ترجمة وتحرير نون بوست
عمدت السلطات الإيرانية، مؤخرا، إلى تكثيف الاعتقالات، والتشديد على ضعف وقع وتأثير هجمات 7 حزيران/يونيو، أولى العمليات الإرهابية التي تبناها تنظيم الدولة داخل هذا البلد، على استقرارها.
كثفت السلطات الإيرانية من عمليات مكافحة الإرهاب، منذ 7 من حزيران/ يونيو، عقب الهجماتالتي أودت بحياة 17 شخصا في طهران، والتي أعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عنها. وفي الأثناء، كانت عمليات تتبع الإرهابيين واسعة النطاق، كما شملت جميع أنحاء البلاد. في المقابل، استهدفت هذه العمليات على وجه الخصوص مناطق الحدود الشمالية الغربية مع العراق، مقر الأقلية السنية الكردية.
وفي هذا الصدد، كشفت مصادر أمنية مجهولة أن أربعة من منفذي هذه الهجمات (الذين بلغ عددهم الجملي خمسة مقاتلين، تم القضاء عليهم أثناء هذه العملية) ينتمون إلى الأكراد الإيرانيين. وقد تداولت الصحف الإيرانية اسم أحد الإرهابيين الذي يُدعى ساريس صادقي، قبل أن يتم حذف حسابه الخاص على موقع فيسبوك. وكان هذا المجند المزعوم، على علاقة بمقاتل تابع لتنظيم الدولة يتمركز في العراق أو في سوريا، فضلا عن طلاب متخصصين في علوم الدين يدرسون في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
من جهة أخرى، صرح المحامي صالح نيكبخت، لصالح صحيفة “شارغ” اليومية، أن بعض المنفذين للعمليتين الإرهابيتين المتزامنتان، كانوا قد هاجموا في السابق صالونات تجميل ومحلات ملابس نسائية، في محيط مدينتي باوه وجوانرود، اللتين تقعان في منطقة كرمنشاه الحدودية مع العراق. وأفاد نيكبخت أن هذا الأمر يُعد انتهاكا صريحا للأخلاق.
دوائر “وهابية”
ووفقا لوزير الاستخبارات، محمود علوي، انضم هؤلاء الإرهابيون إلى دوائر “الوهابية”، وهي تيار إسلامي سني متشدد معتمد في المملكة العربية السعودية، منذ فترة طويلة. وتجدر الإشارة إلى أنه وفي 13 من الشهر الجاري، اتهم الجنرال محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري الذي يُعتبر القوة الرئيسية المسلحة في البلاد، المملكة العربية السعودية بتوظيف تنظيم الدولة في حربها ضد إيران الشيعية. فضلا عن ذلك، أورد جعفري أن الرياض “طلبت من الإرهابيين تنفيذ عمليات” على الأراضي الإيرانية.
في سياق متصل، أكد محمود علوي أن عددا من المقاتلين الإيرانيين كانوا قد حاربوا في صفوف تنظيم الدولة في العراق وسوريا. وإثر ذلك، عادوا إلى البلاد في صيف سنة 2016، حتى يُشكلوا منظمة إرهابية يقودها شخص خطير ملقب “بأبي عائشة”. في الأثناء، راج في الصحافة خبر وفاة مسؤول يحمل الاسم ذاته، في منطقة جوانرود في إطار عملية أمنية لمكافحة الإرهاب. وأدى ذلك إلى تشتيت عناصر هذه المنظمة وهروبهم من رقابة القوات المختصة.
وفي الوقت الذي كثفت فيه سلسلة الاعتقالات التي لا تزال مستمرة إلى حد الآن، حرصت السلطات الإيرانية على تأكيد مدى ضعف وقع هجمات 7 حزيران/يونيو وعدم تأثيرها على البلاد. وفي هذا السياق، ذكرت السلطات الإيرانية أن المهاجمين الذين استهدفوا مقر البرلمان سرعان ما تاهوا في مكاتب البرلمانيين، في حين لم يتمكنوا من الوصول إلى دائرة الاجتماعات، حيث تعقد جلسات النواب. أما بالنسبة للهجوم الذي استهدف ضريح مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني، فقد قَتل الإرهابيون المحاصرون من قبل الشرطة، بستاني هناك، قبل أن يُقدم أحدهم على تفجير حزامه الناسف دون أن يُخلف ذلك أي ضحايا.
في طهران، كان الظهور الإعلامي لجهاز الأمن محدودا منذ يوم السبت. ويحاول العديد من سكان العاصمة تصديق أن ما حدث لم يكن إلا مأساة معزولة. في الوقت ذاته، يستبعد المواطنون وقوع هجمات جديدة خارج المناطق الحدودية ذات الأغلبية السنية.
خطر حقيقي ومتنام
من جهتهم، يعتقد معظم الخبراء أن التهديد الإرهابي في هذه الدولة حقيقي وفي تصاعد. ووفقا لتقديرات عادل باكاو، عالم الاجتماع في كلية الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية في باريس، انضم ما بين 350 و500 شخص من الأكراد الإيرانيين، علما وأن أغلبهم من الفقراء وغير المتعلمين، إلى صفوف أتباع تنظيم الدولة في العراق وسوريا.
في الأثناء، وفي ظل تقلص مجال “خلافة” تنظيم الدولة، بادر بعض هؤلاء الجهاديين بالعودة إلى ديارهم. وفي هذا الإطار، صرح عادل باكاو أنه “ونظرا لتدمير معاقل التنظيم في الموصل والرقة، أصبحت إيران هدفا رئيسيا للجهاديين. وبالتالي، من المتوقع أن تُنفذ هجمات جديدة في المدن الإيرانية الكبرى، وكردستان العراق، أين ما فتئت تتعدد وتتزايد العمليات الإرهابية”.
منذ سيطرة عناصر تنظيم الدولة على الموصل، في حزيران/يونيو 2014، دأبت الأجهزة الأمنية الإيرانية على الإعلان عن نجاحها في إحباط “مؤامرات” إرهابية، كل أسبوع تقريبا. وقد استغلت الأجهزة الأمنية الوضع لتشديد الرقابة على الأقلية السنية المحرومة والمضطهدة (التي تُمثل حوالي 15 بالمائة من العدد الجملي للسكان) داخل بلد يعتبر التشيع دينا رسميا للدولة.
والجدير بالذكر أن السلطة الإيرانية اتخذت، في وقت سابق، إجراءات تصب في صالح هذه الأقلية. وقد عزز ذلك ظهور مذهب سني مؤسساتي وسياسي، ساهم في ارتفاع نسبة تصويت الأكراد والبلوش وسكان المنطقة الحدودية مع أفغانستان، لفائدة القائد المعتدل، حسن روحاني، في الانتخابات الرئاسية التي جدت في 19 من أيار/مايو.
أما بالنسبة لكردستان فالوضع مخالف تماما لما يحدث في إيران. وفي هذا الصدد، أفاد الباحث إتيان ديلاتور أن “رفض بعض الأئمة الإقليميين إعلان ولاء كردستان للخميني في الثمانينات ظل بمثابة ذكرى مريرة بالنسبة لطهران”. في الوقت ذاته، أصبح نفوذ الشبكات الجهادية، على غرار حزب الاتحاد الاسلامي الكردستاني ممثل جماعة الإخوان المسلمين المحلي، الذي تم الترخيص لنشاطاته سنة 2002، محدودا، خاصة مع انتشار صدى التيار السلفي، الذي يعمل دعاة أجانب على نشلره عبر الإنترنت.
حدود سهلة الاختراق مع العراق
على إثر الهجمات الإرهابية الأخيرة، تداولت منصات التواصل الاجتماعي منشورات تتهم السلطات الإيرانية بغض الطرف عن تنامي نفوذ القوى الكردية. وفي هذا السياق، بيًن عضو البرلمان الكردي السابق، جلال جلاليزاده، أن “أنشطة الأكراد كانت سلمية في البداية، وتقتصر على الخطب في المساجد. لهذا السبب، لم يُعارض أحد وجودهم أو أعمالهم حينها”. وقد حذر جلاليزاده، في الوقت ذاته، من تداعيات الحملات القمعية وسلسلة الإيقاف العشوائية التي تستهدف هذه الأقليات السلفية.
من جانب آخر، يعزى عدم استقرار الوضع في كردستان إيران إلى سهولة اختراق حدوده مع العراق. والجدير بالذكر أن الجمهورية الإسلامية قد أقدمت خلال الثمانينات على إبرام اتفاقيات مع الأكراد الإسلاميين العراقيين، الذين قاتلوا ضد صدام حسين. وفي الفترة الممتدة بين سنة 2001 و2003، التحق مقاتلون إيرانيون ببلدة بيارا العراقية الحدودية. وفي هذا الصدد، أقر عادل باكوان بأن “تنقل الإرهابيين الإيرانيين إلى العراق ظل أمرا سهلا نسبيا إلى حدود شهر حزيران/يونيو، إبان سيطرة قوات تنظيم الدولة على الموصل، الأمر الذي هدد كردستان العراق والحدود الإيرانية بطريقة مباشرة ومفاجئة”.
منذ ذلك الحين، عملت إيران بشكل مكثف مع أجهزة محافظة كردستان العراق، التي تتمتع بحكم شبه ذاتي للتصدي للإرهابيين. ويوم السبت الماضي، صرح وزير الاستخبارات الإيرانية، محمود علوي أن “الدماغ المدبر” لهجمات طهران قد فر من البلاد وتم القضاء عليه في الخارج، في إطار عملية أمنية نُظمت “بمساعدة خدمات استخباراتية أجنبية وصديقة”، دون الإدلاء بأي تفاصيل بخصوص ذلك.
المصدر: لوموند