ترجمة وتحرير نون بوست
في 12 يناير من الشهر الجاري، دُعي الدكتور رفاعي حمو، وهو لاجئ يبلغ من العمر 55 عامًا والمعروف على وسائل الاعلام الاجتماعية باسم “العالم”، لحضور خطاب الأمة النهائي لباراك أوباما أمام جلسة الكونجرس المشتركة.
بالنسبة لحمو، شكلّت هذه الدعوة تغييرًا جذريًا لحظوظه؛ فقبل شهر واحد فقط، كان الطبيب جزءًا من جمعٍ مجهول مؤلف من ملايين السوريين المنسيين الذين انهارت حيواتهم مع تحول مصير بلادهم إلى الدم والخراب والأنقاض.
ابتدأت القصة عندما قام براندون ستانتون، المصوّر الذي يقف خلف مدونة “هيومنز أوف نيويوك” أو “بشر من نيويورك” الشهيرة على مستوى العالم، بمشاركة قصة حمو مع 16 مليون معجب بمدونته على الإنترنت، موضحًا كيف هرب الدكتور حمو من سوريا بعيد انفجار قنبلة في منزله، حاصدة أرواح سبعة من أفراد أسرته، بما في ذلك زوجته وإحدى بناته، “كان ابني يحمل شظايا جسد أمه وأخته ويخرج من المنزل، لقد كان في الـ14 من عمره حينئذ، وكان متقد الذكاء، ومتفوقًا على زملائه، ولكنه اليوم لم يعد كذلك”، قال حمو لستانتون.
التقى ستناسون بحمو في إسطنبول كجزء من مشروع صور أسماه “الأمريكيون السوريون”، والذي يهدف لتسليط الضوء على قصص الأسر السورية في المنفى، في تركيا والأردن، وعلى مدى أسبوعين، شارك ستانتون مع جمهوره صور وقصص هؤلاء اللاجئين الذين تم اختيارهم لإعادة التوطين في الولايات المتحدة.
“أقل الأشخاص قدرة على سرد قصص حياتهم، وبذات الوقت الأكثر حاجة لسردها، هم اللاجئون”، قال ستانتون لصحيفة الميدل إيست آي.
الدكتور رفاعي حمو من صفحة هيومانز أوف نيويورك على الفيسبوك
لاحقاً، وضمن تركيا، حيث فر مع عائلته، تم تشخيص حمو بمرض سرطان المعدة، ولكنه لم يكن يستطيع تحمل نفقات العلاج الطبي، حيث قال لستانتون: “أنا حاصل على درجة الدكتوراه، ولكنني ممنوع من العمل في تركيا بدون استصدار تصريح بالإقامة، ويوجد جامعة هنا تدرّس أحد الكتب التي ألّفتها، ولكنها مع ذلك لم تقم بتوظيفي”.
في خضم حالة الحداد والإفلاس والمرض التي يعيشها، لم يتبقَ أمام الطبيب فسحة من الحياة سوى بالأمل، حيث قال: “ما زلت أعتقد بأن أمامي فرصة لإحداث فرق في هذا العالم، لدي العديد من الاختراعات التي آمل أن أحصل على براءة اختراع لها بمجرد وصولي لأمريكا”.
من خلال حفنة من الصور مع بعض الاقتباسات البسيطة من عبارت حمو، نجح ستانتون في المهمة التي أخفقت بها معظم وسائل الإعلام الرائدة، حيث نجح بإثارة التعاطف مع السوريين، ليس تجاه المحنة التي تعيشها دولتهم، بل تجاه السوريين كأفراد يمتلكون قصصًا تستحق التقصي والنشر، وفعلًا، وعلى الفور، عمد عشرات الآلاف من معجبي صفحة ستانتون إلى مشاركة قصة حمو والتعليق عليها، وتصادف بأن أحد هؤلاء الأشخاص كان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
“كزوج وأب، لا أستطيع أن أتصور حتى الخسارة التي عانيت منها، أنت وعائلتك مصدر إلهام لنا”، علّق باراك أوباما في منشور له على الفيسبوك، مشيرًا إلى محنة حمو.
في منتصف ديسمبر المنصرم، انتقل الدكتور حمو إلى ولاية ميشيغان مع أولاده الأربعة، “ما زال بإمكانك أن تحدث فرقًا في العالم، ونحن فخورون بأنك ستلاحق أحلامك هنا” قال الرئيس الأمريكي، وأضاف: “مرحبًا بكم في بيتكم الجديد، أنتم جزء من عظمة أمريكا”.
“عندما بدأتُ بفكرة هيومنز أوف نيويورك، كنت أركز على سرد قصص الغرباء في الشوارع، ومن ثم أدركت بأنني قادر على أن أتوسع بمشروعي إلى أبعد من مجرد حدود المدينة” قال ستانتون، الذي باشر بمشروعه بالتقاط صور المارة بشكل عشوائي في شوارع نيويورك في عام 2011، ومن ثم غادر المدينة مرارًا وسافر إلى الخارج لزيارة دول مثل إيران وباكستان، الأماكن التي نادرًا ما يتردد عليها الأميركيون.
وبالتعاون مع الأمم المتحدة، سافر ستانتون أيضًا إلى العراق والأردن في أغسطس 2014، حيث حظي بفرصة للقاء العائلات السورية التي اضطرت إلى الفرار من بلادها، “أتمتع بالكثير من الخبرة بقصص اللاجئين”، قال ستانتون، الذي امتشق كاميراته وقلمه، ومارس خارج البلاد ذات النشاط التصويري الذي مارسه في مانهاتن، وشارك قصص الأناس الاعتياديين التي تستحق النشر في محاولة لكسر القوالب النمطية التي تعتريها، “هذه الصيغة مكّنت العالم من سماع قصص اللاجئين التي لم يكن لهم أن يسمعوها لولا ذلك”، أضاف ستانتون.
ذات هذه الصيغة استعملها عشرات المصورين السوريين لإنشاء صفحة على الفيسبوك مستوحاة مباشرة من فكرة هيومنز أوف نيويورك، إنها صفحة “هيومنز أوف سوريا” أو “بشر من سوريا”.
أبو أحمد، 33 عامًا، الذي فقد منزله لتوه في غارة جوية، عبد دوماني هيومنز أوف سوريا
الصورة السابقة، التي اُلتقطت في الشتاء الماضي بدوما في الغوطة الشرقية، وهي منطقة يسيطر عليها الثوار في ضواحي دمشق، هي جزء من سلسلة طويلة من القصص التي نُشرت منذ 14 مارس 2015 في الذكرى الرابعة للانتفاضة السورية، وكان هدف المصورين، وهم بمعظمهم من المحترفين الذين يعملون مع وكالات الأنباء الهامة مثل رويترز ووكالة فرانس برس، بسيطًا للغاية عندما باشروا لأول مرة في مشروعهم، ويتمثل بإيضاح شكل الحياة بالنسبة للـ”البشر” الذين لا يزالون يعيشون في الداخل السوري الذي مزقه الحرب.
سعيد، 24 عامًا، الذي يعيش تحت الحصار منذ أكثر من عامين ونصف، الصورة ملتقطة في 20 أكتوبر 2015 بعدسة أحمد مجاهد من هيومنز أوف سوريا.
“لقد كنا نراقب صفحة هيومنز أوف نيويورك منذ ثلاث سنوات، إنها صفحة مثيرة للاهتمام وتذكرنا بأن المدينة تضم بشرًا يعيشون ضمنها، ولكنني أعتقد بأن سوريا هي المكان الوحيد على وجه الأرض الذي نحتاج لنؤكد ونشدد على وجود بشر حقيقيين ضمنه، بشر لهم قيمتهم”، قال سعيد البطل، المصور البالغ من العمر 28 عامًا، وأحد المؤسسين المشاركين في صفحة هيومنز أوف سوريا، لصحيفة الميدل إيست آي.
على مدار الخمس سنوات السابقة، أسفر النزاع في سوريا عن مقتل 260.000 شخصًا على الأقل، كما أجبرت الأزمة السورية أكثر من أربعة ملايين سوري على الفرار خارج بلادهم، فضلًا عن تهجير ملايين آخرين داخل سوريا.
يعتقد أعضاء مبادرة هيومنز أوف سوريا، وهم متطوعون بجهودهم، بأن السكان المحاصرين في مناطق الصراع بسوريا، والمختبئون خلف تلك الأرقام المجردة، يستحقون تغطية أفضل، “لقد أصبح أولئك الأشخاص عبارة عن إحصاءات وأرقام ليس إلا، مجرد تقارير أخبارية تصادفونها خلال يومكم” قال بطل، الذي لا يستخدم اسمه الحقيقي لأسباب أمنية، وأضاف: “خلف كل صورة من هذه الصور يوجد قصة لشخص يحمل أحلامًا وآمالًا، تمامًا كأي إنسان في العالم، كائنًا من كان”.
حمزة (يمين)، 7 سنوات، سامر (في الوسط)، 9 سنوات، يحيى (يسار) 9 سنوات، الصورة ملتقطة في 12 نوفمبر 2015، بعدسة نور حمزة من هيومنز أوف سوريا.
حاليًا، يتعاون أكثر من 50 شخصًا في سير المشروع، بما في ذلك مصممين ومحررين ومترجمين، حيث باشرت الصفحة جهودها في بداية المطاف من خلال النشر باللغتين الإنجليزية والعربية فقط، ولكنها الآن تنشر الصور مع مقتطفات مترجمة باللغة الفرنسية لاستقطاب جمهور أوسع.
تهدف هذه المبادرة لتغطية المزيد من الأراضي السورية، وضم المزيد من المصورين الجدد من شتى أنحاء المدن والمحافظات السورية، “نأمل أن نتمكن من تغطية كامل سوريا، حتى المناطق التي يحكمها النظام”، قال مارفن، منسق الجهود الجماعية البالغ من العمر 25 عامًا، لصحيفة الميدل إيست آي.
محمد، 24 عامًا، في حفل زفاف في مخيم اليرموك، بعدسة نيراز من هيومنز أوف سوريا.
يشير مارفن، الذي يستخدم اسمًا مستعارًا، بأنه حتى ضمن الداخل السوري، معظم الأشخاص لا يحصلون على هذا النوع من المعلومات التي تنشرها الصور، كون البلاد أضحت مجزأة ومقسمة تمامًا، ومن غير المتاح بالنسبة لبعض المناطق السورية الوصول إلى العالم الخارجي؛ فالغوطة الشرقية على وجه الخصوص، حيث يعمل معظم مصوري هيومنز أوف سوريا، محاصرة بشكل مستمر من قِبل قوات الحكومة السورية منذ عام 2013، وأصبحت، كما يصفها البطل، “جزيرة معزولة”.
“معظم الأشخاص هنا يعيشون بلا كهرباء، وبلا إنترنت، إنها حظوة كبيرة بالنسبة لي بأن أحادثكم مستخدمًا شبكة الإنترنت”، قال البطل وهو يتحدث معنا بصوت متقطع على برنامج السكايب.
مدينة الأحلام
إلى جانب خطر نشر التقارير من بلد “أصبح الموت فيه أمرًا مألوفًا للغاية”، كما يقول البطل، يتمثل التحدي الأكبر بالنسبة للمصورين بالعثور ربما على الجانب المضيء من الحياة في الداخل السوري، “الجميع يعلم بأن الوضع صعب هنا، لذلك نحاول التركيز على الجانب الإيجابي”، قال مارفن.
هذا الصيف، نشرت الصفحة سلسلة صور حول رجال الدفاع المدني السوري، الذين يُلقبون أيضًا باسم “ذوي الخوذات البيضاء”، وهم مجموعة من المتطوعين غير المسلحين الذين يعملون في جهود البحث والإنقاذ في المناطق التي انعدمت ضمنها الخدمات العامة.
ذوو الخوذات البيضاء: اسماعيل، أحمد، لؤي، عمار، عبد، محمد، وزكريا يجمتعون لالتقاط صورة سيلفي بعد مهمة إنقاذ، حلب في 30 أبريل 2015، بعدسة خالد الخطيب من هيومنز أوف سوريا.
في حلب، التقى أحد المصورين بصبي صغير بنى “مدينة الأحلام”؛ فباستعمال ورقة، بعض الغراء، والكثير من الخيال، خلق محمد قطيش نموذجًا مصغرًا لمدينة تضم كافة المواقع الرئيسية لمسقط رأسه في حلب، حيث وضع ضمنه نماذج للبلدة القديمة ولقلعة حلب ولبيوتها القديمة، وأضاف لمدينة أحلامه المباني العالمية الشهيرة كبرج العرب وبرج خليفة في دبي، وبرج المملكة في السعودية، وبعيدًا عن ساحات القتال، كان حلم محمد عن عالم خالٍ من الصراع، جزءًا من معرض افتتحه والده في الحي.
محمد، 13 عامًا، يعيش في أحدة أخطر الأماكن في العالم، لذلك بنى مدينة أحلامه، بعدسة جواد قربي من هيومنز أوف سوريا.
بفضل صفحتها على الفيسبوك التي تضم حوالي 13.000 معجب، تحاول المبادرة السورية الجماعية، متى كان ذلك ممكنًا، ربط الأشخاص الذين تروي قصصهم مع طلبات المساعدة التي يضعها الأشخاص عبر الإنترنت، حيث استطاعت منشورات هيومنز أوف نيويورك على وجه الخصوص استقطاب دعم مذهل، لدرجة أن شخصين من جامعي التبرعات هبوا فورًا لمساعدة الدكتور رفاعي حمو، أحدهما تم تعيينه من قِبل أحد سكان ميشيغان، والآخر من قِبل الممثل والمنتج الأمريكي إدوارد نورتون، الذي قال بأنه “غالب دموعه” بعد سماعه قصة الطبيب الذي تم تشخيصه بالسرطان.
عشية عيد الميلاد، بدأ براندون ستانتون أيضًا حملة تمويل من العامة لصالح 11 عائلة سورية قام بإيراد قصصهم، واستطاعت الحملة جمع مبلغ ينوف عن 750.000 دولار خلال 22 يومًا.
أخيرًا، ووفقًا لستانتون، خضع الدكتور حمو مؤخرًا لعملية جراحية لإزاله الورم من معدته، وتوضح بأن الورم كان حميدًا.
المصدر: ميدل إيست آي