أعلنت جامعة قدير خاص التركية قبل يومين نتيجة مسحها السنوي للاتجاهات الاجتماعية والسياسية للأتراك في عام 2015، وقد كان من أبرز ما جاء في المسح هو رؤية أغلب الأتراك لروسيا على أنها الدولة الأكثر خطرا على تركيا في عام 2015 بعد أن كانت اسرائيل تتربع على قائمة صدارة أكثر الدول عداوة لتركيا منذ عدة سنوات.
وقد أجري هذا المسح في الفترة بين 9 ديسمبر و 17 ديسمبر 2015 في مراكز 26 مدينة تركية وهذا يعني أن المسح جرى بعد حادثة إسقاط طائرة السوخوي 24 الروسية بأسبوعين فقط وفي ظل التهديدات الروسية لتركيا التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبعض القادة الروس كما جاء بعد وخلال قصف الطيران الحربي الروسي لجبل التركمان في سوريا مما أدى إلى مقتل وتشريد أعداد كبيرة من تركمان سوريا الذين يراهم الأتراك جزءا لا يتجزأ من القومية التركية.
وقد رأى حوالي 65% ممن شملهم المسح في 2015 أن روسيا تشكل أكبر تهديد على تركيا بينما كانت نسبة الذين يرون في روسيا تهديدا على تركيا في عام 2014 حوالي 28% وكما ذكرنا فقد تراجعت نسبة اسرائيل التي رآها حوالي 70% من الذين شملهم المسح في 2014 بأنها تشكل خطرا على تركيا إلى حوالي 60% في 2015.
ومن خلال النظر في هذه النتائج نجد أن اسرائيل التي رأى فيها الشعب التركي بأنها الدولة الاكثر خطرا على تركيا منذ العام 2011 إلى اليوم قد بقيت على رأس قائمة العداوة لعدة سنوات وأيضا ما زالت في نظر 60% من المستطلعة آرائهم تشكل خطرا وهي نسبة ليست قليلة.
وبما أننا أشرنا أن هذا المسح قد أجري بالتزامن مع حدوث الأزمة بين روسيا وتركيا فمن الطبيعي أن ترتفع نسبة الذين يرون في روسيا عدوا لتركيا ولكن أيضا إذا قارنا بين الارتفاع والانخفاض في النسب عن العام الماضي فقد ارتفعت نسبة الذين قالوا أن روسيا تشكل تهديدا من 28% إلى 65% وهو تغيير كبير في وتحول ملحوظ في الآراء و مبرر في نفس الوقت، ولكن إذا نظرنا إلى التراجع في من يرون أن اسرائيل تشكل تهديدا على تركيا فقد تراجعت نسبتهم من 70% إلى 60% وهو تراجع بسيط جدا مقارنة بالزيادة في نسبة من يرون الخطر قادما من روسيا.
وذلك بالرغم من أن الحديث كان يدور في الأشهر الأخيرة عن تقارب في العلاقات بين تركيا واسرائيل وما رافق ذلك من تصريحات دبلوماسية ناعمة من الطرفين مثل ما صرح به الناطق باسم حزب العدالة عمر تشيلك ونائب رئيس الحزب بأن الشعبين التركي والاسرائيلي أصدقاء إلا أن نسبة الأتراك الذين يرون أن اسرائيل تشكل خطرا على تركيا لم تتراجع كثيرا.
ولا شك أن التاريخ يقودنا إلى وجود عداوة تاريخية بين الروس والأتراك وأن حروبا كثيرة نشبت بينهما كان آخرها في 1915 إضافة لانضمام تركيا للناتو في 1952 والذي تم تصميمه من أجل تحجيم روسيا إلا أن الدولتين وبالرغم من وجود عقبات كثيرة أمام التوافق بينهما قد استطاعا الالتقاء على نقاط مشتركة بل تم تشكيل المجلس الاستراتيجي الأعلى بين قيادتي البلدين ولكن أزمة الطائرة الروسية التي أسقطها الأتراك في 24 نوفمبر الماضي قد كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وفتحت جرح الخلافات القديمة ولكن ما زال من الممكن العمل على تهدئة الخلافات ولكن هذا سيتطلب وقتا .
أما اسرائيل فبالرغم من أن العلاقات على المستوى الحكومي قد كانت جيدة منذ قيام الجمهورية التركية في عام 1923 وظلت في تصاعد حتى وصلت ذروتها في عام 1997 وحتى في عهد العدالة والتنمية بقيت العلاقات جيدة حتى توترت تزامنا مع حديث رئيس الوزراء التركي انذاك رجب طيب أردوغان مع رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق شيمعون بيرس في دافوس في 2009 ووصولا ألى الهجوم الاسرائيلي على سفينة مرمرة في 2010 الذي قطعت العلاقات في أعقابه.إلا أن نظرة الشعب التركي كانت دائما تتسم بعدم تقبل الاسرائيليين كأصدقاء بل تراهم من أكثر الذين يشكلون خطرا على تركيا.
ولما سبق فإن تصدر الروس لقائمة العداوة أو الأكثر خطرا على الشعب التركي قد يكون مؤقتا لتعود اسرائيل لتحتل الموقع الأول في الدول التي يراها الشعب التركي بأنها خطر عليه حتى لو عادت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
تقول لنا العلاقات الدولية أنه لا توجد صداقات دائمة كما أنه لا توجد عداوات دائمة وبالتالي فإن أولوية العداوات هي متحركة بين حين لآخر فقد تكون اليوم دولة ما هي العدو الاول وغدا تصبح دولة أخرى أو تصبح الاولى صديقا أو حليفا ولكن في حالة اسرائيل والشعوب المسلمة وليس الحكومات قد تكون هذه القاعدة غير فعالة.
وأختم بموقف حدث معي هو أنه فور تصريح الناطق باسم حزب العدالة والتنمية حول صداقة الشعبين الاسرائيلي والتركي اتصل بي أحد الأصدقاء الأتراك مستنكرا هذا التصريح قائلا يمكن ان نتفهم تحسين العلاقات مع اسرائيل تكتيكيا ولكن لم يكن الشعب التركي صديقا للشعب الاسرائيلي ولن يكون !