ترجمة وتحرير: نون بوست
أفادت رويترز قيام دبلوماسيين إيرانيين في سفارة بلادهم في تيرانا، عاصمة ألبانيا، بجمع وثائق حساسة في برميل وأشعلوا فيها النار في الساعات الأولى من يوم 8 أيلول/ سبتمبر؛ حيث كانوا في عجلة من أمرهم، فقد مُنِحُوا في اليوم السابق 24 ساعة للمغادرة. وبعد ساعات اقتحمت الشرطة المحلية المبني الفارغ، وكانت تلك الذروة أحداث الهجوم إلكتروني الإيراني الذي سبقه بأسابيع؛ حيث يسلط الضوء على الدور المركزي لإيران في سلسلة من الصراعات الإلكترونية المستعرة.
في أواخر شهر تموز/يوليو؛ أجبرت التهديدات بالقنابل والهجمات الإلكترونية منظمة مجاهدي الشعب الإيراني، المعروفة أيضًا باسم مجاهدي خلق، وهي حركة معارضة إيرانية، على إلغاء قمة مقررة في ألبانيا؛ حيث يعيش حوالي 3000 من أعضائها في معسكر على بعد 30 كم شمال غرب تيرانا، ويعرف كراهية إيران لمنظمة مجاهدي خلق لأسباب ليس أقلها دعمها لصدام حسين في الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، ويرعى المنظمة بعض السياسيين الأمريكيين والأوروبيين المتشدّدين، وبالرغم من أن أمريكا والاتحاد الأوروبي توقفوا عن اعتبارها منظمة إرهابية كما في السابق، إلا أن إيران لا تزال تنظر إلى الجماعة على أنها تهديد. ففي العام الماضي؛ أدانت محكمة بلجيكية دبلوماسيًا إيرانيًا في فيينا بتهمة محاولة تفجير تجمع آخر للحركة.
من الواضح أن إيران قامت في 15 يوليو/تموز بهجوم إلكتروني متعدد الجوانب على الشبكات الألبانية، فقد استهدفت الموقع الإلكتروني لبرلمان البلاد ومكتب رئيس الوزراء، بالإضافة إلى بوابة الخدمات الحكومية على الإنترنت، واستخدمت بعض الهجمات برامج الفدية والتي تحتجز البيانات كرهائن إلى أن يتم الدفع؛ وسرق آخرون رسائل حساسة، وكذلك تم تسريب رسائل من البريد الإلكتروني لرئيس الوزراء إيدي راما، ومن مسؤولي وزارة الخارجية، مع نشر بعض المواد المسروقة بعد أكثر من شهر من الاختراقات الأولية، وعلى الرغم من أن المهاجمين تنكروا في صورة جماعة ألبانية ساخطة، إلا أن كل من ألبانيا وأمريكا وبريطانيا يدعوا أن إيران هي المسؤولة.
في السابع من أيلول/ سبتمبر؛ قال راما إنه سيقطع العلاقات مع إيران، وقال: “هذا الرد المتطرف يتناسب تمامًا مع جسامة وخطورة الهجوم الإلكتروني الذي هدد بشل الخدمات العامة، ومحو الأنظمة الرقمية واختراق سجلات الدولة، وكذلك سرقة شبكة الاتصالات الإلكترونية الداخلية للحكومة بالإضافة إلى إثارة الفوضى وتهديد الأمن في البلاد”، لتكون هذه هي المرة الأولى التي تنهي فيها أي دولة العلاقات الدبلوماسية ردًّا على عدوان إلكتروني.
لقد كانت “عملية جريئة بشكل ملحوظ”، كما علقت مانديانت، وهي شركة أمريكية لأمن المعلومات، مشيرة إلى حقيقة أن ألبانيا عضو في الناتو، الذي يغطي بند الدفاع المشترك للمادة الخامسة الخاص به الهجمات الإلكترونية الكبيرة، كما يشمل أيضًا الاختراقات الصغيرة مع تراكمها، وخلصت مانديانت إلى أن العملية “قد تشير إلى زيادة الاستعداد لتقبل المخاطر عند استخدام أدوات تخريبية ضد الدول التي يُعتقد أنها تعمل ضد المصالح الإيرانية”.
وقالت ألبانيا إن إيران ضربت مرة أخرى في 9 أيلول/ سبتمبر، هذه المرة ضد أنظمة مراقبة الحدود في البلاد؛ وفي اليوم نفسه، فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على وزارة المخابرات والأمن الإيرانية، وهي وكالة تجسس، بسبب “أنشطتها الإلكترونية العدوانية المتزايدة” منذ سنة 2007.
لا تقارن الهجمات الإلكترونية الإيرانية ضد ألبانيا بالمناوشات الجارية مع إسرائيل؛ حيث يتقاتل الخصمان الشرسان حول برنامج إيران النووي الذي يتوسع بسرعة مرة أخرى، وكذلك أنشطة الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في غزة ولبنان وسوريا واليمن، وغالبًا ما يكون هذا السجال عنيفًا متخذًا صورة رقمية بشكل متزايد.
بعض أكثر الأحداث إثارة للاهتمام في الفضاء الإلكتروني، وقعت خلال العام الماضي ليس بين روسيا وأوكرانيا، ولكن بين إسرائيل وإيران
في سنة 2020؛ حاول مخترقون إيرانيون مشتبه بهم تعطيل ستة منشآت مياه إسرائيلية، وجاء الرد في غضون أسابيع على هيئة هجوم إلكتروني على ميناء الشهيد رجائي المطل على مضيق هرمز. ثم في سنة 2021؛ قامت مجموعة قرصنة تُعرف باسم “بريداتوري سبارو” – يُعتقد على نطاق واسع أنها واجهة لإسرائيل – بتعطيل شبكة السكك الحديدية الإيرانية ونظام توزيع الوقود في البلاد، وعرضت دعاية مناهضة للنظام على اللوحات الإعلانية الإلكترونية، كما سربت لقطات من سجن إيفين الذي يضم سجناء سياسيون. واستمرت الهجمات هذا الصيف.
في 18 حزيران/ يونيو أطلقت الهجمات الإلكترونية الإيرانية صفارات الإنذار في القدس وإيلات، الميناء الجنوبي لإسرائيل؛ حيث يقول المسؤولون الإسرائيليون إن تلك الهجمات كانت بمثابة جرس إنذار، لأنها أظهرت أن بعض الأنظمة الحاسمة ظلت متصلة بشبكة الإنترنت الواسعة (معظمها كان معزول ماديًّا، أو في “فجوة هوائية”). بعد أكثر من أسبوع بقليل؛ استهدفت “بريداتوري سبارو” ثلاثة مصانع فولاذ إيرانية، ويُزعم أنها سيطرت على الآلات في أحدها، وهو مثال نادر على هجوم إلكتروني تسبب بشكل مباشر في تدمير مادي. في الشهر نفسه؛ انتهك مخترقون إيرانيون مشتبه بهم شركة سياحية كبيرة، وحصلوا على معلومات شخصية لأكثر من 300,000 إسرائيلي. في 6 أيلول/ سبتمبر سجنت محكمة إسرائيلية عمري جورين، مدبر منزل سابق لوزير الدفاع بيني غانتس، بتهمة عرض خدماته على قراصنة إيرانيين.
ويقول أحد المسؤولين الغربيين: “بعض أكثر الأحداث إثارة للاهتمام في الفضاء الإلكتروني، وقعت خلال العام الماضي ليس بين روسيا وأوكرانيا، ولكن بين إسرائيل وإيران”.
وتمثل حملات التخريب والدعاية المضادة هذه مجتمعةً، بعضًا من أكثر المنافسات شراسة على شبكات الكمبيوتر حتى الآن، ومن غير المرجح أن تتراجع هذه المنافسة في ظل تعثر العلاقات الدبلوماسية بشأن خطط إيران النووية.
المصدر: إيكونوميست