يتوجه المغاربة اليوم لانتخاب أعضاء مجالس النواب والبلديات والجهات، وهي المرة الأولى التي تُجمع فيها الانتخابات في يوم واحد، انتخابات من شأنها أن تفرز نخبًا جديدةً توجه اهتمامها لتنمية البلاد وتدعيم الديمقراطية الداخلية بعيدًا عن المسائل الخارجية التي تبقى حكرًا على الملك.
أرقام عامة
يتوجه 17 مليونًا و983 ألفًا و490 ناخبًا مغربيًا (من أصل نحو 36 مليون نسمة)، وفق البيانات الرسمية، إلى صناديق الاقتراع لاختيار من يمثلهم في مجلس النواب ومجالس الجماعات والجهات، في انتخابات ستحدد الحكومة المغربية في السنوات الخمسة المقبلة.
يشارك في هذه الانتخابات 31 حزبًا سياسيًا، أما عدد المرشحين لانتخابات مجلس النواب (395 مقعدًا برلمانيًا) فيبلغون 6 آلاف و815 مرشحًا، وفي خصوص مجالس الجماعات فيبلغ عدد المرشحين 157 ألفًا و569 مرشحًا (1704 قوائم) أي بمعدل يفوق 17 ترشيحًا عن كل مقعد، ولأول مرة في تاريخ المغرب، يترأس حزب العدالة والتنمية الائتلاف الحكومي لولاية ثانية بعد فوزه في انتخابات 2011 و2016.
بلغت ترشيحات النساء المسجلة برسم انتخاب أعضاء مجلس النواب، في المجموع 2329 ترشيحًا، أي بنسبة 34.17% من العدد الإجمالي للترشيحات، وقد أعلن المغرب اعتماد أكثر من 4500 مراقب يمثلون 44 منظمةً غير حكومية، لمراقبة الانتخابات، بحسب المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
فرضت الداخلية المغربية على المرشحين عدم تجاوز التجمعات الدعائية 25 شخصًا سواء المُغلقة منها أم المفتوحة، كما منعت نصب الخيام وتنظيم الولائم
تُجرى انتخابات المجالس البلدية وفق نمطين، هما: النظام القوائم في الدوائر التي يسكنها أكثر من 50 ألف نسمة، أما الأقل سكانًا فيطبق فيها الاقتراع الفردي، وفق الداخلية المغربية، وتعتبر هذه الانتخابات هي الثالثة من نوعها منذ صدور الدستور المغربي الجديد، وذلك بعد انتخابات عامي 2012 و2016.
وفقًا للنظام الانتخابي المغربي، لا يمكن لحزب واحد الفوز بأغلبية مطلقة، الأمر الذي يجبر الفائزين على الدخول في مفاوضات لتشكيل حكومات ائتلافية ما يحد من النفوذ السياسي للأحزاب، وتعتبر هذه الانتخابات الخامسة في عهد العاهل المغربي الملك محمد السادس، والثالثة بعد تعديل الدستور سنة 2011.
خلال الحملة الانتخابية التي انتهت أول أمس الإثنين، فرضت الداخلية المغربية على المرشحين عدم تجاوز التجمعات الدعائية 25 شخصًا سواء المُغلقة منها أم المفتوحة، كما منعت نصب الخيام وتنظيم الولائم، وفرضت عدم تجاوز 10 أشخاص كحد أقصى خلال الجولات الميدانية، وعدم تجاوز المواكب الدعائية 5 سيارات خلال القوافل الانتخابية.
تدعيم الديمقراطية
أبزر أهداف هذه الانتخابات، تدعيم الديمقراطية في المملكة، ذلك أن المغرب يريد التأكيد أنه اختار المضي في بناء مساره الديمقراطي والحفاظ على مواعيد الانتخابات رغم الوضع الصحي الحرج الذي تشهده البلاد، وأيضًا الأزمات الخارجية والداخلية التي تعرفها المملكة.
كثيرًا ما تروج السلطات الحاكمة في المملكة المغربية إلى ما تسميه “الاستثناء المغربي” الذي تزامن مع موجة الربيع العربي التي عرفتها المنطقة سنة 2011، وتسعى الآن إلى ترسيخ هذا الاستثناء ومواصلة الانتقال الديمقراطي السلس.
يذكر أنه في سنة 2011، أقر العاهل المغربي محمد السادس إصلاحات كبرى من بينها توطيد مبدأ فصل السلطات وتوازنها من خلال تقوية صلاحيات الوزير الأول والارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وجاءت هذه الإصلاحات في سياق انقلبت فيه معادلة الحكم إقليميًا رأسًا على عقب، فقد تمت الإطاحة بكل من الرئيس التونسي زين العابدين بن علي والرئيس المصري حسني مبارك والرئيس الليبي معمر القذافي واحتجاجات في اليمن وسوريا والبحرين.
تضمّ الحكومة الأخيرة 5 أحزاب هي: العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري.
وحلّ المغرب في المركز الـ96 من بين 167 دولة (الثانية عربيًا خلف تونس)، مصنفًا في فئة “الأنظمة الهجينة” ضمن المؤشر العالمي للديمقراطية لسنة 2020، الذي يصدر سنويًا عن مؤسسة التحليل والأبحاث البريطانية “ذا إيكونوميست إنتلجنس”، وقد تم منح المملكة معدل 5.04 من أصل عشر نقاط.
وعرفت المملكة تطورًا ملحوظًا منذ سنة 2006، إذ كان معدلها حينها 3.90 لينتقل إلى 4.99 عام 2018 و5.10 عام 2019، مسجلة انخفاضًا طفيفًا في معدل 2020 الذي لم يتجاوز 5.04، ويدرس المؤشر العالمي للديمقراطية أربعة مجالات رئيسية، تهم الأداء الحكومي والمشاركة السياسية والثقافة السياسية ثم الحريات المدنية.
وشهد المغرب خلال العقدين الأخيرين انتقالًا بين النخب القائدة للحكومة في تجربتين كبيرتين: تجربة حكومة التناوب برئاسة المعارض محمد اليوسفي، وتجربة حكومة الإسلاميين بالشراكة مع اليساريين وذلك بقيادة حزب “العدالة والتنمية”.
الحكومة الأخيرة، تضمّ 5 أحزاب هي: “العدالة والتنمية” (125 نائبًا بمجلس النواب الغرفة الأولى للبرلمان من أصل 395)، والتجمع الوطني للأحرار (37 نائبًا) بقيادة وزير الفلاحة عزيز أخنوش، والحركة الشعبية (27 نائبًا)، والاتحاد الاشتراكي (20 نائبًا)، والاتحاد الدستوري (23 نائبًا).
تحقيق التنمية
إلى جانب ذلك، تبرز مسألة التنمية كأحد أهم أهداف الانتخابات، إذ تركز الأحزاب في حملتها الانتخابية على المسائل التنموية، فقد ركزت أغلب الأحزاب ومنها المرشحة للفوز على هذه المسألة، فبرنامج العدالة والتنمية مثلًا ركّز على “إطلاق جيل جديد من الإصلاحات من أجل العدالة الاجتماعية والمجالية الشاملة وتقليص الفوارق والانتقال إلى مصادر جديدة للنمو وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني”.
كما التزم الحزب في برنامجه بـ”رفع تنافسية الاقتصاد المغربي ببلوغ مرتبة أقل من 50 عالميًا في مؤشر مناخ الأعمال في أفق 2025، وتحقيق انتقال 125 ألف وحدة من الاقتصاد غير المهيكل إلى المجال المهيكل”.
أما حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقوده رجل الأعمال عزيز أخنوش، فقد وعد “بخلق مليون منصب شغل مباشر من أجل إنعاش الاقتصاد غداة أزمة كورونا”، فضلًا عن مضاعفة ميزانية وزارة الصحة ورفع أجور المدرسين.
يشير تقرير أعدته لجنة ملكية إلى أن “10% من المغاربة الأكثر ثراءً يركزون ثروة تساوي 11 مرةً ما يملكه 10% من السكان الأكثر فقرًا”
بدوره وعد الأصالة والمعاصرة بتحقيق “معدل نمو اقتصادي سنوي بنسبة تبلغ 6% بحلول سنة 2026، وخلق 175 ألف منصب عمل، اعتبارًا من عام 2024″، وتعهد الحزب بأن “يستقر معدل البطالة في 8.3% سنة 2026، على أساس أن يبلغ عدد فرص العمل التي سيتم إحداثها خلال الفترة الممتدة من 2022 و2026 نحو 882 ألف و500 منصب شغل”.
أما بالنسبة لحزب الاستقلال الذي يراهن هو الآخر على صدارة الانتخابات، فقد أكد مراهنته على “رفع وتيرة النمو إلى نحو 4%، وتقليص نسبة البطالة بشكل عام إلى أقل من 9%، وبطالة الشباب إلى أقل من 20%”، فضلًا عن “تفعيل الحماية الاجتماعية الشاملة”.
لكن رغم كل هذه البرامج، فإن الحزب الفائز في الانتخابات – مهما كان توجهه – سيكون مضطرًا لتبني ميثاق وطني للتنمية مستوحى من “النموذج التنموي الجديد” الذي أعدته لجنة ملكية وأعلن عنه في مايو/أيار الماضي.
هذا النموذج الجديد يهدف إلى تغيير “مناخ اتسم بأزمة ثقة خيّم على البلاد” بسبب تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي وتفاقم الفوارق، وفق تقرير اللجنة التي أعدته، ويشير التقرير إلى أن “10% من المغاربة الأكثر ثراءً يركزون ثروة تساوي 11 مرةً ما يملكه 10% من السكان الأكثر فقرًا”.
ماذا عن السياسة الخارجية؟
صحيح أن دستور 2011، يمنح صلاحيات واسعة للحكومة والبرلمان، لكن تبقى السياسة الخارجية للمملكة حكرًا على الملك محمد السادس، إذ يحتفظ الملك بمركزية القرار في القضايا الإستراتيجية التي لا تتغير بالضرورة بتغيّر الحكومات.
الملك يتحكم في كل شيء خارجيًا، في الاتفاقيات والعلاقات الدبلوماسية وقطع العلاقات وما على الحكومة إلا تزكية مقررات محمد السادس، وقد ظهر ذلك مثلًا في مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني، فحزب العدالة والتنمية كان يعارض التطبيع لكن أمينه العام الذي يشغل منصب رئيس الحكومة اضطر للتوقيع على اتفاقية التطبيع.
حتى الزيارات الخارجية دائمًا ما يقوم بها الملك، وحتى الوزراء المرافقين له، يكونون من الوزراء التابعين للقصر وليس من هؤلاء الموالين للأحزاب، ما يؤكد أن كل شيء بيد الملك.
ستجد الحكومة الجديدة نفسها أمام رهانات داخلية وخارجية كبيرة، رغم أنها لا تتحكم في السياسات الكبرى للبلاد سواء الداخلية أم الخارجية، فكل شي مركز عند الملك ما يجعل العديد من المغاربة يتساءلون عن جدوى الانتخابات.