وافق كاتب سيناريو حائز على جائزة الأوسكار على العمل على فيلم يعرض السيرة الذاتية للشاعر الإسلامي في القرن الـ13، مولانا جلال الدين الرومي، وفقًا لما أوردته صحيفة الغارديان في تقرير لها تحت عنوان “فيلم الرومي يتحدى الصورة النمطية للمسلمين”.
ونقلت الغارديان في تحقيق أجراه مراسل الصحيفة في الشرق الأوسط، كريم شاهين، بأن الكاتب ديفيد فرانزوني، كاتب سيناريو الفيلم المذهل “المصارع” أو (Gladiator) الذي صدر عام 2000 وحصد 5 جوائز أوسكار بما فيها جائزة أفضل فيلم، قد اتفق مع المنتج ستيفن جويل براون على إنتاج فيلم حول سيرة مولانا جلال الدين الرومي، يسعى لتحدي الصورة النمطية للشخصيات الإسلامية في السينما الغربية من خلال رسم حياة المفكر الصوفي بصورة لا تقليدية.
“الرومي لا يختلف عن شكسبير” قال فرانزوني في لصحيفة الغارديان، وأضاف: “إنه شخصية تمتعت بموهبة فذة، وتلقى إعجاب مجتمعه وشعبه، ومازال صداه يتردد بشكل واضح حتى اليوم، إن أشخاصًا كهؤلاء هم جديرون دائمًا بالاستكشاف والتعمق”.
يأمل منتجو الفيلم أن يبدأ التصوير في العام المقبل، حيث أشارت فرانزوني وبراون بأنهما زارا إسطنبول الأسبوع الماضي للاجتماع مع الخبراء في سيرة مولانا جلال الدين الرومي، كما زارا ضريحه الصوفي في مدينة قونية التركية.
“إنه مشروع مثير للغاية، ويحمل في طياته التحدي أيضًا”، قال فرانزوني، واستطرد: “في الوقت الراهن، يوجد الكثير من الأسباب التي تدفعنا لاتخاذ قرارا بإنتاج فيلم عن الرومي، فأنا أرى بأن عالَم الرومي يجب أن يتم الكشف عنه أمام الجميع، خاصة وأنه يحظى بشعبية مذهلة في الولايات المتحدة، وهذا ما حذا بنا للتفكير بإعطائه وجهًا وقصة”.
يُعتبر كتابا الرومي الصوفيان والملحميان، المثنوي وديوان، من بين أفضل أنواع الشعر المكتوب في العالم بأسره على نطاق واسع، حيث تمت ترجمة أعمال الرومي إلى العديد من اللغات، ويجدر بالذكر هنا بأن المعلم الصوفي، فرّ في شبابه من مسقط رأسه الذي يقع في الوقت الحاضر في أفغانستان في خضم الغزو المغولي، حيث سافر عبر بغداد ومكة ودمشق مع عائلته كلاجئ قبل أن يستقر في قونية، التي تقع حاليًا في تركيا الحديثة، حيث توفي جرّاء الشيخوخة.
صبي أفغاني يقفز ضمن أنقاض المنزل الذي كان يعيش ضمنه الشاعر الفارسي مولانا جلال الدين الرومي في القرن الـ13.
في هذا النطاق، يعد لقاء الرومي مع الشخصية الصوفية المبهمة لشمس الدين التبريزي، وهو اللقاء الذي يُعتقد بأنه جرى بحدود عام 1244، قد غيّر مجرى حياة الرومي؛ فبعد الاختفاء الغامض للتبريزي، كتب الرومي، الذي أفجعه غيابه، شعرًا في غاية الحميمية والأسى، وهي المقاطع الشعرية التي أضحت معروفة على نطاق واسع في الغرب، حيث تم ترجمتها ضمن كتيبات جيب صغيرة، جعلت من الرومي شاعرًا ذائع الصيت في الولايات المتحدة على وجه الخصوص.
تنقل الغارديان عن الكاتب والمنتج رغبتهما بأن يؤدي الممثل الحائز حديثًا على جائزة الأوسكار، ليوناردو دي كابريو، دور مولانا الرومي، في حين يتم إسناد دور التبريزي لنجم سلسلة أفلام الرجل الحديدي (Iron man) روبرت داوني جونيور، على الرغم من اعترافهما بأنه من السابق لأوانه البدء في تحديد الشخصيات، ولكنهما أعربا عن رغبتهما بتأدية الأدوار من ممثلين بهذا المستوى.
روبرت داوني جونيور (يمين) وليوناردو ديكابريو (يسار).
يكمن التحدي الرئيسي في إنتاج الفيلم في محاولة بناء الشخصيات بصورة صادقة ومحددة، حيث تخضع سيرة الرومي والتبريزي لمجموعة هائلة من الأساطير قد يصعب تقفي حقيقتها، حتى أن الحقائق الأساسية من حياتهما ما زالت موضع نزاع ما بين الخبراء، حيث تميل الشخصيات الإسلامية الموقرة لتصبح أقرب إلى القداسة ضمن الخطاب الشعبي بدلًا من اعتبارهم بشرًا خطّائين؛ مما يعني المبالغة بإنجازاتهم والتغطية على عيوبهم خلال تأريخ أو سرد سيرة حياتهم.
في هذا السياق يقول فرانزوني لصحيفة الغارديان: “نحن نحاول الابتكار وإحياء الشخصية في ذات الوقت، لأن الكثير من ملامحها ضاعت في غياهب التاريخ، كما تم رسم صورة مثالية في كثير من الأحيان للرومي، ومن هذا المنطلق، علينا أن نعود لنبحث عن الرومي الإنسان الذي تحوّل لقديس، فنحن لا يمكننا الكتابة عن قديس”.
بالمثل، تبدو شخصية شمس الدين التبريزي عصية على التصوير أيضًا؛ فعلى الرغم من أن القائمين على إنتاج الفيلم لا ينظرون إليه باعتباره شخصًا فاسدًا، إلا أنه يقرّون بتأثيره الفوضوي الذي صرف الرومي عن تعاليمه وأسرته، وهذا الغموض الذي يكتنف العلاقة، قد يعطي للكاتب والمنتجين مساحة فنية أكبر للإبداع، حيث يأملون أن تعمل التعقيدات والصراع الفكري الذي شهدته علاقة الرومي مع التبرزي على صياغة حبكة مقنعة وآسرة، “غالبية عظمة الرومي تتأتى من عدم القدرة على التنبؤ بحياته والتحديات التي واجهها”، يقول فرانزوني.
الرقص الصوفي الإلتفافي المعروف بالطريقة المولوية، المدرسة التي أسسها جلال الدين الرومي.
بالإضافة إلى عرض دقائق العلاقة ما بين الرومي والتبريزي، يشير فرانزوني بأن الفيلم ربما سيشمل مقدمة تُظهر رحلة الرومي من مسقط رأسه في أفغانستان، حيث كان الوضع آنذاك يحمل الكثير من التشابه مع العصر الحديث؛ فالغزوات المغولية تحمل بعض مظاهر هياج المتطرفين في الشرق الأوسط اليوم، كما تحمل الرحلة التي سلكها الرومي من مسقط رأسه وحتى قونية شبهًا بمعاناة المدنيين اليوم.
سيركز الفيلم أيضًا على تعاليم الرومي الدينية، ولقائه مع التبريزي، كما سيعطي الأولوية لكيميا، ابنة الشاعر المشهورة التي يعتقد بعض العلماء بأنها تزوجت من التبريزي.
يشير فرانزوني وبراون أخيرًا بأن السبب الرئيسي الذي يحذوهما لصناعة الفيلم هو عرض قصة حياة مولانا جلال الدين الرومي على جيل الألفية الذي أحب شعره، حيث أعرب فرانزوني عن أمله في أن يكون الجمهور قادرًا على التعرف على الشاعر، “ما يثير الإعجاب هو من أين جاء كل هذا؟ إننا في القرن الـ21، نعيش ضمنه ونعتنقه، ولكن إذا ما أعدنا البحث بشكل دقيق، يمكننا أن نقدم للجمهور النواة التي جاء منها ذاك الشاعر الذي أحبوه”، يقول فرانزوني.