يتجه رئيس حركة مجتمع السلم (حمس) عبد الرزاق مقري للترشح لعهدة جديدة لرئاسة أكبر حزب إخواني في الجزائر خلال مؤتمر الحركة المقرر في مايو المقبل، ويراهن على عودة حركة البناء الوطني التي انشقت عن الحزب إلى صفوف الحركة لتعزيز حظوظه حتى لو أن خصومه لا يملكون أوراقًا رابحة لمنافسته.
لم يعلن مقري حتى الآن ترشحه لانتخابات حركة الشيخ المؤسس محفوظ نحناح، إلا أن أغلب الترجيحات المستقاة من داخل الحزب تشير إلى ترشحه لعهدة جديدة بالنظر إلى الثقة التي يحظى بها من مجلس الشورى.
حصيلة ناجحة
يراهن مقري في حصوله على ثقة المؤتمرين على حصيلته خلال العهدة الحاليّة التي يراها ناجحة، وقال بعد انتهاء أشغال الدورة الأخيرة لمجلس الشورى إن كل القرارات والبرامج التي اتخذها منذ انتخابه في منصبه سنة 2013 وافقت عليها اجتماعات مجالس شورى بـ”أغلبية ساحقة”، بما في ذلك “مسعى الوحدة مع حركة البناء الوطني”.
وأضاف “بصفتي رئيس للحركة فإن كل السياسات والقرارات التي اتخذتها والبرامج صادقت عليها عشر دورات مجالس شورى الحركة بأغلبية ساحقة، كما أن مساعي الوحدة مع حركة البناء الوطني وأحزاب أخرى هو الآخر قرار مبدئي أكدت عليه دورات اجتماع مجلس الشورى”.
ولم يتردد مقري في القول إن حصيلته على رأس أكبر حزب إسلامي في الجزائر “موفقة”، ووعد بعرضها في المؤتمر القادم، ودعا مناضلي حركته إلى الحرص دائمًا على تقييم “المؤسسات وليس الأشخاص” داخل الحزب.
يسعى مقري إلى تحقيق إنجاز جديد قبل انعقاد مؤتمر الحركة يتمثل في عودة مناضلي حركة البناء الوطني إلى صفوف حمس
وأوضح أن حركة مجتمع السلم تعاملت في كل فترة “وفق ظروفها فأصابت تارة وأخطأت تارة، لكنها ستبقى حافظة للوطن وتؤدي واجبها تجاهه بأقصى ما تستطيع من منطلق خلفية حضارية إسلامية مستمدة من موروث بيان أول نوفمبر 1954”.
ورقة الوحدة
ولعل أهم الأوراق الرابحة التي يملكها عبد الرزاق مقري هو محاولته لم شتات أبناء حركة الشيخ المؤسس محفوظ نحناح، فبعد نجاحه سابقًا في إعادة أول المنشقين (جبهة التغيير) ورئيسها عبد المجيد مناصرة، يسعى حاليًّا لإعادة حركة البناء الوطني ورئيسها السابق مصطفى بلمهدي الذي تكمن أهميته في أنه كان في السنوات الأخيرة ممثلاً لجماعة الإخوان في الجزائر.
وتنازل مقري من أجل عودة جبهة التغيير على رئاسة الحركة 4 أشهر لعبد المجيد مناصرة وفق ما تضمنه اتفاق الوحدة، وهي خطوة قلما تحدث في الأحزاب الجزائرية، وهي الخطوة التي كللت في الأخير بحل جبهة التغيير نهائيًا واندماجها كليًا في الحزب الأم (حركة مجتمع السلم).
ويسعى مقري إلى تحقيق إنجاز جديد قبل انعقاد مؤتمر الحركة يتمثل في عودة مناضلي حركة البناء الوطني إلى صفوف حمس، الأمر الذي سيمثل ضربة لعبد الله جاب الله رئيس جبهة العدالة والتنمية أبرز خصوم مقري الإسلاميين، لأن هذه الوحدة ستنهي اتحاد النهضة والعدالة والبناء الذي يبقى جاب الله أهم قادته بالنظر إلى ماضيه النضالي وشخصيته الكاريزماتية.
ويبدو أن حركة البناء الوطني صارت مقتنعة بأن الرجوع إلى صفوف حمس هو الأفضل لها خاصة مع المشاكل التي يعرفها الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء بسبب المشاكل الداخلية لحركة النهضة، وهو ما عبر عنه صراحة عبد القادر بن قرينة الرئيس الجديد لحركة البناء.
وقال بن قرينة إن لحزبه رغبة في تشكيل وحدة مع حركة مجتمع السلم، دون التخلي عن اتحاد النهضة والعدالة والبناء.
طريق عبد الرزاق مقري للبقاء على رأس حمس محفوف ببقائه على رأيه الرافض للعودة إلى حضن السلطة والمشاركة في الحكومة
وأضاف “قيادة الحزب تعمل على تنفيذ قرارات مؤتمر الحزب المنعقد مؤخرًا الذي دعا إلى الاندماج الكلي مع حركة مجتمع السلم، في إطار وحدة تتجاوز السلبيات والأخطاء السابقة والأنانيات، وتؤسس لوحدة جديدة على أساس منهج الراحل محفوظ نحناح المتكامل، وهو منهج الوسطية والمشاركة والمعارضة الإيجابية، وليس امتهان المعارضة من أجل المعارضة”.
لكن بن قرينة يرفض أن تكون الوحدة قبل المؤتمر الاستثنائي لـ”حمس” بحجة “عدم التشويش والتأثير على قراراتهم واختياراتهم، لكن بعد هذا المؤتمر سيتم الجلوس مع الحركة لمناقشة تفاصيل الوحدة”.
المعارضة وخصوم الداخل
طريق عبد الرزاق مقري للبقاء على رأس حمس محفوف ببقائه على رأيه الرافض للعودة إلى حضن السلطة والمشاركة في الحكومة، وإقناع خصومه الذين يرون في هذا الاصطفاف لا يقدم ولا يؤخر برأيه، ويعتقدون أن الحركة بإمكانها التغيير وخدمة الجزائريين أكثر في حال وجودها ضمن مجموعة صنع القرار في البلاد.
حرص مقري منذ توليه دفة حمس في 2013 على إعلان تطليق التحالف الرئاسي على عدم العودة إلى صف الموالاة رغم العروض التي قدمت لحركته، آخرها المشاورات التي أجراها معه في مايو الماضي الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال قبل تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات التشريعية.
ويبدو مقري مصرًا على السير في هذا الطريق، فقد قلل من التغيير الحكومي الأخير الذي أجراه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الأربعاء الماضي.
مراقبون يعتبرون أن جناح سلطاني فقد قوته داخل الحركة، خاصة في مجلس الشورى حتى ولو ترشح الأخير لانتخابات الرئاسة في مؤتمر مايو المقبل
وقال: “نحن لا نهتم بهذه التعديلات حتى ولو تم تغيير الحكومة كلها، لأن العبرة ليس في تغيير الحكومات وإنما في الحكم الراشد وتغيير الذهنيات”.
لكن هذا الموقف شكل دومًا لمقري خلافات مع أبرز خصومه الرئيس الأسبق للحركة أبو جرة سلطاني الذي لا يتردد في كل مرة في انتقاد هذه السياسة التي يقول إنها تتعارض مع فكر الشيخ المؤسس محفوظ نحناح الذي كان من السباقين للانضمام إلى الائتلاف الحكومي.
غير أن مراقبين يعتبرون أن جناح سلطاني فقد قوته داخل الحركة، خاصة في مجلس الشورى حتى ولو ترشح الأخير لانتخابات الرئاسة في مؤتمر مايو المقبل، مما يعني أن أي معارضة ضد مقري للوقوف ضد بقائه على رأس حمس لن تقدم أو تؤخر في حال أعلن ترشحه من جديد.