ترجمة حفصة جودة
كانت فرنسا دائمًا على رأس قائمة الأهداف في خطابات الدولة الإسلامية (داعش)؛ فقد قال أبو محمد العدناني، أهم المتحدثين باسم داعش، في أحد خطاباته “نريد باريس قبل روما وقبل الأندلس، بعد أن نسود عيشتكم وننسف بيتكم الأبيض وساعة بيج بن وبرج إيفل كما نسفنا إيوان كسرى من قبل” وأضاف أن هذه الخطة طويلة المدى وقد ينفذها أبناؤنا وأحفادنا.
لقد أُلقى هذا الخطاب في مارس الماضي، أي قبل وقت طويل من هجمات الأسبوع في العاصمة الفرنسية.
وعلى المدى القصير، فبدلًا من أن يذهب المقاتلون إلي أرض المعركة الرئيسية لداعش في العراق وسوريا حيث ترابط داعش، وبخلاف “القاعدة” التي كانت توجه هجماتها دائمًا للعدو البعيد في أمريكا وأوروبا، فإن داعش تركز علي بناء خلافتها والقتال لأجلها في العراق وسوريا ومحاولة كسب الأتباع من منطقة الشرق الأوسط في الوقت الذي انهارت فيه الكثير من دول المنطقة، ولم يكن قائد الجماعة أبوبكر البغدادي جزءًا من حركة الجهاد العالمية حتى إنه يُعتقد بأن الرجل لم يغادر سوريا والعراق أبدًا.
لكن المذبحة في باريس في 13 من نوفمبر والموجة الأخيرة من الهجمات السابقة التي تبنتها داعش تشير إلى تغيير في الإستراتيجية، أضف إلي ذلك انفجارين في بيروت في 12 نوفمبر وانفجار الطائرة الروسية في مصر في 31 أكتوبر (وانفجار أنقرة الذي خلّف 100 قتيل في 10 أكتوبر المنسوب لداعش ولكنها لم تتبناه).
يقول مسؤولون في أمريكا وأوروبا أن المهاجمين في باريس كانوا على اتصال بالقيادة المركزية لداعش في سوريا قبل الهجوم، ويقول مسؤولون عراقيون أن حكومتهم حذرت من هجوم وشيك للجماعة على مدن غربية (يقول البعض أنها ذكرت فرنسا بالتحديد)، وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند أن هذه الهجمات تم الإعداد والتنظيم والتخطيط لها من خارج البلاد، لكن إذا كانت القيادة المركزية لداعش قد شاركت مباشرة في هذا الهجوم فإنه سيمثل تصعيدًا من جانب الجماعة؛ والتي كانت حتى هذه اللحظة لها دور الملهم فقط وليس المُخطط للعنف ضد أهداف غربية، والسؤال الآن، لماذا؟
إذا ما صدقنا داعش، فإن الجماعة قامت بهذه الهجمات كعقاب للغرب على ضرباتهم الجوية ضدها في العراق وسوريا حيث يتعرض التنظيم لضغط كبير، فقد قام مقاتلو البيشمركة الأكراد، بمساعدة هذه الضربات الجوية، باستعادة مدينة سنجار شمالي غرب العراق؛ مما هدد خطوط الإمداد بين معقلي الجماعة الرئيسيين: الرقة في سوريا والموصل في العراق، وقد قام الجيش العراقي أيضًا بمحاصرة عناصر داعش في الرمادي غرب بغداد، وأيضًا في 12 نوفمبر قامت طائرة أمريكية بدون طيار بقيادة ضربة جوية قُتل فيها محمد أموازي جلاد داعش، الملقب بجون الجهادي.
بالنسبة لداعش فهذه الهجمات الخارجية المروعة تبدو وكأنها الطريقة الأكثر تأثيرًا لقتال الغرب ولتحجيم المزيد من تدخل القوات الأجنبية، سواء تدخلات روسيا في سوريا مؤخرًا أو مشاركات فرنسا منذ وقت طويل، وتمثل هذه الهجمات أيضًا مظهرًا من مظاهر الدعاية المسلحة، وبسبب ضعف داعش داخل أراضيها، تبدو الجماعة وكأنها تحاول حفظ ماء وجهها وتقوية مشروعها بأي طريقة ممكنة.
وعلى أية حال، إذا كان الردع هو الهدف فقد أتى بنتائج عكسية؛ فقد أعلنت الحكومات الغربية أنها ستصعد قتالها ضد داعش، بينما قام الطيران الفرنسي بقصف مقاتلي داعش في سوريا ردًا على مذبحة باريس.
وأيًا كان السبب المباشر لهذا التحول الإستراتيجي الواضح فمن الأفضل رؤيتها كسمة خاصة بالتنظيم تجلت أخيرًا بوضوح، وبالرغم من أن معظم خطابات الجماعة كانت موجهة لـ”العدو القريب” في الشرق الأوسط فهناك الكثير من الدعوات لمحاربة الغرب من خلال قادة الجماعة ومنشوراتها، حيث يقول العدناني في مطلع هذا العام، “لم تروا شيئًا منا بعد” في إشارة للغرب، ومبعث الخوف الآن أنه كلما تعرضت الجماعة للضغط في الداخل فسوف تقوم بهجمات أكثر في الخارج باختيار أهداف سهلة من المدن الغربية، لتتصدر نشرات الأخبار وعناوين الصحف في كل العالم.
المصدر: إيكونوميست