بعد أقل من شهر من المقرر أن تكشف المملكة العربية السعودية النقاب عن أسماء الشركات الفائزة بالمناقصة الخاصة لبناء مفاعلين للطاقة النووية، والمقرر بدء العمل فيهما نهاية العام الحاليّ 2018، في خطوة تهدف المملكة من خلالها إلى الدخول إلى النادي النووي لأول مرة في تاريخها.
المفاعلان المدرجان تحت إطار المشروع الوطني للطاقة الذرية الذي تهدف المملكة من خلاله بناء 16 مفاعلاً نوويًا على مدى الـ20 – 25 سنة القادمة، من المقرر أن يكونا تحت إشراف مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، ويهدفان لتمكين المملكة من الاستفادة من الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية في تعزيز مصادر الطاقة الكهربائية، حسبما أشار وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، في تصريحاته التي أكد خلالها أن القدرة الإنتاجية لهما ستقدر ما بين 1200 و1600 ميجاوات للمفاعل الواحد.
وتبقى موافقة واشنطن على هذه الخطوة أحد أبرز المعضلات التي ربما تواجه الرياض، ومن ثم فمن المتوقع أن يتصدر هذا الملف جدول أعمال ولي العهد محمد بن سلمان، خلال زيارته للولايات المتحدة، الشهر القادم، في الوقت الذي تواجه فيه إدارة دونالد ترامب موقفًا حرجًا إزاء هذه القضية التي وصلت المفاوضات حيالها إلى طريق مسدود مع إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
منافسة إيران
بعيدًا عن الأهداف المعلنة بشأن الدوافع الاقتصادية لبناء مفاعلات نووية بالمملكة، فإن أهدافًا أخرى ربما تسبق ما تم كشفه عبر التصريحات الرسمية هي من تقف وراء هذا المشروع الذي يمثل نقلة نوعية في المسار الإستراتيجي للسعودية خلال السنوات القادمة.
محاولة تصدير صورة ذهنية عن قوة وهيبة المملكة، وتحسين صورتها دوليًا، هي الدافع الأبرز لهذه الخطوة بحسب صحيفة “واشنطن بوست” التي أشارت في تقرير لـ”ستيفن موفسون” أن هذا المشروع يأتي بمثابة خطوة مطابقة للبرنامج النووي للخصم الإقليمي الأبدي للسعودية في المنطقة، إيران، من جهة، وإشباع العطش المحلي في المملكة للطاقة من جهة أخرى.
خيار شائك باتت فيه إدارة ترامب مع اقتراب إعلان أسماء الشركات الفائزة في المناقصة، ما بين تعزيز الشركات الأمريكية بقيادة “ويستينغهاوس” إحدى الشركات المنافسة على الفوز بالصفقة، ومكافحة الانتشار النووي
جاء الاتفاق النووي الإيراني الموقع في 2015 بعد سنوات من المفاوضات المتعثرة، وتداعياته على توسعة نفوذ طهران الإقليمي، بمثابة الصدمة بالنسبة للرياض، في ظل صراع النفوذ بين القوتين في المنطقة، ومن ثم كان لا بد من خطوة مشابهة تعادل معايير القوة بين البلدين.
لم تكن طهران النموذج الوحيد الذي دفع الرياض إلى ضرورة البحث عن مصادر لتقوية هيبتها عبر بناء مفاعل نووي، بل كانت الإمارات هي الأخرى حاضرة وبقوة في المعادلة، وذلك بعد اتفاقها مع كوريا الجنوبية على بناء 4 مفاعلات نووية، وذلك رغم توقيعها على اتفاقية 123 (مادة في قانون الطاقة الذرية الأمريكي، تفرض قيودًا على تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود المستهلك وكلاهما يمكن استخدامهما في إنتاج قنابل نووية) في يناير/كانون الثاني 2009 التي تقر بعدم إثراء أو إعادة المعالجة، على الرغم من أن هناك فقرة تقول إنها يمكن أن تعيد النظر إذا بدأ الآخرون في المنطقة بذلك.
توازن معايير القوة مع إيران أبرز دوافع السعودية لبناء مفاعلات نووية
المعضلة الأمريكية
مفاوضات بناء السعودية لمفاعلات نووية لم تكن وليدة اللحظة، وإن تسارعت الخطى بشكل أكبر خلال العامين الماضيين على وجه الخصوص، فخلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وصلت المفاوضات مع الرياض إلى طريق مسدود، حيث طلبت واشنطن حينها أن تقدم المملكة التزامًا مماثلاً لما فعلته أبو ظبي وهو ما لم يتحقق حسبما نقلت الصحيفة الأمريكية عن غاري سامور المنسق السابق للرقابة على الأسلحة في البيت الأبيض.
الصحيفة وفي تقريرها أشارت إلى أن هناك دوافع جديدة للرياض من أجل الضغط لأجل بناء مفاعلات نووية، على رأسها الاتفاق الموقع مع إيران الذي وقعته إدارة أوباما التي عرقلت المفاوضات مع المملكة، ورغم وصف ترامب له بأنه “أسوأ صفقة على الإطلاق” إلا أنه لم يجرؤ على إلغائه كما تعهد سابقًا.
بعض المحللين في البيت الأبيض، ذهبوا إلى أن صفقة إيران “جعلت من الصعوبة إلزام السعودية بقانون 123″، ومن ثم ليس أمام الأمريكان سوى التعاطي مع المطلب السعودي لدخول عصر الطاقة الذرية لكن وفق ضوابط وضمانات لا تتعارض مع سياسة مكافحة الانتشار النووي، بحسب كريستوفر فورد مساعد وزير الخارجية لشؤون الأمن الدولي.
تبقى موافقة واشنطن على هذه الخطوة أحد أبرز المعضلات التي ربما تواجه الرياض، ومن ثم فمن المتوقع أن يتصدر هذا الملف جدول أعمال ولي العهد محمد بن سلمان، خلال زيارته للولايات المتحدة، الشهر القادم
ترامب بين خيارين
خيار شائك باتت فيه إدارة ترامب مع اقتراب إعلان أسماء الشركات الفائزة في المناقصة الخاصة ببناء المفاعلين النوويين السعوديين، ما بين تعزيز الشركات الأمريكية بقيادة “ويستينغهاوس” إحدى الشركات المنافسة على الفوز بالصفقة، ومكافحة الانتشار النووي.
إن أرادت إدارة ترامب دعم الشركة الأمريكية في هذه الصفقة خاصة أن العائد المتوقع منها سيتجاوز المليارات التي من الممكن أن تنعش السوق الاقتصادي الأمريكي المحلي، فضلاً عما تعانيه الشركة من أزمات مادية بعد إفلاسها مؤخرًا نتيجة فقدانها حصتها في بناء عدد من المفاعلات النووية في أمريكا ما كبدها مليارات الدولارات خسائر، فإن ذلك يتطلب التخلي عن بعض الضوابط التي تقيد الانتشار النووي، الأمر الذي من شأنه أن يزيد التهديدات الأمنية ويشجع الدول في الشرق الأوسط على اتباع المسار نفسه.
ومن ثم فإنه في حال توصل السعوديون إلى الاتفاق من دون وجود أي قيود سيشكل الأمر سابقة خطيرة في المنطقة وتحولاً لافتًا في السياسة النووية الأمريكية القائمة منذ 50 عامًا، حسبما نقلت “واشنطن بوست” عن جون وولفستول المستشار في مجال الأسلحة النووية الذي عمل مساعدًا خاصًا للرئيس السابق باراك أوباما لشؤون الحد من التسلح ومنع الانتشار النووي.
هل ينجح كوشنر في تمرير الصفقة وفق الشروط الأمريكية؟
البعض يرى في هذه القضية اختبارًا جديدًا لبراعة ترامب التفاوضية، فقد زار صهره جاريد كوشنر ووزير الطاقة ريكي بيري الرياض عدة مرات، للتقرب من ولي العهد السعودي والفوز بصفقات مربحة للشركات الأمريكية، ومن ثم في حال حصول الشركة الأمريكية على هذا العرض فإن هذا سيعد نجاحًا جديدًا.
ويبدو أن كوشنر قد أعد العدة جيدًا في انتظار الزيارة المرتقبة لمحمد بن سلمان إلى واشنطن من أجل إنهاء الصفقة لصالح “وستينغهاوس” علمًا بأنه إن لم يتم التوصل إلى اتفاق دبلوماسي بين الطرفين، فإن الشركة الأمريكية ربما تتعرض للاستبعاد من المناقصة تمامًا لحساب شركات أخرى، روسية وصينية، وهو ما حذر منه البعض.
روبرت إينورن الباحث في معهد بروكينغز والمستشار السابق لشؤون حظر الانتشار النووي وحيازة الأسلحة في وزارة الخارجية الأمريكية قال في تصريحات له إنه يفضل الصناعة النووية الأمريكية في السعودية على الروسية أو الصينية لذلك سيكون من المفيد الاتفاق مع السعوديين مجددًا، مشيرًا إلى أنه يجب على واشنطن محاولة الحصول على أفضل القيود على عملية التخصيب وإعادة معالجة النفايات النووية بما في ذلك حظر القيام بذلك لمدة تتراوح بين 20 و25 عامًا.
وكانت خمس شركات عالمية بمن فيهم الشركة الأمريكية قدمت عروضها إلى المسؤولين السعوديين في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ورغم ميل الرياض للشريك الأمريكي في ظل العلاقات القوية التي تربط بين البلدين في الآونة الأخيرة، فإن شركات أخرى ربما يكون لها نصيب في الصفقة حال الفشل في التوصل إلى اتفاق مع واشنطن وهو ما يسعى ابن سلمان لتجنبه خلال زيارته الأخيرة خوفًا من تكرار ما حدث مع إدارة أوباما قبل ذلك.