات السورية في إسطنبول أفاد مهند بويضاني رئيس الحملة العربية لمكافحة كورونا أن هذه الحملة تطوعية ويتم التنسيق مع الجانب التركي بهدف مساعدة العرب والسوريين الموجودين في تركيا وتقديم السلات الغذائية وجمع التبرعات للعوائل المتضررة والملتزمة بالحجر المنزلي.
كما أشار بويضاني إلى سعي منبر الجمعيات السورية من خلال الحملة العربية لمكافحة كورونا، وبناءً على توجيه إدارة الهجرة في إسطنبول، لمساعدة العائلات الفقيرة التي هي بحاجة للمساعدة في أثناء الأزمة الحاليّة، وقد تجاوز عدد الأسر التي سجلت على رابط المساعدات أكثر من عشرة آلاف عائلة في مدينة إسطنبول.
مبادرات فردية
وإلى جانب الحملات الرسمية والمؤسساتية، انتشرت العديد من المبادرات الفردية في صفوف أبناء الجاليات العربية بشكل عام وبادر العديد من المواطنين إلى تقديم مساعدات نقدية ومواد غذائية إلى العائلات الأشد فقرًا، كما بادر الكثيرون بمساعدة معارفهم من محدودي الدخل في دفع أجرة منازلهم لهذا الشهر وفواتير المياه والكهرباء والغاز وغيرها من المبادرات.
كما علم نون بوست أن رجال اعمال ومقتدرين عرب بادروا بزيارة بعض البقالات في الأحياء التي يقطنها لاجئون عرب وسددوا بعض الديون المكتوبة عليهم في مبادرات فردية عززت أجواء التكافل والتعاضد بشكل غير مسبوق.
وعلى الرغم من وجود هذه الحملات والمبادرات الرسمية والمؤسساتية والفردية التي ساهمت في مساعدة عشرات آلاف الأسر المحتاجة، فإن عمق الأزمة وعدم وجود أفق لانتهائها في القريب العاجل ينذر بأن مزيدًا من العائلات ستكون بحاجة إلى مساعدة أكبر في الأسابيع المقبلة وهو ما يفرض على جميع الجهات الرسمية والشعبية والمقتدرين من الجنسيات العربية كافة مزيدًا من التكافل والتضحية لمساعدة هذه الأسر ومنع وقوعها في براثن الجوع والفقر.