شهور مضَت على تطبيع العلاقات، وها هو وزير الخارجية الإسرائيلي يطأ أرض المغرب في أول زيارة رسمية له من 18 سنة، برفقة مسؤولين في عدة قطاعات على رأسها السياحة والشغل والصحة والأوبئة.
تمتدُّ زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد إلى الرباط يومَين، من 11 إلى 12 أغسطس/ آب، تُفتَتح بزيارة إلى ضريحَي الملكَين الراحلَين محمد الخامس والحسن الثاني، يتبعها لقاء لبيد مع نظيره المغربي ناصر بوريطة للتوقيع على 3 اتفاقيات، بينما بُرمجَ اليوم الثاني لافتتاح مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، فضلًا عن لقائه مع أفراد من الطائفة اليهودية في الدار البيضاء وزيارة مواقع ومعالم يهودية هناك.
وغرّد وزير الخارجية الإسرائيلي على حسابه بموقع تويتر، قائلًا: “لقد حان الوقت الآن لتعزيز النشاط الاقتصادي والسياسي، وسنواصل السعي للتوصُّل إلى اتفاقيات تجلب الابتكار والفرص لبلدَينا”.
مباحثات منتظمة وشاملة
انتهى اجتماع يائير لبيد مع نظيره ناصر بوريطة بتوقيع 3 اتفاقيات، بدءًا من مذكرة تفاهُم لإحداث آلية للتشاور السياسي بين المغرب و”إسرائيل”، تهدف إلى إجراء الطرفَين لمباحثات منتظمة بشأن استعراض جميع جوانب علاقاتهما الثنائية، وستشمل مشاورات التعاون الثنائي جميع المجالات، خاصة في التعاون السياسي وكذا الاقتصادي والتجاري والعلمي والتقني والثقافي.
الاتفاق الآخر يخصّ التعاون في مجال الثقافة والرياضة والشباب بين حكومتَي المغرب والدولة العبرية، بينما يركّز الاتفاق الثالث على تعزيز الخدمات الجوّية، كما يرمي إلى تطوير نظام طيران دولي قائم على مبدأ المنافسة بين شركات الطيران.
الصداقة بين الرباط وتل أبيب قائمة على التواصُل والسعي لحلّ النزاعات.
وقال عميد الدبلوماسية المغربية في مؤتمر صحفي عقب اللقاء الثنائي: “العاهل المغربي يرى أن المفاوضات هي السبيل الوحيد لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حلّ الدولتَين”، واستطرد مضيفًا: “هناك حاجة ماسّة إلى إعادة بناء الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين والحفاظ على مبدأ حلّ الدولتَين”.
من جهته شدّد الوزير الإسرائيلي على أن “الصداقة بين الرباط وتل أبيب قائمة على التواصُل والسعي لحلّ النزاعات”، معربًا عن امتنانه لـ”رؤية الملك محمد السادس الشجاعة للعلاقات بين “إسرائيل” والمغرب”.
قيل إنها “تاريخية”
كما حظيَ وفد من الكنيست الإسرائيلي باستقبال حارّ في البرلمان المغربي، حيث اتفقت المؤسستان التشريعيتان على تبادُل الزيارات بين أعضائهما وتعزيز التعاون المشترَك، ما يعني تنظيم زيارة مرتقبة لبرلمانيين مغاربة إلى الكيان العبري.
وُصفت زيارة لبيد بـ”التاريخية”، لأنها تأتي بعد آخر زيارة قام بها وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق سيلفان شالوم إلى المغرب عام 2003، أي بعد مضي 3 سنوات على إغلاق مكاتب الاتصالات في الرباط وتل أبيب حينها، ورغم أن شالوم حظيَ باستقبال حارّ حينها، إلا أن زيارته تلك لم تسفر عن إعادة فتح المكاتب لدى البلدَين.
سادت القطيعة عقدَين من الزمن حتى أواخر العام 2020، حينها وقّع الطرفان على اتفاق التطبيع برعاية الولايات المتحدة، وكان من وقّع إلى جانب جاريد كوشنر ومائير بن شبات، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني، بصفته رئيسًا للحكومة المغربية.
الإسلاميون يتفادون الإحراج
قبيل وصول لبيد إلى المغرب، خرجَ العثماني معلنًا في لقاء إعلامي أن قرار التطبيع كان مؤلمًا وصعبًا، لكن المصلحة الوطنية أعلى بكثير، وأبرزَ أنه لن يلتقي بوزير الخارجية الإسرائيلي، حيث أن برنامج الزيارة لا يتضمن أي لقاء معه.
وحتى الوزير الوحيد ضمن وزراء حزب العدالة والتنمية المعني بزيارة لبيد، وزير التشغيل محمد أمكراز، فإنه تفادى لقاء الوفد الإسرائيلي، الذي يضمّ وزير الرعاية والخدمات الاجتماعية مائير كوهين، ذا الأصل المغربي.
كان برنامج الزيارة يتضمن اجتماعًا مرتقبًا لمحمد أمكراز مع مائير كوهين، لكن الوزير المغربي أبلغَ المنظِّمين أنه يقضي فترة عطلة، حسب موقع “هسبريس”، لهذا سيقتصر اللقاء على الكاتب العام لوزارة الشغل والإدماج المهني مع المسؤول الإسرائيلي المعني بهذا القطاع.
وينمّ هذا الامتناع عن محاولة وزير العدالة والتنمية تفادي الإحراج، الذي سيسبّبه له لقاؤه مع الوزير الإسرائيلي، خاصة أن هذه الزيارة بُرمجت في وقت يستعدّ فيه البلد لتنظيم الانتخابات التشريعية والمحلية.
لا يعدو هذا الاحتفاء أن يكون موقف الأقلية من العاملين في القطاع السياحي، المتأثّرين بأزمة كوفيد-19، ظنًّا منهم أن الطلب الإسرائيلي سيسهم في إنقاذ السنة السياحية.
في السياق ذاته، قال عضو الأمانة العامة للعدالة والتنمية، عبد العزيز أفتاتي، إن “مسارات التطبيع سوف تسقط تباعًا، والكيان الصهيوني والاستيطاني إلى زوال”، معتبرًا أن زيارة الوفد الإسرائيلي مرفوضة ومدانة ومضرّة بصورة المغرب، وبوضعه الاعتباري ضمن الأُسرة العربية الإسلامية.
بهرجة إعلامية
احتفاء إعلامي نالته دولة الاحتلال من قبل قنوات حكومية، الأمر الذي أثار حفيظة مناهضي التطبيع، ومنهم الكاتب العام لـ”المرصد المغربي لمناهضة التطبيع”، عزيز هناوي، حينما قال: “الاحتفاء بـ”إسرائيل” في القناة الأمازيغية 8 الرسمية بحضور وتنشيط من نشطاء بالحركة الأمازيغية يطرح سؤالًا: هل القناة عمومية أم هي منبر تخريبي مُتأمزغ؟”، وعلى حد تعبيره فقد “أصبح القطب العمومي بالإعلام المغربي مثقوبًا من أدوات اختراق الدولة لصالح صهيون”.
من جهتها ندّدت مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين (منظَّمة غير حكومية) بهذه الزيارة، كونها “جريمة بحقّ الشعب الفلسطيني”، وأضافت في بيان أن “هذه الزيارة المشؤومة مرفوضة.. هي خطوة جديدة على مسار التطبيع الذي دشّنته الدولة المغربية رسميًّا، وصار مطبوعًا بالهرولة من قبل عدد من مسؤولي الدولة وقطاعات أخرى رسمية وشبه رسمية على أكثر من مستوى”.
عشية هذه الزيارة الرسمية، تمّت بهرجة إعلامية صاحبَت وصول أول طائرة من تل أبيب إلى مراكش، حملت معها وفدًا يضم 100 سائح، استُقبلوا بالورود والتمر والحلوى والشاي بالنعناع، وامرأة ترتدي لون العلم الإسرائيلي وترقص به على أنغام أهازيج موسيقية فولكلورية.
لا يعدو هذا الاحتفاء أن يكون موقف الأقلية من العاملين في القطاع السياحي، المتأثّرين بأزمة كوفيد-19، ظنًّا منهم أن الطلب الإسرائيلي سيسهم في إنقاذ السنة السياحية الكاسدة.
على طرف النقيض، استهجنَ غالبية المغاربة الاحتفال الذي أُقيم على شرف هذا الوفد، مندّدين بالتطبيع ورافضين للسياحة الإسرائيلية، من خلال حملة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي عنوانها “لا للصهيوني في بلدي”.