في أحد مقاهي اسطنبول الشعبية، كان هاني على موعد مع أبو محمد – يعمل في التهريب – والذي وجد هاني حسابه لبرنامج التواصل الصوتي عبر الانترنت سكايب في احدى مجموعات الفيسبوك التي يساعد فيها السوريون بعضهم البعض ويقترحون سبل العمل والسفر والسكن في تركيا، هاني وهو شاب في العشرين من عمره قُطعت أجبر على مغادرة أهله في دمشق بعد أن تخلّف عن الخدمة العسكرية وعمم اسمه على الحواجز كونه بلغ السنّ القانوني للتجنيد ليجد نفسه في اسطنبول بلا عمل ولا مورد ماديّ.
حضر هاني على الموعد ليجد أبو محمد يشاور اليه من بعيد بعد أن حصل على صورة شخصية له بشكل مسبق، طلب أبو محمد مبلغ 6000 يورو لقاء أن يوصله الى الدنمارك على أن يتم ذلك بعد فترة تتراوح بين 3-5 أسابيع، ليجد هاني نفسه مضطراً على الموافقة بعد أن استدان المبلغ من أحد أقاربه كونه يجد في أوروبا جنة الأرض بعد أن تقطعت به السبل ولا أمل من حل قريب للأزمة في سوريا.
بعد 4 أسابيع اتصل أبو محمد بهاني ليلتقيا من جديد، ما ان جلسا حتى وجد هاني على الطاولة جواز سفر دنماركيّ بصورة تشبه صورته الى حد غير متوقع، واسم لا يعرف أصلاً كيف يلفظه، لم يصدق هاني ما الذي يراه حتى استدرك أبو محمد وقال: ” هذا شخص دنماركيّ يشبهك الى حد كبير استطعنا الوصول اليه من خلال شبكة علاقاتنا وطلبنا جواز سفره مقابل مبلغ معين، ما أن تعبر بوابة المطار حتى سيكون صديقي بانتظارك ليأخذ الجواز منك ثم يتركك لتبدأ حياتك من جديد، هذا طبعاً بعد أن أحصل على باقي المبلغ ” – ورسم ضحكة صفراء على شفتيه -.
هذه قصة واحدة من آلاف تواجه السوريون كل يوم أملاً منهم في الوصول الى أوروبا حيث بامكانهم هناك التمتع يحق اللجوء الانسانيّ مع الحصول على مسكن وراتب شهري ثم الحصول على الجنسية بعد فترة معينة كل دولة حسب قوانينها، تركيا هي ذات الحظ الوافر من السوريين الذي يقصدون اوروبا عبرها اما جواً بواسطة جوزات أو تأشيرات مزيّفة أو بحراً الى اليونان ثم من هناك الى اوروبا، و مصر التي يقصدون منها ايطاليا، اضافة الى تونس وليبيا والجزائر التي يقصدون جزيرة مالطا أو جزيرة لامبيودزا الايطالية، أو المغرب التي يقصدون منها السواحل الاسبانية، اضافة الى جزر القمر.
احدى الطرق طرحها أحد السوريون في احدى المجموعات المغلقة قائلاً أنها مضمونة ولا تكلف الكثير وذلك عن طريق السفر الى جزر القمر التي لا تطلب فيزا للسوريين ثم الحصول على قارب للوصول الى جزيرة تخضع لوصاية فرنسية تبعد 40 دقيقة من سواحل جزر القمر، ليرد عليه آخر بطريقة أسهل من خلال الوصول الى اليونان عبر البحر ثم السفر من اليونان الى أي دولة اوروبية جواً أو بحراً كون اليونان لا زالت تشدد اجراءات الهجرة اليها، اضافة الى أن أياً من السوريين لا يرغب بالمكوث في اليونان كونها تمر بظروف اقتصادية سيئة تنعكس على المهاجرين ومعاملتهم، في ذات الوقت الذي توفر السويد مثلاً حقّ الهجرة بشكل ميسر وسهل فضلاً عن المسكن والحصول على راتب شهري قدره 800 يورو وحق الجنسية بعد 3 سنوات اضافة الى تعلم اللغة السويدية.
الحاجة أم الاختراع، هذا ينطبق تماماً على وسائل السوريين في الهجرة الى اوروبا والتي احتارت السلطات الأوروبية في مكافحتها أو منعهم من ذلك، ولكن الاختراع عادة ما يعود بالنتائج السلبية أو غير المتوقعة على صاحبه، أسوأ تلك القصص هي القوارب التي تصل من تركيا الى اليونان ثم يكتشفها خفر السواحل اليوناني ليجرّ القوارب بمن فيها بعيداً الى السواحل التركية حيث يقبض عليهم خفر السواحل التركيّ لتبدأ المحاولة من جديد، قصص كثيرة سمعناها وأخرى أكثر لم نسمعها عن قوارب السوريين التي تحركت من السواحل المصرية الى ايطاليا ثم وجدت نفسها غارقة في وسط البحر بسبب جشع أصحاب التهريب الذي يدفعون بـ 100 مهاجر في قارب لا يتسع سوى لـ 20 !
وعن القصص الموجعة فهي قصة صلاح الدين سباعي والذي يبلغ من العمر 45 سنة والذي كان مع زوجته منال عيون وأولاد الأربعة: بلال – 14 سنة – ويمان – 12 سنة – وهمام – 10 سنوات – ورغد – 4 سنوات- والذين كانوا على متن قارب قارب الصيد الذي غرق فقط على بعد 60 ميل من جنوب شاطئ لامبيدوزا الايطالية دون أي أثر لهم حتى الآن، مع عائلة صلاح كان هناك عائلات كثر من بين 646 شخص غرقوا قبالة السواحل الأوروبية على مياه المتوسط أكثر من نصفهم من الأطفال خلال 11 فقط من أول شهر أكتوبر، في احصائية واحدة من بين مئات عن قوراب غرقت وعرفناها، وأخرى كثيرة غرقت دون أن يسمع عنها أحد.