“طفلي يكذب”، “طفلي عدواني”، “طفلتي خجولة بشكل مرضي”، “طفلي لا يثق بنفسه أمام الناس”، “طفلتي لا تستطيع التحدث بشكل مناسب”، كل هذه العبارات السلبية وأكثر من قبل الآباء تجاه سلوكيات أطفالهم غير المبررة في كثير من الأحيان بالنسبة إليهم، ربما لا تعبر عن شيء إلا أن سلوك الطفل في هذا العمر لا ينم عن أي تصور إيجابي عن سلوكه في المستقبل القريب، وهذا ما يستمر أغلب الآباء على تكراره، والتذمر بسببه، بدون مواجهة الأمر بشكل عملي، وأكثر احترافية في حل المشاكل الخاصة بسلوكيات أبنائهم، ليميلوا إلى أن الطفل هو الطرف الملام في المعادلة دومًا، ولا يميلوا إلى اتهام أنفسهم بكونهم السبب وراء ما يتحول إليه الطفل فيما بعد.
“الأب غير الحنون هو أب مذنب”، تتكرر هذه الجملة في كثير من أساليب ونظم تربية الأطفال، وعلى لسان الكثير من خبراء التربية في مراحل مبكرة من الطفولة، فالميكانيكية التي يعمل بها عقل الطفل، أكثر سرعة ودقة من الميكانيكية التي تعمل بها عقولنا، ولهذا يستطيع الطفل تخزين كمية كبيرة من المعلومات والذكريات التي يتلقاها ويعيشها مع آبائه، وكذلك يمكنه تحليل عبارتهم الموجهة إليه منهم، ويبني عليها طريقة تعامله معهم فيما بعد.
“اذهب من هنا، ودعني وحيدًا، ليس لدي وقت متاح لك الآن”
هي جملة يصرخ بها أغلب الآباء في وجوه أطفالهم أحيانًا بحدة غير مبررة وأحيانًا بسرعة بدون أن يعيروا أطفالهم أي انتباه، وهي الجملة التي يترجمها الطفل في عقله بالشكل التالي: إن التحدث إلى الأب أو الأم أمر لا داعٍ له، وأنه سيقوم بتقليل التحدث إليهم في المستقبل، وهو ما يدفعهم إلى محاولة إخفاء العديد من قصصهم أو أخبارهم أو خططهم عن والديهم فيما بعد في المستقبل، لأنهم لا يشعرون بكون إخبارهم بمعلومات عنهم ذات أهمية كبرى في حياتهم، وهذا يقودنا للسؤال التالي: ما الذي يفعله الآباء يمكنه أن يشكل حياة الأبناء فيما بعد؟
جذور الكذب تعود إلى الآباء أنفسهم
إذا وجدت ابنك يكذب كثيرًا، لا بد أن تبحث عما دفعه لذلك من الأساس، لا يولد الطفل كاذبًا بالفطرة، بل يتعلمه، وهناك أسباب تدفعه لذلك، ربما يكون أكثر الأسباب التي تدفع الطفل للكذب هو تهويل آبائه للخطأ الذي ارتكبه، فإذا ارتكب الابن أو الابنة ذنبًا أغضب الوالدين، يقوم أحدهما بالمبالغة في رد الفعل تجاه هذا الخطأ، إما بالصراخ، أو الضرب أو الصفع على الوجه، أو العقاب الشديد، أو التشهير بذلك الخطأ أمام الناس، وهو الأسلوب الذي يعتاد بعض الآباء على اتباعه ظنًا منهم أن الابن سيمتنع عما يرتكبه خوفًا أن يتم التشهير به أمام العامة أو الأصدقاء، لذا يبدأ الطفل في التفكير في مخرج ينقذه من كل ردود الأفعال القاسية السابقة، وأسهل ما يمكنه فعله، أن يكذب، ليتجنب بذلك رد الفعل القاسي الذي ينتظره إذا ما قام بقول الحقيقة، التي يربطها في عقله الآن برد فعل عقابي أو هجومي من قبل آبائه، وبالتالي يتحول الكذب إلى عادة تريح الطفل، وتخرجه مرضيًا من المواجهات الصعبة بينه وبين والديه، ليتحول فيما بعد إلى أسلوب يتبعه في حياته بشكل عام.
المبالغة في اللوم بدلًا من التشجيع
الضعف في الثقة بالنفس من أكثر الأشياء التي يتذمر منها الآباء، يعتبرها بعض الآباء خجلاً من الطفل لمواجهة المجتمع، ويقومون بتأجيل مواجهة هذه المشكلة الخطيرة حتى يبلغ الطفل، وكأن الثقة بالنفس أمر يتعلمه الفرد تلقائيًا بعد أن ينضج، إلا أنها من أكثر الأمور الجذرية التي تشكل شخصية الطفل فيما بعد، وتحدد طريقة تعامله مع البشر ربما لبقية حياته.
المبالغة في لوم الطفل بسبب فشله من أكثر مهدمات ثقة الطفل بنفسه ومحاولته تكوين شخصية خاصة به، فهناك بعض الآباء من يرتعبون من فكرة الفشل، ولا يحبذون لأطفالهم أن يتعلموا من فشلهم، لذا يقومون بالمبالغة في رد الفعل تجاه الفشل، ويلومون الطفل باستمرار، مثل قولهم لقد فشلت بسبب كونك كسلانًا، بسبب كونك قبيحًا، بسبب كونك غبيًا، ربما تمر تلك الكلمات مرور الكلام من ألسنة الآباء، إلا أنها لا تمر مرور الكرام أبدًا على آذان الأطفال، ويأخذونها في الاعتبار، وربما يقومون بتذكرها واستعادتها لذاكرتهم طوال حياتهم، فحتى لو هزم الطفل، وأصبح من أكثر الأفراد الناجحة في المجتمع فيما بعد، لن ينسى في صغره كيف كان يزرع والديه فكرة أنه إنسان فاشل طوال مرحلة طفولته.
“أشتري كل شيء لطفلي، ولكنه مازال يريد ما في يد غيره”
يظن الكثير من الآباء أن إغراق أطفالهم بالهدايا الثمينة منها والرخيصة، والمأكولات اللذيذة والألعاب، سيجعلهم راضين عن أنفسهم، ولكن تظهر مشكلة غير مفهومة هنا، عندما يبدأ الطفل في الرغبة في الحصول على ما في يد غيره من الأطفال، حينها يجن جنون الآباء على أطفالهم، ويبدأون في حرمانهم مما كانوا يجلبونه إليهم في البداية كطريقة للعقاب، إلا أن المشكلة الأصلية لا تكمن في شعورهم بعدم الرضا والاكتفاء، بل تكمن في عدم سماح الآباء لهم باختيار ما يتم شراؤه إليهم، وهو ما يحرمهم من حرية الاختيار وتقرير ما يحبون أن يأكلوه أو يلبسوه أو يلعبوا به، لذا يميلون إلى الرغبة فيما يمتلكه الآخرون، لأنه هو ما وقع عليه اختيارهم في الأساس.
المقارنة بالآخرين
ربما يشتكي البعض من أن طفله غيور للغاية، أو حقود على الآخرين من الأطفال، أو حتى إخوته، ربما يعود سبب ذلك إلى المقارنة المستمرة بغيره من الأطفال، أو بأخيه أو أخته الذان يكبرانه في العمر، فهذا يجعله يشعر بالنقص المستمر، وأنه في حالة تحدٍ لإثبات شخصيته المستقلة على الساحة، ليشعر في النهاية بأنه في حالة منافسة مع جميع من حوله، وهو من الممكن أن يجعل الطفل سريع الغضب والعدوانية تجاه من حوله، ليس لأنه يكرههم، ولكنهم يمثلون له سببًا كافيًا لمعاناته في المنافسة الدائمة بينه وبينهم، ولأنه لا يتم تشجيعه بالقدر الكافي، بدلًا من التقليل من قدره بشكل مستمر.
ربما لا يتفق البعض مع القول الذي يشير إلى أن الابن مرآة لما يفعله أبواه تجاهه، وهو ما يحمل العديد من الحالات الاسثنائية من جحود الأبناء وعقوقهم، ومعاملتهم غير العادلة لأهلهم، إلا أن هذا لا يعني إغفال الآباء الخطير بأنهم المتحكم الأول والأخير في تشكيل شخصية الطفل في سن مبكرة من طفولته، وهو ما يغفله الكثير منهم بردود أفعالهم الهجومية أو الحادة وأحيانًا العنيفة والاستغلالية لأطفالهم، وهو ما يجعل شكواهم المستمرة من أطفالهم عند بلوغهم غير منطقية، بل غير عادلة أبدًا أمام أبنائهم، لأنهم ربما كانوا السبب الأساسي فيما يتحول إليه أبناؤهم فيما بعد.