تخوض القوى المحسوبة على التيار الإسلامي في الجزائر المنافسة الانتخابية المقررة في 12 يونيو/ حزيران القادم، خارج إطار التكتلات الانتخابية التي شكلتها في الانتخابات البرلمانية التي جرى تنظيمها عامي 2012 و2017 على التوالي، حيث قرر كل حزب إسلامي خوض المنافسة بشكل مستقل.
ورغم ذلك أبدى قادة هذا التيار ثقة كبيرة في الفوز، حتى أنهم صاروا يروّجون لخطاب يعكس رغبتهم في تحقيق حلمهم في افتكاك أغلبية البرلمان القادم، وحتى الاستحواذ على الحكومة. فهل ستتحقق نبوءتهم ويتكرر سيناريو 12 يناير/ كانون الثاني 1992؟
عبد القادر بن قرينة، رئيس حركة البناء الوطني الذي حصل على 1.5 مليون صوت في انتخابات الرئاسة، التي جرى تنظيمها في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2019؛ قال في مؤتمر صحفي سابق عقده في مقر الحركة في العاصمة الجزائرية: “نتوقع أن نكون في صدارة الأحزاب والقوائم المستقلة”.
وقدم تشكيلته السياسية أمام أنصاره في محافظة بسكرة (تقع في جنوب شرق الجزائر وتبعد عن عاصمة البلاد 400 كيلومتر)، على أنها حاضنة للشعب وأمل للمواطن لتحقيق أهدافه وأحلامه وطموحاته وتطلعاته، بعيدًا عن مبدأ المغالبة، وخاطبهم قائلًا: “نحن نطمح رفقة شعبنا لتحقيق الأمن الغذائي والطاقوي وتمتين الجبهة الداخلية والنسيج المجتمعي”.
أحلام الإخوان
أما عبد الرزاق مقري، رئيس “مجتمع السلم الجزائرية” كبرى الأحزاب الإسلامية في البلاد، والتي جاءت في المرتبة الثالثة في آخر انتخابات جرى تنظيمها في حقبة الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، باستحواذها على 33 مقعدًا برلمانيًّا، فقد جهر برغبته في قيادة الحكومة القادمة في حال فاز حزبه بالانتخابات ووافقت مؤسسات “حمس” على ترشيحه للمنصب.
وتعهد الرجل الأول في حركة مجتمع السلم التي تعرف اختصارًا بـ”حمس”، بإطلاق حوار سياسي شامل، وحتى أنه غازل الحراك الشعبي بإعلانه عن إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي، إذا حازت تشكيلته السياسية على الأغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية القادمة، وتمكنت من الاستحواذ على الحكومة المقبلة.
تفاؤل الإسلاميين وثقتهم بالفوز في الانتخابات النيابية المقرر تنظيمها في 12 يونيو/ حزيران القادم، خلق عدة تساؤلات حول إمكانية تكرار سيناريو انتخابات تشريعية جرى تنظيمها في 26 ديسمبر/ كانون الأول 1991.
وقدم مقري، منذ انطلاق الحملة الانتخابية، مجموعة من الوعود “السخية” غير القابلة للتجسيد ميدانيًّا، بالنظر إلى الأوضاع المالية الصعبة التي تتخبط فيها البلاد، أبرزها إنجاز 5 مستشفيات حكومية ومطار دولي بحجم مطار دبي أو إسطنبول في محافظة ورقلة، التي تلقب بعاصمة النفط ورغم ذلك تعيش على صفيح ساخن بسبب الاضطرابات التي تشهدها من حيث التشغيل والخدمات، كذلك وعد مقري سكان المدينة بمشاريع تفك العزلة عن الجنوب، مشيرًا إلى برنامج حزبه لتطوير النقل البري والجوي.
وسبق لحركة مجتمع السلم أن شاركت في مختلف الحكومات المتعاقبة في حقبة الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، بعدد من الوزراء والمسؤولين أبرزهم وزير التجارة السابق مصطفى بن بادة، ووزير السياحة السابق إسماعيل ميمون، كما كانت من بين المؤيدين له ضمن تحالف حزبي يجمع كل من جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم سابقًا) والتجمع الوطني الديمقراطي.
تفاؤل الإسلاميين وثقتهم بالفوز في الانتخابات النيابية المقرر تنظيمها في 12 يونيو/ حزيران القادم، خلق عدة تساؤلات حول إمكانية تكرار سيناريو انتخابات تشريعية جرى تنظيمها في 26 ديسمبر/ كانون الأول 1991، بعد إقرار التعددية السياسية في البلاد، غير أنه تم إلغاء نتائج تلك الانتخابات تزامنًا مع استقالة الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد في يناير/ كانون الأول 1992 وحلّ البرلمان، ما أدخل البلاد في متاهة سياسية وأمنية.
هل ستتبخر سرابًا؟
تكرار هذا السيناريو وفوز الإسلاميين في الانتخابات النيابية المقبلة، يبدو أمرًا مستحيلًا في نظر محمد حديبي، الناشط السياسي والقيادي السابق في حركة النهضة الجزائرية (حزب محسوب على التيار الإسلامي في البلاد)، ويرجِع الأسباب في تصريح لـ “نون بوست” إلى المناخ الداخلي والخارجي اللذين لا يسمحان بعودة هذا التيار إلى الواجهة.
ويقول إنه عند تقييم أي تيار سياسي يجب تقييم الوضع السياسي العام الذي تعيشه البلاد، ومدى انخراط المواطن في العملية السياسية، والتيار الإسلامي هو فصيل من مكونات التيارات السياسية الأخرى، فلا يمكن إطلاق الشمولية على البلد في جهة واحدة وإنكار باقي المكونات.
ويعتقد حديبي أن التجارب السابقة أثبتت أن الجزائر أكبر من أن يحكمها تيار واحد أو جهة واحدة أو فرد أو حزب أو تنظيم، وخطاب الاستحواذ جُرب في التسعينيات وثبت فشله، ويجب على هذا التيار أن يعي الدرس وأن يكون واعيًا وأن يتخلى عن خطاب التميز من خلال إطلاق ثقافة الاستحواذ، وعليه أن يطلق خطابات التطمين في التعايش المشترك والعمل سوية، وأن يكون قيمة مضافة لوطنه في التعاون.
ويرى القيادي السابق في حركة النهضة الجزائرية أن هذا التيار مطالب بالتخلص من واجهته السياسية الحالية، الحاملة لفيروسات الاحتكاك السياسي والمتشبعة بالخطاب الشعبوي، وليس خطاب الملفات والتخصصات الذي تحتاجه البلاد اليوم.
“ومن الصعب جدًّا التكهن بنوعية الخريطة التي ستفرزها انتخابات يونيو”، يقول حديبي لـ”نون بوست”، فالعملية السياسية بالنسبة إليه ليست طبيعية حتى يمكن التكهن بنتائجها، بسبب الوضع العام في البلاد وتطبيق قانون انتخابي معدل لا يمكن التحكم بنتائجه، نظرًا إلى الغموض القائم في بعض مواده وعدم معرفة وضعية التنظيمية للأحزاب، بسبب الزلزال السياسي الدي عاشته البلاد خلال العامين الماضيين.
جُل التوقعات تتحدث عن خارطة سياسية مبعثرة لا غلبة فيها لأي طرف من الأطراف، خاصة بعد إغراق الساحة السياسية بطوفان من القوائم المستقلة.
ويذكر المحلل السياسي والإعلامي أحسن خلاص سببًا آخر يحول دون تكرار سيناريو تشريعيات ديسمبر/ كانون الأول 1991 التي حصد فيها الإسلاميين غالبية مقاعد البرلمان، والمتمثل في عدم دخول القوى الإسلامية انتخابات يونيو/ حزيران القادم خارج إطار التكتلات الحزبية التي خاض بها هذا التيار الانتخابات التي جرى تنظيمها عامي 2012 و2017، فما سيحققه هذا التيار سيبقى دون تأثير كبير على مجمل النتيجة، وقد لا تتجاوز النسبة التي سيحققونها 35 أو 40%، وهي نسبة لا تؤهلهم لقيادة الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية.
والجدير بالذكر أن حركة مجتمع السلم الجزائرية التي حصلت على 33 مقعدًا، في آخر انتخابات نظمت في حقبة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، رفضت عروضًا لإقامة تحالف انتخابي شبيه بالذي شاركت فيه في انتخابات 2012.
أما جبهة العدالة والتنمية التي يقودها عبد الله جاب الله، فقررت دخول المعترك الانتخابي منفردة، بعد تجربة التكتل الانتخابي التي خاضتها مع حركتي البناء الوطني بقيادة عبد القادر بن قرينة والنهضة عام 2017، الذي لم يعمر طويلًا.
وقال بن قرينة إن الحركة “تتطلع لخوض الانتخابات النيابية المقبلة ضمن ائتلاف انتخابي من الأحزاب والشخصيات والمجتمع المدني، نخوض به الاستحقاقات المقبلة، يمتد إلى داخل البرلمان ويكون قوة طلائعية تحرص على وحدة الشعب وخدمته، وانسجام مؤسسات دولته، مشروعها هو تحقيق استقرار أمني، وإحداث وثبة تنموية اقتصادية واجتماعية، وتكريس تغيير سياسي حقيقي وعميق في إطار تحول ديمقراطي آمن، كفيل باستكمال مطالب الحراك الشعبي الأصيل”، مع تلميحه إلى أن الفترة الزمنية المتبقية لإيداع القوائم لدى سلطة الانتخابات، لا تتيح أي إمكانية لتقديم قوائم مشتركة مع أحزاب إسلامية أو غيرها.
ويقول المحلل السياسي أحسن خلاص إن جُل التوقعات تتحدث عن خارطة سياسية مبعثرة لا غلبة فيها لأي طرف من الأطراف، خاصة بعد إغراق الساحة السياسية بطوفان من القوائم المستقلة، والتفجر الداخلي الذي شهدته أحزاب السلطة عشية الانتخابات البرلمانية.