يبدو طرح هذا السؤال وللوهلة الأولى مستفزًا، وخصوصًا لدوائر صنع القرار في دول الخليج، كون الحفاظ على استقرار وأمن منطقة ما من البديهي والطبيعي أن يكون مسؤولية دولها أولاً وأخيرًا، ولكن ما بدر من بعض المسؤولين الخليجيين أو حتى بعض الباحثين الكبار في شؤون المنطقة في الفترة الأخيرة من سخط ولوم للشريك الإستراتيجي (الولايات المتحدة) على ما أسموه خذلان وعدم مناصرة قضايا وتحديات شركائه الخليجيين في المنطقة، يجعل طرح هذا السؤال منطقيًا بل وأكثر إلحاحًا.
لذلك نحتاج أن نفهم طبيعة هذه العلاقة – ولو بشكل مختصر – لنواجه هذا التساؤل بوضوح أكبر، فقد بدأت هذه العلاقة منذ 70 سنة مع السعودية ومع بقية دول الخليج فور استقلالها في 1971، الولايات المتحدة وهي الدولة العظمى تحتاج إلى تأمين كميات كافية من النفط والغاز الخليجيين إضافة إلى سلامة سير الملاحة الدولية، مقابل دول نامية تفتقر لمنظومة أمنية تعينها لمواجه بيئة إقليمية غير مستقرة وتموج بالتحديات الأمنية.
إذًا هناك مصلحة إستراتيجية بين طرفين قوامها “مصادر الطاقة ” بالدرجة الأولى، لذا يمكن أن نطلق على هذه العلاقة “شراكة إستراتيجية ” تقوم على توافق مصلحي أكثر من أن تكون تحالف يمثل تقارب قيمي، ولكن الفارق هنا اختلاف مستوى الحاجة وأهميتها فهي شراكة اقتصادية – أمنية، وبالطبع الأمني الوجودي أهم بكثير من الاقتصادي التنموي.
وإذا ما تعاملنا مع هذه المعطيات بقدر من الواقعية بوجود علاقة غير متكافئة من حيث درجة قوة الدولة، فهناك عملاق أمريكي مهيمن يفرض رؤيته وأجندته عند أي مشكلة وتحدي مشترك للطرفين، كذلك اختلاف مستوى الاحتياج الاقتصادي – الأمني، مع العلم أن الولايات المتحدة على مشارف أن تصبح من أكبر منتجي النفط في العالم وهو ما يعزز فرضية الاستغناء الأمريكي عن المشرق العربي والاتجاه للشرق الأقصى، فضلًا عن عدم وجود تقارب في القيم، فسنجد أن المسيطر لا يراعي مصالح الشركاء إلا بالقدر الذي يتماشى ومنافعه في هذه العلاقة، وما تعامله مع حالة الصراع في سوريا واليمن والعراق إلا شاهد على ذلك.
وعندما ندرك حقيقة هذه العلاقة ونوع هذا التعاطي من قِبل الولايات المتحدة تجاه القضايا والتحديات المشتركة، وهذا الخذلان الأمريكي نابع من عدم اكتراث أصلًا لمصالحنا الحيوية ولاعتباراتنا الوجودية، ولا نجد وصف لهذا التعامل إلا كما يقال “كثير الغنم قليل الغرم” أو حتى لا غرم أيضًا، فلا نجد أمامنا إلا أن نواجه مشكلاتنا بأنفسنا ومناصرة قضايانا مستعينين بمنظومة أمنية متكاملة وقوية تذود عن مصالحنا وتحمي مكتسباتنا، بدلاً من إلقاء اللوم على الآخرين لعدم حماية مصالحنا الوطنية وكأنهم مسؤوليين عنها!
وهذا لا يتأتى إلا بأخذ مشروع خليجي متكامل لبناء منظومة أمنية يُعتمد عليها لمواجهة التحديات الإقليمية على الأقل، وعليه لا بد أولاً من الوحدة الخليجية وتعزيز قيم المواطنة وتفعيل المشاركة السياسية لأن مشاركة المواطن الخليجي ومساهمته في إصلاح مشكلات وقضايا بلاده حتمًا سيعزز لديه قيم الانتماء وروح التضحية، فكما يقول جون تشيبمان “كلما تعززت مصلحة المواطنين ببلدانهم تعززت معها آليات الدفاع الطبيعية للدول، فالمجتمعات القوية تجعل الدول قوية وتجعلها مقاومة للنفوذ الأجنبي والخطط غير المرغوب فيها، وهذا ما سينعكس حتمًا على كافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والعسكرية فتصبح لديك منظومة أمنية متكاملة قوامها المواطن وليس النفط.