صورة تعبيرية- الشبكة السورية لحقوق الإنسان

وافق أمس إحياء العالم لليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري، بعد إقرار الأمم المتحدة 30 أغسطس من كل عام يومًا دوليًا للتضامن مع ضحايا الاختفاء القسري وذلك اعتبارًا من العام 2011، يُعتبر هذا اليوم فرصة لتسليط الضوء على عمل المؤسسات الحقوقية والإغاثية في مكافحة هذه الظاهرة، وزيادة الوعي العام والدعوة إلى التبرعات والمتطوعين في مجالات تعزيز حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية.

مر هذا اليوم بشكلٍ مختلف في مصر، حيث استمر النظام المصري في ممارسة مهمة اختطاف المواطنين المعارضين وإخفائهم قسريًا، حتى بات هذا الأمر استراتيجية لبث الرعب بين أفراد المجتمع وليس المعارضين للسلطات فحسب، وذلك لإرهاب المواطنين بشكلٍ أو بآخر لينصاعوا لأوامر السلطات مهما بلغت ديكتاتوريتها، خاصةً وأن المختفين قسريًا يتعرضون لأشكال مهولة من التعذيب قد تودي في النهاية إلى القتل كما حدث لعشرات الأشخاص مؤخرًا.

 القانون الدولي اعتمد مفهوم لظاهرة الاختفاء القسري على أنه عملية الاعتقال أو الاحتجاز التي تقوم بها السلطات أو من ينوب عنها مع إصرارها على رفض الإقرار بحدوث عمليات الاعتقال تلك أو التعمد في إخفاء مصير المختفين وأماكن اعتقالهم مما يجعلهم خارج نطاق الحماية التي يوفرها القانون.

شمل مضمون هذا التعريف نفس ما خرجت به الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وتضمنت تلك الاتفاقية 45 مادة تحدثت بعضها على منع حالات الاختفاء القسري ومكافحة إفلات مرتكبي جريمة الاختفاء القسري من العقاب، وأخرى وضعت في الاعتبار حق كل شخص في عدم التعرض لاختفاء قسري، وحق الضحايا في العدالة والتعويض، وغيرها اعتبرت الظاهرة جريمة ضد الإنسانية.

صدقت الاتفاقية الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر من العام 2006،  ووقعت عليها حينها 57 دولة، ليرتفع بعد ذلك عدد الدول الموقعة ليصل إلى 92، وبالطبع لم تشمل تلك الدول الموقعة مصر، فالدولة المصرية ترفض التوقع على تلك الاتفاقية منذ صدورها وحتى آخر نداءات مؤسس رابطة الاختطاف الاختفاء القسري إبرام لويس في 30 أغسطس من العام الماضي، وظلت مصر متخذةً موقفًا سلبيًا من تلك الاتفاقية لوقتنا هذا.

ربما هذا الإصرار من مصر على عدم التوقيع على الاتفاقية يعكس ممارسات السلطة الحالية بحق المعارضين، فتشير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات إلى أن هذا العام منذ مطلعه وحتى الشهر المنصرم، شهد نحو 1250 حالة اختفاء قسري زادت في مايو بما يقرب من 400 حالة، وحاز شهر يونيو المرتبة الثانية في عدد المختفين الذين قُدر عددهم بنحو 278 حالة، تلاه إبريل ثم مارس وأغسطس، بعده يوليو ثم فبراير وأخيرًا يناير على الترتيب.

 أشارت التنسيقية إلى أن 228 حالة  لم يتم إجلاء مصيرها ومازالوا ضحايا لهذا الإخفاء المتعمد من قبل الدولة المصرية، فلم يتم التعرف إلى الآن عن مصير هؤلاء الضحايا، أكان احتجاز في أحد السجون دون إثبات ذلك بأوراق النيابات أو معرفة الأهل، أم كان مجرد اختطاف للإرهاب والتخويف تخلله التعذيب والتحقيق القاسي للحصول على معلومات عن معارضين آخرين، أم كان قتل كما كان مصير الطالب إسلام عطيتو والصحفي علاء أحمد سليم، وطلاب المنصورة الثلاثة صهيب عبدالكريم وجهاد أحمد ومحمد حمدالله الذين قتلوا بعد فترات زمنية متفاوتة على اعتقالهم وإخفائهم قسريًا.

رغم استمرار السلطات في مصر في استخدام هذا النوع من القمع ورفضها المستمر للتوقيع على الاتفاقية المخصصة لشأن المختفين قسريًا على وجه الخصوصية، إلا أن هناك اتفاقيات دولية أخرى شهدت قبول وتوقيع مصر سابقًا تحدثت في تجريم هذا الصدد، حيث شهد العام 1982 توقيع مصر على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي نص في عددٍ من بنوده على حفظ  كرامة وحرية المواطن وتجريم القبض عليه دون سند قانوني.

كما أن قانون الإجراءات الجنائية نص في المواد 40، 42، 43  على عدم جواز القبض على إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطات المختصة، وكذلك عدم جواز حبس مواطن إلا في السجون التي تكلف النيابات بمراقبتها والإشراف عليها، وأشارت كذلك  إلى وجوب المعاملة الكريمة للمواطنين وهو عكس ما يتم للمختطفين قسريًا، هذا بالإضافة إلى أن المادة 280 من قانون العقوبات اشترط معاقبة المخالف لشروط القبض على المواطن، وأوجبت مواد أخرى ضرورة التزام الدولة بتوفير حرية وأمن وكرامة المواطن كالمادة 54 من الدستور المصري.

أمر تخليد وإحياء هذا اليوم كان في بعض دول العالم بشكل مختلف، وهو بزيادة القمع، إذ لم تقتصر الحالة  على مصر فقط، فعدد من الدول العربية تنامت فيها الظاهرة بشكل كبير في الفترة الماضية، منها سوريا التي وثقت منظمة العفو الدولية فيها اختفاء نحو 85 ألف شخص طوال الأربع سنوات الماضية، وهنا يجدر الإشارة إلى أن الإحصاءات الخاصة بمصر أو سوريا وغيرها لا تعتبر شديدة الدقة بسبب الوضع الأمني المتأزم في تلك الدول التي تقيد أي نشاط حقوقي داخلها من خلال التضيق على عمل المنظمات الحقوقية.

كذلك الأمر لم يختلف كثيرًا في دولة الإمارات العربية المتحدة التي اتهمتها تقارير حقوقية صدرت في هذا اليوم باستعمال أجهزة الأمن في تنفيذ عمليات الاختفاء القسري بصفوف المعارضين والمصلحين والناشطين في مجال حقوق الإنسان وحتى المحامين الذين يدافعون عن ضحايا آخرين.

حيث أكدت التقارير الحقوقية أنه يقبع على الأقل في الإمارات 180 شخص خلف القضبان بما في ذلك 37 إماراتيا اختفوا قسريًا و14 مصريًا و5 ليبيين، هذه الحالات كان آخرها اختفاء الدكتور ناصر بن غيث وهو اقتصادي معروف وأكاديمي عمل في الجيش الإماراتي، بعد اعتقاله في 18 من أغسطس الماضي من مقر عمله في أبو ظبي. وفتشت قوات الأمن منزله بعد ذلك ومن ثم اصطحبته إلى مكان مجهول حتى اللحظة.

في حين استغلت الجمعيات الحقوقية ونشطاء حقوق الانسان هذا اليوم لمطالبة الإمارات بالمصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري والاعتراف بصلاحيات اللجنة المعينة بالاختفاء القسري، كما طالبوا الإمارات بالمصادقة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعدم استعمال الاختفاء القسري لمعاقبة المعارضين، إلى جانب التحقيق في حالات الاختفاء القسري وتوفير معلومات للعائلات عن مكان وجود الضحايا، واحترام الالتزامات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحرية التعبير، وفتح تحقيق مستقل وعادل في حالات التعذيب وسوء المعاملة التي صارت أثناء الاختفاء القسري ومحاكمة كل متورط، مع التكفل بإعطاء تعويضات لضحايا الاختفاء القسري.

نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في مصر تفاعلوا مع ذكرى هذا اليوم  بنشر المعلومات الخاصة عن حالات الاختفاء القسري في مصر، أو الحديث عما يلقاه المختطفون خلال فترات إخفائهم، أو نقل بعض الشواهد والإحصاءات عن تنامي الظاهرة، وذلك عبر مشاركتهم في هاشتاج يحمل اسم  " #اوقفوا_الاختفاء_لقسري".

كما نشر عدد من المدونين معلومات عن فتيات ونساء أيضًا تعرضوا للاختفاء القسري.

الصحفيون أيضًا تعرضوا لظاهرة الاختفاء القسري، بعضهم يقتل بسبب مهنته مثل الصحفي علاء سليم، وآخرين مازالوا مجهولي المصير كالصحفي مصعب حامد.

وتحدث مدون آخر عن أن الاختفاء القسري يعد أقسى من القتل والاعتقال، فهو مصير مجهول لصحابه.

كما شارك المحامي منتصر الزيات في الهاشتاج أيضًا، ناشرًا تفاصيل إخفاء قسري تعرض لها زملاء مهنته، حيث لم تشفع لهم مهنة المحاماة من أن ينالوا نفس المصير المجهول.