ترجمة وتحرير نون بوست
فاز حزب نداء تونس، الذي يصنف نفسه باعتباره حزب علماني حداثي، على منافسِه حزب النهضة الإسلامي، في انتخابات تونس هذا الأسبوع. بالنسبة للكثيرين، عناوين هذا الخبر — وهي فوز حزب علماني بالانتخابات التونسية — أهم كثيرًا من حقيقة إتمام تونس لثاني انتخابات سلمية تنافسية سليمة منذ ٢٠١١.
في منطقة من العالم تعج بالتطرف والحرب الأهلية، يبدو فوز العلمانيين دليلًا على أن تونس تسير قدمًا باعتبارها بارقة الأمل الوحيدة في هذه المنطقة المظلمة. البعض سيبدأ في الاحتفال الطفولي، مجددًا، بموت الإسلام السياسي، قائلًا بأن التونسيين حققوا عبر صناديق الاقتراع ما فعله المصريون عبر انقلاب عسكري: رفض الإخوان المسلمين وما شابهها من جماعات للأبد. ولكن، دعونا نتوخى الحذر قليلًا قبل أن نصنّف فوز نداء تونس باعتباره جزءًا من موجة المكتسبات الديمقراطية، وقبل أن ننظر لانتخابات الأحد الماضي على أنها استفتاء واضح ضد كل أصناف الإسلام السياسي.
على الرُغم من شعور الكثير من الغربيين بالتعاطف مع نداء تونس نظرًا لتصنيفها العلماني، فإنهم لا يعون إلا القليل عن الحزب، لأنهم جنحوا دومًا للتدقيق بخصوص الإسلاميين، على مدار السنوات الثلاث الماضية، ولكن ليس بخصوص العلمانيين. على غير المتوقع، البنية الداخلية لحزب نداء تونس أكثر استبدادية من بنية النهضة، إذ يملك الأخير بنية اتخاذ قرار تمثيلية تصل من أعضاء الحزب إلى قيادته.
نداء تونس، الذي تأسس في منتصف عام ٢٠١٢ بقيادة الباجي قائد السبسي، السياسي البالغ من العمر ٨٧ عامًا، والذي ارتبط بنظاميّ بورقيبة وبن علي، يصنف نفسه باعتباره تشكيلة من الاتجاهات السياسية المختلفة، حتى من قبَل أعضاء هيئته التنفيذية — فهو جبهة انتخابية مكونة من اليسارين والمنتسبين لحزب بن علي المنحل، التجمع الدستوري الديمقراطي، والملفتين حول قائد الحزب القوي، السبسي. ما يجمع كل تلك القوى في نداء تونس هو معارضتها للنهضة، والذي يعتبرونه رجعيًا وغير متحضر وغير منفتح سياسيًا.
داخل هذه التشكيلة، حالت مخاوف اليساريين من الإفراط في تمثيل الأعضاء السابقين لحزب بن علي في الانتخابات الداخلية من انعقاد مؤتمرٍ للحزب. بدلًا من ذلك، اتخذ الحزب قرارات جوهرية — تشمل ترشيح السبسي رئيسًا، واختيار القوائم الانتخابية — بشكل رأسي تمامًا، وهو ما أدى إلى سلسلة من الاستقالات هذا الصيف. عبّر الكثيرون من داخل الحزب عن قلقهم من الدور المتزايد لابن السبسي، حافظ، قائلين بأن الحزب سيواجه خطر التفكك إن فشل السبسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة (٢٦ نوفمبر)، أو توفي ونداء تونس بالحُكم. تثير هذه المخاوف تساؤلات عديدة حول قدرة الحزب على الاستمرار، وما إذا كان قادرًا على تجاوز افتقاده للديمقراطية الداخلية وترسيخ الديمقراطية التونسية الوليدة في آن.
يخشي منتقدو الحزب من أنه قد يعيد نمط الرجل الواحد في السياسة إلى الحياة، إلى جانب سياسات بن علي الأمنية، والتي قد تتطور إلى إقصاء الإسلاميين والمعادين لحزب بن علي السابق من الحياة السياسية تحت دعاوى محاربة الإرهاب. تبدو هذه الاحتمالات مُقلِقة خاصة لنشطاء النهضة، وهم حوالي ٣٠ ألفًا ممن عانوا الإقصاء السياسي والتعذيب في أوائل التسعينيات. الحكومة الحالية التكنوقراطية، بقيادة رئيس الوزراء مهدي جمعة، قامت بالفعل بإغلاق أكثر من ١٥٥ منظمة مدنية هذا الصيف، كما اشتكى الكثير من الشباب، وبعضهم سلفي، من الاعتقال العشوائي تحت دعاوي خطر الإرهاب الذي يشدد عليه الإعلام التونسي باستمرار. بعض أعضاء النهضة ممن رفضوا القانون الذي اقترحته قيادة الحزب بحظر أعضاء حزب بن علي المعروفين، بما فيهم السبسي نفسه، من المشاركة في الانتخابات، يخشون الآن من أن فوز السبسي المتوقع قد يمهد الطريق لحملة قمع أمنية، ليس على السلفيين فقط، ولكن على الإسلاميين كلهم.
بيد أن فوز نداء تونس هذا الأحد يشي بأن الكثير من التونسيين يرون في خطاب “خبرة رجال الدولة” بديلًا لإخفاقات حكومة النهضة. فالوعود التي لم تُنفَّذ، مع اقتصاد يعاني الصعوبات، واتهامات إعلامية للنهضة بتحمل مسؤولية العنف المتطرف، أعادت الحنين إلى النظام السابق. تدفع المشاكل اليومية، كالتنظيم السيء لجمع القمامة والبطالة المنتشرة، الكثيرين ليقولوا بأن الأمور كانت أفضل تحت حكم بن علي، وأن نداء تونس — الحزب الذي تنحدر قياداته من نخبة تونس الساحلية التقليدية — يمكن أن يقدّم الخبرة المطلوبة.
رُغم أن أيًا من النهضة ونداء تونس لم يحددا للناس أُطُرًا سياسية واضحة لمعالجة مشاكل تونس الأساسية — النمو الاقتصادي، وإصلاح المنظومة الأمنية، وإصلاح القضاء — إلا أن نداء تونس قد استفاد من خيبة أمل الكثيرين تجاه حكم النهضة ما بعد الثورة، ليُعيد إلى الحياة نموذج بورقيبة التكنوقراطي “المستنير” في الإدارة. هذا النموذج معروف هنا في تونس، وهو بلد اعتاد أن تنحدر قياداته من العائلات الساحلية المرموقة — قطاع ديمغرافي مختلف تمامًا عن ذلك الذي تمثله قيادة النهضة، وحليفها العلماني الأساسي، المؤتمر من أجل الجمهورية، والذي تنحدر قياداته أيضًا من الجنوب التونسي المهمَّش.
تشي نسب المشاركة هذه المرة، والتي تقل عن المشاركة في ٢٠١١، إلى جانب فوز نداء تونس، بأن هناك عوامل شتى تشكل المشهد: تزايد تشاؤم الناخبين من قدرة النخب السياسية على حل المشاكل اليومية المهمة، والأمل في أن يستطيع نداء تونس أن يمثل البديل الأفضل للسنوات الثلاث الماضية المخيّبة للآمال، وتزايد الحنين لنظام بن علي — وهي ظاهرة تشترك فيها مع تونس بلدان أخرى تشهد تحولًا عن الحكم الاستبدادي. تشير نسبة المشاركة القليلة بين الشباب بشكل خاص — والذي يقول الكثير منهم بأن السياسة التونسية ما هي إلا معركة بين ديناصورات تنحدر كلها من الماضي — إلى أن الأحزاب لا تزال تجاهد لخلق رؤى سياسية حيوية تتجاوز الخطوط الفاصلة بين الأجيال المختلفة.
ما إذا كان نداء تونس سيشكّل ائتلافًا توافقيًا، أو ينجر تدريجيًا إلى نموذج استبدادي كما في الماضي، هو أمر ستكشف عنه السنوات المقبلة. حاليًا، على الجميع أن يهنئ تونس لعقدها مجددًا لانتخابات حرة، وأن يرفضوا أيضًا ميلهم إلى التبسيط المُفرِط في رؤية التحول في تونس باعتباره صراعًا بين علمانيين “ديمقراطيين” مستنيريين، وإسلاميين رجعيين. الواقع أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير.
المصدر: الغارديان