تراجع دور المدن الترفيهية بغزة في الآونة الأخيرة، التي تعتبر المتنفس الوحيد لأهالي قطاع غزة في ظل الحصار الراهن، فبعد أن كانت 20 مدينة ترفيهية منتشرة في أرجاء القطاع من شمالها لجنوبها، لم يتبق الآن سوى 6، وكأنهن على حبل الصراط بين المضي نحو الاستمرار أو إعلان الاستسلام.
يرجع ذلك لعدة أسباب وعوامل اقتصادية وسيما السياسية، فكان تعنت طرفي الانقسام في تنفيذ المصالحة الوطنية الفلسطينية وقيام الحكومة في رام الله بتقليص رواتب موظفيها بغزة، أهم الأسباب التي أدت لفشل بعض المشاريع كالمدن الترفيهية وغيرها.
هذه المشاريع جاءت نكبة لأصحابها، ففي الوقت الذي فكر فيه بعض رجال الأعمال في غزة بإدخال وسائل للفرح والترفيه عل شعبهم في ظل الحصار على غزة، بملايين الدولارات، جاء ذلك تزامنًا مع الخلافات الأخيرة بين فتح وحماس وتحديدًا في بداية 2018، عدا عن اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي بغاراته الجوية على قطاع غزة، التي أدت لتضرر بعض الألعاب، وكذلك عامل تقليص الكهرباء الذي فرضته الحكومة في رام الله ضمن العقوبات المفروضة على قطاع غزة.
أُغلقت مدينة سيلامي التي كلف افتتاحها ما يقارب 150 ألف دولار، وقد واجهت مدينة “الرمبو” نفس المصير وكلف إنتاجها أضعاف المدن المغلقة الأخرى
مدينة “سيلامي” الترفيهية أُغلقت أيضًا مطلع عام 2018، تبعتها مدينة “الرمبو”، وما زالت هناك عدة مدن وملاهٍ ومنتجعات ترفيهية مهددة بالإغلاق أيضًا في ظل الوضع الاقتصادي المتردي في قطاع غزة.
وبحسب ما أوضح (ف. ن) صاحب إحدى المدن الترفيهية المغلقة لـ”نون بوست” فإن المدينة أُغلقت نظرًا للظروف الاقتصادية المتردية التي لحقت بقطاع غزة في الآونة الأخيرة، فلقمة العيش وصعوبة الحصول عليها كانت أولى عند الناس من هذه المدينة التي لم تستطع الصمود بعدما أصبحت خالية من زبائنها، فالملاهي تحتاج لمصاريف تشغيل يومية تتعدى 1500 دولار، إضافة إلى حاجة موظفي الملاهي لعائد مادي مقابل العمل، فالأمر لم يقتصر على أصحاب المدن الترفيهية وزبائنها فقط، فالعاملون بهذه الملاهي لديهم أسر ولا يوجد لهم أي مصدر للدخل حاليًّا بعد تسريحهم من العمل بسبب خسارة هذه المشاريع.
وكانت هذه المدينة قد كلف افتتاحها ما يقارب 150 ألف دولار، وقد واجهت مدينة “الرمبو” التي أُغلقت نفس المصير وكلف إنتاجها أضعاف المدن المغلقة الأخرى، إذ كلف افتتاحها قرابة ربع مليون دولار، بينما وصلت خسائرها إلى مليوني شيكل إسرائيلي (أكثر من نصف مليون دولار).
الناشطة هبة الهندي كانت دائمًا تنظم أنشطة ترفيهية لأطفال غزة عبر المخيمات الصيفية إلى مدينة “الرمبو” الترفيهية قبل إغلاقها، كون ميزانية الاستفادة منها تعتبر الأقرب لمعاش المواطن الفلسطيني في ظل الحصار الخانق على قطاع غزة، كما كانت تقوم برحلات ترفيهية لطلابها من المدرسة التي تعمل بها في عطلة نهاية الأسبوع، فأدى إغلاقها لإحداث كبت للطلاب، وكذلك أثر على نفسياتهم بالدراسة الخالية من عوامل الترفيه.
هناك مدن ترفيهية أخرى معرضة للإغلاق أو شبه مغلقة، مثل مدينة “بلموندو” للألعاب على شاطئ بحر مدينة غزة، التي فتحت أبوابها أمام الزائرين عام 2016، بتكلفة مالية بلغت مليون ونصف المليون دولار تقريبًا
جاء خبر إغلاق “الرمبو” وكأن مدينة غزة أصبحت غير قابلة للحياة، فلم تعد تُسمع أصوات الأطفال بهذه الملاهي الترفيهية، بعد أن كانت تعج بهم وبضحكاتهم، فباتت الألعاب الكهربائية مهجورة من البشر وكأن المدينة تتعرض لحظر تجوال جعلها ساكنة ومشلولة الحركة.
هناك مدن ترفيهية أخرى معرضة للإغلاق أو شبه مغلقة، مثل مدينة “بلموندو” للألعاب على شاطئ بحر مدينة غزة، التي فتحت أبوابها أمام الزائرين عام 2016، بتكلفة مالية بلغت مليون ونصف المليون دولار تقريبًا، لكنها بدت مهجورة وقد ملأ الغبار مكان الأطفال.
كيف أثر تعنت طرفي الانقسام بتنفيذ المصالحة على إغلاق دور الملاهي؟
يقول المختص في الشؤون الاقتصادية الدكتور سمير أبو مدللة لـ”نون بوست” إن تعنت حركة حماس بعدم الانصياع لشروط المصالحة أو العكس، جعل السلطة الفلسطينية تمارس عقوباتها على قطاع غزة، وزادت حدتها بعد اتهام السلطة لحركة حماس بتفجير موكب الحمد الله في غزة في الأشهر الأخيرة، الأمر الذي نفته حركة حماس، ما أدى لتخفيض الميزانية التي تقدمها السلطة لغزة بنسبة 50%، بمعنى 22 مليون دولار من أصل 44 مليون دولار.
وأوضح أبو مدللة أن رواتب موظفي غزة هي المحرك الأساسي للعجلة الاقتصادية في القطاع ومنعشة لها، وخاصة أن عددهم تعدى الـ75 ألف موظف، أغلبهم مقترضي بنوك، فكان ما تبقى معهم من الـ50% التي تم خصمها هي ما تسد به رمقهم طيلة الشهر، وأثر ذلك على مشتريات القطاع الاقتصادي والصحي والزراعي وغيرها، ما جعل عند الشعب أولوية بسد الرمق بدلاً من الترفيه عن النفس بدور الملاهي.
ويقول المختص القانوني لمدينة “بلموند” الترفيهية وائل دان: “بعد أزمة الرواتب تراجع عدد الزائرين للمدينة بنسبة 80%، وبتنا لا نستطيع تحصيل ثمن السولار الخاص بمولد الكهرباء الذي يحتاج لمصاريف تشغيل يومية تصل لـ500 دولار، ما أدى لتراكم الديون على الملاهي، وقام بعض الدائنين برفع القضايا والشكاوى، ليتم الحجز على مطعم الملاهي من المحكمة، ما دفع لإغلاقها مؤقتًا بمزيدٍ من الديون، على أمل أن تتحسن الأحوال لاحقًا”.
ويضيف دان “القائمون على المدينة أعادوا ترتيب الأوضاع وافتتاح المدينة بحفلٍ كبيرٍ مطلع الشهر الرابع من عام 2018، مع الإعلان عن العروض والخصومات لجذب الزبائن لزيارة المدينة، ولكن دون جدوى، حيث شكّل الافتتاح الجديد انقلابًا على الملاهي أكثر من سابقه”.