الجميع يستغرب استضافة أحمد موسى في برنامجه اليومي “على مسؤوليتي” لمنفذ أحكام الإعدام في مصر الشهير بعشماوي، وكيف لمثل هؤلاء أن يكونوا ضيوفًا على شاشة التليفزيون أو أن تكون هناك مناظرة تذاع لمثل إسلام البحيري وسعد الدين الهلالي.
لقد سقط الإعلام المصري في كل امتحانات المهنية وكل اختبارات المصداقية الإعلامية وشوه إعلاميو مصر الجدد تاريخًا من الإنجازات والريادة لمصر أم الحضارات.
مصر صاحبة الأسبقية العربية في المجال الإعلامي وصاحبة التاريخ ومنجبة رواد وأساتذة المجال الإعلامي في عالمنا العربي الذين طالما تغنى الجميع بأسمائهم ولا تكاد تخلو محطة عربية من صحفي أو ناقد أو أستاذ مصري، يعلم الجميع كيف تصبح صحفيًا عربيًا ويصبح لك اسم، تشاء الأقدار اليوم أن تقلب كل المحطات الفضائية المصرية فلا تجد إلا حماقات أحمد موسى وهفوات تامر أمين وطول لسان عمرو أديب وزوجته لميس الحديدي، أما البقية فلكل طريقته ونكهته وكل لسمعة مصر يشوه.
لميس الحديدي تُضرب من قبل مصريين غاضبين بعد حادث تفجير الكنيسة الكاتدرائية
مصر التي كانت أول دولة عربية تمتلك قمرًا صناعيًا هو نايل سات تسمح لثلة من الإعلاميين بتشويه تاريخها وتزييف دورها وإبعادها عن محيطها العربي والإفريقي والإسلامي.
الإعلام المصري وإن كان مغلوبًا على أمره ولا يمتلك قراره بيده والجميع يعلم أن من يديره هو الشاويش والضابط العسكري، إلا أنه كل يوم عن يوم يزداد حماقة وكذبًا وتزييفًا للحقائق وتلاعبًا بعقول الناس الذين قد ملوه جميعًا، ولعل ما حدث من اعتداء على الإعلاميين أحمد موسى ولميس الحديدي وريهام سعيد بعد حادث تفجير الكنيسة الكاتدرائية لهو أكبر رسالة دالة على مدى انزعاج الجميع وغضبهم من الإعلام المصري ورسالة أخرى أن الشعب المصري بريء من هذا الإعلام الذي شوه صورته وجعل من مصر الكبيرة والعريقة مثارًا للسخرية وتجاوز كل الحدود والأخلاق والأعراف.
ولعل أبرز الأحداث التي كشفت المسلك الذي أريد لإعلام مصر ما بعد الثورة المصرية 2011 أن يسلكه والدور الذي لعبه في إسقاط أول رئيس مدني منتخب في مصر محمد مرسي، هي تلك التسريبات التي كان بطلها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومدير مكتبه حين كان وزيرًا للدفاع عباس كامل.
ففي التسريب الأول ظهر السيسي يتحدث عن زرع أذرع إعلامية في كل مؤسسات الدولة لخدمة المؤسسة العسكرية، أما في التسريب الثاني فظهر مدير مكتبه عباس كامل يتحدث عن الإعلام المصري بطريقة لا تليق حين وصف بعض الإعلاميين المصريين “بالأولاد بتوعهم” وهو وصف في الحقيقة يجسد واقع إعلام مصر اليوم.
الإعلام في مصر بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013م تجاوز حدود العقل وجميع الممكنات في المجال الإعلامي، فمن التحريض على قتل المتظاهرين المؤيدين لمرسي في رابعة والنهضة وتشويه سمعتهم وتغييب وعي المصريين وصناعة الكراهية في المجتمع المصري، إلى الخرافات التي تفوه بها بعض المحسوبين على الإعلام في مصر، فمن اعتقال قائد الأسطول البحري الأمريكي الذي جاء ينقذ حكم الإخوان إلى اتهام الإخوان بأنهم السبب في سقوط الأندلس إلى جهاز الكفتة الذي يعالج الإيدز والسرطان إلى المجلس الأعلى للفضاء الذي يحكم العالم.
ولم تسلم الدول العربية الشقيقة ولا الإسلامية من سموم الإعلام المصري فقطر وتركيا كان لهما نصيب الأسد من نيران إعلاميي مصر ولم يسلم المغرب ولا موريتانيا ولا دول الخليج، أما الجزائر فله معها قصة، فقد كان الإعلام المصري يدق طبول الحرب معها من أجل مباراة كرة القدم ولا زال الجميع يتذكرها إلى يومنا هذا.
أما البرامج فقد ظهرت بعض البرامج في الإعلام المصري تتجاوز العرف والأخلاق وتخدش حياء المجتمع المصري المحافظ بطبعه ولعل من أشهرها برنامج “نفسنة” الذي تقدمه ممثلات مصريات ويناقش مواضيع حساسة لم يكن المصريون ليسمحوا لأحد بمناقشتها على الهواء لولا هذا الإعلام، وقد قامت الدنيا في مصر في يوم من الأيام حين دعت مقدمة البرنامج الممثلة انتصار الشباب المصري إلى مشاهدة الأفلام الإباحية، وأمثال هذه البرامج والدعوات كثيرة اليوم ولا تخلو منها جل برامج توك شو المسيطرة على الإعلام المصري اليوم.
إعلام مصر اليوم أصبح منبوذًا حتى من شعبه والرسائل القادمة من هناك واضحة للإعلاميين وهي “أنتم لا تمثلون إلا أنفسكم، تجاوزتم كل الخطوط الحمراء حتى شعبكم لم يسلم منكم”، ولعلنا هنا نستذكر انتخابات مايو 2014 التي جاءت بالسيسي حينها وقف جل الإعلاميين المصريين يشتمون الشعب المصري الذي رفض النزول إلى صناديق الاقتراع والتي اقتنع الجميع أنها محسومة للسيسي وأنها مجرد تمثيلية لتنصيب لا تخلو من شو إعلامي.
وفي الأخير يمكن القول إن الإعلام المصري يتبع سياسة قديمة لم تعد تجدي نفعًا هي سياسة اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس، وفيما يبدو من حال الإعلام في مصر اليوم أن تلك المهمة فشلت.
فإلى متى سيستمر مسلسل السقوط المدوي لإعلام مصر الكبيرة؟