ترجمة: حفصة جودة
نزح هادي صلاح وأسرته 5 مرات منذ أن اندلعت الحرب في اليمن عام 2014، التي ترجع أصوله إلى مديرية نِهم في صنعاء العاصمة، وقد وصل أخيرًا إلى مخيم السويداء للنازحين داخليًّا في مأرب حيث يتبع العنف الأسرة حول البلاد التي مزقتها الحرب.
يقول صلاح: “بدأت رحلة النزوح في أواخر عام 2015 عندما اندلع القتال في قريتنا، تركنا كل شيء خلفنا وفررنا مع العائلات الأخرى إلى جهة غير معلومة”.
بحلول أغسطس/ آب 2020 انتهى الحال بصلاح وأفراد أسرته الثمانية في منطقة عبيدة بمأرب، حيث ساعدهم الناس على بناء مخيم لمئات الأسر النازحة، ورغم أنه كان مكانًا آمنًا في البداية، إلا أن الحرب بدأت مرة أخرى بتهديد حياتهم.
يقول صلاح: “يواصل الحوثيون التقدم نحو مأرب بينما نواصل نحن الفرار من المعارك، كانت المرة الأخيرة في أغسطس/ آب 2020 عندما فررنا من مخيم الزبارة ووصلنا هنا إلى السويداء”.
يضغط المتمردون الحوثيون -الذين تستهدفهم قوات التحالف بقيادة السعودية منذ أن سيطروا على صنعاء عام 2014- للسيطرة على محافظة مأرب، التي تعد معقلًا لحزب الإصلاح المتحالف مع جماعة الإخوان المسلمين.
تسببت حرب اليمن في نزوح أكثر من 4 ملايين شخص من منازلهم، بينما قُتل مئات الآلاف.
لمأرب أهمية استراتيجية كمركز لإنتاج الغاز والنفط في البلاد، فهي موطن لشركات النفط العالمية وخطوط الغاز التي تمتد جنوبًا نحو خليج عدن والبحر الأحمر.
سأم صلاح من النزوح لكنه يقول إن تهديدات العنف لا مفر منها في أي مكان يسكنون فيه، ويقول: “تصل المعارك عادة إلى مخيماتنا وفي بعض المرات يقع ضحايا من الأسر النازحة، حيث نقيم المخيم في منطقة آمنة وبعدها يتبعنا القتال بفترة قصيرة”.
“إذا كان هناك أي مخيمات بعيدة عن الحروب فسيكون ذلك عظيمًا، لكن لسوء الحظ تقع كل المخيمات في منطاق قريبة من خطوط المواجهة، لا يوجد مكان آمن بشكل كافٍ لآلاف الأسر النازحة”.
لن أرحل حتى يصل القتال المخيم
تسببت حرب اليمن منذ عام 2014 في نزوح أكثر من 4 ملايين شخص من منازلهم، بينما قتل مئات الآلاف. لقد دفع العنف باليمن نحو الهاوية، والتي تعد الآن من أفقر دول العالم، وترك أهلها في خوف دائم.
يقول صلاح إن القذائف تسقط بالقرب من المخيم ويمكنهم سماع صوت القتال وقذائف الهاون، كما يقول إنه لم يعد لديهم خيارات آمنة، ويضيف: “نتوقع أن تصل الحرب في أي وقت، فصوت الاشتباكات يقترب كل يوم، لكننا لا نملك أي شيء لنفعله وتعبنا من الفرار، بالنسبة إليّ لن أرحل حتى يصل القتال إلى المخيم”.
قال صلاح إن أسرته -خاصة الأطفال والنساء- تشعر بالقلق، لكنه يحاول تهدئتها بإخبارها أن الحرب بعيدة وأنها في منطقة آمنة، وأضاف: “عندما يسمعون القصف يشعرون أن الحرب قريبة، فقد عرفوا بالتجربة أن القصف الجوي هو أول خطوة ويعقبه القتال بعد ذلك، لكنني أحاول تهدئتهم”.
مليون نازح
قبل الصراع كان عدد سكان مأرب 20 ألف نسمة وفقًا للبنك الدولي، لكنها أصحبت الآن واحدة من أكثر المحافظات اليمنية كثافة، حيث تستضيف ربع نازحي اليمن البالغ عددهم 4 ملايين وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR).
يقول صالح الحداد -ناشط حقوق الإنسان في مأرب- إن موقف الأسر النازحة في المحافظة أصبح مؤلمًا للغاية بعد التصعيد الأخير، وأكد أن القذائف تسقط داخل أو بالقرب من مخيمات النازحين، حتى أن بعض النازحين انتقلوا إلى مخيمات أخرى أكثر أمانًا.
وأضاف: “إننا نتعامل مع العائلات النازحة كما لو أننا عائلة واحدة فكلنا يمنيون، وأهل مأرب يسمحون للأسر النازحة بإقامة مخيمات على أراضيهم”.
منذ بداية العام أدى تصاعد الأعمال العدائية إلى نزوح أكثر من 13.600 شخص في مأرب، تقول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: “في مارس/ آذار وحده كان هناك 40 ضحية من المدنيين وخسائر في 13 مخيمًا مؤقتًا للأسر النازحة، هذا الرقم هو الأعلى في شهر واحد منذ عام 2018 في مأرب”.
كل المخيمات في ضواحي مأرب ليست آمنة والقذائف تضربهم باستمرار أو تقع بالقرب منهم على الأقل.
يقول صلاح إن أسرته عانت من نقص الطعام والمياه، حيث كانت منازلهم فقيرة لكن الأمان كان أولويتهم القصوى، كما يقول أحمد محسن نازح آخر من المنطقة نفسها في صنعاء أنه كان مزارعًا في قريته والآن أصبح بلا عمل ويتنقل مع أسرته من مخيم إلى آخر.
يضيف محسن: “في بداية هذا الشهر سقطت قذيفة في مخيم الميل ودُمرت عدة خيام، كما أصيب بعض النازحين، لكننا لحسن الحظ كنا بأمان، لقد فررت مع أسرتي إلى مدينة مأرب وحصلت على دعم للعيش في فندق مع أفراد أسرتي الخمسة”.
مستعدون للفرار
قال محسن: “إن أسرًا قليلة فرت من المخيم، لكن الأغلبية ما زالوا هنا وليس أمامهم خيارات أخرى، أعتقد أن جميع الأسر بحاجة إلى مغاردة المخيم والعيش في مكان آمن، لكن ليس هناك مخيمات أخرى في مدينة مأرب، فكل المخيمات في ضواحي مأرب ليست آمنة والقذائف تضربها باستمرار أو تقع بالقرب منها على الأقل”.
مر كحلان ناجي -25 عامًا- برحلة صلاح نفسها، حيث يقول: “تسقط القذائف بالقرب منا، ومن كانوا يرغبون في الفرار تركوا المخيم بالفعل الشهر الماضي بعد التصعيدات العسكرية الأخيرة، لكنني قررت أن لا أغادر حتى تصل الاشتباكات هنا”.
يقول ناجي إنه يشعر بالإحباط بسبب الوضع في المحافظة مشيرًا إلى أنه نزح 4 مرات بالفعل، وقد جعله رمضان يعيد التفكير في الحياة بقريته حيث كانوا يحتفلون بالشهر الكريم مع جميع أفراد أسرته الممتدة الذين تفرقوا الآن في البلاد.
ويضيف ناجي: “هذا هو أول رمضان لي في هذا المخيم، لقد قضيت 5 رمضانات في 5 مخيمات مختلفة لأنني أواصل الفرار من المعارك، والآن تتجه المعارك نحو مدينة مأرب، إننا نشعر أننا قد نفر في أي وقت، لذا نحن دائمًا مستعدون للفرار بمتعلقاتنا، فلا أحد يستطيع أن يتوقع مدى تقدم المعارك”.
المصدر: ميدل إيست آي