ترجمة وتحرير: نون بوست
في بلد مستقطب يتأرجح بين الخير والشر، فإن كتابة مقال عن عمليات الترحيل القسري للاجئين السوريين في لبنان أشبه بالمشي في حقل ألغام.
منذ 21 نيسان/ أبريل، بدأت وحدة المخابرات في الجيش اللبناني قمع من تقول إنهم سوريون “غير شرعيون” مما أدى إلى انقسام واضح في البلاد بين المحتفلين بالترحيل والمحتجين عليه. وقد نتج عن الاعتقالات موجة حادة من خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين نددت بها جماعات حقوق الإنسان بشدة.
يبدو أن هذه الحملة تمثّل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي، وتحديدًا مبدأ “عدم الإعادة القسرية” الذي يحذر من إعادة أي شخص إلى بلد قد يواجه فيه التعذيب أو الاضطهاد.
وقد أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع لاجئين سوريين قالوا إن أقاربهم المُرحّلين ليسوا بلا وثائق – كما زعم الجيش اللبناني – وإنما مسجلون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وقد تلاعب السياسيون اليمينيون والشعبويون بهذا الوضع، وجعلوا من اللاجئين كبش فداء من خلال تحميلهم مسؤولية الانهيار الاقتصادي في لبنان بدلاً من تحمل المسؤولية عن إخفاقاتهم.
الالتزام بحقوق الإنسان الدولية يمثّل قضيةً في حد ذاته، وهو أمر بالغ الأهمية، في حين أن تجاهل المخاوف التي أعرب عنها المواطنون بشأن بلدهم قضية أخرى منفصلة تمامًا
كان وزير الخارجية اللبناني السابق جبران باسيل من بين أوائل من دعوا أرباب العمل اللبنانيين إلى توظيف اللبنانيين فقط في فيديو نُشر على تويتر في سنة 2019. وفي خطاب متلفز في وقت سابق من هذه السنة، زعم الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أن وجود لاجئين سوريين في لبنان جزء من الحصار الاقتصادي الأمريكي للبلاد.
ذهب المرشح الرئاسي غير الرسمي سليمان فرنجية إلى أبعد من ذلك بتنسيق “حملته” حول نيته ترحيل جميع اللاجئين. وفي مقابلة متلفزة في 26 نيسان/ أبريل، قال إنه لن يقبل بقاء اللاجئين السوريين في لبنان حتى لو قَبِل الرئيس السوري بشار الأسد بذلك. وقال سمير جعجع، رئيس حزب “القوات اللبنانية”، الأسبوع الماضي إن وجود اللاجئين السوريين يتجاوز المسائل الاقتصادية والإنسانية وأصبح قضية “سيادة”
وفي خضم تصاعد كراهية الأجانب وخطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين، أصبحت هذه حالة واضحة من انتهاكات حقوق الإنسان. ولكن بعيدًا عن رواية “الخير والشر”، هناك العديد من القصص الأخرى التي تنتظر أن تُروى – روايات لا يجب أن تقع في فخ الاتهامات العمياء أو الشعبوية.
إن الالتزام بحقوق الإنسان الدولية يمثّل قضيةً في حد ذاته، وهو أمر بالغ الأهمية، في حين أن تجاهل المخاوف التي أعرب عنها المواطنون بشأن بلدهم قضية أخرى منفصلة تمامًا. وفي هذا السياق، سوف أسلط الضوء على خمس قضايا مهمة يجب معالجتها فيما يتعلق بقضية اللاجئين السوريين في لبنان.
تغيير المشهد
أولا، يعتبر الوزن الديموغرافي مهما إذ لا يزال عدد اللاجئين السوريين في لبنان أحد أكبر تجمعات اللاجئين في العالم. والتعامل مع هذه الحقيقة يتطلب نهج إدارة أزمات لا يقتصر على البعد الإنساني والسياسي فقط بل أيضًا على مستوى عالٍ من العلاقات الدولية.
كما تدعو هذه الحقيقة إلى اتباع نهج لا يتجاهل الأسئلة والمخاوف المشروعة حول كيفية تأثير وجود هذه الكتلة من غير المواطنين على الهوية الوطنية والمشهد الاجتماعي للبلاد. وبطبيعة الحال، من البديهي قول إن لبنان أبعد ما يكون عن هوية وطنية مشتركة وإنما هو أقرب إلى فسيفساء من الهويات التي يحكمها نظام سياسي طائفي.
مع ذلك، لا يسع المرء إلا أن يتساءل كيف سيؤثر وجود 1.6 مليون لاجئ سوري في بلد يبلغ عدد سكانه ستة ملايين نسمة على الفسيفساء الحالية. ولابد من أخذ الديناميكيات الحضرية والريفية بعين الاعتبار بالنظر إلى أن غالبية اللاجئين السوريين جاءوا من ريف سوريا وضواحيها (القلمون، ريف حمص، ريف دمشق، وما إلى ذلك)، وكذلك الانتماءات الدينية لأن غالبية اللاجئين السوريين من المسلمين السنة.
ثانيًا، يجب أن نفكر فيما إذا كنا نقوم بتضخيم الآثار الاقتصادية الإيجابية للاجئين السوريين. وفي مواجهة نظرية إلقاء اللوم على هذه المجموعة، ظهرت رواية معارضة في وقت مبكر مما أدى إلى تضخيم آثارها الاقتصادية الإيجابية.
دعمت وكالات الأمم المتحدة هذا التحليل، وكلفّت مستشارين بتسليط الضوء على الآثار الإيجابية للاجئين السوريين على الاقتصاد المحلي. وفي سنة 2015، أشارت دراسة للأمم المتحدة إلى أنه مقابل كل دولار يُنفق على الاستجابة الإنسانية، تمت إضافة 50 سنتًا أخرى للاقتصاد اللبناني، وأن ما مجموعه 1.6 بالمئة من الخسائر في إجمالي الناتج المحلي قابله تقريبًا الفوائد الاقتصادية للمساعدات الإنسانية
مع ذلك، أغفل المعسكر المتفائل حقيقة مهمة وهي أنه على الرغم من أن المساعدات الإنسانية يمكن أن تدفع الإنفاق قصير الأجل على المستوى المحلي، إلا أنها يمكن أن تسرع من تدهور الاقتصاد الضعيف بالفعل، خاصة بالنسبة لللأشخاص المعرضين بالفعل للخطر.
يوضّح هذا أن تغير الزوايا التحليلية يمكن أن يُسفر عن نتائج مختلفة، وغالبًا ما يرتبط اختيار الزاوية التي يتم من خلالها تناول هذا الموضوع بجدول أعمال أولئك الذين كُلّفوا بإجراء هذه الدراسات والباحثين أنفسهم.
وهناك مثال آخر لدراسة أجراها المجلس العالمي للاجئين والهجرة سنة 2021 أظهرت أن اللاجئين السوريين لم يكن لهم تأثير كبير على نتائج سوق العمل. لكن الدراسة تغاضت عن حقيقة أن العمالة السورية غير الرسمية تُنافس العمالة غير الرسمية اللبنانية.
انخفاض فرص العمل
ثالثًا، هناك مشكلة حول مزاحمة القوى العاملة السورية اللبنانيين. استخلص تقييم أولّي أجرته منظمة العمل الدولية في سنة 2014 حول ملف توظيف اللاجئين السوريين أنهم يتركزون بشكل أساسي في المناطق النائية الفقيرة والضواحي، حيث تمثل المنافسة على فرص العمل تحديًا ملحًا يواجه المجتمع المُضيف.
ووجدت الدراسة أن وضعية التوظيف ساءت مع زيادة اليد العاملة، حيث “يقبل العمال السوريون دخلا أقل [ويعملون] لساعات أطول ودون مزايا اجتماعية”. وقد أدى ذلك إلى انخفاض الأجور وتقليص فرص العمل المتاحة للبنانيين”.
بالإضافة إلى ذلك، أُجريت دراسات تستخدم نماذج مختلفة لإثبات أن “اللاجئين السوريين ليس لهم تأثير كبير على نواتج سوق العمل” مثل الدراسة الأخيرة التي أجراها المجلس العالمي للاجئين والهجرة. مع ذلك، يبقى لغزًا كيف أن دراسة الاقتصاد الرسمي ونتائج سوق العمل الرسمية (مثل معدل البطالة الرسمي في لبنان) تكشف معطيات عن الاقتصاد غير الرسمي الذي ينتمي إليه غالبية العمال السوريين واليد العاملة اللبنانية المستضعفة.
تبيع الشركات المملوكة للسوريين السلع المنتجة في سوريا بأسعار منخفضة، ونتيجة لزيادة الطلب ارتفعت تكاليف السلع والخدمات الأساسية.
يمكن للمرء أن يجادل بأن هذه مسألة تتعلق بالقواعد التنظيمية الخاصة بسوق العمل في لبنان الذي من شأنه أن يكون مرآة تعكس ضعف المؤسسات اللبنانية وهشاشة نظام حكمها. ومن غير المتوقع أن أزمة اللاجئين السوريين التي فرضت عبئا متزايدا على البنية التحتية للبلاد وغذّت الاستقطاب أن تكون عاملاً في تحسين فعاليته المؤسسية.
رابعًا، هناك مسألة التعامل مع أزمة اللاجئين من خلال قياس معدلات تدفقهم بدلا من أعدادهم. لطالما كان لبنان وجهة للعمال السوريين غير الرسميين في قطاع البناء والزراعة. وتتسم الحدود السورية اللبنانية بعدم الاستقرار، وقد استفاد كلا البلدين من العمالة الرخيصة. من هذا المنطلق لسائل أن يسأل، هل يمكن لأي شخص أن يبقى لاجئًا إذا قام بزيارة بلده عدة مرات في السنة؟ على الرغم من أن هذا السؤال وجيه، إلا أنه لا يوجد إجابة له.
لا تعد العودة الطوعية إلى سوريا الآمنة من الحلول المطروحة لأسباب مختلفة تشمل الاقتصاد المتردي في سوريا والوضع الأمني في البلاد، ناهيك عن تفككها
أخيرًا، يُعتبر لبنان بالنسبة لجيل من السوريين وطنهم. بحلول سنة 2016، كان قرابة 500 ألف طفل في سن الدراسة مسجلين في لبنان ولم يُزاول نصفهم تقريبًا مقاعد الدراسة قطّ. يزداد هذا الوضع سوءًا مع حرمان وزارة التربية والتعليم الأطفال السوريين من التعليم من خلال طلب وثائق رسمية لا يستطيع الكثيرون تأمينها.
إلى جانب الممارسات التمييزية وتكاليف النقل وحقيقة أن المدارس العامة ظلت مغلقة للسنة الدراسية 2022-2023 نتيجة للأزمة متعددة الأبعاد، من الواضح أن الوضع سيزداد سوءًا. وقد حرمت هذه الأزمة اللاجئين من الحصول على التعليم أو بناء مستقبل في لبنان الذي يعتبرونه موطنهم الوحيد.
في الوقت نفسه، لا تعد العودة الطوعية إلى سوريا الآمنة من الحلول المطروحة لأسباب مختلفة تشمل الاقتصاد المتردي في سوريا والوضع الأمني في البلاد، ناهيك عن تفككها.
أظهر تقرير نُشر سنة 2020 أن 60 في المائة ممن تمت مقابلتهم من العائدين قالوا إنهم يفكرون في مغادرة “المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري” بسبب الافتقار إلى سبل العيش الكريم “وكذلك انعدام الأمن والخوف من الاعتقال”. وحسب التقرير، فإن المشكلة تتعلق أيضًا بطبيعة العودة نفسها بالنظر إلى الكثافة العالية للنزوح داخل سوريا وموقف الحكومة السورية من عودة اللاجئين.
تستحق هذه القضايا الخمس أن تُعالج بتروّي بدلاً من تجاهلها والاكتفاء بتوجيه الاتهامات. هذا لا يعني أنه يجب اتخاذ موقف دقيق ضد التمييز. وإذا كان الهدف النهائي هو حماية أولئك الذين يحتاجون إلى الحماية، فإن التصريحات التي تقول”أنا أقف مع اللاجئين” وتحث على مد يد العون لهم – ستفشل في حماية اللاجئين أنفسهم. في هذه الفترة العصيبة، يجب أن نعترف بأن الوضع معقد وأن الكثير من العوامل الديموغرافية مهمة.
المصدر: ميدل إيست آي