أحال الزلزال المدمر 1789 مبنى إلى ركام بشكل كامل في الشمال السوري، فيما تضررت 8504 أبنية بشكل جزئي، وبقيت أكثر من 11000 أسرة سورية دون منزل، وباتت تعيش هذه العوائل إما في الخيام وإما تبيت أيامها في السيارات وإما في العراء تحت أشجار الزيتون، ويتوزع الدمار الذي خلفه الزلزال على مناطق إدلب وريف حلب، خاصة في نواحي حارم وسلقين وجنديرس التي ابتليت بالنصيب الأكبر من الخسائر.
قتل الزلزال ما يقرب من 4500 سوري في مناطق شمال غرب سوريا، فيما أصاب أكثر من 10000 آلاف آخرين بجروح، وتضررت 137 مدينة وبلدة في هذه المناطق التي يقطنها مليونان وتسعمئة ألف نسمة، منها 7 مدن تكثّف فيها الزلزال والدمار، يصل عدد سكانها نحو 374 ألف نسمة.
وترجح المنظمات الإنسانية أن سکان هذه المدن السبعة، قد يبقون لفترة طویلة دون مأوى، فبالإضافة إلى الدمار في المساكن دُمرت شبکات المياه والصرف الصحي، ما جعل المساکن المدمرة بشکل جزئي غیر قابلة للسکن أیضًا، بالأخص مع استمرار الهزات الارتدادية.
أصدر فريق منسقو استجابة سوريا العامل في شمال غرب سوريا تقريرًا بيّن فيه أنه “حتى الآن وصلت قيمة الأضرار العامة الأولية في القطاع الخاص والقطاع العام والمنشآت الأخرى في المنطقة إلى أكثر من نصف مليار دولار، إضافة إلى الدمار في منازل المواطنين”.
وأشار التقرير إلى رصد أضرار ضمن 323 منشأة تعليمية في المنطقة وأضرار في المنشآت الطبية سجلت ضمن 53 منشأة، عدا عن الأضرار ضمن مكاتب المنظمات وبعض المشاريع التابعة لها في 43 نقطة، كما سُجلت أضرار ضمن منشآت أخرى (أسواق، وحدات سكنية، مساجد) في 81 منشأة.
أزمة سكن
ضاعف الزلزال من حدة أزمة السكن الموجودة في الشمال السوري، حيث خلق أزمة لآلاف العوائل التي كانت تسكن منازلها، في الوقت الذي كان ينتظر الآلاف من سكان الخيام مشاريع البناء التي تقوم بها المنظمات الإنسانية والفرق التطوعية لاستبدال الخيام بمنازل تقيهم من برد الشتاء وحر الصيف، يذكر أن عدد المخيمات الحاليّة في مناطق الشمال يبلغ 1489 مخيمًا، يقيم بهم أكثر من مليون ونصف مدني يتوزعون على 328.485 عائلة.
اضطر المتضررون من الزلزال الذين دمرت بيوتهم إلى الانتقال للعيش في خيام، الأمر الذي ساهم في إنشاء مخيمات جديدة بالمناطق الخالية من المباني، وحتى الذين لم تدمر بيوتهم أو تتضرر باتوا يبحثون عن خيمة ليجلسوا فيها خوفًا من الهزات الارتدادية والزلازل التي من الممكن أن تحصل في المنطقة، ما جعل أسعار الخيام ترتفع حال وجدت، وأوضح ناشطون أن سعر الخيمة الواحدة بات يقارب الـ300 دولار.
من خلال المعلومات من أبرز مراكز الرصد والبحث رصدنا الأضرار بشكل تفصيلي في المدن والبلدات السورية، حيث تضرر مركز حارم بشكل كبير، فقد دمر الزلزال 38 بيتًا بشكل كامل، كما تضرر 85 منزلًا بشكل جزئي، أما في قرية بسنيا التي تتبع إداريًا لمركز حارم، فقتل فيها 406 أشخاص وأصيب 325، وتهدمت فيها 16 وحدة سكنية بشكل كامل، كما تضررت 15 وحدة جزئيًا، وفي قرية كفر حوم بلغ عدد المنازل المتضررة أكثر من 17.
في مدينة سلقين التابعة لمنطقة حارم، قتل 515 شخصًا ولحق الدمار الكلي والجزئي بأكثر من 355 وحدة سكنية، وبلغ عدد النازحين والمشردين بسبب الزلزال في هذه المدينة أكثر من 7500 شخص، وفي ناحية الدانا التي تضم عدة بلدات وقرى نالت نصيبها من الزلزال المؤلم، شهدت بلدات الدانا وسرمدا وديرحسان وأطمة وترمانين وقاح دمارًا كبيرًا في الأبنية والممتلكات، وفي كل هذه القرى تعرض 327 بيتًا للدمار بشكل كامل، فيما تضرر أكثر من 873 منزلًا حيث لم تعد صالحة للسكن.
وفي أرمناز والمدن التابعة لها مثل مدينة ملس تدمر أكثر من 60 منزلًا وتضرر 120 بيتًا بشكل جزئي، أما في منطقة إدلب وما يحيط بها من نواحي وقرى تابعة لها تضررت عشرات البيوت بشكل كلي، وفي منطقة جسر الشغور تهدم 54 بيتًا.
بالانتقال إلى ريف حلب الواقع تحت سيطرة المعارضة السورية، شهدت منطقة عفرين أكبر حصيلة من تعداد الضحايا، حيث قتل ما يقرب من 1160 شخصًا معظمهم في ناحية جنديرس، وتوفي فيها 1015 شخصًا وأصيب 830، فيما تهدم 280 منزلًا بشكل كامل وتضرر 1115 منزلًا.
وازداد الطلب على بيوت الإيجار في المناطق الأقل تضررًا من الزلزال، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، فيما لجأت بعض العوائل إلى أقاربها في المدن والقرى المجاورة بريفي حلب الشمالي والشرقي، ما شكل ضغطًا كبيرًا في ظل الوضع الاقتصادي المتردي للعوائل بشكل عام.
استجابة للإعمار
هبت الفرق والمنظمات لإغاثة المتضررين بالطعام والشراب والملابس، وبعض هذه الفرق بدأ بنصب الخيام للمشردين في الأراضي الزراعية، فيما أطلقت منظمات أخرى برامج استجابة لجمع الدعم والتبرعات من أجل بناء بيوت ومساكن للناس المتضررين من الزلزال، وهو ما فعله فريق ملهم التطوعي، إذ أطلق “صندوق قادرون“، بهدف إعادة إعمار ما دمره الزلزال في المناطق.
تهدف الحملة إلى تأمين منازل لـ4 آلاف عائلة متضررة من الزلزال بتكلفة 20 مليون دولار، وحتى هذه اللحظة تم تأمين المبلغ اللازم لإعمار منازل لـ2371 عائلة وفقًا لما يظهره عدّاد التبرعات على موقع الفريق التطوعي، ويقول الفريق، إن السوريين استطاعوا الاستجابة لكارثة الزلزال بأنفسهم، من خلال الدفاع المدني السوري ومنظمات المجتمع المدني والكوادر الطبية، وفي الوقت نفسه “نستطيع بتكاتفنا وتعاوننا وبمساهمة الشعوب العربية وشعوب العالم، إعادة إعمار ما دمره الزلزال خلال عام واحد”.
وطلب الفريق في بيانه، من كل المنظمات السورية، الانضمام والمساهمة في دعم صندوق قادرون لتأمين المبلغ المطلوب لإعادة الإعمار، الذي قدرته المؤسسات المعنية بـ100 مليون دولار، على أن يتم جمع مبلغ 20 مليون في المرحلة الأولى. وأكد المهندس براء بابولي مدير قسم المأوى، أن الفريق بدأ فعليًا الإجراءات للتحرك بشكل فعلي لتنفيذ المشروع.
يوضح بابولي في حديثه لـ”نون بوست”، أن “المباشرة بالبناء ستبدأ خلال الشهر القادم”، موضحًا أن الانتهاء من هذا المشروع سيكون قبل نهاية العام، وأشار بابولي إلى أن “المشاريع الجارية لاستبدال الخيام ببيوت الخاصة بشأن المخيمات لن تتأثر بحملة قادرون والمشروع منفصل (ضمن حملة حتى آخر خيمة) والعمل مستمر لنقل العوائل من الخيام للمنازل”.
اللافت للنظر أن القرى والمباني السكنية التي أنشأها فريق ملهم سابقًا لم تتضرر في الزلزال، ويبدو أن ذلك يرجع إلى اتباع قواعد سليمة في البناء لمواجهة الكوارث، ووفقًا لبابولي فإن تصميم المنشآت يتم ضمن عناصر إنشائية مسلحة، وبخصوص المنازل التي سيتم العمل عليها لاحقًا فقد تم تعديل بعض القواعد التي سيتم اتباعها لتكون أكثر أمانًا بعد التشاور مع نقابات المهندسين الموجودة في المنطقة.
ومن المقرر اختيار المستفيدين من المنازل بالتنسيق مع المجالس المحلية في المناطق المنكوبة، والتحقق من العوائل التي سيتم نقلها لهذه البيوت، علمًا بأن المعيار الأول لتوزيع المنازل، أن تكون العائلة متضررة من الزلزال.
بدوره أعلن الهلال الأحمر القطري عن التحضير لبناء قرية سكنية جديدة في الشمال السوري، تتكون من 300 شقة مبنية بالخرسانة المسلحة، وذلك استجابة للعوائل الأكثر تضررًا من الزلزال، وأوضح الهلال الأحمر أن القرية ستكون مجهزة ببنية تحتية كاملة مع طرقات وحدائق ومرافق خدمية كاملة كالمسجد والمدرسة والمستوصف والمحال التجارية، وتبلغ مساحة الوحدة السكنية 60 مترًا مربعًا وتضم غرفتي نوم وصالة معيشة تؤمن الخصوصية والأمان والكرامة للعائلات النازحة.
بدورها، وقّعت السعودية مشروعات بنحو 49 مليون دولار أمريكي لإنشاء وحدات سكنية لمتضرري الزلزال في تركيا والشمال السوري وفقًا لوسائل إعلام سعودية، لكن لم تصدر أي تفاصيل بخصوص هذا الأمر وكيف سيتم توزيع الأموال وأين سيتم تنفيذ المشاريع.
إذن، تضاف أزمة السكن إلى عشرات المشاكل والأزمات التي تحيط بالشمال السوري وسكانه، وضاعف الزلزال المدمر هذه الأزمات الأمر الذي سيؤثر سلبًا على أكثر من 4.5 مليون نسمة يقطنون في هذه المناطق، لكن ما يخفف النكبة هو جهود المنظمات التي تعكف على إعادة إعمار.